Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاقات الروسية– الأرمينية... تباعد حتى الحرب

سيرغي لافروف أشار إلى انهيارها وحذر من أن موسكو قد تتخذ خطوات عملية رداً على صداقة يريفان مع "الأعداء"

لا أحد يتوقع أن تستعيد العلاقات الروسية- الأرمينية زخمها وتعود مياهها إلى مجاريها في المستقبل المنظور (أ ف ب)

ملخص

قصة نعي لافروف للعلاقات الروسية- الأرمينية من تركيا

نعى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، العلاقات الروسية- الأرمينية مشيراً إلى انهيارها، ومحذراً للمرة الأولى من أن موسكو قد "تعيد النظر كثيراً" وتتخذ "خطوات عملية" رداً على صداقة يريفان مع "أعداء روسيا".

وبينما دعا لافروف الحليف الذي يبتعد عن موسكو إلى اتخاذ خيار نهائي، فإن تصريحات القيادة الأرمينية تشير إلى أن هذا الاختيار تم بالفعل، بخاصة بعدما وصفت يريفان الرهان على موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه "خطأ استراتيجي" وتوقعت أن يصبح الغرب، وليس روسيا، الضامن الجديد للأمن والشريك الرئيس لها.

النعي من تركيا

الاعتراف بأن واقعاً جديداً أودى بالعلاقات الروسية- الأرمينية، كان المسؤولون في موسكو ويريفان يعرفونه جيداً لكنهم يفضلون عدم مناقشته، إلى أن جاء على لسان وزير الخارجية الروسي في مؤتمره الصحافي في اختتام منتدى أنطاليا الدبلوماسي في تركيا مطلع مارس (آذار) الجاري.

وكان من بين المشاركين في هذا المنتدى وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان، الذي التقى نظيره التركي هاكان فيدان ونائب وزير الخارجية البريطاني ليو دوكيرتي، من دون أن يطلب عقد لقاء مع لافروف، الذي يتواصل تقليدياً مع ممثلي كل من أرمينيا وأذربيجان.

واضطر وزير الخارجية الروسي لعقد اجتماع هذه المرة مع نظيره الأذربيجاني جيهون بيراموف وحده من دون وزير خارجية أرمينيا.

ولم يخطط لافروف ونظيره الأرمني أرارات ميرزويان لعقد اجتماع ثنائي، وعوّلا على طارئ ما أو حدث جديد يقلل من التوتر المتزايد في العلاقات بين البلدين، ونتيجة لذلك أمضى وزيرا خارجية روسيا وأرمينيا ثلاثة أيام كاملة في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، لكنهما لم يجدا فرصة لإجراء مفاوضات وجهاً لوجه، لذلك نفذ صبر سيرغي لافروف وبقّ البحصة في المؤتمر الصحافي الأخير، فقدم تقييماً مفصلاً للعلاقات مع يريفان.

ولم يتجنب الوزير الروسي الزوايا الحادة واختار صيغ دبلوماسية مبسطة، فتم التعبير للمرة الأولى في التاريخ عن عدد من النقاط الحساسة على لسان ممثل القيادة الروسية العليا في ما يتعلق بأرمينيا التي كانت طوال قرون حليفاً لروسيا في السرّاء والضرّاء منذ العهود القيصرية التي كان فيها هذا البلد جزءاً من الإمبراطورية الروسية، مروراً بالعهود السوفياتية التي أصبحت فيها أرمينيا دولة من دول الاتحاد، وصولاً إلى استقلالها في 1991 وبقائها تدور في الفلك الروسي من دون أن تحيد قيد أنملة.

تحذير روسي

وحذر سيرغي لافروف في مؤتمره الصحافي في تركيا التي تثير الكثير من الهواجس في الذاكرة الأرمينية، قائلاً "إن القول بأن أرمينيا اتخذت المسار الخاطئ منذ 1991 في كل شيء في العلاقات مع روسيا يتطلب بعبارة ملطفة شجاعة سياسية".

وفي هذا الصدد، أشار الوزير الروسي إلى أن استمرار يريفان في مسار تقليص العلاقات قد يجبر موسكو "على إعادة النظر كثيراً في العلاقات الروسية- الأرمينية"، لافتاً إلى أن "تلك التصريحات التي تُسمع يومياً من شفاه القيادة الأرمينية تجعلنا نفكر في ما يحدث على أرض الواقع وكيفية أخذ ذلك في الاعتبار في خطواتنا العملية".

وفي نعيه للعلاقات بين البلدين قال لافروف "لقد قررت القيادة الأرمينية الاعتماد على دول تتودد إلى يريفان من خارج المنطقة، وتعد بمساعدتها في حلّ جميع مشكلاتها، فقط إذا قطعت أرمينيا علاقاتها مع روسيا وهياكل التكامل التي تم إنشاؤها في منطقتنا المشتركة، والغرب لا يخفي ذلك، وهذا هو الهدف الرئيس له في العلاقات مع دول آسيا الوسطى ومع أرمينيا والدول الأخرى في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي".

وتوجه لافروف للقيادة الأرمينية قائلاً "في أرمينيا لسبب ما، يعتقدون أنك بحاجة إلى بناء حياتك ليس بالتعاون مع أقرب جيرانك والشعوب المتضامنة معك تاريخياً، ولكن مع أولئك الذين يعارضون أصدقاءك".

ودعا أرمينيا "لاتخاذ القرار النهائي بشأن وضع عضويتهم المجمدة في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والمشاركة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي لا يزال مثيراً للاهتمام بالنسبة لهم، لأن أرمينيا تتلقى دعماً منه".

وأضاف الوزير الروسي "دعونا نتذكر أنه في العام الأكثر إشكالية بالنسبة للعلاقات مع موسكو، من المفارقات أن أرمينيا أصبحت رئيسة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، وأوضح "هذه ليست الصورة الجذابة للغاية التي تظهر، نود حقاً أن يقرر زملاؤنا وشركاؤنا الأرمن بأنفسهم كيف يريدون الاستمرار في العيش، وكيف يريدون التنفيذ على أساس متبادل للاتفاقيات التي تربطنا في مجموعة متنوعة من هياكل التكامل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل وقت قصير من خطاب الوزير الروسي في أنطاليا، وصف أمين مجلس الأمن الأرميني أرمين غريغوريان اعتماد أرمينيا القوي على روسيا، والذي نشأ مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بأنه "خطأ استراتيجي".

وقال أرمين غريغوريان في مقابلة مع التلفزيون العام الأرميني "في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والعلمية كانت أرمينيا تعتمد بشكل كبير على روسيا، وكان هذا جزءاً من أمننا المشترك، عندما رأينا أن هذا النظام لم يكن يعمل في 2020، بدأنا في اتخاذ خطوات لإيجاد بدائل لضمان الأمن".

ووفقاً لغريغوريان، فإن النظام الأمني "لم يعمل سواء على المستوى الثنائي، الأرميني- الروسي، أو على المستوى المتعدد الأطراف داخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، وبعد أن قررت روسيا عدم مساعدة أرمينيا في حربها آنذاك مع أذربيجان، انهار النظام الأمني بالكامل.

اختيار موسكو

وقال أمين مجلس الأمن الأرميني "اعتباراً من 2020، كان 96 في المئة من إجمالي التعاون العسكري الفني في أرمينيا مع روسيا، لكن منذ يناير (كانون الثاني) 2021، أبرمت أرمينيا عقوداً بمليارات الدولارات مع دول مختلفة وانخفض التعاون مع موسكو إلى أقل من 10 في المئة"، مضيفاً أن هذا كان "اختيار روسيا".

وتصف يريفان "باريس بأنها الشريك الرئيس في ضمان أمن البلاد"، إذ أشار رئيس مجلس الأمن الأرميني بوضوح إلى أن فرنسا تزود بلاده بأسلحة من الدرجة الأولى، لافتاً إلى أن "هذه القضية تحب الصمت، ولا يمكننا الإعلان عن كل ما نتلقاه".

ولم يتجاهل غريغوريان التعاون الاستثماري، قائلاً إن "روسيا قررت عدم الاستثمار في أرمينيا" وانتهى بها الأمر في المركز الثالث العام الماضي، خلف دولتي الإمارات ولوكسمبورغ.

وواصل حديثه "في الأشهر التسعة الأولى من 2023، كانت الإمارات المستثمر الرئيس في أرمينيا بنحو 250 مليون دولار، واحتلت لوكسمبورغ المركز الثاني، تليها روسيا بأقل من 50 مليون دولار".

وأدلى رئيس البرلمان الأرميني ألين سيمونيان بتصريح آخر نهاية الأسبوع الماضي، قال فيه إنهم حاولوا إجبار أرمينيا على الانضمام إلى اتحاد روسيا وبيلاروس، لكن تم إحباط هذه الخطة خلال الانتخابات البرلمانية في 2021، عندما ظلت البلاد تحت قيادة رئيس الوزراء نيكول باشينيان. وتابع سيمونيان "في 2021 عطل الشعب الأرميني الخطة الجيوسياسية الكبيرة".

هزيمة ماحقة

وبدا الخلاف بين موسكو ويريفان بعد الهزيمة الماحقة التي ألحقتها أذربيجان بالقوات الأرمينية في ناغورنو قره باغ، فبينما كانت أرمينيا تعوّل على أن تهب موسكو لنجدتها وتقديم الدعم العسكري والسياسي لها في هذه الحرب، على غرار ما فعلته تركيا مع حليفتها أذربيجان، اكتفت روسيا بلعب دور الوسيط الذي لا يريد فقدان نفوذه في ما وراء القوقاز، وهذا شكّل خيبة أمل كبيرة للقيادة والشارع الأرميني على السواء.

وردّت يريفان على هذه الخيبة، بإجراء مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة الصيف الماضي، وبدأت تغازل حلف شمال الأطلسي من خلال عاصمة الأنوار باريس التي صارت تعتبرها بديلاً لموسكو.

ولا أحد يتوقع أن تستعيد العلاقات الروسية- الأرمينية زخمها وتعود مياهها إلى مجاريها في المستقبل المنظور، على الأقل طالما ظل باشينيان على رأس الحكومة الأرمينية، وظل أنصاره يهيمنون على برلمان البلاد، لكن أرمينيا ستشعر قريباً بعواقب خروجها من بيت الطاعة الروسي، ولا سيما في المجال الاقتصادي، بخاصة عندما تبدأ روسيا في التضييق عليها وعلى اقتصادها وتحرمها من الأسعار التفضيلية التي تمنحها قدرة كبيرة على المناورة، وتبدأ بطرد مواطنيها العاملين في روسيا والذين يحولون أكثر من سبعة مليارات دولار إلى بلادهم كل عام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير