Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتب لا يؤلفها مؤلفوها ولا يقرأها قراؤها

أبناء العاصمة واشنطن لا يهتمون بالاطلاع على أوراق ومضامين الحملات الرئاسية

كارلوس لوزادا حاملا صورة لغلاف "كتاب واشنطن: كيف تقرأ السياسة والسياسيين" (حساب المؤلف على إكس)

ملخص

يعترف الصحافي كارلوس لوزادا بأنه يكسب عيشه من قراءة الكتب السياسية حيث يقدم ملخصات للقراء الذين لا يهتمون بكتب حملات الرؤساء الأميركيين.

توشك جانيت هوك، الصحافية المعنية بتغطية الشؤون السياسية في العاصمة الأميركية لصحف من قبيل "لوس أنجليس تايمز" و"وول ستريت جورنال" أن تصور زميلها الصحافي كارلوس لوزادا قطاً يعبث في القمامة. ولوزادا حالياً كاتب عمود في "نيويورك تايمز"، ومن قبل كان ناقداً للكتب في "واشنطن بوست"، وهذه الصفة الأخيرة هي الكامنة وراء التشبيه، فلوزادا في المقال الذي كتبته هوك عن أحدث كتبه يبحث في القمامة عما يكون صالحاً للاستهلاك. وما القمامة التي تشير إليها إلا فئة معينة من الكتب تعرف بـ"كتاب واشنطن".

صدر "كتاب واشنطن: كيف تقرأ السياسة والسياسيين" حديثاً عن دار "سيمون أند تشوستر" في أكثر قليلاً من 400 صفحة، وفيه يكتب لوزادا قائلاً "إنني أعمل صحافياً في واشنطن منذ 25 عاماً، لكنني لم أتعقب قط أعضاء الكونغرس في أروقة مبنى الكابيتول، ولم أحاور المشاركين المخلصين في مسيرات الحملات الانتخابية، ولم أفضح مخازي سياسي فاسد. إنما كنت أفسر واشنطن عبر قراءتها".

ويروي أيضاً "أقرأ التواريخ والبيانات السياسية. أنكب على مقالات عمرها قرون وتقارير تحقيقات خاصة عمرها عقود. أنقب في أحكام المحكمة العليا وحواشي تحقيقات الكونغرس. أقرأ كثيراً عن السياسة الأميركية، نعم، وكثيراً من الكتب التي يؤلفها الساسة والمسؤولون الحكوميون. أقرأ السير المصقولة الورق التي يروجها الطامحون إلى المنافسة على الرئاسة والسير المنقحة لحياة البارزين الغابرين. أقرأ الكتب التي يؤلفها موظفو البيت الأبيض المتوسطون فتكون كاشفة لكل شيء، والكتب الكاشفة التي يكتبها الرؤساء فتكون كاشفة لبعض الأشياء، وكتب نواب الرؤساء وأعضاء مجلس الشيوخ ومديري المباحث الفيدرالية".

"استكشفت تلك الكتب على مدى العقد الماضي، بوصفي ناقداً للكتب في أول الأمر في صحيفة (واشنطن بوست) وبوصفي كاتب عمود حالياً في (نيويورك تايمز). وحينما يعلم الناس أنني أكسب عيشي من قراءة الكتب السياسية ـ بدلاً من استكشاف أحدث نموذج للرواية الأميركية العظيمة مثلاً غالباً ما تنالني منهم نظرة إشفاق... ويكمن وراء هذا الموقف افتراضهم الواضح بأن هذه الكتب مريعة، سواء أهي أضابير بيروقراطية أم كتب دعائية بأقلام كتاب من الباطن لخدمة مصالح شخصية. حتى إن مقالة رأي في (واشنطن بوست) تساءلت عام 2022: (هل يقرأ أحد فعلاً كتب الحملات الرئاسية؟)".

ومضى في كلماته "اعترف يومها المعلق كريس ماثيوز بأن أبناء واشنطن أنفسهم لا يقرأون فعلياً هذه الكتب، وإنما يولونها ما يطلق عليه (القراءة الواشنطنية) أي الاستعراض السريع، وربما قراءة فصل واحد، أو البحث المتفائل (عن الذات) في صفحة الفهرست. بل لقد ذهب أحد مراجعي الكتب في (نيويورك تايمز) عام 2020 إلى أن ما أمتاز به من تفان في قراءة كثير للغاية من الكتب السياسية المعاصرة يمثل (عملاً من أعمال المازوخية الفائقة)".

"مصاب بالمازوخية"

ليس إذاً قطاً وبحسب ينقب في قمامة واشنطن بحثاً عما يجدر لفت الأنظار إليه، لكنه مريض نفسي مصاب بالمازوخية، أو هو ممارس لنوع من "فرض الكفاية" إذ يقرأ ليعفي غيره من واجب قراءة تافهة، لكنه، مهما يكن الحكم على وظيفته، يثبت بـ(كتاب واشنطن) أن في قراءة كتب الساسة على رغم علاتها نفعاً ما.

تكتب جانيت هوك (نيويورك تايمز - 24 فبراير 2024) أن "في عاصمة الأمة نوعاً شنيعاً من الكتب يعرف بكتاب واشنطن... وغالباً ما تكون هذه الكتب معنية بتضخيم الذات، أو تكون سقيمة الأسلوب، أو مملة إلى حد قاتل. فكثير من الناس يشترونها ويتكلمون عنها، لكن قليلاً منهم هم الذين يقرأونها حقاً". والحق أني لم أنس للشاعر الأميركي الراحل تشارلز سيميك قوله في مقالة عن القراءة في الحمام إنه وجد في حمام صديق رفاً لا يحوي إلا سير الرؤساء الأميركيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحكي جانيت هوك إثباتاً لقولها بأن أحداً لا يقرأ كتب الساسة حكاية عن قيام مايكل كينسلي عام 1985 ـ وهو محرر الكتب في مجلة (ذي نيو ريببليك) ـ بوضع ورقة داخل أحد الكتب السياسية في مكتبة عامة بمنطقة واشنطن واعداً من يعثر عليها بمكافأة تبلغ خمسة دولارات "فلم يتصل أحد مطلقاً مطالباً بالمكافأة".

كان لوزادا ليحصل على تلك المكافأة بالقطع لو أنه يتردد على المكتبات العامة في واشنطن، لكن من المؤكد أنه حصل على مكافآت أخرى وجدها في تلك الكتب وبذل مكافآته تلك عن طيب خاطر لمتابعي عروضه النقدية. يكتب لوزادا عن "سطر عابر هنا، أو عبارة متكررة هناك، أو فقرة في باب الشكر والعرفان، فثمة دائماً موضع ما. وهذا يعني أنه حتى الكتب التي يفترض أن تكون مريعة يمكن أن تكون ضرورية وكاشفة".

والحقيقة أن هذا الـ"موضع ما" هو الذي يبحث عنه قراء جميع الكتب، ولعل هوراس هو الذي كتب يوماً عن "البقعة الأرجوانية" وكان يعني بها البيت الشعري الجميل في القصيدة الرديئة، أو الصورة الشعرية الفاتنة وسط الصور المبتذلة. رأى هوراس في تلك البقعة الأرجوانية عيباً شعرياً لأنها التي تفضح حقاً رداءة محيطها. أما في كتاب لباراك أوباما، أو دونالد ترمب، أو غيرهما من الرؤساء فإن البقعة الأرجوانية هذا أو الـ"موضع ما" هي بغية القارئ الحقيقي سواء أكشفت عن رداءة أم طرافة أم غير ذلك، فالمهم هنا هو أن تكشف عن حقيقة.

"الكتاب الواشنطني"

يكتب لوزادا "بالطبع ثمة بعض الكتب الواشنطنية البائسة. وصادفت من ذلك كثيراً، لكنني أريد أن أناصر الكتاب الواشنطني، لأنني أومن به، وسبب هذا الإيمان هو أنه مهما اعتنى الساسة بتطهير تجاربهم ورواياتهم، ومهما تحروا الدقة في عرض أنفسهم بأصلح شكل للانتخاب وفي أقرب صورة من اليقين، فإنهم ينتهون دائماً إلى فضح أنفسهم. قد لا يريدون أن يفعلوا ذلك، لكنهم لا يملكون أن يجتنبوه. وهم في هذه الكتب يخبروننا بمن يكونون، ويكشفون مخاوفهم، وتصوراتهم عن أنفسهم، وتناقضاتهم المستعصية على الحل".

ويضيف "لست مرغماً على أن تعتمد على القراءة الواشنطنية، إنما يكفيك أن تعرف كيف تقرأ الكتاب الواشنطني". ويرى أن التدقيق الصحيح بالعين الثاقبة المدربة "يمكن أن يتيح رؤى عميقة غير متوقعة في السياسة الأميركية".

من أمثلة اللقى التي تقع في أيدي لوزادا من جراء قراءة ما لا يكاد يقرأه غيره لقية تتعلق بباراك أوباما الذي يعترف له لوزادا بأنه لو لم يكن سياسياً ورئيساً للولايات المتحدة لأمكنه أن يعيش من الكتابة.

" قرأت لباراك أوباما كتابي (أحلام أبي) و(جرأة الأمل) وكتاب سيرته الأولى عن رئاسته (أرض موعودة). ويمكن أن نعرف كثيراً من الكتب الثلاثة، وإن بقي (الأحلام) أفضلها (وهذا من قوانين كتب الرؤساء: كلما ابتعد الكتاب عن فترة الرئيس في البيت الأبيض كان كتاباً أفضل)، لكنني حينما أفكر في قصة أوباما، كثيراً ما أرجع إلى تفصيلة لا ترد في كتبه هو وإنا في كتاب مساعده السابق ريجي لاف (الرمية الأمامية: ما عرفته عن الرئاسة). ففي هذا الكتاب يتذكر ريجي لاف أنه نسي حقيبة أوراق أوباما قبل رحلة إلى مناظرة الحزب الديمقراطي عام 2007. خشي أن يفصل من عمله، لكن أوباما منحه فرصة أخرى. ويذكر لاف سبباً واحداً للضيق الذي شعر به الرئيس الأسبق من جراء نسيان الحقيبة... وهو أن أوباما كان يحب أن يظهر حاملاً شيئاً حينما يغادر الطائرة. "لأن كينيدي" مثلما قال أوباما للاف "كان يحمل حقائبه بنفسه".

 

 

يقول لوزادا إن "ذلك السطر هو أكثر ما أتذكره من هذه السيرة، وفي واقع الأمر، من كل الكتب الكثيرة في حقبة أوباما. فهو يكشف مدى حرص الرئيس الأسبق على بناء صورته العامة، وكيف كان يستلهم من أحد أكثر رؤسائنا السابقين أسطورية في صياغة صورته الشخصية رئيساً قادماً".

غير أن كتب ترمب بطبيعة الحال توفر مادة أكثر خصوبة للطرافة، ولوزادا يقرع قراءه الأميركيين إذ يكتب أنهم لو قرأوا طرفاً من كتب ترمب قبل انتخابه لما أدهشهم في رئاسته بعد ذلك شيء "لعل الصدمة كانت لتعتريكم، لكنها الصدمة لا الدهشة. فالغطرسة والخوف والإهانة ورغبة الانتقام وسهولة الانخداع والتناقض ـ ذلك كله حاضر في الكتب، تذكرة لنا بأنه حتى الأعمال التي يكتبها كتاب من الباطن تقدم كثيراً من الحقائق".

"في حالة كتاب ترمب: فن الصفقة" لم يخض كاتب الباطن توني شوارتز العملية النمطية بإجراء حوارات مع صاحب الكتاب لأن الملياردير الجمهوري ـ بحسب ما قال شوارتز لـ(نيويورك تايمز) بعد سنين ـ لم يكن يستطيع أن يجلس طويلاً أو يركز طويلاً بحيث يطلعه على قصة حياته. فبدلاً من المحاورة، توصل شوارتز إلى قصة ترمب من خلال تعقبه في المكتب والاستماع إليه وهو يجري مكالماته الهاتفية، وذلك نهج ينم على الأرجح عن شخصية الرئيس السابق شأن أي نهج آخر".

غير أن اللقية الأدل على شخصية ترمب هي التي يلتقطها لوزادا من كتاب له عنوانه "كيف تصبح ثرياً" صدر في عام 2004. ففيه فقرة طويلة عن شعر ترمب، نعم، بفتح الشين، يقدر لوزادا أنها تصلح اعترافاً هائلاً عن حياته كلها. يقول ترمب "إن السبب الذي يجعل شعري مضبوطاً طول الوقت هو أنني لست مرغماً على التعامل مع العوامل الطبيعية كثيراً. فأنا أعيش في البناية التي أعمل فيها. أستقل المصعد من غرفة نومي إلى مكتبي. وفي بقية وقتي إما أنني في سيارتي الليموزين، أو في طائرتي الخاصة، أو في مروحيتي، أو في نادي بالم بيتش الخاص بي في فلوريدا... وحين يتصادف أن أكون بالخارج، فأنا على الأرجح في ملاعب الغولف الخاصة بي، حيث أحمي شعري من فرط التعرض بقبعة الغولف الخاصة بي".

"بالنسبة إليَّ، يكفيني في هذه الفقرة التكرار المزعج لضمير الملكية (ولوزادا على أي حال يدعونا إلى التنبه لدلالة التكرارات في كتب واشنطن)، والكلمات الدالة على التملك". أما لوزادا فيعلق على هذه الفقرة بقوله إن الصحافيين السياسيين يرون أن "البيت الأبيض يحبس الرؤساء في فقاعة، لكن ترمب كان يعيش في فقاعة قبل وقت طويل من قدومه إلى واشنطن".

بالطبع لا يقتصر كتاب واشنطن على أوباما وترمب أو حتى غيرهما من الرؤساء، فهو يضم عقداً من المقالات أثمر قدراً هائلاً من أمثال هذه اللقى في كتب تجاوزت الرؤساء إلى معاونيهم، وتجاوزت الكتب إلى كثير من الوثائق الواشنطنية المختلفة. ولكن، ما نفع المعرفة بأثر رجعي، وما المغنم الذي يغنمه القارئ سواء لكتاب لوزادا أو لكتب الرؤساء ومعاونيهم فضلاً عن تقارير التحقيقات وأضابير المؤسسات عدا الندم على الغفلة القديمة بينما الغفلة الراهنة أدعى للندم؟

أليس في البيت الأبيض الآن رئيس يستعد لتأليف كتاب جديد إما بعد أشهر معدودات أو بعد أربع سنوات إن حالفه الحظ؟ أليس في البيت الأبيض فريق من المعاونين كل منهم يدون ملاحظات الآن في عجالة واختزال ليسهب فيها ويطيل بعد حين؟ أليس في مؤسسات واشنطن الكبرى جميعاً كثير من أولئك؟ أليس الأفضل أن يدون القارئ ملاحظاته الشخصية على ما ترصده عيناه؟ لعل المغنم الأكبر الذي يغتنمه القارئ من هذا الكتاب هو أن يتعلم الانتباه ويعرف في كثير من المواد الشفهية المحيطة به كيف يضع إصبعه على البقع الأرجوانية.

وفي هذا الصدد، يوجه لوزادا بعض النصائح المفيدة عند قراءة كتب واشنطن، وعند قراءة السياسيين بعامة، ومن ذلك "عندما تقرأ أحد كتب واشنطن، ابحث دائماً عن السهو والتكرار"، و"ابحث عن المحذوف" ويضرب مثالاً بمقتطفات في بعض الكتب سيكون كاشفاً للقراء أن يروا أين توقف الكاتب في استشهاده، أي ما الذي أثبته وما الذي امتنع عن إثباته.

و"قراءة كتب واشنطن لا تتعلق دائماً بالعثور على المعلومة المثيرة التي تدير آلة الأخبار، وإنما تتعلق بالتفصيلة الكاشفة التي تفضح المعتقد أو طبيعة الشخصية، ثم تعريضها للضوء وللمساءلة". يدعو لوزادا قراءه إلى إيلاء اهتمام خاص بقراءة صفحات "الشكر والعرفان"، فيكتب "يروق لي أن أتمهل في كتب واشنطن عند قسم الشكر والعرفان... في عام 2016 كتبت مراجعة كتاب لمرشح جمهوري هو ماركو روبيو فكان أول من وجه إليه الشكر هو يسوع المسيح ’الذي سيسمح لي قبوله لمعاناة الموت من أجل خطاياي أن أعيش الحياة الأبدية‘". فمن الشخص الثاني في قائمة الشكر؟ إنه محاميه. يقول لوزادا إن ذلك المزيج المؤلف من الرب والمحامي يكشف كثيراً عن لعبة السياسة في واشنطن التي يبدو أهلها مؤمنين بمقولة باسكال "ثق في الرب، وعلى سبيل الاحتياط، استعن بمحام جيد".

تكتب جانيت هوك أن "كتاب واشنطن" ينطوي على المخاطرة التي تنطوي عليها كل كتب المقالات المجمعة، فكتاب لوزادا هو مختارات موسعة من مقالاته النقدية وعروض الكتب التي ألفها على مدى 10 سنوات وحاز بعضها جائزة بوليتزر، لكن "بعض هذه المقالات إما تقادم أو هو أقل إقناعاً الآن مما كان عند نشره للمرة الأولى. فهل لا يزال أحد مهتماً بـ(المجهول) الذي كتب مقالة رأي شهيرة مناهضة لترمب في عام 2018؟ وهل لا نزال في حاجة إلى إعادة النظر في موجة كتب هجومية انهالت على هيلاري كلينتون عام 2016؟".

مع ذلك، تكتب جانيت هوك أن (كتاب واشنطن) "لم يقنعني بقراءة مزيد من الكتب الواشنطنية، وإنما شجعني على قراءة مزيد لكارلوس لوزادا وأن أكون ممتنة له لأنه ـ كما يقول له الناس كثيراً ـ (يقرأ هذه الكتب لكي لا نضطر نحن إلى قراءتها)".

العنوان: The Washington Book: How to Read Politics and Politicians

تأليف: Carlos Lozada

الناشر: Simon & Schuster

اقرأ المزيد

المزيد من كتب