Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبراهام لنكولن... الرئيس "الثائر" ضد العبودية والانفصال

كلماته في خطاب "بيوريا" أدخلته التاريخ من أوسع أبوابه وظلت أسباب اغتياله في مهب الظنون على مدى العقود

أبراهام لينكولن مع أعضاء حكومته عام 1866 (موسوعة التاريخ الأميركي)

في مؤلفه "القياصرة الأميركيون"، يعتبر كاتب السير والأكاديمي والمذيع البريطاني، نايجل هاميلتون، أن قلة من المواطنين الأميركيين، يرغبون في وصف بلادهم بالإمبراطورية، غير أن المؤرخين بدأوا في القبول بها أخيراً ولو على مضض.

أخذت الولايات المتحدة على عاتقها الدفاع عن الديمقراطية من خلال برنامج إعادة التسلح الضخم ونضالها للانتصار على الرايخ الثالث، التابع لهتلر والفاشية ولجوئها إلى القنبلة الذرية لهزم الإمبراطورية اليابانية.

بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، لم تشح الولايات المتحدة بنظرها عن القيادة الدولية كما فعلت لدى انتهاء الحرب العالمية الأولى.

لعبت واشنطن بعد انتصارات الحرب الثانية، دوراً فاعلاً ومؤثراً، منهية بذلك عصر العزلة، ما دعا البعض لوصف العصر بأنه عصر "السلام الأميركي" على وزن عصر "السلام الروماني"، على رغم أنه كان سلاماً عدائياً في عهود كثير من الرؤساء الأميركيين، مثل ترومان وجونسون ونيكسون وبوش الأب وبوش الابن.

في بداية القرن الواحد والعشرين، شرح أحد المستشارين الرئاسيين للمراسلين من أمام فندق "إمبريال كورت" قائلاً: "لقد أصبحنا الآن إمبراطورية، وعندما نقوم بأي خطوة نخلق واقعنا الخاص".

أضحت أميركا بالفعل إمبراطورية، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، غير أن التساؤل الذي كان ولا يزال مطروحاً، موصول بأسماء الرؤساء الأميركيين الذين شاركوا في جعل أميركا قوة عظمى يخشاها أعداؤها تارة، ويهابها أصدقاؤها تارة أخرى على حد وصف ثعلب السياسة الأميركية الراحل هنري كيسنجر.

خلال احتفالات الولايات المتحدة، بيوم الرئيس، هذا العام، قدم استطلاع حديث شارك فيه 91 من مؤرخي الرؤساء الأميركيين تصنيفاً لأفضل هؤلاء الرؤساء الـ44 الذين تداولوا حكم الولايات المتحدة منذ عهد جورج واشنطن إلى باراك أوباما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كيف جاء هذا التريب؟

ربما يهمنا التعاطي مع الأسماء الخمسة الأولى، وهي بالترتيب:

1 ـ أبراهام لنكولن، الرئيس السادس عشر 1809-1865

2 ـ جورج واشنطن، الرئيس الأول 1732-1799

3 ـ فرانكلين روزفلت، الرئيس الثاني والثلاثين 1892-1945

4 ـ ثيودور روزفلت، الرئيس السادس والعشرين 1858- 1919

5 دوايت أيزنهاور، الرئيس الرابع والثلاثين 1890-1969

ما الذي ميز مقام الرئاسة الأميركية في عصر هؤلاء الرؤساء، وما الذي قدموه للولايات المتحدة حتى أضحت إمبراطورية عظيمة، وهل كانت السمات الشخصية لكل واحد منهم، هي السبب الرئيس الذي دفع بعضهم لأن يبلغ تالياً مرحلة من العظمة، كما يقول هاملتون؟

ربما تكون الأسابيع والأشهر الممتدة من الآن وإلى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فترة زمنية لها أهمية خاصة، حيث يحتاج الأميركيون والعالم في حقيقة الأمر، مراجعة أوراق أولئك الرجال – المرجعيات، الذين قادوا البلاد والعباد عبر الصعوبات، وحققوا نجاحات تتحدث بها الركبان، مقارنة بمدى الأزمة الحادثة على سطح الحياة السياسية الأميركية في حاضرات أيامنا، وقبل وقت قليل من انتخاب الرئيس السابع والأربعين من رؤساء أميركا.

من عند هذا المفهوم، يمكننا بدء هذه الرحلة الجديدة والمفيدة حكماً، مع ستة من أهم القياصرة الأميركيين عبر تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.

لنكولن المختلف على جذوره

في الثاني عشر من فبراير (شباط) من عام 1809، ولد أبراهام، الطفل الثاني لتوماس ونانسي لنكولن، في كوخ صغير بغرفة واحدة في مزرعة تسمى "الربيع الغارق"، الواقعة في مقاطعة هاردين، بولاية كنتاكي.

تختلف الروايات الخاصة بجذوره، فهناك من يرى أنه سليل صموئيل لنكولن الذي قدم إلى ماساشوستس من مقاطعة نورفولك في إنجلترا في القرن السابع عشر الميلادي.

ووفقاً لروايات يهودية، فإن اسم عائلة "لنكولن"، هو اسم البلدة البريطانية التي هاجر منها أجداده اليهود.

لكن باحثين آخرين مثل الروفيسور "علي بن منتصر الكناني" المغربي الأصل، يقطع بأن عائلة لنكولن جاءت من شعب "الميلونجونس" والذين يعتقد بأن أصولهم تعود إلى المسلمين المهاجرين من الأندلس هرباً من اضطهاد محاكم التفتيش، وهو الرأي الذي يوافق عليه الباحث الأميركي، بروند كيندي.

مهما يكن من أمر، فإن رقة حال أسرته لم تمكنه من إكمال دراساته، فحاز تعليماً مدرسياً محدوداً، غير أن رغبته في اكتساب المعرفة كانت هائلة، فأضحى مثقفاً ملماً بمختلف المعارف عبر مطالعاته الغزيرة لأمهات الكتب الغربية.

تقول إحدى المرويات عن لنكولن، إنه وفيما كان يعمل في متجر للمواد الغذائية، وجد كتب المواد الدراسية الخاصة بالقانون في جامعة نيويورك، وعليه فقد قام بدراستها بتركيز وتقدم إلى الجامعة واجتاز امتحان المحاماة، وإن كانت بعض المصادر الأخرى تقول إنه في عشرينات عمره درس القانون بتشجيع من أحد أعضاء المجلس التشريعي بمنطقته، لكنه لم يحصل على شهادة جامعية، فيما رواية ثالثة تقطع بأن لنكولن وبعد أن بدأ حياته العملية في العديد من المهن المتواضعة، تم انتخابه قائداً لميليشيات ولاية إلينوي خلال حرب "بلاك هوك"، مع الهنود الحمر. ثم مارس المحاماة إثر دراسته الحرة للقانون وحصوله على رخصة بمزاولتها عام 1836، وبواسطتها اكتسب شعبية كبيرة وتحسنت أحواله المالية إلى حد أنه استغنى عن عمله فيها.

عام 1841، تعرف لنكولن إلى زوجته ماري تود، التي تنتمي لعائلة ثرية تعمل في مجال تجارة الرقيق في ليكسنغتون بولاية كنتاكي، وفي نوفمبر 1842، أقيم حفل الزفاف بقصر تملكه أخت ماري المتزوجة في منطقة سبرنغفيلد، ويُروى أن لنكولن أثناء استعداده لمراسم الزفاف سئل: "إلى أين أنت ذاهب؟"، وتحت تأثير القلق مجدداً، أجاب: "للجحيم على ما أظن".

بداية مسيرة لنكولن السياسية

يمكن القول بأن هناك مراحل سياسية مختلفة مر بها لنكولن في طريقه إلى الرئاسة وقد بدأت بترشحه عام 1832 لعضوية الجمعية العمومية بولاية إلينوي عن حزب "الويغ"  Whig Party، اليميني، الذي تحول في ما بعد إلى "الحزب الجمهوري" وأصبح من ساعتها الحزب الأبرز في البلاد إلى جانب الحزب الديمقراطي.

اشتهر لنكولن في هذه الفترة بمعارضته الشديدة للحرب الأميركية- المكسيكية (1846-1848)، التي نشبت في ذلك الوقت، والتي اعتبرها اعتداء صارخاً من أميركا على دولة أخرى.

كاد هذا الموقف أن يكلفه حياته السياسية، ويقضي على مستقبله في الترقي، وربما لم يكن يوماً يحلم بمنصب الرئاسة الأميركية.

اتهم لنكولن الرئيس الأميركي وقتها، جيمس بولك، (1795-1849)، بأنه السبب وراء اشتعال هذه الحرب، غير أنه بعد انتصار أميركا الكبير على المكسيك وضمها لأراض واسعة مثل تكساس وكاليفورنيا كنتيجة للحرب، فإن شعبيته انحدرت بشكل كبير بسبب مواقفه المعارضة لها، فانسحب من انتخابات المجلس التشريعي لعام 1848، وعاد إلى ممارسة المحاماة.

مثّل لنكولن مقاطعة سانغامون في مجلس نواب إلينوي في دورات 1836، و1838، و1840، و1856، وبعدها التحق بالحزب الجمهوري عند تأسيسه وأصبح أحد مرشحيه لمجلس الشيوخ عام 1858.

لم يفز لنكولن بترشيح حزبه لمجلس الشيوخ، غير أنه فاز بعضوية مجلس النواب، حيث خدم لفترة واحدة مدتها سنتان.

كان لنكولن العضو اليميني الوحيد في وفد إلينوي، وهناك بدأت قدراته السياسية في التجلي لعموم الأميركيين، واتضح ولاؤه للحزب الجمهوري بشكل مؤكد.

شارك لنكولن في جمع الأصوات وإلقاء الخطب، التي دوت في خط الحزب.

في تلك الآونة اختمرت في ذهن لنكولن فكرة إلغاء الرق والعبودية، ذلك أنه بالتعاون مع عضو الكونغرس جوشوا آر. جيدجنز، كتب لنكولن وثيقة إلغاء الرق في مقاطعة كولومبيا مع تعويض للمالكين، وتنفيذ القبض على العبيد الهاربين وإجراء تصويت شعبي على هذه المسألة.

وعلى رغم أن مشروع لنكولن هذا قد أخفق في جمع الأصوات اللازمة، وتخليه الظاهر عن هذه الوثيقة، إلا أن الأمر كان يختمر في ذهنه، ويوماً تلو الآخر راح المشروع يتصاعد ليضحى فكرة حياته، بل الأمر الذي سيكلفه حياته.

أوضاع الرق في الداخل الأميركي

ربما يصدم المرء اليوم، حين يدرك كيف كان فكر العبودية متغلغلاً في روح أميركا وجسدها في منتصف القرن التاسع عشر، حين كان لا يزال مسموحاً به لا سيما في الولايات الجنوبية.

كانت الولايات الشمالية تبغض العبودية، ولهذا قامت بحظرها، أما الولايات الكونفيدرالية في الجنوب، فقد ظلت متمسكة بالاستعباد، إلى أن بلغ الأمر بها حد إعلان الانفصال.

كانت معارضة لنكولن للرق والعبودية، قائمة على أساس أنها تنتهك مبادئ الجمهورية التي وضعها الآباء المؤسسون، وبخاصة في ما يعني بالمساواة بين كل الرجال والحكم الديمقراطي الذاتي، كما ورد في إعلان الاستقلال.

دخل لنكولن في غالب الظن التاريخ من خلال خطابه الشهير المعروف باسم "خطاب بيوريا"، الذي ألقاه في السادس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1854.

في هذا الخطاب، أعلن لنكولن معارضته للاستعباد الذي كرره وهو في طريقه للرئاسة.

تحدث لنكولن بلكنته الكنتاكية مع صوته القوي جداً قائلاً: "إن قانون كنساس يعلن التفرقة، وكما أعتقد أنه يبث الحماسة بسرية لنشر الاستعباد، ولا يسعني إلا أن أكره ذلك، أكره ذلك بسبب ظلم ووحشية الاستعباد نفسه".

شهدت تلك الفترة ما عرف باسم "مزيف كانساس"، وهو الاسم الذي أطلق على سلسلة من المواجهات المدنية العنيفة في الولايات المتحدة بين عامي 1854 و1861، التي نشأت بسبب الجدال السياسي والأيديولوجي، حول شرعية العبودية في ولاية كانساس المقترح إنشاؤها.

اتسم الصراع بسنوات من الغش الانتخابي والغارات والاعتداءات والقتل التي حدثت في كنساس وميزوري المجاورة من خلال المؤيدين للعبودية والمناهضين لها.

هل يمكن اعتبار لنكولن أحد أصحاب المبادئ الأخلاقية التي غيرت من أميركا طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً؟

الشاهد أنه في السابع والعشرين من فبراير عام 1860، دعي لنكولن لإلقاء خطاب في اتحاد "كوبر" لمجموعة من قادة الحزب الجمهوري الأقوياء.

أوضح لنكولن في خطابه كيف أن الآباء المؤسسين لهم عامل مؤكد في السيادة الشعبية، وقد سعوا مراراً للحد من الرق. وأصر على أن الأساس الأخلاقي للحزب الجمهوري يتطلب معارضة الرق، ويرفض أي "التماس لبعض التوسط بين الصواب والخطأ".

وعلى رغم مظهر لنكولن غير الأنيق، الذي اعتقد العديد من الناس أنه محرج وقبيح، إلا أنه أظهر قيادة فكرية، وهذا ما أوصله إلى الصفوف الأولى للحزب، ومن ثم هيأ له الطريق للمنافسة في الانتخابات الرئاسية.

كتب الصحافي الأميركي نوح بروكس (1830 -1903)، يقول: "إنه لا يوجد على الإطلاق إنسان في أي وقت مضى، صنع مثل هذا الانطباع في مرحلته الاستئنافية الأولى لجمهور نيويورك، مثلما فعل لنكولن في تلك الليلة".

أما المؤرخ الأميركي دافيد كوفينغتون، (1928- 2002)، فقد وصف الخطاب بأنه خطوة سياسية ممتازة لمرشح لم يعلن عنه، ليظهر في الولاية الخاصة بمنافس واحد، وليام أتش سيوارد.

الحملة الانتخابية والطريق للرئاسة

عُرف لنكولن في طريق ترشحه لرئاسة البلاد، باسم مرشح "السكة الحديد"، فقد لازم والده في العمل على الجبهات الحدودية طويلاً.

من ولاية إلينوي، انطلقت حملة ترشح لنكولن للرئاسة وقد كان ذلك في مايو (أيار) من عام 1860.

شهدت حملة لنكولن جدالاً طويلاً حول إشكالية العبودية، والخلافات بين الولايات الشمالية والجنوبية.

كان لنكولن هو الوحيد الذي لم يلق خطاباً، بالمقابل فقد قام بذكر الحملة الانتخابية عن قرب، واعتمد على حماسة الحزب الجمهوري.

لم يتوان داعموه من الحزب الجمهوري في الولايات الشمالية، عن الانخراط في الحملة، فاجتهدوا كثيراً جداً في توزيع الملصقات ورفع اللافتات، ومشاركة المنشورات، عطفاً على كتابة افتتاحيات الصحف.

كان هناك آلاف المتحدثين الجمهوريين الذين قاموا بالتركيز أولاً على البيان السياسي والرؤية الأيديولوجية للنكولن.

كما أن التركيز على قصة حياته، احتلت عقول وقلوب ملايين الأميركيين، الذين رأوا في طفولته الصعبة، ومن ثم رحلة كفاحه، خير دليل على قدرته الفائقة لقيادة البلاد، إذ كيف لصبي مزرعة عادي أن يشق طريقه للقمة بجهده الخاص.

والثابت أنه على رغم هشاشة أوضاع الصحافة في ذلك الوقت المبكر من تاريخ أميركا، إلا أن حجم الإنتاج الأدبي الذي أظهرته الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري من القضاء على كل معارضة له، فقد أنتجت صحيفة "تربيون" في شيكاغو كتيباً يحتوي تفاصيل حياة لنكولن، وقد باع حوالى مئتي ألف نسخة.

بدا وكأن فوز لنكولن بات وقتها محسوماً، لكن وراء الأكمة كانت تختبئ ثورات وفورات، سوف تضحى تكلفتها غالية جداً على الصبي المكافح، وكأن الأقدار كانت له بالمرصاد.

لنكولن رئيساً للولايات المتحدة

عشية السادس عشر من نوفمبر، من عام 1860، تم انتخاب لنكولن ليضحى الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، وليحقق فوزاً كبيراً على منافسه ممثل حزب الجنوب الديمقراطي ستيفن دوغلاس.

يكاد المحلل المحقق والمدقق لقصة رئاسة لنكولن القطع بأنه ومنذ اللحظات الأولى لرئاسته، باتت أميركا وكأنها انشقت على ذاتها، فقد صوتت له الولايات الشرقية والغربية، أما في الجنوب، فقد رفضت التصويت له عشر ولايات من أصل 15، وفاز فقط باثنتين.

في خطاب التنصيب الذي ألقاه في 4 مارس (آذار) 1861، أعلن لنكولن رفضه لانفصال الولايات الجنوبية ولدستورها الذي اعتبره باطلاً، وأكد تصميمه على بقاء الولايات الأميركية موحدة كما كانت.

لم يطل الانتظار بعد فوز لنكولن، فقد أعلنت ولاية كارولينا الشمالية رغبتها في الانفصال، ويمكن القول إنها أخذت زمام المبادرة بالإعلان عن مرسوم الانفصال، في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1861.

تالياً ومع بدايات فبراير (شباط)، تبعتها ولايات فلوريدا، وميسيسبي، وآلاباما، وجورجيا، ولويزيانا، وتكساس.

لاحقاً أعلنت ست من هذه الولايات دستوراً موحداً يكشف عن دولة مستقلة.

رفض الرئيس (المنتهية ولايته) جيمس بوكانان والرئيس المنتخب لنكولن الاعتراف بالتحالف الكونفيدرالي، حيث أعلنا أن الانفصال غير قانوني في الوقت الذي تم اختيار جيفرسون ديفيس رئيساً موقتاً له في 9 فبراير عام 1861.

تجاهل الجنوبيون دعوته الرافضة لانفصال ولاياتهم، الأمر الذي أدى إلى تفجر الحرب الأهلية التي بدأت في 12 أبريل (نيسان) بين الولايات الشمالية والجنوبية، واستمرت قرابة أربعة أعوام إذ انتهت عام 1865، بانتصار ولايات الشمال تحت راية الاتحاد الفيدرالي بقيادة الرئيس أبراهام لنكولن.

نهاية العبودية على الأراضي الأميركية

خلال سنوات الحرب بات جلياً أن لنكولن ماض إلى نهاية الطريق للخلاص من العبودية على الأراضي الأميركية، غير أنه اكتشف أن سلطة الحكومة الفيدرالية على مسألة إنهاء نظام العبودية مقيدة بالدستور الذي كان قبل عام 1865، يلزم كل ولاية باتخاذها قرارها الفردي بشأن نظام العبودية.

قبل وأثناء انتخابه ظل لنكولن يناقش ويجادل مع ولايات الجنوب للخلاص من إرث الرق، فقد كان الإيمان يملؤه بأن تقليص العبودية بهذه الطريقة سيخلصهم منها بطريقة اقتصادية وموافقة للدستور، كما تصور الآباء المؤسسون.

في التاسع عشر من يونيو (حزيران) عام 1862، أصدر الكونغرس قرار حظر العبودية في جميع الأراضي الاتحادية بعد أن أقر ذلك الرئيس لنكولن. وفي يوليو (تموز) عام 1862 تم تمرير ما يعرف بـ"قرار المصادرة الثاني"، الذي ينص على تحرير عبيد كل من يُدان بمساعدة المتمردين.

وعلى رغم معرفة لنكولن بأن الكونغرس لن يستطيع تحرير العبيد في الولايات، إلا أنه وافق على مشروعية القانون احتراماً للهيئة التشريعية.

لم تكن قصة تحرير العبيد في زمن لنكولن يسيرة، فقد سارت عبر مزالق ومنعرجات طوال أربع سنوات، واحتاج الأمر للخلاص من إرث الرق لعقود، حتى ينمحي من الصدور.

كانت نجاحات لنكولن في ولايته الأولى الطريق الذي مهد له ولايته الثانية، حيث حقق انتصاراً ساحقاً في جميع الولايات باستثناء ثلاث، واستحق 78 في المئة من أصوات اتحاد الجنود.

ظل الجنوب حانقاً على لنكولن، فقد كانت ولايات زراعية ما خلق بيئة فكرية وثقافية مختلفة، وعدم الرغبة في تغيير نمط حياتها، إذ اعتمدت بالأساس على محاصيل القطن والتبغ، وغيرها من السلع التي تدر دخلاً مرتفعاً، لذلك كانت تعتمد بشكل كبير على العمالة التي لم تكن متوافرة بين طبقة ملاك الأراضي، ما دفعهم إلى الاعتماد على الرق لزراعة الأراضي.

من هنا يرجح العديد من المؤرخين أن الموقف من العبودية كان السبب الأساسي وراء اندلاع الحرب الأهلية، لا سيما مع اختلاف التركيبة الاقتصادية للبلاد، ما أسهم في حدوث استقطاب مجتمعي بين ولايات زراعية في الجنوب، وولايات شمالية متنورة تعتمد على الصناعة، والأعمال التجارية، واهتمت بالتعليم والاقتصاد الحر، الأمر الذي يكاد يكون قد قسم البلاد بالفعل.

طريق العظمة والنهاية المأساوية

لعقود طوال تالية، تكشف لدى عموم الأميركيين الدور التأسيسي الجديد الذي أضافه أبراهام لنكولن للولايات المتحدة، لا سيما أنه قدر له أن يخرجها من غيابات جب العبودية، إلى استنارة حرية الإنسان.

على أن هناك كذلك جزئيات مهمة في مسيرة لنكولن الداخلية تكاد تكون غير واضحة المعالم للكثيرين، فعلى سبيل المثال يرجع إليه توحيد النظام المصرفي الذي كان لعائلة روتشيلد هيمنة وافرة عليه، وهناك من المؤرخين من يذهب إلى أن تجمعات المال في الداخل الأميركي كانت وراء إطالة أمد الحرب الأهلية، كي تتمكن من السيطرة على حركة الاقتصاد الداخلي وحول العالم.

هل كان لنكولن أول صوت في الداخل الأميركي، ينذر ويحذر من "اللوبي المالي"، كما سيجيء بعده بعقود، الرئيس دوايت إيزنهاور، ليحذر بدوره من تبعات "المجمع الصناعي العسكري"؟.

من المواقف التي لا تزال نابضة بالحيوية، والتي اهتم بها لنكولن، معارضته لفكرة البنك المركزي الاتحادي، فقد قال في أحد خطاباته: "إن القوى المالية في الدولة تصلي للشعب وقت السلم، وتتآمر عليه في المحن، وإن ذلك أكثر استبداداً من الملكية وأكثر شراسة من الحكم المطلق وأكثر أنانية من البيروقراطية".

وأضاف: "إنني أرى في المستقبل القريب أزمة قادمة تستفزني وتصيبني بالارتعاش خوفاً على سلامة الوطن. لقد تم تتويج الشركات، وسيتبع ذلك عصر من الفساد تسعى فيه القوى المالية لإطالة أمدها على حساب مصلحة الشعب، حتى تتجمع الثروة في أيدي البعض ويفنى الشعب".

هل كانت الرصاصات التي وجهت إلى رأس لنكولن أثناء عرض في مسرح فورد (15 أبريل 1865) وراءها عصابة تآمرت عليه، انتقاماً منه على تدابيره المالية للولايات المتحدة؟

تبقى هذه الفرضية واردة، وتبقى روح الانتقام من جانب ولايات الجنوب كذلك، كما أن سيناريو الاغتيال ذاته يحمل على الاعتقاد بأن الرجل راح ضحية لقصة ماورائية أشد بأساً مما حكته صفحات التاريخ.

غير أنه وفي كل الأحوال، بقي لنكولن حاضراً في ضمائر الأميركيين، أولئك الذين خلدوه، ولم يفعلوا الأمر نفسه مع رئيسهم الأول جورج واشنطن، بإقامة نصب تذكاري له أمام الكونغرس عام 1920، فيما أصبحت شخصيته ملهمة للعديد من السياسيين على مدار عقود.

المزيد من تحقيقات ومطولات