Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب غزة تغتال بهجة رمضان

مجاعة "شبه حتمية" تهدد 2.2 مليون شخص في القطاع ومشاعر الحزن تطوق العالم العربي

ملخص

في القاهرة، أكثر المدن احتفالاً خلال رمضان، قالت طالبة من غزة طلبت عدم كشف هويتها، "للمرة الأولى في حياتي لا أطيق فيها فكرة رمضان، وأشعر بالأذى الشديد كلما رأيت فانوساً أو زينة".

"رمضان حزين لكننا نحاول أن نصنع الفرح لأطفالنا"، تقول نيفين السكسك النازحة من جباليا إلى رفح بجنوب قطاع غزة، والتي لا تملك أي شيء لإعداد أول إفطار في شهر يحييه المسلمون عادة بالعبادة والزينة وموائد الأطعمة الشهية في أجواء من البهجة، فالحرب هذا العام في غزة تلقي بظلالها على جزء كبير من المسلمين اقتصادياً ومعنوياً، وخصوصاً في الدول المجاورة لإسرائيل.

وأمام خيمة ضيقة من القماش مكسوة بالنايلون قرب سور مدرسة تابعة للأمم المتحدة لإيواء النازحين في مخيم رفح، تداعب نيفين طفلتها التي حملت فانوس رمضان ملوناً اشتراه زوجها من بسطة قريبة يكاد يقترب منها بضعة مشترين.

لا ذنب لهم

وقالت نيفين (26 سنة) وهي أم لطفلتين أنجبت إحداهما في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 داخل خيمة في رفح، "نحاول أن نصنع الفرح لأطفالنا بالفوانيس لأنه لا ذنب لهم، على رغم من أنه لا يوجد لدينا طعام للإفطار أو السحور، ولا أعلم إذا كنا سنعثر على شيء".

وأضافت السيدة التي نزحت مع عائلتها إلى رفح قبل ثلاثة أشهر أنه "بعد أن قصفوا بيتنا وعانينا كثيراً، وعرفنا أنه ليس بوسعنا أن نفرح بقدوم رمضان، فلدينا شهداء وجرحى قلوبنا تحرق عليهم وأهلنا بعيدون"، معبرة عن أملها في أن يأتي رمضان "ونحن بخير وسلامة".

 

وحول إمكان إعداد الطعام قالت "نطهو على نار موقد حطب ولا توجد أدوات للطبخ فكل شيء ثمنه غال، ولا يوجد لدينا مزاج لنستقبل رمضان مثل السابق".

ويوافقها زوجها ياسر ريحان (26 سنة) الرأي قائلاً "سيأتي رمضان ونحن في حرب وقهر ومجاعة ولا يوجد طعام أو شراب ونحن نعاني اليوم من كل شيء".

شبح المجاعة

وأمام تدهور الوضع الإنساني الكارثي حذرت الأمم المتحدة من مجاعة "شبه حتمية" تهدد 2.2 مليون من أصل 2.4 مليون شخص هم عدد سكان القطاع الذي تصله مساعدات شحيحة جداً مقارنة بالحاجات الهائلة، مما دفع بعض الدول إلى إلقاء مساعدات إنسانية من الجو.

ولا شيء يضاهي الدمار والحرمان في غزة حيث الأحياء مدمرة والأطفال يتضورون جوعاً والمقابر الجماعية محفورة في الرمال، لكن القطاع المحاصر ليس المكان الوحيد في العالم الإسلامي الذي تضرر بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس"، ففي الأردن تشهد الأسواق عادة ازدحاماً قبيل رمضان، لكنها تبدو هذا العام هادئة بشكل عام، بينما لم تظهر في شوارع عمّان حتى الآن أية استعدادات لاستقبال رمضان، مثل الخيم الرمضانية وزينة المنازل وغيرها.

"نشعر بالحزن"

يقول سيف الهنداوي (44 سنة) الموظف في شركة صرافة والأب لخمسة أطفال خلال تسوقه في أحد المحال التجارية في عمّان لوكالة الصحافة الفرنسية، "عادة نشعر بفرح بقدوم الشهر الفضيل، لكننا الآن نشتري بعض الأشياء ونشعر بالحزن لما يجري في غزة"، مضيفاً "هناك ارتفاع أسعار في الأردن، وكل شيء متوفر في الأسواق، أما في غزة فهناك ارتفاع أسعار والطعام غير متوافر"، مشيراً إلى أن سكان القطاع "طحنوا علف الحيوانات ليأكلوا الخبز، ونفكر فيهم في هذا الشهر الفضيل وأنهم لا يملكون أدنى مقومات الحياة"، مؤكداً أن "رمضان هذا العام سيقتصر على أداء الفرائض والجانب الديني والدعاء لأهلنا في غزة بالنصر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبدأ النزاع بعد هجوم شنته حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأسفر عن مقتل 1160 شخصاً معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.

