Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منها الأقدم والأغرب والأطول... نبذة عن تاريخ دساتير العالم

اعتمدت بولندا أول دستور مكتوب لها عام 1791 ثم تبعتها فرنسا وخلاف بين المؤرخين حول تصنيف "شريعة حمورابي"

نسخة مطبوعة نادرة من دستور الولايات المتحدة كما اعتمدها مندوبو الولايات في فيلادلفيا عام 1787 (رويترز)

ملخص

يعتبر دستور الهند الأطول في العالم، بينما دستور إمارة موناكو أقصرها. أما المملكة المتحدة فليس لديها دستور مكتوب واحد

يتفق المؤرخون أن أول الدساتير المكتوبة تعود إلى المدن اليونانية التي كانت دولاً متفرقة قبل أن تتحد في إطار الإمبراطورية، وبدأت معظم هذه الدساتير كقواعد عرفية ثم صارت ثابتة بمرور الزمن على رغم التعديلات التي طرأت على معظم بنودها مع اتساع الإمبراطورية والتقدم الحضاري.

ليس من السهل تحديد أول دستور في المجتمعات البشرية ولا الدستور المكتوب دفعة واحدة من بينها، على رغم أن المؤرخين الأميركيين يقولون إن دستورهم كان أول دستور مكتوب بالكامل، أما التعديلات الدستورية التي طرأت فضمت إليه كملاحق بحسب الظروف والحاجات الدستورية والاجتماعية والوطنية.

هناك مؤرخون كثر يعتبرون أن شريعة حمورابي هي أولى الشرائع المكتوبة بشكل واضح ومتسلسل، لكن المعترضين لا يعتبرونها دستوراً بقدر ما كانت قوانين تنظم العلاقات الاجتماعية بين المواطنين من جهة وبينهم والسلطات من جهة أخرى، ومن هنا ينطلق الخلاف بين المؤرخين حول أي سابق على الآخر، الدساتير الوطنية أم القوانين التي تحكم علاقات المواطنين في ما بينهم.

وعلى رغم أن الدستور الأميركي استمد قواعده من مصادر عديدة ومختلفة أولها الدستور الملكي البريطاني والدستوران البولندي والهولندي، إلا أنه بمجرد التصديق عليه أصبحت فكرة الدستور المكتوب دفعة واحدة شائعة بين جميع دول العالم. واعتمدت بولندا أول دستور مكتوب لها في ربيع عام 1791 ثم تبعتها فرنسا بأول دستور مكتوب لها في وقت لاحق من ذلك العام، ثم بلغ عدد الدساتير الفرنسية المتبدلة أربعة في تسعينيات القرن الـ18 بسبب الثورات المتعاقبة والانتقال بين الجمهورية والإمبراطورية ثم الجمهورية النابليونية ثم الإمبراطورية.

وأنتجت الثورات الأوروبية عام 1848 عشرات الدساتير الجديدة في ذلك العام وحده، على رغم أن قليلاً منها استمر العمل به، فقد تميزت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بتغيير الدساتير في معظم أنحاء العالم بمجرد تغيير السلطات الحاكمة أو بسبب الثورات كالثورة الروسية البلشفية أو بسبب انهيار إمبراطوريات كبرى بعد الحرب العالمية الأولى كالإمبراطورية العثمانية والنمساوية أو بسبب زوار الاستعمار والاحتلال في معظم دول العالم ما بين الحربين العالميتين، وبقيت المملكة المتحدة ونيوزيلندا وإسرائيل مستثناة من دساتير مكتوبة ونهائية.

وتميزت الدساتير الجديدة في الدول التي نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية بأنها أطول بكثير من مثيلاتها في الإمبراطوريات الزائلة، بسبب تناولها لأمور أكثر تفصيلية وإدارتها لمؤسسات أكثر تشعباً وحداثة، فباتت الدساتير تحكم عمل المؤسسات السياسية والعسكرية والتمثيلية والقضاء والجيش والبنوك المركزية وغيرها من المؤسسات الحديثة التي ظهرت في الدول الناشئة.

ويعتبر دستور الهند أطول دستور في العالم، بينما دستور إمارة موناكو أقصرها، ويبلغ طول النسخة الإنجليزية من الدستور الهندي نحو 145000 كلمة، مع ذلك فهو لا يتعدى ثلث دستور ولاية ألاباما في الولايات المتحدة الأميركية الذي يحتوي على ديباجة و448 مادة في 25 جزءاً و12 جدولاً و5 ملاحق. أما المملكة المتحدة فليس لديها دستور مكتوب واحد، على رغم أن المبادئ الأساسية مكتوبة في عديد من قوانين الهيئات التشريعية والمعاهدات وتم تثبيتها في أحكام المحاكم. وكغيره من دساتير دول العالم تأثر دستور الهند بالدساتير الأخرى، على سبيل المثال استعارة مفهوم الجنسية الواحدة والإجراءات التشريعية من المملكة المتحدة، بينما استعار وثيقة الحقوق والهيئة الانتخابية والمراجعة القضائية من الولايات المتحدة الأميركية، وهناك مواد كثيرة في هذا الدستور مأخوذة من دساتير إيرلندا وأستراليا وكندا وجنوب أفريقيا واليابان وفرنسا.

تعديلات دستورية غريبة

شهد الدستور الأميركي مقترحات للتعديل لم ينجح معظمها، مثل المطالبة بموازنات متساوية للفيدراليات أو تعريف الزواج على أنه اتحاد بين رجل وامرأة أو ضمان حقوق متساوية للمرأة والرجل أو حظر تدنيس العلم وغير ذلك من مقترحات تم تقديمها إلى الكونغرس في الولايات المتحدة الأميركية وبلغ عددها 11 ألف مقترح تعديل دستوري منذ سن الوثيقة التأسيسية في عام 1789. فالتعديل الدستوري يتطلب غالبية الثلثين في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركي، أو إلى مؤتمر دستوري يدعو إليه ثلثا المجالس التشريعية للولايات، ثم يجب التصديق على التعديل من قبل ثلاثة أرباع الولايات أي من 38 من أصل 50 ولاية، وصمم الآباء المؤسسون العملية الدستورية لتكون صعبة لكنها ليست مستحيلة، ولهذا السبب فإنه من بين آلاف التعديلات المقترحة تم تكريس 27 تعديلاً فقط في الدستور الأميركي مكرساً في الدستور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الأمثلة على التعديلات الدستورية الغريبة التي تم اقتراحها في عام 1861، جعل العبودية قانونية إلى الأبد من قبل سيناتور نيويورك ويليام سيوارد ونائب أوهايو توماس كوروين، وهذا على رغم إلغاء العبودية غير الطوعية في الولايات المتحدة حينها، إلا أن عدم تماسك الأمة الأميركية بين ولايات الشمال والجنوب كاد يجعل هذا التعديل سارياً لولا بدء الحرب الأهلية بحلول نهاية عام 1860. وكان هذا التعديل يهدف إلى إعطاء الولايات الجنوبية والحدودية في الشمال سبباً للبقاء في الاتحاد، وكاد هذا الاقتراح أن يلقى قبول محرر العبيد الأول أبراهام لنكولن بعد أن أقره كل من مجلسي النواب والشيوخ وصدقت عليه ثلاث ولايات قبل أن تتوقف العملية بسبب الحرب الأهلية الأميركية والتي انتهت بتحرير العبيد بشكل كامل.

أما اقتراح تعديل الدستور الأكثر غرابة فكان تسمية الولايات المتحدة الأرضية بدلاً من الأميركية بعد أن اعتقد النائب عن ولاية ويسكونسن لوكاس ميلر أن الكهرباء ستسهل خياطة جميع دول العالم معاً كجزء من الولايات المتحدة، فتعاد تسمية البلاد باسم "الولايات المتحدة للأرض"، بحسب تحقيق حول التعديلات الدستورية أجرته صحيفة "نيويورك تايمز.

