Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموسيقى أداة لتخفيف أوجاع الأطفال في مستشفيات المغرب

ساعة من الزمن قد تكون كافية لإلهاء أطفال صغار عن الآلام

ملخص

حصتان خلال الأسبوع، يجد خلالهما الأطفال الذين يتابعون بروتوكولاتهم العلاجية بالمستشفى، مجالاً لمعانقة عالم الموسيقى وتعلمها وممارستها

ما إن ولجت آسية قاعة الموسيقى حتى قوبلت بالترحاب، أخذت مكانها على آلة البيانو، فيما تقف معلمتها الشابة إلى جانبها تدقق معها الحروف الموسيقية وتتتبع معها النقرات على المفاتيح.

قبل سنوات قليلة فقط، كانت آسية البالغة 11 سنة من عمرها، تعاني الصمم والبكم قبل أن تجري عملية زرع القوقعة بمستشفى الأطفال التابع للمركز الاستشفائي الجامعي "ابن سينا" في الرباط المغرب، وتتابع حصصاً طويلة من الترويض على أيدي اختصاصيي التخاطب والنطق.

رحلة اكتشافها للأصوات من حولها وتدربها على الكلام، جعلتها تكتشف عالم الموسيقى والغناء وتعشق البيانو على وجه الخصوص، لتغدو من أفضل تلامذة مؤسسة "عبدالرحمان فنيش" التي عملت على تأسيس وتجهيز قاعات موسيقية بمواصفات دقيقة وخاصة، داخل مستشفيات مدينة الرباط ومدينة طنجة (أقصى الشمال) بتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل.


نجلاء فنيش، عضو المؤسسة، تؤكد لـ"اندبندنت عربية" أن المستشفى مكان للتداوي وتلقي العلاجات لأمراض يكون بعضها صعباً ومستعصياً، و"حين نجلب الموسيقى إلى المستشفى نحاول التخفيف من وطأة المرض وخلق أجواء من البهجة والفرح في المكان".

حصتان خلال الأسبوع، يجد خلالهما الأطفال الذين يتابعون بروتوكولاتهم العلاجية بالمستشفى، مجالاً لمعانقة عالم الموسيقى وتعلمها وممارستها "ساعة من الزمن، قد تكون وقتاً قصيراً لكنها كافية لإلهاء أطفال صغار عن الآلام"، تقول فنيش.

وفي وقت أكدت فيه آسية حبها الكبير لآلة البيانو، شددت مدربتها سلمى محبوب، اختصاصية تخاطب ونطق، ومدربة "الصولفيج" والبيانو، على أن الموسيقى تساعد آسية وبقية الأطفال ممن زرعوا القواقع السمعية وما زالوا يتابعون حصص الترويض الخاصة بالنطق، على تحسين قدراتهم السمعية، كما تعينهم على التغلب على صعوبة الكلام.


سلمى التي تعمل مع المؤسسة بشكل تطوعي، تقدم يد العون لهؤلاء الأطفال الذين يتابعون حصصهم العلاجية والتدريبية على النطق داخل المستشفى، وهو الأمر الذي تجده مفيداً لتطور قدراتهم الذهنية ولمستوى نطقهم، وتزيدهم معرفة، وتساعدهم في تجاوز العوائق. "في مهنتي، نعالج الاضطرابات لدى بعض الأطفال بالموسيقى، التي تكون مفيدة وتعطي ثمارها بشكل ملموس، سواء تعلق الأمر بضعف الذاكرة أو تشتت الانتباه وفرط الحركة وكذلك مشكلات الكلام".

الموسيقى تستقر بالمستشفى

المتجول في ممرات المستشفى الجامعي بالرباط، والمتصفح لوجوه المرضى المرهقة والشاحبة، لن يتوقع أبداً أن بداخلها قاعات لتعليم الموسيقى للأطفال المصابين بالسرطان أو لمن يعاني أمراضاً مزمنة.إلا أنه في هذا المكان المرتبط بالمرض والألم والوجع ووخز الإبر، توجد أيضاً آلات موسيقية وأطفال موهوبون وآلات بيانو وكمان وقيثارة.

إسماعيل، 16 سنة، واحد من هؤلاء الموهوبين الذي يزور المستشفى ثلاث مرات أسبوعياً من أجل حصص تصفية الدم، حيث تعرف كذلك على المؤسسة وأنشطتها، ومنذ أول حصة له داخل قاعة الموسيقى قبل ثلاثة أعوام ارتبط وجدانياً بالمكان وصار يعزف على ثلاث آلات بتمكن لافت.

صحيح أن مرض إسماعيل المزمن منعه من استكمال دراسته، إلا أن ما لمسته المؤسسة من جدية وموهبة، جعلها تسعى إلى تسجيله في المعهد الوطني للموسيقي في الرباط، تشجيعاً له وحتى يحصل على دبلوم مهني يمكنه من الحصول على فرصة شغل مستقبلاً.

بالانتقال إلى "قسم أمراض الدم والأورام"، وبالتحديد في القاعة المخصصة للموسيقى وهي الثانية من أصل ثلاث بالمركز الاستشفائي الجامعي، يجلس معلما الموسيقى وحولهما أطفال من مختلف الأعمار، يتركز انتباههم على التوصيات فيما تداعب أصابعهم القيثارات الصغيرة.

تردد سارة مساري، مدرسة بمعهد موسيقي بالرباط، ومتطوعة في المؤسسة منذ 2020، كلمات أغنية مغربية على مسامع الأطفال أمامها، معتبرة أنه "ليس من السهل الاحتكاك بأطفال صغار يعانون مرض السرطان ويخضعون للعلاج الكيماوي والإشعاعي، لكننا نحاول ترك مشاعرنا جانباً ومحاولة التخفيف عنهم".

بالنسبة إلى سارة "تخفف الموسيقى حتماً من وطأة آلام هؤلاء الأطفال وشدة المرض عليهم"، أما نجلاء فنيش فتعتبر أن "الموسيقى ترفع المعنويات وتخلق الطاقة الإيجابية".


تكريم طبيب وفنان

بدايات فكرة "الموسيقى تستقر في المستشفى"، تبناها الطبيب عبدالرحمان فنيش الذي كان يمزج بين التطبيب والتداوي بالموسيقى في عيادته الطبية حيث كان يستقدم موسيقيين.

تعود نجلاء فنيش الابنة الكبرى للطبيب المغربي، بذاكرتها سنوات طويلة إلى الوراء حين كانت طفلة، لتقول "ما إن كان والدي يعود من عيادته للبيت حتى كانت الفرقة الموسيقية تبدأ تدريبها، كان بيتنا عامراً بالموسيقيين والفنانين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 توفي والد نجلاء ولم يتجاوز الـ45 من عمره، وكانت في الـ11 من عمرها، وحين كبرت هي وشقيقاتها وبدأن في استكشاف أرشيف والدهن ومذكراته، اكتشفن أنه يؤمن بضرورة ربط الموسيقى بالتطبيب والتداوي، وحرصن على استكمال وتنفيذ حلمه وما كان يؤمن به تكريماً لذكراه.

فتحت المؤسسة حالياً ثلاث قاعات بقلب المركز الاستشفائي الجامعي "ابن سينا" بالرباط، كما افتتحت قاعة رابعة بالمركز الاستشفائي الصحي محمد السادس بطنجة في الخامس من فبراير (شباط) الجاري، إيذاناً باستمرار فرح الموسيقى وبهجتها وللتغلب على آلام المرض.

المزيد من صحة