وخطفت "حماس" أثناء الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إن 130 منهم لا يزالون محتجزين في قطاع غزة، فيما يعتقد أن 31 منهم لقوا حتفهم.

وتوعدت إسرائيل بالقضاء على "حماس"، إذ تشن عمليات قصف مكثفة وهجوماً برياً وبحرياً وجوياً على القطاع أدى إلى مقتل 30878 شخصاً غالبيتهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ "حماس".

تمدد الصراع

ومنذ اندلاع الحرب يخشى قادة في المنطقة من أن يمتد النزاع إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، فقد أدت الضربات شبه اليومية التي يسقط فيها قتلى بين إسرائيل ومقاتلي "حزب الله" المدعوم من إيران إلى نزوح عشرات آلاف من المواطنين من جنوب لبنان، ومن بين هؤلاء المعلمة اللبنانية المتقاعدة مريم عواضة (68 سنة) التي تحدثت "عن المعاناة التي نتكبدها جراء النزوح القسري بسبب تعرض بلدتي لغارات وقصف يومي".

وقالت من مدرسة تحولت إلى ملجأ في مدينة صور "أرى أنني غير قادرة على الصوم في رمضان، فأحوالي النفسية والجسدية والصعوبات التي نواجهها من الناحية المعيشية والمادية لن تمكنني من الصوم في ظل هذه الظروف".

وفي اليمن يطلق المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران صواريخ على السفن المرتبطة بإسرائيل منذ نوفمبر 2023 في خطوة تهدف إلى تأكيد تضامنهم مع الفلسطينيين، على حد قولهم.

لكن هذه الخطوة أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية داخل اليمن الناجمة عن الحرب الأهلية التي دامت نحو عقد في البلاد، فقبل شهر رمضان استهدفت ضربات أميركية انتقامية مدينة الحديدة الساحلية، وقال سكان في المدينة إن الشركات مترددة في فتح أبوابها لأن كثيرين يخشون الخروج.

ويؤكد محمد علي (28 سنة) صاحب مطعم، "افتتحناه قبل خمسة أشهر تقريباً وكان العمل ممتازاً، وفي أسوأ الأحوال كنت أتمكن من تسديد التزاماتي من دون أي خسارة وإن كان الربح قليلاً، لكن ما إن بدأت الضربات الجوية حتى انهار العمل بشكل مفاجئ وخف الطلب وباتت لدى الناس مخاوف"، مؤكداً أنه "إذا استمر الوضع شهريين إضافيين فسيكون إغلاق المطعم خيارنا الوحيد".

أما في بغداد حيث الأوضاع المادية صعبة أساساً فقد تمنى محمد العبيدي (48 سنة) في شارع الكرادة المزدحم أن تتوقف الحرب، وقال "يجب يجتمعوا لوقف الحرب في رمضان، ولا بد من هدنة أقله خلال رمضان".

القلق من العنف

وغير بعيد من غزة، يشعر المسلمون في القدس الشرقية بالقلق من العنف في باحات المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي شهد خلال رمضان في أعوام ماضية مواجهات عنيفة بين فلسطينيين وإسرائيليين.

وفي فبراير (شباط) الماضي قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير إنه "لا ينبغي السماح للفلسطينيين في الضفة الغربية بالدخول إلى القدس خلال رمضان"، لكن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكد الثلاثاء الماضي أنه سيسمح للمصلين بدخول المسجد بأعداد مماثلة للأعوام الماضية.

لكن ذلك لم يساعد كثيراً في تهدئة مخاوف أحلام شاهين (32 سنة) التي تعمل في مركز مجتمعي على بعد بضع مئات من الأمتار من المسجد الأقصى، وعندما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المسجد عام 2021، رأت شاهين نساء يصلين بجانبها ويصبن بالرصاص المطاطي، وهي تخشى أن يحدث الشيء نفسه مرة أخرى، وقالت "نعيش الحرب منذ خمسة أشهر، ونحن متعبون ومنهكون".

الأذى الشديد

وفي القاهرة، أكثر المدن احتفالاً خلال رمضان، قالت طالبة من غزة طلبت عدم كشف هويتها، "للمرة الأولى في حياتي لا أطيق فيها فكرة رمضان، وأشعر بالأذى الشديد كلما رأيت فانوساً أو زينة"، مضيفة أن "إخوتي لا يجدون أكلاً ولو لمرة واحدة في اليوم، ونحن من المفروض أن نصوم ونتسحر بشكل عادي؟".

وبالعودة لرفح قال بائع الفوانيس أحمد شلبي "أول ما بدأت في المشروع كنت على حياء وخجل بسبب ما يحدث لنا من تدمير وتهجير وقتل"، وأضاف "لكنني سأستمر في العمل، ونحن نحاول أن نريح أنفسنا من الضغط النفسي ونفرح أنفسنا بأبسط الأشياء".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي