Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مجزرة الطحين"... شهادات ناجين على دوار النابلسي

سقط 112 فلسطينياً بالرصاص أثناء حصولهم على المساعدات والجيش الإسرائيلي يعلن مقتلهم بالتدافع وسط إدانات دولية

لم يول الفلسطينيون قوات الجيش اهتماما وسط المجاعة التي يعاني وطأتها أطفالهم  (اندبندنت عربية)

ملخص

كانت هناك طائرات "كواد كابتر" والقناصة منتشرون عند دوار النابلسي شمال غزة حيث مكان "مجزرة الطحين". هذه شهادات حية لـ"اندبندنت عربية" حول تفاصيل الحادثة

في الساعات الأولى من أمس الأول الخميس خرج منير الشوا برفقة إخوته الثلاثة من بيتهم في الجزء الشمالي من قطاع غزة، إلى شارع الرشيد الذي يحاذي البحر، وأخذوا ينتظرون دخول شاحنات المساعدات الغذائية المحملة بأكياس الطحين.

طائرات "كواد كابتر" وقناصة

ما إن وصل منير إلى دوار النابلسي، وهو المكان الذي تقف عنده شاحنات المساعدات الإنسانية المسموح لها بالمرور من جنوب القطاع إلى شمال غزة، وجد عشرات الآلاف من السكان الجائعين ينتظرون مثله المعونات ويأملون أن تحوي أكياساً من الدقيق.

كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، عندما وصل منير إلى مكان توقف الشاحنات، وهناك وجد ثلاث دبابات إسرائيلية متمركزة في المكان، وسمع وشاهد عشرات الطائرات المسيرة من نوع "كواد كابتر" المعدلة التي يمكنها أن تطلق الرصاص، وكانت تحلق على مستوى منخفض، فضلاً عن رصده عشرات الجنود القناصة في محيط المنطقة.

اعتقد منير أن وجود الجيش الإسرائيلي أمر عادي مرتبط بأحداث الحرب، يقول "كانت زيارتي الأولى لدوار النابلسي، وأنا لست محللاً عسكرياً لأفهم ما يجري، الجوع الذي دفعني إلى الذهاب هناك، في بيتنا 60 شخصاً وجميعنا لم نتناول الطعام منذ أسبوعين تقريباً، كان أملي الحصول على كيس من الدقيق".

 

إعادة رسم المشهد

بحسب الشهادة التي أدلى بها منير، وأعاد من خلالها رسم تفاصيل حادثة "مجزرة الطحين"، فإنه "عند الساعة الثالثة فجراً، وصلت قافلة المساعدات الإنسانية وكانت عبارة عن ثماني شاحنات، تقدمت دبابة وتوقفت أمام الشاحنة وأخذت تسير ببطء شديد وخلفها تتحرك القافلة، وبعيداً تقف دبابتان توجهان مدفعيتهما نحو الجائعين".

بسرعة تزاحم الجائعون واعتلوا الشاحنة الأولى وأخذوا يفرغون حمولتها، يضيف منير "كانت مكدسة بأكياس الطحين بوزن 25 كيلوغراماً، فيما كانت الدبابة ما زالت تقف، ولم يعرها أي شخص اهتمام، وكان الجميع يحاول الحصول على دقيق، مشغولون بذلك".

يكمل منير، "عند الرابعة فجراً، أطلقت الدبابة التي تقف أمام شاحنة المساعدات الإنسانية أول رصاصة على صدور الجائعين، وحينها انقلب المشهد، أخذ الناس يسقطون موتى على الفور، وفي نفس اللحظة فتحت طائرات (كواد كابتر) رشاشاتها، ثم سمعنا صوت أعيرة نارية من القناصة".

الدم كالشلال

بحسب الشاب فإن رصاص الدبابة تركز على الأشخاص الذين اعتلوا شاحنة المساعدات وكانوا يعملون على إنزال أكياس الطحين، وهذا ما ترتب عليه أن أصبح الدم كالشلال يسيل على الدقيق، وتحول المشهد إلى حدث مهول مخيف.

لم يشعر الجائعون بالخوف، وواصلوا الركض نحو الشاحنات على رغم إطلاق النار عليهم، إلا أن طائرات "كواد كابتر" واصلت فتح رشاشاتها، وأخذ الأشخاص يسيرون فوق الجثث والجرحى، يوضح منير أن الجوع الكافر هو الذي قتل مشاعر سكان غزة.

وبينما كان الناس يتدافعون للوصول إلى الدقيق، أطلقت الدبابتان البعيدتان قذيفتين نحو الجائعين، وهذا تسبب في سقوط عشرات الضحايا ومئات الجرحى، ويشير منير إلى أن الجيش بعدها انسحب من المكان بطريقة سريعة وواصل الأشخاص عملية تفريغ شاحنات المساعدات على رغم أنها كانت غارقة بالدم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خاف منير كثيراً على روحه، ولم يتشجع على التقدم مع الجائعين مثله، وهذا حرمه من الحصول على كيس دقيق ليطعم به أطفاله الجائعين منذ أيام طويلة، لكنه يرى أنه نجا بنفسه من الموت المحقق.

بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإنه سقط في هذه الحادثة 112 ضحية جميعهم قضوا بأعيرة نارية تركزت في منطقة الصدر، فيما أصيب أكثر من 750 جريحاً معظمهم في أطرافهم السفلية.

أخذت هذه الحادثة اهتماماً كبيراً بين سكان غزة، وأطلقوا عليها "مجزرة الطحين"، وسخط الناس من عجز الفصائل الفلسطينية عن محاولة مساعدة سكان شمال القطاع، الذين يعانون مجاعة حقيقية، وطالبوا بإنهاء الحرب بأي ثمن كان لأجل تفادي مثل هذه الحوادث.

المصاب يموت دهساً بالأقدام

وفي شهادة أخرى استمعت لها "اندبندنت عربية"، يقول معتز "ذهبت كثيراً إلى منطقة النابلسي، وبالعادة كانت الدبابة تقف أمام القافلة لبضع دقائق ثم تغادر المكان، مسار حركة الآلية العسكرية اعتدنا عليه على مدى الأسابيع الماضية، لكن يوم الحادثة بقيت الدبابة في مكانها".

استطاع معتز الحصول على طردين غذائيين وكيس دقيق، وفور إطلاق النار هرع هارباً، لكنه شاهد شقيقه الأصغر مصاباً، فألقى بالمساعدات، يضيف "خشيت أن تدوسه أقدام الناس وهم يهربون من الرصاص الجنوني، كان المشهد مرعباً والكل يحاول النجاة بحياته".

يتابع "كان الظلام يعم المكان، وأي شخص يصاب يبقى ملقى على الأرض وعلى أحد يسعفه، كأنه يوم القيامة، الجميع يهرب ويسقط القتلى، والصراخ في كل مكان، والدبابات تتحرك وتطلق النار، الخوف كان سيد الموقف".

 

القفز فوق الجثث

من موقع آخر شاهد مصعب مجزرة الطحين، يقول "كنت نائماً في سيارتي، وسمعت صوت إطلاق نار كثيف، شاهدت الأعيرة النارية تسقط من السماء، حينها ركضت ولا أبالي إما أموت أو أحصل على طحين، قفزت فوق مصابين وجثث".

يضيف "أمسك بقدمي شخص مصاب يبدو أن قدمه مبتورة، وخاطبني قائلاً إذا مستغني عن روحك واصل طريقك لم أعره أهمية، وتقدمت حينها وجدت طحيناً عليه دماً حملته وعدت به، لكن القناص أطلق على يدي الرصاص، على رغم الوجع أمسكت بقوة بالدقيق وواصلت التقدم".

على منصة "إكس"، أدلى محمد مرتجى بشهادته التي جاء فيها "ذهبت لإحضار الطحين، وأنا سائر أمسك شاب بقدمي وكان يبكي ويقول لي أنا مصاب كان يستنجد بي في لحظاته الأخيرة، ويخاطبني أمانة لو مت وصل كيس الطحين هاد لبناتي الخمسة، لهم أسبوع كامل ما أكلوا وادفني عندهم".

بحسب مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة فإن شمال غزة يعاني نفاد الطحين، واضطر الناس هناك إلى تناوله بعد المجاعة وهو مغمس بدم الضحايا.

يقول الثوابتة "بأفضل الأحوال يحصل الفرد في شمال غزة على رغيفي خبز يومياً كوجبة واحدة غالباً، المجاعة تشتد مع انقطاع الرز، والخضراوات ونفاد المواد التموينية والأساسية".

من المسؤول؟

إسرائيل من جانبها تنصلت من الحادثة. وقال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري إن "حشوداً فلسطينية اعترضوا الشاحنات ونهبوها، مما تسبب في مقتل العشرات نتيجة الازدحام الشديد والدهس، وبعد ذلك شعر جنودنا بخطر على سلامتهم فأطلقوا النار، كانت قواتنا توجد في المكان لتأمين القوافل وحمايتها".

لكن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، يرى أن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول عن الحادثة وليس تدافع الناس، ويقول "زار فريقنا مستشفى الشفاء في شمال غزة، وعاين عدداً كبيراً من الجروح الناجمة عن أعيرة نارية في حادثة مجزرة الطحين".

من جانبها، تقول المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي "رواية إسرائيل في شأن حادثة الطحين غير صحيحة، معظمهم سقطوا نتيجة أعيرة نارية وليس التزاحم".

المزيد من متابعات