ملخص
"الجميع ينادي أولاً بوقف دائم لإطلاق النار وفتح مسارات آمنة، ومن ثم فتح مسار للانتقال السياسي"
تجري القوى المدنية السودانية بكتلها المختلفة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، نقاشات وحوارات عدة في عدد من دول الجوار الأفريقي لبحث سبل إنهاء هذه الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، ونزوح نحو 7 ملايين شخص داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن بلورة رؤية حول العملية السياسية لشكل الحكم لمرحلة ما بعد وقف القتال بين طرفي الصراع.
قال محمد نور "الطموح الشخصي للبرهان في الحكم ليس ما يعوق الأمور وإنما إصرار المؤتمر الوطني وأتباعه على العودة للحكم" (إعلام مجلس السيادة السوداني)
لكن إعلان قائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان أنه لن تكون هناك عملية سياسية في البلاد قبل الانتهاء من الحرب من خلال القضاء على "الدعم السريع"، إضافة إلى مهاجمته عدداً من القوى المدنية لكونها اتخذت موقف الحياد من هذه الحرب، يطرح تساؤلاً عن أسباب تأجيل البرهان مناقشة العملية السياسية لما بعد الحرب وكأنه يطمح في الاستمرار في الحكم بعد الحرب؟
مراوغة واستقطاب
وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي في "الجامعات السودانية" حسن بشير محمد نور إن "الجميع ينادي أولاً بوقف دائم لإطلاق النار وفتح مسارات آمنة، ومن ثم فتح مسار للانتقال السياسي، لأنه، فعلاً، لا يمكن لهذا المسار أن ينجح مع استمرار الحرب، وبما أن الطريق للحل السياسي يأتي عبر إيقاف الحرب، فمن هنا تأتي مراوغة القائد الأعلى للجيش السوداني وكل من يدعم استمرارية الحرب حتى يتحقق النصر من طريق الحسم العسكري أي بهزيمة قوات (الدعم السريع)، ولو كان ذلك يتم عبر دمار السودان وموت الملايين من المواطنين، باعتبار أن المسار السياسي سيستبعد المكون العسكري وحزب المؤتمر الوطني ومؤيدي انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف محمد نور "في اعتقادي، الطموح الشخصي للبرهان في الحكم ليس هو ما يعوق الأمور، وإنما إصرار المؤتمر الوطني وأتباعه على العودة للحكم، والمحافظة على امتيازاتهم، والإفلات من العقاب على ما ارتكبوه من جرائم سواء بصورة مباشرة أو عبر واجهة تمثلها قيادات الجيش في الوقت الراهن، لكن الفريق البرهان نفسه أصبح مثقلاً بالجرائم المرتكبة بعد الحرب، إضافة لاتهامات سابقة بخاصة في حرب دارفور عام 2003 حيث راح ضحيتها 300 ألف قتيل، ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، وأحداث ما بعد انقلاب أكتوبر 2021".
وتابع "المطلوب إيقاف الحرب ومباشرة المسار السياسي بواسطة القوى المدنية لتشكيل حكومة تجد القبول الداخلي والخارجي المناسب الذي يمكنها من الاستمرارية وممارسة مهامها كما ينبغي، فضلاً عن مواجهة التحديات الجسام مما يفتح الطريق أمام المساعدات الخارجية والشراكات وجذب الاستثمار واستقطاب ودائع السودانيين في المهاجر". وشدد المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي على "أهمية استبعاد المؤتمر الوطني وشركائه من الحكم في الفترة المقبلة، وإحقاق العدالة والإصلاح المؤسسي باعتبارها شروطاً واجبة لنجاح أية حكومة بعد الحرب، ولتحقيق سلام مستدام، والوفاء بمستحقات الأمن الاجتماعي ومعالجة انتهاكات وتشوهات الحرب، وإعادة الإعمار وإرساء أسس الحكم الرشيد والحوكمة وصولاً للانتخابات العامة".
مواقف متناقضة
في السياق، أوضح المحلل السياسي السوداني الجميل الفاضل أن "المتتبع لمسيرة حياة قائد الجيش عبدالفتاح البرھان كقائد عسكري وكسياسي، يبدو وكأنه يعيش غربة حقيقية عن الواقع، وفي ظني أن الإسلاميين وجدوا ضالتھم في رجل مغامر مغرم بالسلطة إلى حد الھوس".
وتابع الفاضل "ستنتهي هذه الحرب فقط بنهاية حركة الإسلام السياسي السودانية، وكلما رأت هذه الحركة شبح نهايتها قد اقترب، أخرجت أسوأ ما فيها وما عندها، فازدادت عنفاً وشراسة، وأعتقد أن الطريق ما زال بعيداً للحديث عن مرحلة ما بعد الحرب".
رأي الشارع
في المقابل، قال رئيس قوى الوفاق الوطني السوداني أحمد الدفينة "في اعتقادي، التفاوض لإنهاء الحرب هو الاتجاه الأجدى لتقليل كلفة معاناة المواطن السوداني الذي يعيش معاناة لا حدود لها بسبب استمرار القتال لأكثر من 10 أشهر، لكن يجب أن ينحصر التفاوض بين العسكريين من دون أي تدخل من المدنيين على أن تتواءم مخرجات هذه المفاوضات مع الشأن السياسي لأن من الطبيعي أن تحكم الدولة السودانية بواسطة القوى المدنية".
واستبعد الدفينة أن يكون للبرهان طموح شخصي للاستمرار في الحكم بعد انتهاء الحرب، مضيفاً "من حق أي شخص أن تكون له رغبة في حكم بلاده، لكن هذه المسألة لا بد أن تأتي من طريق الانتخابات، وهي غير مرتبطة بأي مفاوضات جرت في أي مرحلة من المراحل بين طرفي الصراع".
وفي ما يخص أطراف العملية السياسية التي ستقود الحكم بعد انتهاء الحرب، تابع رئيس قوى الوفاق الوطني السوداني "هذه مسألة مهمة جداً، إذ إننا نشدد دائماً على ضرورة ألا يكون هناك إقصاء أي مكون سياسي سوداني، لكن ما حدث من مواقف في هذه الحرب يجبرنا على التزام رأي الشارع السوداني المتمثل في ضرورة إبعاد الكيانات التي ساندت (الدعم السريع)، التي اتخذت موقف الحياد على أن تتقدم العملية السياسية الكيانات الوطنية التي ساندت الجيش من دون إقصاء أو فرز أي كيان سواء كان يمثل اليمين أو اليسار أو الوسط".