الدساتير المرنة والنصوص الغريبة

هناك اتفاق بأن كلمة الدستور ليست عربية الأصل إذ لم تذكر القواميس العربية القديمة هذه الكلمة، ولهذا فإن البعض يرجح أنها كلمة فارسية الأصل دخلت إلى العربية عبر التداول، وتحمل معنى "التأسيس" أو "التكوين" أو "إحقاق التنظيم". وفي المبادئ العامة للقانون الدستوري يعرف الدستور على أنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين فيها سواء تم فصل بين المعتقدات الدينية والأيديولوجيا أو كانت جزءاً من النظام.

والدستور يشكل موجز الإطار الذي تعمل الدولة بمقتضاه في مختلف الأمور المرتبطة بالشؤون الداخلية والخارجية. وتتنوع الدساتير بين المرنة التي يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أي بواسطة السلطة التشريعية كالدستور الإنجليزي. والدساتير الجامدة التي يستلزم تعديلها إجراءات أشد كدستور أستراليا الفيدرالي الذي يتطلب موافقة غالبية مواطني الولايات، إضافة إلى غالبية الأصوات على المستوى الفيدرالي. وبعض الدساتير تحتوي على مواد محصنة يصعب أو يستحيل تغيير أجزاء منها. وهناك الدساتير المطولة التي تناقش وتنظم مسائل كثيرة ومتعددة وتفصيلية مثال دستور الهند لعام 1950 ودستور الاتحاد السوفياتي لعام 1977. أما الدساتير المختصرة فهي الدساتير التي تقتصر على الموضوعات المهمة من دون التطرق للتفاصيل مثال دستور دولة الكويت عام 1961. وفي معظم دول العالم يمثل الدستور أعلى قانون في البلاد، على رغم أن بعض الدول تعتبر المعاهدات التي تعقدها مع دول أخرى أعلى قوة من الدستور.

 

وترد في عدد من الدساتير عبارات تبدو غير مألوفة في وقتنا الراهن، إلا أنها لا تزال فاعلة كما دستور إيرلندا الذي يعتبر فريداً بين دساتير أوروبا من حيث عباراته الدينية التي تبرز الاعتقاد الكاثوليكي في الديباجة التي تقول "باسم الثالوث الأقدس، الذي منه تصدر كل السلطات، وإليه تنتهي حتماً كل أفعال الرجال والدول". وتمضي الديباجة "نحن شعب إيرلندا، ندرك في تواضع واجباتنا تجاه سيدنا المقدس يسوع المسيح، الذي حفظ آباءنا عبر قرون من الفتن".

ومن غرائب المواد الدستورية ما ورد في "التعديل الثالث" للدستور الأميركي، "لا يجوز في زمن السلم إيواء أي جندي في أي منزل من دون موافقة مالكه، ولا في زمن الحرب، إلا وفقاً لما يحدده القانون". وفي أعقاب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية جاء في دستور اليابان الجديد لعام 1946 التخلي للأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة، وهي المادة التي لا تزال تثير الجدل حتى اليوم، وتستفز مشاعر يابانيين كثر من أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وجاء في المادة التاسعة من الدستور الياباني: "لطموحه الصادق إلى سلام عالمي قائم على العدل والنظام، يتخلى الشعب الياباني للأبد عن الحرب كحق سيادي للأمة، وعن التهديد بالقوة، أو استخدامها، كوسيلة لحل النزاعات الدولية".

وتتبنى مملكة بوتان البوذية الواقعة في جبال الهمالايا دستوراً يسعى "لتشجيع الظروف التي تمكن من تحقيق السعادة الإجمالية". أما دولة الإكوادور فينص دستورها على أن الطبيعة صاحبة حقوق، على غرار الأفراد والطوائف التي تعيش في البلاد. وجاء في ديباجة الدستور "نحن النساء والرجال، شعب الإكوادور ندرك جذورنا التاريخية التي غرسها نساء ورجال من شعوب شتى، ونحتفي بالطبيعة باتشا ماما (الأرض الأم)، التي نحن جزء منها والتي هي ضرورة لوجودنا".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير