Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرابحون من التصعيد العسكري في البحر الأحمر

يصنف عالمياً بجسر الربط بين الشرق والغرب ولا يكترث الحوثيون لعامل القوة في صدامهم مع واشنطن ولندن

سارعت قوى دولية إلى حشد قواتها في البحر الأحمر لحماية الملاحة من هجمات الحوثيين (أ ف ب)

ملخص

مشكلة البحر الأحمر بفعل التوترات الحالية ينبغي أن تكون أولوية في حسابات الأمم المتحدة والقوى الدولية لإيجاد حل جذري لها.

يصف البعض البحر الأحمر بجسر رابط بين بحار الشرق والغرب وهي البحر والخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. ومن ثم وقوعه عند التقاء قارتي آسيا وأفريقيا وربطهما بأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، بعد تشغيل قناة السويس عام 1869، حيث أصبح البحر الأحمر امتداداً طبيعياً للقناة ليعطي ذلك امتداداً حيوياً لمختلف الوظائف والاهتمامات الدولية.

وازدادت وتضاعفت أهمية البحر الأحمر منذ عام 1932 بعد اكتشاف النفط في الجزيرة العربية، وما شكله ذلك من تحول مهم على نطاق الوظائف الإقليمية والدولية.

ومثّل البحر الأحمر أهمية خلال الحرب العالمية الثانية، وظل منطقة جذب لما ارتبط به من مصالح حيوية، حيث اجتذبت المنطقة اهتمام العالم لتتغير وظيفته التقليدية التي ظل يؤديها على مر العصور كطريق للتجارة والاتصال الخارجي بين بلاد العرب وآسيا وأفريقيا، إلى لعب أدوار سياسية وعسكرية واقتصادية أصبحت أكثر تنامياً مع تقدم العالم ودرجة التنافس.

تباينات وأخطار

أفرزت حرب غزة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، موجة من السخط العربي والعالمي نتيجة استهداف آلة الحرب الإسرائيلية المدنيين من الأطفال والنساء والعجزة، ومثّل رد الفعل الذي اتخذته ميليشيات الحوثيين بعداً أكثر خطورة في استغلالهم موقعهم على خليج عدن حينما تصدوا إلى منع السفن الأجنبية من عبور المضيق إلى الشمال.

وعلى رغم ما أشار له السلوك من تباينات في الرأي، إلا أن ما تبعه من ردود فعل شكل خطراً على المنطقة في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والتشارك الغربي المتزايد الذي دفع بدول كبريطانيا وفرنسا وألمانيا في مقدمة ما يزيد على الـ20 دولة.

 

 

بدا واضحاً أن تعطيل التجارة والحركة النشطة التي ظل البحر الأحمر يؤديها في ربط الشرق بالغرب تعطيلاً لمصالح حقيقية لا تحتمل التأجيل مما كان واضحاً في تسارع الولايات المتحدة وحليفاتها بحشد قواها في تشكيل ما أطلق عليه "تحالف حارس الازدهار"، ومباشرة التصدي للمهددات وضرب الأهداف إلى داخل العمق اليمني، بما ينذر بأخطار وتحولات ربما يمتد بها الوقت، بل وتظل هذه القوى في تكاثرها، ولا ينتهي وجودها بانتهاء الأحداث الجارية بعد أن وجدت مبرر بقائها.

الملاحة العسكرية

يقول الباحث السعودي الدكتور عبدالله عبدالمحسن السلطان في دراسة "البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي"، "أصبح البحر الأحمر منذ حرب أكتوبر 1973 قضية أمن حيوية تهم الدول المطلة عليه وكذلك أصبح ساحة لتنافسات بقصد السيطرة عليه، وزاد مع ذلك تدريجاً تصارع وتدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (روسيا) لذا بات عاملاً يسهم في التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة كلها".

وأضاف "ومن الناحية العسكرية أصبح البحر الأحمر المدخل المفضي للملاحة العسكرية في البحر الأبيض المتوسط والمحيطين الأطلسي والهندي وما يجاوره من مناطق مثل القرن الأفريقي والخليج العربي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع السلطان في دراسته، "ومن الناحية الاقتصادية ربط البحر الأحمر الشعوب التي تعيش على شاطئيه تجارياً باعتباره المنفذ لمعظم دوله عبر التاريخ وتأتي أهميته من مختلف النواحي لموقعه الجغرافي القومي وسط الوطن العربي وهذا يجعل الدول العربية أكثر حساسية للسيطرة عليه لارتباطه بأمنها، ويمر من خلاله أهم سلعة استراتيجية (النفط)".

ويضاف إلى حلبة التنافس حالياً، وبفعل المتغيرات الدولية في المنطقة أخطار دول أخرى منافسة كالصين وتركيا وإيران، وهي قوى ذات وجود على الساحة، ولها قواعد عسكرية على شواطئ قريبة في جيبوتي وإريتريا والصومال، مما يضاعف من خطر التمدد في المنطقة ويرهنها ككل للتنافسات الإقليمية والدولية.

وهنا يطرأ التساؤل، هل ستكون المنطقة ملك لأهلها مستقبلاً أم تدفع بها التحديات والأطماع إلى تغيرات محتملة وضياعها كغيرها من مفتقدي الأرض والأوطان؟

لا حرب عالمية

يقول سفير السودان السابق لدى واشنطن، الخضر هارون، إن "البحر الأحمر ممر مائي دولي تمر عبره 15 في المئة من التجارة الدولية، وهناك مميزات أخرى وفوائد لا تحصى ظلت على مدار التاريخ، سواء في ربط الحضارات والتبادلات الإنسانية، علاوة على أدوار في حركة الدول والجيوش وتوسعة الإمبراطوريات، لما مثله للدول المطلة عليه من فوائد اتصال مع العالم الخارجي، ولذلك تسمى الدول التي بلا ساحل (دول مغلقة)".

ويضيف "في الظرف العالمي حالياً وما يشهده من توترات ينبغي أن توفر المواثيق الدولية نوعاً من الأمان كتحديد المياه التابعة لكل دولة، وتلك المياه الدولية المتاحة لكل الدول، وهذا هو الوضع المثالي، ولكن هذا لا يتحقق إلا جزئياً بخاصة في المناطق الساخنة بالعالم، وتتدخل الجيوبوليتيك دائماً وهكذا في كل شأن".

وقال "بالنسبة إلى الاستقطاب الحاد الحالي في البحر الأحمر فإن الحاجة باتت ماسة للاحتكام للقوانين الدولية، وقانون البحار ومبدأ سيادة الدول الذي يقوم عليه النظام الدولي الحالي".

الدبلوماسي السوداني لفت الانتباه إلى أن "اقتصادات دول عديدة ستتأثر بتوقف الملاحة في هذا الممر المائي المهم، فالدوران حول أفريقيا إلى أوروبا يكلف 20 يوماً إضافية مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بخاصة على الدول الفقيرة وما يترتب على ذلك من مشكلات".

وطالب بأن تكون "مشكلة البحر الأحمر أولوية في حسابات الأمم المتحدة والقوى الدولية لإيجاد حل جذري لها، وهذا لن يكون إلا بإيجاد حلول حقيقية لمشكلات ذات ارتباط بالواقع، ورفع التظلمات عن الشعوب عبر محاسبات وحلول وخطوات جادة في سبيل تخفيف التوترات والحيلولة دون تطورات تهدد السلام العالمي، لكن ما أظنه تجاه الواقع الحالي لا أحسب أن الدول الكبرى مستعدة لحرب عالمية".

التحكم المحلي

على رغم ما يمثله الموقع البحري من كسب لواقع محلي، يشكل كذلك مصدراً خطراً بحكم الوظيفة التي يؤديها على المستوى العام، وما يتبع من لفت أنظار لجهات خارجية على المنطقة.

 

 

ففي البعد المحلي القوي والمتجانس قومياً يكون عامل الاستقرار هو الأقرب تجاه الأطماع الخارجية المتواصلة، وإذا ارتفع وعي السكان إلى جانب التجانس فهذا ضمان أكبر للاستقرار والتعايش.

مدعاة تأزم

في حيثيات الواقع العربي وكون ارتباطه بدول وقوى ومصالح حيوية، كل ذلك مدعاة حقيقية لأي احتمالات في حالة تأزم منطقة إقليم البحر الأحمر كما هو حاصل الآن بفعل استهداف الملاحة الدولية.

هنا يقول مؤلفا كتاب "مدخل إلى تاريخ العلاقات الدولية" بيير رينوفان وجان دوروسيل، إن "الأرض التي لها واجهة ساحلية ذات أفضليات من الناحية التجارية، فالبحر يقدم تسهيلات في الحركة بثمن بخس في حين أن إنشاء طرق المواصلات البرية باهظ التكاليف، وهو على رغم أخطار الملاحة يؤمن استقراراً أكبر في العلاقات مع الخارج".

كما أكد محمود حسن أحمد خليل في دراسته "عن انعكاسات البحر الأحمر على المنطقة"، أنه "وفقاً للاستقراءات الواقعية فإن الدولة تكتسب أهمية أكبر إذا ما كانت تشرف على مضيق مائي. وإن كانت مثل هذه الدول تمتاز بالقوة فإنها تنال مزايا عدة، وإلا لحدث العكس من جراء ضعفها الذي يغري الآخرين بالاعتداء عليها من أجل الحصول على الفوائد المرجوة".

"تهييج البحر"

عبر هذه الإشارات يمكن إدراج أي من الاحتمالات في النماذج القُطرية الماثلة التي تواجه أحداثاً وتحديات، فما يجري فوق مياه البحر الأحمر على شواطئ مضيق باب المندب وخليج عدن يعطي تنبؤاته المستقبلية في مدى القوى التي تتمتع بها اليابسة المطلة على البحر.

وفي حالة اليمن والحوثيين يصبح السؤال المطروح، هل تستقوي اليابسة على تهييج البحر لإغراق ما فوقه من قوى دولية أم تستغل هذه القوة الأوضاع لبقاء مستمر تترتب عليه أعباء إضافية على منطقة الشرق الأوسط وعدم استقرار يؤدي إلى حشود عسكرية جديدة؟

 

 

بالنظر وفق عامل القوة المحلي هناك نموذج آخر تنطبق عليه نظرية التبادل بين التميز والقوة، فما تشكله سواحل البحر الأحمر من تميز لدولة الصومال في منطقة القرن الأفريقي تلفت وتغري في تمددها وموقعها الاستراتيجي جهات إقليمية مجاورة.

ففي الحالة الصومالية والإثيوبية التي تبحث لها عن شاطئ بحري، ووفقاً لمقياس (تجانس البيئة البحرية)، تظل شواطئ الصومال الممتدة على البحر الأحمر في مأمن إذا حرستها قوى متجانسة متكاملة القوة والوعي، وفي المقابل لا يتسنى لإثيوبيا تحقيق ما تصبو إليه في اقتناء ميناء على البحر الأحمر إلا عبر اتفاق وتراضٍ سواء مع إريتريا أو الصومال أو جيبوتي.

المزيد من متابعات