Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القران الوهمي للمهاجرين في أوروبا "زواج أبيض" ونهاية سوداء

يقع بعضهم ضحايا للاحتيال بهدف تقنين أوضاعهم والقارة العجوز تحكم قبضتها على الصفقات المزيفة

زيجات وهمية للمهاجرين بهدف التقنين تثير حفيظة أوروبا    (التواصل الاجتماعي)

ملخص

يقع عديد من المهاجرين العرب في فخ الاحتيال من أوروبيات تحت مسمى الارتباط الوهمي المعروف بـ"الزواج الأبيض"، إضافة إلى تضييق القانون الأوروبي الخناق على زواج المنفعة

عن طيب خاطر في الاحتيال يخاطر طرفان بالكاد يعرفان بعضهما بعضاً، بالارتباط "وهمياً" على الورق بهدف حصول أحدهما على شهادة الإقامة وحقوق المواطنة والآخر على آلاف اليوروهات، في صفقات تتم أحياناً بتنظيم "وسطاء" ينشطون سرياً.

ظن "نور الدين.ع" القادم من ولاية سطيف (شرق الجزائر العاصمة)، المقيم حالياً في مدينة نانت الفرنسية، طي ملف زواجه الشكلي بمواطنة ذات أصول غينية بسرعة، بناء على الاتفاق المسبق بينهما قبل نزوله إلى هذا البلد الأوروبي، إذ جرى التفاهم من خلال رفيق آخر وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، على رغم أنه لم ير في حياته تلك الفتاة الثلاثينية.

 لكن نور الدين الذي وصل فرنسا بتأشيرة إقامة قصيرة الأمد يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن شريكته خانت العهد المعنوي معه بعدما رفضت إتمام "صفقة" الزواج حتى يدفع المبلغ المتفق عليه، فقد استقرا في البداية عند 15 ألف يورو (16224 دولار)، وكان يأمل في تسوية أوضاعه القانونية ومن ثم الحصول على الإقامة، فتعرض خلال عامين للابتزاز من طرفها ليدفع في كل مرة مبلغاً إضافياً، لتنتهي قصته يوم جلسة الطلاق بدفع 5 آلاف يورو (5408 دولار) أخرى في مقابل "تحريره" من قبضة محتالة تكون فعلتها مع أناس آخرين، كما يختم هذا الشاب الجزائري.

خانة التجريم

تتقاطع حالات النصب والاحتيال وبطلاتها أوروبيات، أو عربيات من أبناء الجيل الثاني من المهاجرين ممن يملكن الجنسية الفرنسية، مع نهج التضييق المعتمد من دول الاتحاد الأوروبي على مسارات الهجرة.

يضج القضاء الفرنسي بوقائع يصنفها في خانة التجريم، بينها ما قضته محكمة نيفيرس الفرنسية على جزائري لا يملك وثائق إقامة يبلغ من العمر 36 سنة، بالسجن لمدة شهرين والترحيل من البلاد مع عدم دخولها لمدة خمس سنوات، بسبب "الزواج الأبيض" مع فرنسية تبلغ من العمر 47 سنة، إذ لم يدم زواجهما سوى يومين، حتى ظهر بينهما خلاف استدعت بسببه السيدة الفرنسية الأمن الفرنسي وكان مآله السجن.

تبقى العواقب القانونية لهذه الممارسات وخيمة وحدتها أكثر قسوة في ظل تفضيل بعضهم المخاطرة بالسير على ألغام زواج يفضل الجانب الفرنسي على المستوى الرسمي تسميته بـ"الوهمي"، في حال وجود شكوك.

"موسى. ن" الأربعيني الذي عاد للجزائر لحضور جنازة شقيقه، ليفاجئ بعد فترة في سعيه للعودة للاستقرار بالضفة الأخرى بمنعه من ذلك، بدعوى أن ارتباطه لم يكن سوى "خدعة" للسفر إلى بلد ترك فيه زوجته في انتظاره.

وبشكل صريح تنص المادة 12 من الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان على إمكان المواطنين الأوروبيين الزواج من أشخاص في وضعية قانونية غير نظامية، إذ جاء فيها أنه "اعتباراً من السن القانونية للزواج، يملك الرجل والمرأة الحق في الزواج وتأسيس أسرة وفقاً للقوانين الوطنية التي تحكم ممارسة هذا الحق، ويستحيل منع الزواج بحجة الدين أو لون البشرة أو الوضعية القانونية في البلد الذي يعيش فيه، وعندما يتزوج الشخص لا يشترط وجود دليل على وضعه الإداري".

صفقات زواج وهمي

عادة ما يدفع التضييف الأوروبي على الوافدين بطرق خارجة عن القانون إلى إيفاد عناصر المراقبة التابعة للجهات الرسمية إلى سكنات الأزواج المتشبه فيهم بإبرام "صفقات ارتباط" شكلي للتثبت من صحة ادعائهم، فيما تعين جلسات استماع لبعض منهم لتأكيد أن هذا ليس زواج مصلحة أو تلك ليست حفلات زفاف صورية.

ووسعت الجهات العليا في باريس على سبيل المثال السلطة التقديرية لحكام البلديات لعرقلة أي زواج لا يستوفي الشروط الكاملة، وأثارت قضية رفض رئيس بلدية بيزييه جنوب فرنسا عقد مراسم قران فرنسية مع شاب جزائري لا يحوز وثائق الإقامة، ضجة واسعة على رغم موافقة العدالة على زواجهما.

 

رئيس بلدية بيزييه الذي يمثل اليمين الفرنسي روبرت مينارد، رفض الصيف الماضي تنظيم حفلة زفاف بين امرأة فرنسية وجزائري، إذ اعتبر "أن الشاب في وضعية غير قانونية ولديه التزام بمغادرة الأراضي الفرنسية". وذكر أن الشابة الفرنسية تبلغ من العمر 29 سنة، بينما يبلغ الجزائري 23 سنة، ويخضع للالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية.

وأضاف "ليست مشكلة الزواج الوهمي، إنها حقيقة أننا نجبر رئيس البلدية على عقد قران شخص ليس في وضع غير قانوني فحسب، بل كان ملزماً أيضاً منذ سنة تقريباً بمغادرة الإقليم".

غير أن الشاب الجزائري احتج على رفض رئيس بلدية بيزييه عقد قرانه، مذكراً بأهمية المادة 12 من الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان الذي مينص على أنه "لا يمكن معارضة الزواج بسبب لون البشرة أو الوضعية الإدارية للشخص".

المادة 12

ويحدد قانون الدخول والإقامة للأجانب واللجوء المنقح في الـ16 من يونيو (حزيران) من عام 2011 تحت رقم 672ـ2011 عواقب الوقوع في شباك هذا القران، وتعاقب المادة 623-1 بالسجن لمدة "خمس سنوات وغرامة مالية 15 ألف يورو (16224 دولار) على توقيع عقد الزواج لغرض وحيد هو الحصول على تصريح إقامة أو الإقامة، أو لغرض وحيد هو اكتساب الجنسية الفرنسية، أو الحصول عليها، وتنطبق هذه العقوبات نفسها في حال التنظيم أو محاولة تنظيم الزواج للغرض نفسه، إذ تصل العقوبة بالسجن 10 سنوات، وبغرامة مالية تصل إلى 75 ألف يورو (81116 دولار) في حال ارتكب الجرم من عصابة منظمة".

كما تنص المادة 21-2 من القانون المدني الفرنسي على أنه "لا يمكن للأجنبي التقدم بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية قبل مدة أربع سنوات من تاريخ الزواج".

ويكشف المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (هيئة رسمية) في فرنسا، عن أن من بين كل ثماني حالات زواج داخل البلاد هناك زواج مختلط بين أجنبي وفرنسية  أو العكس، أي بنسبة 14 في المئة من مجموع حالات الزواج المسجلة في فرنسا، بينما النسبة الأكبر من الأجانب التي تتزوج بأبناء البلد في فرنسا، تعود للبلدان المغاربية الجزائر وتونس والمغرب، فنسبة هذه الدول مجتمعة من حالات الزواج المختلط في فرنسا تصل إلى 37 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضييق أوروبي 

ولفت رئيس الاتحاد العام للجزائريين بالمهجر سعيد بن رقية إلى دوافع الزواج المختلط في شقه المتعلق بالزواج الأبيض الذي يتواصل انتشاره في الدول الغربية وأرجع سببه إلى التضييق القانوني المتبع من طرف الدول الأوروبية.

وقال بن رقية لـ"اندبندنت عربية"، إن معظم الدول الأوروبية تضيق في تسوية أوضاع المهاجرين، باستثناء دول قليلة مثل إسبانيا التي ما زال تعتمد على قانونها منذ عقد من الزمن، وينص على فترة ثلاث سنوات زواج لتسوية الوضعية القانونية ما يمكن للشخص من الحصول على الجنسية بعد إثبات زواجه طوال هذه الفترة مع عقد عمل. وأخيراً تم تليين القانون بالتقليل من مدته، فأصبح سنتين فقط فيما يعرف بـ(الاندماج التكويني)".

وبحسب مسؤول الهجرة، فإنه بدفع من الواقع المر في دول أوروبية ذهب المقيمون في الدول المضيفة لاعتماد طرق غير قانونية تفرض عليهم أثماناً باهظة بقيمة قد تصل إلى 20 ألف يورو (21632 دولار) أو 15 ألف يورو في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية في مقابل عقد قران شكلي.

وأكد بن رقية معاقبة وتجريم فرنسا من يثبت سقوطهم في فخ الزواج الأبيض، بعدما تشددت في قانونها الأخير بخصوص قضية الاندماج الاجتماعي للمهاجرين. وكشف عن تورط "مافيا" في عقود الزواج الأبيض عن طريق تقديم عروض من أجل جلب أشخاص من دول أخرى ليتكفلوا بالإجراءات الإدارية، في مقابل المال ويعرضون على ضحاياهم أيضاً ما يعرف بـ"التجمع العائلي" لهذا الغرض، ويعد هو الآخر زواج منفعة.

وليس ببعيد ما كشفت عنه تحقيقات إسبانية قبل أسابيع من تمكن الشرطة من تفكيك شبكة مغربية لزواج المصلحة، إذ أوقفت الشرطة الوطنية الإسبانية 129 شخصاً معظمهم من المغرب والجزائر بسبب تورطهم في شبكة لتنظيم "الزواج المزيف" بين الإسبان والأجانب للحصول على تصاريح الإقامة.

 

وأوردت تقارير محلية، أن تفكيك الشبكة التي تتزعمها محامية إسبانية تم بعدما بوشرت التحريات منذ مارس (آذار) 2019، ليتم التوصل إلى أن مكتب المحامية كان ينظم زيجات بيضاء لاستصدار تصاريح الإقامة للأجانب.

وكانت المحامية تتقاضى في مقابل كل تصريح بالإقامة 10 آلاف يورو (10816 دولار)، وأغلب زبائنها من المغرب العربي، إذ كانت تقوم الشبكة في عدد من الحالات، بتزوير عقود الإيجار والتحايل على الإدارات. وأظهرت التحقيقات أن المواطنات الإسبانيات كن يتقاضين، حوالى 4 آلاف يورو (4326 دولار) في مقابل تقديم خدمة الزواج الأبيض.

وبدأت شكوك الأمن الإسباني بسبب فارق السن الكبير بين الأزواج المختلطين، إضافة إلى ورود أسماء عدد من المتورطين في ملفات سابقة، الذين اعتقلوا بالفعل في 2016 بسبب قضايا مماثلة.

ليس الحل الأمثل 

ويقدم الباحث في قضايا الهجرة وطالبي اللجوء طارق لملوم أبعاداً أخرى للظاهرة فيقول، على رغم أن النوايا هو عدم الارتباط الحقيقي وأن الغرض هو المنفعة، فإنه في كثير من الأحيان يستمر هذا الزواج أو يكون هناك منفعة للطرفين"،

معتقداً أن هذا النوع من التحايل وزواج كهذا ليس هو الحل الأمثل للمهاجرين، إذ إن هدفهم الأول والأساس هو الوصول إلى أوروبا حتى لو كلفهم الأمر البقاء من دون إجراءات قانونية".

يذكر بالتعقيد والتشديد لدى الكثير من دول الاتحاد الأوروبي على قضية زواج الأجنبي المهاجر مع مواطنة من الاتحاد الأوروبي، ليصبح الأمر ليس مثالياً ولا الخيار الأول بالنسبة إلى الوافدين من دول خارج القارة العجوز.

 ويختم بالإشارة إلى خطورة "النوايا غير صادقة" منذ البداية من أحد الأطراف أو كليهما وهذا ما قد يكون له تأثير سلبي، خصوصاً لو كان ثمرة هذا الزواج أطفالاً بينهما.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير