Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الأمعاء الخاوية" تجبر سكان شمال غزة على النزوح جنوبا

يقول الأهالي "صمدنا على رغم القصف والدمار ولكن قرصات الجوع أقسى من الغارات الإسرائيلية"

ملخص

يقول أحد سكان شمال غزة "الشيء الوحيد الذي أجبرني على النزوح ليس القصف الإسرائيلي ولا الدمار المهول وإنما أمعاء صغاري الخاوية"

ما إن وطأت قدماه النصف الجنوبي من قطاع غزة، وجد منتصر مجموعة من الشباب يقدمون له خبزاً ساخناً والقليل من المياه الصالحة للشرب، بلهفة أمسك الرجل الأرغفة اللينة الطازجة وقبلها ثلاث مرات، ثم بكى بحرقة، قبل أن يقدمها لطفلته التي يحملها على كتفيه.

منذ 20 يوماً لم يتناول منتصر الخبز ولم يشرب المياه النظيفة، وقبل هذه المدة كان يأكل علف الحيوانات وطعام العصافير ويشرب من المياه الملوثة، ولما فقد كل ذلك، وبات الجوع يلدغ أمعاءه بشدة، قرر خوض تجربة النزوح.

أمعاء صغاري

ظل منتصر يعيش في حي التفاح شرق مدينة غزة في النصف الشمالي من القطاع، ورفض تجربة النزوح جنوباً، وهناك كان شاهداً على أهوال الحرب الشرسة، وخلال الأشهر الخمسة الماضية ظل متماسكاً، لكن عندما فقد الطعام وأصبح عاجزاً عن توفير غذاء صغاره فكر بالهروب إلى المناطق الإنسانية في الجنوب.

يقول منتصر "عشت أياماً صعبة، شاهدت مجازر حرب، ونجوت من الموت مرات كثيرة، لكن هذا لم يمنعني من البقاء في أرضي، الشيء الوحيد الذي أجبرني على النزوح ليس القصف الإسرائيلي ولا الدمار المهول في غزة، وإنما أمعاء صغاري الخاوية".

وصل منتصر إلى جنوب غزة بعد ثماني ساعات من المشي المتواصل على قدميه هرباً من المجاعة التي تعصف في النصف الشمالي من القطاع، وفور دخوله المنطقة الإنسانية سأل عن الخبز الأبيض، يضيف "متشوق لتناول الطعام"، لكن الأب أكل لقمتين فقط وتقاسم بقية الرغيف مع أسرته.

الجميع يتقاسم رغيفاً

تهافتت أيدي عائلة منتصر على الرغيف تتقاسم أجزاء منه، بعدها قدمت لهم مجموعة من الشباب أرغفة أخرى ليتناولوها، وأكلوها من دون أن يغمسوها بأي طعام، يشير الأب إلى أن الجوع هو الذي دفع أسرته إلى تقاسم العجين المخبوز.

لم يكن منتصر الشخص الوحيد الذي قرر النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، وإنما هناك الآلاف من الجائعين مثله، هربوا من المجاعة إلى المناطق الإنسانية المكتظة بالناس، وكان دافع تشردهم الحصول على القليل من الطعام.

وهذه هند التي وصلت لتوها من شمال غزة، بعد رحلة برفقة الشعور بالجوع والحرمان، تقول "بعد أشهر من الصبر على رغم القصف والقتل والتدمير، اخترت النزوح للنجاة بأسرتي من الموت جوعاً، سلكت شارع الرشيد لأصل للجنوب وكانت الطريق مرعبة وخطيرة".

لم تر رغيفاً منذ أشهر

تمسك هند رغيف الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض، وتضيف "لم أر هذا الرغيف منذ أيام وأشهر، سكان الشمال محرومون منه، والمجاعة هناك ستجبر الكثير منهم على النزوح للجنوب". تأكل السيدة خبزاً وتبكي بشدة، إذ تتذكر كيف كانت حالتها قبل رؤيتها الطعام.

تشير هند إلى أنه لا يوجد في شمال غزة أي شيء يؤكل، انعدمت مقومات البقاء على قيد الحياة، ولم يعد أمام الناس هناك أي خيار سوى النجاة بأنفسهم والنزوح إلى مدينة رفح، لأن قرصات الجوع أقسى وأعنف من الغارات الإسرائيلية التي تضرب القطاع.

في الواقع، تفرض إسرائيل عزلة خانقة وحادة على النصف الشمالي من القطاع، وتمنع جميع سبل الحياة ومقوماتها عن 650 ألف شخص قرروا البقاء في منازلهم ورفضوا التهديدات وأوامر النزوح جنوباً.

ونتيجة للحصار، فإن سكان شمال غزة يواجهون نقصاً حاداً في الإمدادات الغذائية الأساسية كالدقيق والرز والسكر والخضار، وأجبرتهم الظروف القاسية على اختيار النزوح للجنوب.

تملك المال لكن لا يوجد طعام

ومن بين العائلات التي لم تعد قادرة على تحمل الجوع، وقررت التوجه من الشمال إلى الجنوب، أسرة خميس التي خاضت تجربة لا تخلو من الأخطار. يقول الأب "سرنا على أقدامنا مسافة طويلة على شارع الرشيد المحاذي لساحل البحر، وهناك وجدنا الجيش يقيم حاجزاً عسكرياً، خفنا كثيراً ثم تشجعنا لمروره".

وعن الواقع الذي تعيشه العائلات شمال غزة، يوضح خميس أنه لا توجد مواد غذائية والماء غير صالحة للشرب والطحين بات نادراً جداً، لافتاً إلى أن هذا ما أجبره على النزوح، لأجل أن يتناول الطعام فقط.

يشكو خميس صعوبة تأمين الطعام لأطفاله في شمال غزة، خصوصاً مع نفاد الطحين والمواد الغذائية، وأول ما وصل الجنوب اشترى دجاجة وأرغفة وحطباً وطهى لأسرته الطعام. يتابع حديثه "نحن نملك مالاً ونشتري الطعام على رغم ارتفاع ثمنه، لكن ما يكسر خاطرنا في الشمال هو عدم توافر الغذاء".

خطوة أمام إعلان المجاعة

وفقاً للأمم المتحدة، فإن شمال غزة تبعد خطوة واحدة عن المجاعة واسعة النطاق، وبحسب الأمين العام أنطونيو غوتيريش فإنهم يدرسون المعايير لإعلان المجاعة في غزة، وطلب من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة بدء دراسة "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي".

ولإعلان المجاعة وهي أعلى معايير انعدام الأمن الغذائي الحاد، فإنه يجب أن يواجه 20 في المئة من أسر غزة نقصاً حاداً في الغذاء، و30 في المئة من الأطفال نقصاً في التغذية، ويلقى كل يوم شخصان حتفهما على الأقل من بين كل 10 آلاف شخص، بسبب الجوع أو بسبب التفاعل بين سوء التغذية والمرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" رامي عبده "من المؤكد أن تعتبر الأمم المتحدة غزة منطقة مجاعة، لأن جميع المعايير متطابقة على منطقة شمال القطاع، وهذا ستكون له انعكاسات خطيرة على العالم".

ويضيف "تستخدم إسرائيل التجويع لفرض المزيد من التهجير القسري للمدنيين من شمال غزة. وثقنا إفادات من شمال غزة بشأن تلقيهم اتصالات هاتفية من الجيش، يطالب فيها بشكل واضح وصريح بالنزوح إلى جنوب القطاع من أجل الحصول على الغذاء والماء وتفادي الموت جوعاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير