Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصريون يغيرون وجهتهم في الهجرة إلى أفريقيا

فرض التضييق الأوروبي وسياسة التوطين الخليجية واقعاً جديداً على البحث عن فرص جديدة للعمل

تغير جذري في رغبات واهتمامات المصريين فيما يخص الهجرة (أ ف ب)

ملخص

فرض التضييق الأوروبي وسياسة التوطين الخليجية واقعاً جديداً على البحث عن فرص جديدة للعمل

ليس بسيطاً أن يدير العديد من المصريين الباحثين عن حلم الهجرة ظهورهم إلى أوروبا صوب القبلة الأفريقية؛ تلبية لنداء صفحات منصات التواصل الاجتماعي لهم بالسفر واغتنام الفرصة لما ينتظرهم من جنة فرص العمل والرواتب المجزية، وكل المطلوب منهم فقط "مخالفة المألوف".

بمجرد الانتقال إلى محركات البحث التقليدية وإعطاء أمر الوصول إلى أحدث الأخبار والإحصاءات والبيانات الرسمية عن الفرص التي تحظى بها القارة السمراء، ستوجهك النتائج مباشرة إلى عدد هائل من الصفحات التي تكشف مضامينها عن رغبات عديد من الشباب المصريين في خوض تجربة السفر إلى أفريقيا، مصحوبة بتساؤلات كثيرة حول كيفية الحصول على التأشيرات وحجم الرواتب التي تمنحها بلدان القارة ومميزاتها وطبيعة الحياة فيها.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بدا لافتاً حدوث تغير جذري في رغبات واهتمامات المصريين، لا سيما عقب التضييق الأوروبي كانعكاس مباشر لقضية الهجرة غير الشرعية والصراعات والنزاعات التي تعانيها بعض الدول، وكذلك رغبة بلدان الخليج في توفير فرص العمل لأبنائها المقيمين في نفس الدولة للاستفادة بها، ما جعل أفريقيا طوق نجاة لكثير منهم.

هجرة متزايدة

تشير التقارير الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (جهة حكومية)، عن وجود تزايد في أعداد أبناء هذا البلد المهاجرين إلى القارة السمراء خلال الفترة من 2016 حتى 2021، إذ سجل عدد المصريين المقيمين بالدول الأفريقية (غير العربية) بنهاية عام 2016 نحو 46.9 ألف شخص 85.3 في المئة منهم (40 ألف شخص) في جنوب أفريقيا وحدها، و1.9 في المئة بنيجيريا (900 شخص).

وخلال عام 2017، استحوذت المنطقة الأفريقية على 0.5 في المئة من إجمالي عدد المصريين المقيمين بالخارج وعددهم 9.5 مليون مصري، وتعادل هذه النسبة 46.267 ألف مصري، وأن 40 ألفاً من إجمالي المقيمين بالمنطقة الأفريقية يعيشون في جنوب أفريقيا، أي ما يعادل 85.3 في المئة من إجمالي المقيمين في المنطقة الأفريقية. فيما يعيش 1.9 في المئة من المصريين المقيمين بدولة نيجيريا أي ما يعادل 900 مصري، و12.7 في المئة ببقية دول القارة، وجاءت أقل هذه الدول التي يقيم بها مصريون دولة مدغشقر، التي يعيش بها 5 مصريين فقط، تلاها ليبيريا وتضم 10 مصريين، وبلغ إجمالي عدد المقيمين في 36 دولة أفريقية بإجمالي 46 ألفاً و872 مصرياً.

بينما سجل عدد المصريين المقيمين في أفريقيا خلال عام 2021، نسبة ارتفاع قدرها 5 في المئة مسجلاً 54.221 ألف نسمة.

الشواهد السابقة فرضت بدورها تساؤلات ملحة، حول أسباب رغبة كثير من المصريين في الهجرة إلى أفريقيا في الوقت الراهن، وهل أوروبا لم تعد تمثل الحلم لكثير من الراغبين في السفر، وما المزايا التي تحظى بها القارة السمراء لتكون وجهة جاذبة ومحط أنظار كثيرين؟

قرار مصيري

لم يكن يعلم محمد رمضان، ابن محافظة الجيزة، أن حلم الهجرة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل سينتهي به في إحدى بلدان القارة السمراء، بعد أن ساقه القدر للعثور على إعلان عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بوجود فرصة وظيفية متاحة في شركة طبية كبرى بدولة جنوب أفريقيا وبرواتب مجزية، لكنها تشترط بعض المواصفات المحددة لقبول الوظيفة، والتي تنطبق معظمها عليه.

بعد تفكير عميق ومحاولات فاشلة للهجرة لأوروبا، لم يجد الشاب الثلاثيني أمامه سوى التواصل مع أحد أصدقائه المقيمين في جنوب أفريقيا، لمعرفة مدى جدية الإعلان المنشور والتعرف إلى طبيعة الدولة ومستوى معيشة المواطنين وحجم الرواتب التي يتقاضونها، وما إن انتهى من تساؤلاته واستفساراته، حتى اتخذ قراره المصيري بخوض التجربة وتغيير مسار حياته كلياً.

 

 

يروي رمضان في شهادته، "تخرجت في كلية الطب، وكنت أحلم مثل أي شاب بالهجرة إلى أوروبا، نظراً لوجود فرص معيشية ووظيفية أفضل، ولكن سرعان ما تغير قراري وتحولت وجهتي ووجدت نفسي أخوض تجربة السفر لجنوب أفريقيا بعد تشجيع أحد أصدقائي المقيمين هناك الذين تحدثوا معي كثيراً عن المميزات التي تملكها تلك الدولة ووجود عديد من الفرص الوظيفية التي تدر رواتب مربحة، فضلاً عن امتلاكها العديد من المقومات الغنية التي تجعل المعيشة بها ملائمة".

حال محمود متولي (37 سنة) لا يختلف كثيراً عن رمضان، الذي وجد ضالته أخيراً في الهجرة إلى أفريقيا وبالتحديد لدولة كوت ديفوار، عقب مشاهدته المشجعين المصريين المقيمين فيها خلال إقامة مباريات كأس الأمم الأفريقية الأخيرة.

يقول متولي من أبناء مدينة طنطا بمحافظة الغربية (شمال مصر)، "بحثت كثيراً عن وظيفة براتب مناسب في مجال تخصصي الزراعي في مصر، أملاً في العيش في مستوى أفضل نسبياً، ولكن محاولاتي كلها باءت بالفشل، وحينما شاهدت الجاليات المصرية في كوت ديفوار أثناء إقامة البطولة، بحثت على الإنترنت عن تلك الدولة وطبيعة الحياة والفرص التي تمتلكها، وشعرت برغبة داخلية في السفر بعد العثور على كثير من الفرص الوظيفية المربحة في مجال تخصصي، وإشادة من كثير من أبناء الجاليات المصرية هناك بمستوى الخدمات والوظائف والرواتب، فقررت أن أخوض الرحلة وأغير مسار حياتي للسفر إليها".

"أعكف حالياً على إرسال أوراقي الرسمية في كافة الوظائف الأقرب لمجال تخصصي، وأنتظر الفرصة السانحة من أجل الهجرة في حالة القبول في أي وظيفة"، وفقاً لمتولي.

نماذج ناجحة

بزوغ نجم عديد من المصريين في بلدان القارة السمراء وتحقيقهم نجاحات كبرى في مجالات مختلفة كان أيضاً أحد العوامل المحفزة لعديد من نظرائهم للبحث عن فرص للهجرة إلى البلدان الأفريقية.

ومن بين تلك النماذج التي حظيت بتكريم من الدولة المصرية خلال مؤتمر "مصر تستطيع" عام 2019، عمر عبدالله شحاتة، من قرية الكوم الأحمر التابعة لمركز أوسيم بمحافظة الجيزة، والذي بدأ رحلته منذ أن تخرج في كلية الحقوق جامعة الزقازيق وانطلق منها إلى مملكة ليسوتو بدولة جنوب أفريقيا والاستقرار فيها لأكثر من 19 سنة.

وفقاً لـعمر، "عملت في مصر في أكثر من وظيفة مثل مجال السياحة وتصنيع ورق البردي والعمل في مطعم أسماك، وبعد رحلة شاقة قررت السفر إلى الخارج، عقب نصيحة من صديق جنوب أفريقي مقيم في مصر والتعرف منه إلى الفرص الغنية التي تمتلكها بلاده، ولم يكن معي آنذاك أكثر من 2000 جنيه (64.84 دولار) اقترضتهم من أحد أصدقائي".

"بمجرد وصولي إلى جنوب أفريقيا، سمعت عن مملكة ليسوتو، وقررت الانتقال إليها واستكمال مشواري بها، حاولت التعرف إلى مجال الهيدروبونيك وحصلت على دورات وكورسات تدريبية في هذا المجال، ومع مرور الوقت بدأت في تنفيذ بعض المشاريع في دولة نامبيا وجنوب أفريقيا، وأيضاً عملت في مجال الزراعة المائية، ثم حصلت على جنسية مملكة ليسوتو، وحققت العديد من النجاحات وتقلدت مناصب عدة"، وفقاً لـعمر.

يكمل، "شعرت بأن هناك العديد من الفرص الغنية في أفريقيا وأن المصريين يمكنهم تحقيق نجاحات كبرى في الخارج بأقل الإمكانات مهما كانت التحديات والظروف"، موضحاً أن هناك تشابهاً في الظروف التي تعيشها مصر وبلدان القارة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأولت الحكومة المصرية على مدى السنوات القليلة الماضية جهوداً كبيرة من أجل استعادة مكانتها في القارة السمراء، عبر تكريم الكفاءات المصرية المهاجرة إلى أفريقيا، التي استطاعت تحقيق نجاحات كبرى، والاهتمام بالقوى الناعمة لها في القارة.

كذلك أطلقت وزارة الهجرة عام 2022 مبادرة "صوت مصر في أفريقيا"، من أجل استدامة التواصل مع الجاليات المصرية في أفريقيا، والتي تتضمن الاستماع إلى أفكارهم ومقترحاتهم ومشكلاتهم، والعمل على تلبية حاجاتهم في كل المستويات في ظل تحرك القاهرة صوب القارة السمراء.

وتشير تقديرات رسمية إلى أن القارة السمراء تعد أغنى تجمع للموارد الطبيعية في العالم مثل النفط والنحاس والبوكسيت والليثيوم والذهب وغابات الأخشاب الصلبة والفاكهة الاستوائية، وأن 30 في المئة من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة السمراء و12 في المئة من النفط المنتج عالمياً يأتي منها وثلثي مجموع الأراضي الزراعية غير المستغلة في العالم يوجد بها، كذلك تمتلك إمكانات وثروات طبيعية ومواد خام تتمثل في احتياطات هائلة من المعادن والمعادن النفيسة، إضافة إلى المساحات الهائلة من الأراضي الصالحة للزراعة والغابات.

وجهة جاذبة للمصريين

وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق السفير صلاح حليمة، والذي يمتلك خبرة بالقارة السمراء تزيد على 12 سنة، إن أفريقيا أصبحت وجهة جاذبة لكثير من المصريين، وأن أعداد المهاجرين حالياً في تزايد مستمر.

وأضاف حليمة أن الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج لم تعد من العناصر الجاذبة مثلما كان يحدث في فترات سابقة، لا سيما في ظل التعقيدات الأوروبية والتشدد بسبب ملف الهجرة غير الشرعية وملف النازحين واللاجئين وانسداد فرص استقبال الأيدي العاملة، وهو ما جعل الأنظار تتوجه صوب أفريقيا.

ولفت الانتباه إلى أن أفريقيا أصبحت مؤهلة وجاذبة لأنظار كثيرين للاستثمار في مختلف المجالات والأنشطة، مؤكداً أن كثيراً من الدول أصبحت تتسابق وتتنافس حالياً على دخول السوق الأفريقية من أجل استغلال الثروات التي تمتلكها والاستفادة من الفرص الذهبية التي تحظى بها، بعد أن كان تستحوذ عليها البلدان الأجنبية فقط.

وتظهر البيانات الرسمية أن إجمالي الاستثمارات المصرية بأفريقيا عام 2021، بلغ 1.2 مليار دولار ليصل إجمالي الاستثمارات المصرية بالقارة إلى 10.2 مليار دولار، فيما يقدر إجمالي الاستثمارات الأفريقية في مصر نحو 2.8 مليار دولار.

أرض الفرص الذهبية

"أفريقيا هي أرض الفرص الذهبية"، هكذا تصف مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل، موضحة أن صورة القارة تغيرت في أذهان كثيرين نظراً لتوافر العديد من الفرص الوظيفية التي تدر عوائد مربحة، بخاصة للكوادر الفنية مثل المهندسين والأطباء وأيضاً المهنيين في مجالات الأخشاب والألومنيوم وغيرها من الصناعات.

تتفق الطويل مع الطرح السابق في أن أفريقيا باتت وجهة جاذبة للمصريين بسبب الفرص الاستثمارية التي تملكها في مختلف المجالات، منوهة بأن صندوق الشراكة التابع لوزارة الخارجية دائماً ما كان يرسل متخصصين مصريين بصفة دورية إلى البلدان الأفريقية ضمن برامج تعاونية، ومعظمهم كانوا يصرون على البقاء في تلك البلدان الأفريقية وإقامة مشروعات استثمارية خاصة بهم، وهو ما يعطي انطباعاً على تغير الصورة الذهنية عن أفريقيا ووجود فرص ذهبية تشجع الكثيرين على الإقامة بها.

تضيف خلال حديثها لـ"اندبندنت عربية" أن المعضلة الحقيقية في السفر إلى القارة السمراء تكمن في عدم وجود تسويق جيد من قبل الإعلام المصري للفرص الاستثمارية التي تستحوذ عليها أفريقيا والمزايا التي تمتلكها في مختلف المجالات والقطاعات.

وترى مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن أفريقيا تعتبر بمثابة بيئة مناسبة ثقافياً وأخلاقياً لكثير من المصريين لذلك يفضلون الذهاب إليها مقارنة بأوروبا.

صعوبة في منح التأشيرات

تعضد الطرح السابق، مساعدة وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية السفيرة منى عمر، إذ تقول "لا يمكن إغفال وجود جاليات مصرية كبيرة في دول أفريقية مثل جنوب أفريقيا واهتمام بالهجرة إلى القارة بسبب الدوافع الاقتصادية وتحسن مستوى المعيشة في تلك البلدان"، منوهة بأن هناك تفاوتاً في مستوى المعيشة داخل البلدان الأفريقية نفسها، فهناك دول مستقرة ولديها تحسن في المستوى المعيشي وهناك دول أخرى لا تزال تعاني من أوضاع معيشية صعبة مثل مالي وبوركينا فاسو".

 

 

وذكرت بأن أفريقيا قارة خصبة ومليئة بالكنوز وهناك منافسة شديدة داخلها للحصول على الفرص الوظيفية والتي تتطلب أن يكون الشخص مؤهلاً ويمتلك خبرات عديدة مثل تعلمه أكثر من لغة أجنبية، مستشهدة بمثال "الحصول على تأشيرة جنوب أفريقيا أمر صعب للغاية وإذا لم يكن هناك عقد عمل للسفر إلى تلك الدولة يصبح من الصعب دخولها"، لافتة إلى أن معظم البلدان الأفريقية أصبحت تدقق في تأشيراتها واختياراتها للوافدين إليها.

هجرة فردية

على النقيض من الآراء السابقة، يرى المتخصص في دراسات السكان والهجرة الدكتور أيمن زهري أنه لا يوجد أي شواهد أو دلائل على وجود تدفق مصري للهجرة إلى أفريقيا، قائلاً "أعداد الجاليات المصرية في دولة جنوب أفريقيا حالياً يمكن النظر إليها كونها تمثل حالة شاذة إذا ما قورنت بأعداد المصريين في أي دولة أوروبية أخرى والتي قد تقدر بالملايين".

يضيف زهري أن مصر ليست لديها استراتيجية أو سياسة واضحة في مسألة الهجرة، مردفاً "الهجرة إلى أفريقيا حالياً تكون بدافع شخصي من الأفراد وليس ضمن استراتيجية واضحة".

ويشير المتخصص في دراسات السكان والهجرة إلى أن كثراً من الأفارقة أنفسهم لا يزالوا يحلمون بالهجرة إلى أوروبا كونها تشكل الإنقاذ والخلاص لهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات