Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكاريزما السياسية" بين "زعماء الأمس" وسياسيي اليوم بالمغرب

يرى مراقبون أن المقارنة مجحفة لأن لكل جيل سياقاته التي نبت فيها

الراحلان محمد بنسعيد آيت إيدر وعبد الرحمان اليوسفي (مواقع التواصل)

ملخص

خفتت الكاريزما لدى سياسيي اليوم بعدما أصبحت المرحلة الحالية مطبوعة بتدبير المعيشة اليومية بدل المواجهة، سواء مع المحتل الأجنبي أو مع السلطة الداخلية

بخلاف ما كانت تتمتع به قيادات حزبية وشخصيات سياسية في المغرب في الماضي، من جاذبية سياسية لافتة وقوة في الخطابة والتعبير عن المواقف، يرى كثيرون من المغاربة أن العديد من وجوه النخبة السياسية الراهنة افتقدت "الكاريزما" السياسية. ويعزو محللون تضاؤل "الكاريزما" لدى الشخصيات السياسية والقيادات الحزبية في المغرب إلى اعتبارات عدة، منها الطابع "التكنوقراطي" لهذه الشخصيات، وانحصار المرحلة في التدبير المعيشي اليومي، بخلاف زعامات سابقة حظيت بتلك "الكاريزما" بفضل مواجهاتها مع السلطة واتسامها بالجرأة، بينما يرى آخرون أن المقارنة مجحفة لأن لكل جيل سياقاته السياسية التي نبت فيها.

قامات كاريزمية

وفقد المغرب قبل أيام قليلة أحد آخر الزعماء من ذوي "الكاريزما السياسية"، وهو الزعيم اليساري محمد بنسعيد أيت إيدر، الذي راكم تجارب النضال والمقاومة سواء ضد الاستعمار الفرنسي للبلاد، كما كان وجهاً بارزاً في معارضة الدولة ونظام الملك الراحل الحسن الثاني.
كما كان الراحل أيت إيدر، الذي لُقِّب بـ "معارض الملوك الثلاثة"، زعيماً معارضاً لا يُشق له غبار، يعمل في إطار "السرية" حتى أنه حُكم عليه غيابياً بالإعدام. وكان أيضاً شخصية محورية في المعارضة خلال فترة العمل السياسي العلني.
ومثل الراحل إيدر، يعتبر كثيرون القيادي الراحل عبد الرحمان اليوسفي، أحد الشخصيات السياسية المعروفة بكاريزما مميزة، وحظي إبان حياته بقدر كبير من الإجماع حول رصانته وعفته وبُعده عن أطماع ومفاسد السلطة، على رغم أنه شغل منصب الوزير الأول (رئيس الحكومة) خلال الفترة الزمنية بين 1998 و2002.
ويُرجع مراقبون كاريزمية شخصية اليوسفي الملقب بـ"شيخ الاشتراكيين"، إلى مساراته السياسية المثيرة، فقد كان أحد أشرس معارضي الدولة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ليُحكم عليه غيابياً بالإعدام وهو خارج البلاد، قبل أن يتمكن من ولوج القصر ورئاسة الحكومة، بعد تفاهمات سياسية بين المعارضة والملك الراحل.
وكان الزعيم عبد الرحيم بوعبيد أيضاً يحظى، وفق كثيرين، بشخصية سياسية كاريزمية لافتة، وكانت له مواقف طبعت حياته وحياة حزبه "الاتحاد الاشتراكي"، خصوصاً حين عارض صراحة العاهل الراحل بخصوص الدستور وأيضاً مسألة إجراء استفتاء بشأن الصحراء.
من جهة ثانية، يتفق قسم كبير من المغاربة على أن الزعيم السياسي مؤسس حزب "الحركة الشعبية" المحجوبي أحرضان، المتوفى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، كان أيضاً أحد السياسيين الذين يمتلكون ميزة الكاريزما، بفضل شخصيته الجدلية وآرائه المثيرة للجدل وصراحته اللاذعة، حتى وهو يتقلد مناصب وزارية عديدة. كما كان شخصية تلجأ إليها الدولة كحليف قوي في العديد من الحكومات المتعاقبة في تاريخ البلاد.


الزعامة وفكر المواجهة

ويقول الباحث السياسي محمد شقير في هذا الصدد، إن "الكاريزما السياسية مرتبطة بالزعامة السياسية التي ترتبط بسياق وظرفية سياسية معينة"، مورداً أن "هناك زعماء سياسيون بالمغرب امتلكوا كاريزما سياسية في قيادة أحزابهم، من قبيل علال الفاسي، والمهدي بن بركة، ومحمد بن الحسن الوزاني، الذين أسهم تكوينهم العلمي وثقافتهم الواسعة في امتلاك هذه الملَكة السياسية التي كان يقابلها في الوقت ذاته احترام الأتباع لهم".
ويشرح شقير خلفيات امتلاك "زعماء الماضي" هذه الكاريزما بخلاف قادة سياسيين في الوقت الراهن، بأن "السابقين كانوا متمكنين من فن الخطابة ولديهم تأثير في الجماهير، علاوةً على تعرضهم للاعتقال الذي أسهم بدوره في خلق هالة شخصية مكنتهم من تقوية كاريزميتهم السياسية".
وأفاد الباحث بأن "السياق الحالي تغير، نظراً لأن المرحلة أصبحت مطبوعة بتدبير المعيشة اليومية بدل المواجهة، سواء مع المحتل الأجنبي أو مع السلطة الداخلية، إذ إن فكر المواجهة يؤدي إلى خلق الزعيم وكاريزما الزعيم"، مردفاً أنه "بوفاة أغلب زعماء الأحزاب ظهر قياديون جدد يدبرون شؤون الأحزاب مستندين إلى تكوينهم التكنوقراطي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ولفت شقير إلى عامل آخر، هو أن وسائل التواصل التي أصبحت تعتمد على الصورة بشكل كبير، جعلت من الخطابة آلية ثانوية، حيث أن التحدث في برامج تلفزيونية أو إذاعية لا يتطلب الخطيب المفوه، بل يتطلب فن الإقناع والحديث بهدوء، مما يضفي على القيادي هالةً خاصة لا تتطلب أية كاريزما سياسية".
واسترسل شقير بأن "دور الأحزاب السياسية الذي أصبح منحصراً في خدمة السلطة، وليس في الوصول إلى السلطة، أسهم أيضاً في فقدان الشخصيات الكاريزمية، وتناسل الشخصيات التكنوقراطية أو حتى الشعبوية".

نهاية زمن الكاريزما السياسية

من جهته، صرح أستاذ العلوم السياسية، محمد سعدي أنه "منذ استقلال المغرب وحتى نهاية القرن الماضي امتلكت شخصيات سياسية قدراً من الكاريزما والتأثير في الحياة السياسية المغربية، من قبيل عبدالله إبراهيم، وعلال الفاسي، وعبد الرحيم بوعبيد، والمهدي بنبركة، وأمحمد بوستة، وعلي يعتة، والمحجوبي أحرضان، وعبد الرحمان اليوسفي، ومحمد بن سعيد أيت يدر، وآخرون".
ورأى سعدي أن "هذه الكاريزما كانت نتاجاً طبيعياً لسياقات موضوعية وذاتية وقيمية في بيئة سياسية كانت لها خصوصيات عدة، من أهمها، التدافع السياسي القوي والحاد حول قضايا عدة تهم الصراع حول السلطة وكيفية توزيعها والعلاقة بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية".
واستطرد قائلاً إن "هذا التدافع كان مشحوناً بالتجاذب الأيديولوجي والفكري والنظري الشديد بين القوى السياسية المتعارضة حول مشروع بناء الدولة الوطنية، كما أن هذه الشخصيات الكاريزمية ارتبطت بشرعية تاريخية وتميزت بنوع من الطهرانية السياسية والثقة وكفاف اليد والتفاني والشجاعة في القول والفعل"، مبرزاً أن "محمد بن سعيد كان آخر عنقود هذه الشخصيات الكاريزمية، وبوفاته ينتهي زمن الكاريزما السياسية في الحياة السياسية المغربية".
إلا أن سعدي اعتبر أنه "من التعسف والإجحاف تحميل النخب السياسية مسؤولية ضعف تأثيرها وحضورها في المشهد السياسي، لأن الأمر يتجاوزها بشكل كبير، بسبب الحضور الوازن للتكنوقراط في تدبير شؤون السلطة، مما أسهم بشكل قوي في تغييب النقاش العام وفق رؤية سياسية قادرة على بناء الأفكار وبلورة التغيير، وأيضاً بسبب فساد جزء من النخب السياسية والتآكل المستمر للأداء الوظيفي للوسائط التقليدية من أحزاب ونقابات". ولفت المتحدث إلى أن "الثورة الرقمية وانفجار وسائل التواصل الاجتماعي وصعود صناع المحتوى والمؤثرين الجدد، كلها عوامل أسهمت في استنزاف كل الصيغ لتوليد الشخصيات السياسية الكاريزمية"، مضيفاً أن "عدداً من الفاعلين السياسيين يجدون اليوم صعوبة حتى في الحفاظ على حيز صغير من النفوذ الرمزي".


مقارنة ظالمة

في المقابل، اعتبر البرلماني محمد حنين، القيادي في حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يقود الحكومة المغربية، أن "البعض صار ينزع صفة الكاريزما عن عدد من الفاعلين السياسيين، ويحن إلى الماضي للمقارنة بين الشخصيات السياسية في الماضي والحاضر"، مبرزاً أن "التحليل الموضوعي لهذه المقارنة يبيّن اختلاف الأسس التي تنبني عليها، بسبب اختلاف الزمن وما يرتبط به من تحولات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية عميقة". ويشرح حنين أنه "من شأن استيعاب هذه التحولات أن يؤدي ليس فقط إلى حصر هذه المقارنة في الشخصيات السياسية، بل أيضاً في مستويات مختلفة، حيث أن معلم وأستاذ السبعينيات والثمانينيات ليس هو رجل التعليم الحالي، والفنان في تلك الفترة ليس هو فنان اليوم، وهكذا في غيرها من المهن والمهمات".
ولفت حنين إلى أن "الاختلاف الجوهري بين الماضي والحاضر عائد إلى اختلاف الأجيال، بما ينطوي عليه من تطور مستمر لكل مظاهر الحياة، وفي السلوك البشري والعلاقات الاجتماعية، مما ينعكس على تكوين الشخصية الفردية في ارتباط بالمحيط الاجتماعي- اقتصادي".
وخلص القيادي الحزبي إلى أن "اختلاف الكاريزما السياسية بين جيل وآخر، ظاهرة كونية لا تقتصر على بلد من دون آخر، بدليل اختلافها لدى كل من (الرؤساء الفرنسيين) شارل ديغول، وفرنسوا ميتران، وجاك شيراك وغيرهم من زعماء فرنسا في عقود مضت، عن كاريزما فرنسوا هولاند، وإيمانويل ماكرون، وأيضاً كاريزما الرؤساء الأميركيين السابقين عن كاريزما دونالد ترمب وجو بايدن".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير