Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطعت خلية "البيتلز الإرهابية" رأس ابنها: قصة حقيقية لمأساة أم

عندما قتل أحد الإرهابيين البريطانيين المنتمين إلى هذه المجموعة المصور الصحافي الأميركي جيم فولي بوحشية عام 2014، لم تسعف الكلمات والدته المكلومة دايان فولي للتعبير عن معاناتها. لكن مذكرات جديدة تكشف عن بعض من هذا الألم العميق

دايان فولي تتحدث أمام تجمع حاشد استضافته مبادرة "أعيدوا لنا عائلاتنا" Bring Back our Families في حديقة "لافاييت بارك" في واشنطن العاصمة عام 2023 (غيتي)

ملخص

مَن يمكنه أن ينسى تلك الصورة المرعبة لقطع رأس جيمس فولي؟ في مشهد مروع من التناقضات الصارخة لسماء زرقاء ساطعة ورمال الصحراء القاتمة وصرامة الغطاء الأسود ووهج الزي البرتقالي الذي ترتديه الرهينة الراكعة ووميض نصل السكين

لا يتوافق الأمل مع التاريخ أبداً، وغالباً ما يشكل الأدب استجابة إنسانية لمآسي عصرنا. ففي رواية "قلب الظلام" Heart of Darkness لجوزيف كونراد (روائي بولندي- بريطاني وكاتب قصص قصيرة)، كانت صرخته المثيرة للجدل لكن الخالدة، "الرعب! الرعب!"، بمثابة صيحة عزاء غريب وسط الفظائع التي ارتكبت في الكونغو البلجيكية، باسم المهمة الحضارية في أفريقيا (التعبير الذي استخدمته القوى الاستعمارية لاستغلالها الأراضي الأفريقية).

واختار كولوم ماكان، المشهور برواياته مثل "دعوا العالم العظيم يدور" Let the Great World Spin، و"عبر المحيط الأطلسي"  TransAtlantic، و"أبيروغون"  Apeirogon، الاقتراب من قلب ظلام عصرنا الحديث في منطقة الشرق الأوسط، لكن من خلال المذكرات وليس الرواية الخيالية.

يأتي كتاب "أم أميركية"  American Mother الذي هو ثمرة تعاون بينه ودايان فولي التي تسعى  إلى فهم ما حصل بعد عقد من الزمن من الإعدام المروع لابنها في أغسطس (آب) عام 2014 بمثابة شهادة على القوة الدائمة للتعاطف والثبات الأخلاقي.

فمَن يمكنه أن ينسى تلك الصورة المرعبة لقطع رأس جيمس (جيم) فولي؟ في مشهد مروع من التناقضات الصارخة لسماء زرقاء ساطعة ورمال الصحراء القاتمة وصرامة الغطاء الأسود ووهج الزي البرتقالي الذي ترتديه الرهينة الراكعة ووميض نصل السكين.

وتأتي أخيراً العواقب المؤرقة لتلك الجريمة المحفورة في الذاكرة: رأس جيم فولي المقطوع فوق جسده المشوه. ويؤكد كولوم ماكان ودايان فولي أن هذا الفيديو المروع لمقتل المصور الصحافي، أصبح ثاني أكثر المشاهد شهرة في عصره، بعد الانهيار المأسَوي لبرجي "مركز التجارة العالمي" World Trade Centre في الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001.

وتعاون ماكان الراوي البارع وصاحب التأثير المحسوس في هذا العمل، بتكامل مع فولي في تشكيل القصة. فهو لم يكتفِ بالتقاط صوتها فحسب، بل صاغ أيضاً سرديتها بتعاطف وإيجاز وتقدير. في البداية قدمها إلى القارئ من منظور ضمير الغائب أو الشخص الثالث المؤثر، ثم روى وقائع لقاء دايان مع قاتل ابنها، لينتقل بسلاسة إلى سردية الأم من زاوية الشخص الأول، عن رحلتها نحو المغفرة والفداء.

يتألف كتاب "أم أميركية" من قسمين يتسمان بالمقدار نفسه من الإقناع: معاناة دايان كأم، تليه "الصدمة المؤلمة" بعد أخذ ابنها جيم رهينة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، على يد المجموعة التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش)، المعروفة باسم خلية "البيتلز الجهادية" Jihadi Beatles (مجموعة من أربعة بريطانيين قاتلوا لحساب "داعش" كان الرهائن يطلقون عليهم أسماء أعضاء فرقة الروك البريطانية "بيتلز"). ويسرد لنا السيناريو الطريقة التي "توالت فيها الأيام كأحجار دومينو" عندما كافحت هذه المرأة الشجاعة التي تخاف الله، بلا كلل، لإعادة ابنها إلى البلاد، لكنها واجهت خيبة في مسعاها.

 

وتصل دايان فولي إلى استيعاب الخسارة الفادحة لابنها، وهي تجربة مؤثرة للغاية إلى درجة أن اللغة الإنجليزية تفتقر إلى الكلمات المناسبة للتعبير عن عمق مأساتها. ففي سعيها إلى فهم مصيره، تواجه فولي الحقيقة بعزم ثابت. وينعكس صدى هذا الصدق في جميع أنحاء رواية ماكان مثل البوق المدوي. وبعد فقدان ولدها، تعترف قائلة: "أعلم أنني لم أقم بما يكفي لمنع حدوث ذلك". صدى هذه الكلمات يتردد على شكل لازمة مؤرقة، ترمز إلى حزنها الدائم على اللحظات الضائعة لرابطة غير مكتملة بين أم وابنها.

عندما التقت دايان فولي أخيراً بقاتل ابنها، أرادت أن تخبره بأن ولدها كان "صحافياً وناشطاً"، وبأنه واجه تحديات الحياة لكنه "ضحى بنفسه لتسليط الضوء على محنة الشعب السوري". لكن مع المضي في رواية قصتها، نجدها تتصارع مع واقع أن "الحقيقة الواحدة المطلقة تظل بعيدة المنال". وتعتبر أن العائلات معقدة في كيانها، وأن الأحلام المثالية التي كانت لديها كأم أميركية تحطمت. وتقول في ذلك: "لم يكن أيٌ منا يدرك سوى قليل عن التحول الذي سيخضع له العالم".

لدى انطلاق نجلها في مغامرته في هذا العالم، تقر بأوجه القصور في علاقتهما، وتقول إن "الأم لا تعرف أبداً - ولا ترغب حقاً بأن تعرف ..." فهي تمارس التكتم حتى في ذكرياتها، معترفة بميلها إلى المبالغة في "جعل ابنها مثالياً". لكن مع رحيله، تعرب عن أسفها للفرص الضائعة لأنه "أمضى سنواته السابقة في ضباب من النوايا الحسنة". فهي الآن فقط، أثناء مشاركة قصتها، تكشف عن أنها "لا تزال في طور فهمه حقاً".

وفي إطار سعيها إلى فهم المصير الذي آل إليه ابنها، تظل فولي ثابتة في تصميمها. ويتردد صدى هذا الصدق الحازم في جميع أنحاء رواية ماكان مثل صوت البوق المدوي.

تصف فولي كيف سعى ابنها إلى تحقيق تطلعاته المهنية، بنوع من الخوف والتشاؤم. وتقول: "كان يتوق إلى شيء جديد، شيء حقيقي، شيء أصيل". وكان طموحه يكمن في الوصول إلى الخطوط الأمامية - وهو ما اعتبره "الهدف الأسمى للصحافيين". لذلك، ليس من المفاجئ، بعد هذه المقدمة، أن نعلم أن جيم فولي وقع في شرك العنف، وهو "قوة قاهرة ومقلقة ينجذب إليها المرء بصورة لا تقاوم".

 

ويشكل إدراكها بأنها فقدت ابنها إلى الأبد صدمة بالنسبة إلى القارئ. وبين مكالمة هاتفية وجيزة، ووعد لم يتحقق، يستولي عليها الحنين لتقول بحزن: "لم أسمع صوته مرة أخرى". وفي الجزء الأخير من رواية "أم أميركية"، يتعمق ماكان في أعماق اليأس بأسلوب سردي، يدمج أصالة الواقع مع القوة الاستفزازية المرتبطة عادة بالروائيين.

ويأتي تصويره لدايان فولي على أنها امرأة ذات إيمان عميق تقول: "إنني أجد عزائي في الله"، وهو شعور قد يلقى صدى لدى عدد قليل من القراء. ومع ذلك، يبث ماكان الحياة في تفاصيل حياتها الرتيبة، من خلال تسليط الضوء على عزلتها التي يصفها كالآتي: يتجاهلها البيت الأبيض ويحاصرها المحامون وباتت تتحدث مع ابنها في أفكارها، وتتأمل قائلة: "شعرتُ بوحدة شديدة". وبلغ بها الأمر حد التشكيك في سلامة عقلها، ولم يكن لديها رد على السؤال المؤرق: "هل أنا مصابة بالجنون؟". وتستذكر تفاعلها مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وتصف سلوكه بـ"البارد إلى حد ما".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأخبار العاجلة كانت مدمرة: فاختُطف ابن دايان فولي على يد أربعة من الأصوليين الإسلاميين الشباب الذين ينحدرون من شرق لندن. هؤلاء الأفراد، المشهورون بوحشيتهم، والذين يتحدثون بلكنة "كوكني" المحلية، كانوا يضعون أقنعة، ويرتدون ملابس سوداء بالكامل. ووسط أهوال الأسر، وجد الرهائن الآخرون بقيادة جيم فولي العزاء في رواية القصص ومحاضرات الإبحار ولعبة "ريسك" Risk بشكل ملحوظ. ودفعهم جوعهم الشديد إلى استهلاك قشور الموز في كفاحهم من أجل البقاء.

وقبل أسبوع واحد فقط من إعدام جيم، اتخذت والدته دايان قرار تسليم أمرها لله، واضعة ثقتها بالروح القدس. وتجزم قائلة: "لم أشاهد قط مقطع الفيديو المتعلق بقطع رأسه، ولن أفعل ذلك على الإطلاق". وفي أعقاب وفاة ابنها، تشبثت بالأمل "في بداية جديدة".

بعد مضي نحو عقد من الزمن، تواصل دايان فولي بحثها الدؤوب عن بقايا جثة ابنها، في وقت لا يزال مكان مثواه الأخير لغزاً. ويصفها ماكان بأنها "أم أميركية"، مشيراً إلى أن سرديتها نادراً ما تتم مشاركتها أو تسليط الضوء عليها، لا بل للأسف، فإنه "يتم أحياناً تجاهلها"، لكن ليس دائماً.

 

فأثناء لقائها مع قاتل ابنها ألكسندا كوتي، أمسك بيدها على نحو غير متوقع. وقد سأل شهود تعجبوا من لفتته عن السبب، فكان رده مؤثراً بقوله: "إنها بمثابة أم لنا جميعاً". وفي تلك اللحظات العميقة، يتجاوز هذا التسجيل الرائع للشهادة الشخصية مجرد التوثيق، ليجسد جوهر رواية عظيمة.

رواية "أم أميركية" تفي بغرض عميق وخَلاصي، لكنها في المقابل تحوي إغفالاً واحداً ملحوظاً. ففي وقت نصل نحن القراء إلى نهاية المذكرات المؤثرة التي لا تُنسى، تبقى لدينا أسئلة كثيرة وشكوك لا تتم الإجابة عنها في ما يتعلق بالروائي ومعاونته المكلومة في هذا العمل، علماً أن المساهمات الكبيرة التي قدمها كولوم ماكان في وصف تجربتها، هو أمر يستحق عليه تقديراً كبيراً.

ويمكن القول أخيراً إنني كنتُ أفضل إجراء استكشاف أعمق لديناميكية العلاقة بين المؤلف (ماكان) وموضوعه (دايان)، ربما في شكل كلمة ختامية في طبعة مستقبلية، من شأنها أن تقدم للقراء فهماً أكبر حول هذه العلاقة.

رواية " أم أميركية" American Mother تنشرها "دار بلومزبيري"

© The Independent

المزيد من كتب