Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب داعش السنوية على جامعي "الكمأة" في البادية السورية

تشتت جمع التنظيم فيما لا تزال آثار ألغامه تهدد ملايين المواطنين الذين يتساقطون تباعاً

تجار الكمأة الأكثر عرضة لألغام داعش في سوريا   (اندبندنت عربية)

ملخص

يدفع جامعو ثمار الكمأة السوريون حياتهم ثمناً لأرزاقهم جراء الألغام التي تركها "داعش" عقب سقوطه

أن يسلك المرء طرق المخاطرة لدرجة الموت سعياً وراء رزقه، فهذا ما يعيشه السوريون بعد عقد من الصراع المسلح حيث ما زال العنف والقتل وسفك الدماء وأدواته متواصلة عبر خطر مدفون تحت الأرض.

الطالبون للرزق من جامعي ثمار الكمأة، أو ما توصف بـ "بنت الرعد" يلقون بأنفسهم نحو فوهة النار، وفي وقت يحثون الخطوات وينقبون الأرض بالفؤوس الصغيرة سعياً لجني ما أغدقت عليهم السماء سيكون عليهم أن يتخذوا أعلى مستويات الحذر حيال ما يصادفهم من لغم أرضي أو عبوة ناسفة فتتحول النعمة إلى نقمة.

بداية دامية للموسم الحالي

وطوال سنوات الحرب السورية تعرضت المجموعات من صيادي الكمأة للقتل والتصفية، ولكن بعد اندحار "داعش" في 2019 ترك التنظيم مخلفات حرب ما زالت تهدد الملايين من البشر في مختلف توزع المناطق، وبحسب بيانات الأمم المتحدة يعيش 10.2 مليون سوري في مناطق مزروعة بالألغام، مما أسفر عن مصرع 15 ألف شخص بين عامي 2015 إلى 2022 وبخاصة في البادية وعلى أطرافها، ومن الواضح أن بداية هذا الموسم كان أكثر دموية مع سقوط العشرات من جامعي الكمأة نتيجة العبوات الناسفة ومخلفات الحرب والهجمات المسلحة.

وأحصى "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مصرع 31 مدنياً خلال 10 أيام بحوادث متفرقة نتيجة انفجار ألغام من مخلفات تنظيم "داعش" شمال البلاد، وذلك أثناء جمعهم حبات الكمأة الصحراوية، بينما سقط 13 مواطناً بينهم نساء، من أبناء عشيرة واحدة جراء انفجار لغم أرضي في بادية الرصافة، الريف الغربي من محافظة الرقة أثناء جني الكمأة.

 

وتعد الرقة، شمال شرقي البلاد إحدى المدن التي وقعت تحت سيطرة "داعش" (2014 ـ 2019) وعمد التنظيم المتشدد لجعل المدينة عاصمة له قبل انكفاء مقاتليه عنها في عام 2017 إثر معارك عنيفة شنتها قوات التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة بالتحالف مع فصائل محلية تحت رئاسة ائتلاف عسكري سوري المعروف باسم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي ما زالت تلاحق فلول التنظيم في البادية خشية إعادة ترتيب صفوفه.

وعلى رغم كل مناشدات السلطات المحلية، والمنظمات الإغاثية والدولية لمنع السكان المحليين من الغوص في رمال البادية للبحث عن الثمار لكن لم تلق أذاناً صاغية من صيادي الكمأة، ففي كل عام تتزاحم العائلات على أطراف البادية أو إلى جوفها بدافع تحسين الواقع الاقتصادي الصعب، "فارتفاع سعرها يستحق المغامرة"، وفق أحد جامعي الكمأة يدعي بسام المحمد في لقاء معه في سوق شعبية.

يأتي ذلك الاندفاع لجني الثمار بعدما تقطعت سبل العيش بقاطني الأرياف والبوادي بخاصة فقدانهم أرزاقهم من ماشية، علاوة عن ضعف الزراعة، وتراجعها بعد زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي والحيواني.

يضيف المحمد، "أعرف الكثير من بيننا فقدوا أطرافهم، لقد لقي ابن عمي مصرعه بانفجار لغم، بعد توقف الحرب بات مغرياً اللجوء إلى البراري، ليس لدينا فرص العمل كما في السابق، هي فرصة لجمع بعض المال".

ما يصنعه البرق والرعد

والكمأة نوع من الدرنيات والجذور التي لا ورق لها، ولا ساق وتخرج في الأرض من دون زراعة، وتكثر في أوقات المطر الغزير والرعد الكثير، والتفسير العلمي لتكون درنات الكمأة في الأرض يعود للبرق وتشكيل العديد من الأكاسيد والمركبات الغذائية فيما يعمل الرعد على ترسيب هذه المركبات إما على صورة جافة بفعل الثقالة الأرضية الجاذبية وإما على صورة محاليل مائية بفعل حبات المطر، وتصل الطبقة السطحية للأرض بعد أن رفع الرعد من قدرتها على تخزين الماء لنمو الكمأة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد المحمد عدم توقف أهالي البادية، وأبناء الأرياف المتاخمة لها من طلب المزيد للحصول على (الفقع) وهي تسمية يحبذ أبناء مناطق البادية إطلاقها على الكمأة، كونها تظهر على شكل فقاعات في رمال الصحراء، ويصف أنها لقمة مغمسة بالدماء. وأردف: "لو يعلم من يشتري الكمأة كم من المصاعب والمشقة نتكبدها لجلبها إلى الأسواق".

ويرجع السبب إلى الوضع الاقتصادي المتردي، وحال أغلب الأسر الفقيرة التي تدفعهم لهذه المجازفة غير محسوبة العواقب حيث يصل سعر الكمأة إلى ما يزيد على 150 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد (بما يعادل 10 دولارات)، وقد يزيد إلى الضعف بحسب نوعية الثمار المستخرجة من الأرض، بحيث تصل إلى سعر نصف مليون ليرة (ما يزيد على 25 دولاراً) في الكيلوغرام الواحد حين تكون الثمرة ذات حجم كبير.

 وأضاف، "في هذا التوقيت من كل عام تخرج جميع العائلات، وبأعداد كبيرة، الصغير منها والكبير نحو رمال الصحراء وسط الخطر لجني ما تيسر لهم، فالأسواق تطلب هذه الثمرة، ويزداد سعرها في بداية موسمها إلى أن تنخفض شيئاً فشيئاً".

إزاء ذلك يقتصر شراء الكمأة على السوريين من ميسوري الحال فالكيلوغرام الواحد يساوي أجور موظف حكومي لشهر كامل حيث تصل الرواتب بين 20 و30 دولاراً بعد ما أصاب الليرة السورية تضخماً وفقدت قيمتها الشرائية.

معركة النفوذ

في غضون ذلك، ليست الألغام وحدها ما يهدد حياة طالبي الثمرة الصحراوية بل هجمات متعاقبة ينفذها مسلحون في كل موسم، لا سيما منذ بداية فبراير (شباط) حتى نهاية مارس (آذار) ذروة عمليات الجني، وفي وقت فقدت عائلات بأكملها أرواحها وسفكت بعد هجمات يعتقد أنه يقف خلفها تنظيم "داعش"، بينما تفيد المعلومات الواردة عن مصرع اثنين من قرية المسراب في ريف دير الزور شرق البلاد.

في المقابل يرجح أحد أبناء دير الزور، فضل عدم الكشف عن هويته، عن تجدد الهجمات من قبل المسلحين في كل عام لإبعادهم عن مناطق جغرافية غنية بهذه الثمار وبالتالي "تفرد هذه الجهات، وأغلبها ميليشيات تتبع للجيش النظامي وفصائل موالية للنفوذ الإيراني".

 

وتناقلت صفحات موالية عن مصدر في القوات النظامية عن فقدان الاتصال بمجموعة مؤلفة من ثمانية مقاتلين يتبعون لقوات الدفاع الوطني، مع 23 مدنياً وصلوا لبادية البشري في جنوب دير الزور بغية جمع الكمأة وفقد الاتصال بهم بشكل نهائي، وما زال البحث عنهم جارياً.

ومع كل التحذيرات عن أجواء حرب بين جهات مسلحة مستفيدة ينخرط "داعش" وقوات تتبع للجان الشعبية تسمي نفسها بالدفاع المحلي، ورديفة للجيش النظامي تدور معركة لكسب ثمرة البادية بخاصة مع ارتفاع أثمانها لدرجة تقارن بـ "الذهب الأصفر" المدفون إلى جانب البارود الأسود في رمال الصحراء الساخنة.

المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا سهير زقوت أشارت لـ"اندبندنت عربية" إلى ما يشكله وجود الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب من أخطار جسدية ونفسية كبيرة على الأفراد والمجتمعات بأكملها، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى آلام وصدمات طويلة الأمد قد يستغرق شفاؤها سنوات ويؤدي ارتفاع عدد الضحايا إلى زيادة الأعباء على نظام الرعاية الصحية الهش بالفعل في البلاد بسبب سنوات النزاع.

وتضيف، "على رغم أن اللجنة الدولية ليست مصدراً للاحصاءات في هذا المجال، إلا أننا نشهد الحوادث الناتجة من هذه المخلفات بشكل منتظم مما يؤدي إلى مقتل وإصابة المدنيين وتعود الحوادث في غالبيتها لفئة الذكور سواء البالغين أو الأطفال لعدة أسباب منها المهنة مثل رعاة الأغنام والمزارعين، وترتفع وتيرة هذه الحوادث في محافظات دير الزور وحماة وريفها وريف حمص، ولا يعني ذلك أن المحافظات الأخرى خالية منها، وتبرز الحاجة هنا لإجراء مسح شامل على مستوى البلاد للحصول على تقييم حقيقي لمدى انتشار التلوث بالأسلحة".

وتؤكد زقوت ازدياد عدد الضحايا في المواسم الزراعية مثل موسم الكمأة في بوادي حماة وحمص ودير الزور، وأيضاً موسم الزيتون في أرياف إدلب وحماة.

وأردفت "تعتبر التوعية لأخطار هذه المخلفات أولى خطوات الاستجابة، ففي 2023 شارك ما يقارب من 270 ألف سوري في 13 محافظة خلال جلسات التوعية التي ينفذها 13 فريقاً من الهلال الأحمر العربي السوري بدعم من اللجنة الدولية.

كما تدعم اللجنة الدولية 9 فرق للمسح غير التقني لدى الهلال الأحمر السوري، تعمل في 6 محافظات على تحديد المناطق الخطيرة أو المشتبه في خطورتها، كي تشكل هذه البيانات والتقارير خطوة لإزالة المخلفات لاحقاً".

كما تعمل الفرق أيضاً على إحالة الضحايا الذين يحتاجون إلى أطراف اصطناعية أو معالجات فيزيائية ونفسية إلى مركزي الأطراف الاصطناعية بحسب قول زقوت وذلك بريف دمشق وحلب لتلقي الخدمات. وأشارت إلى أنه في 2023 أحيل 25 مصاباً بسبب هذه المخلفات لتلقي الخدمات آنفة الذكر كما تم مساعدة 230 شخصاً بمساعدات عينية.

وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإنه من الصعب  تحديد المهلة الزمنية لإزالة المخلفات على المدى البعيد "ستمر أجيال قبل أن يتم تطهير سوريا بالكامل من التلوث بالأسلحة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير