Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينشأ حلف ثلاثي بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟

كيان كهذا ليس مكتوباً له أن يستمر طويلاً

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يجتمعان في شرق روسيا، سبتمبر 2023 (رويترز)

ملخص

الطريقة الأفضل للولايات المتحدة كي تواجه التقارب الصيني – الروسي تتمثل باستخدام هذا التقارب لتحشيد حلفاء واشنطن وشركائها

تشكل كوريا الشمالية منذ زمن مصدر عدم استقرار، بيد أن تطوراً جديداً طرأ خلال العام الماضي يهدد في مفاقمة الأمور، ويتمثل ذلك بتعاون هذا البلد مع روسيا. ففي اجتماع ببيونغ يانغ في يوليو (تموز) الماضي، تعهد كل من وزير الدفاع الكوري الشمالي كانغ سان نام ونظيره الروسي سيرغي شويغو، بتوسيع تعاون بلديهما العسكري "للوقوف بحزم في وجه العدو (عدوهما) المشترك"، الولايات المتحدة الأميركية. بعدها، في قمة عقدت بشهر سبتمبر (أيلول) حيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون "الكفاح المقدس" الذي يخوضه الكرملين ضد "عصبة الأشرار" – في إشارة إلى الدول الغربية – واعتبر كيم أن بوتين يمثل "الصديق الأقرب للشعب الكوري".

على أن التقارب الكوري الشمالي والروسي هذا يتخطى الخطب والشعارات. إذ تقوم روسيا بمد نظام كيم بالمساعدات الغذائية، إضافة إلى الطائرات الحربية وصواريخ الأرض جو ومدرعات وتجهيزات تستخدم في إنتاج الصواريخ الباليستية. وثمة إشارات إلى أن روسيا تقدم خبراتها الحساسة في هذا الإطار. ففي يوليو (تموز)، اختبرت كوريا الشمالية إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات ومتقدم تكنولوجياً، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) تمكنت، بعد محاولات عدة فاشلة، من إرسال أول قمر اصطناعي للاستطلاع العسكري إلى مدار الأرض.

ويجري تمرير الإمدادات الدقيقة والمهمة من الجهتين. فكوريا الشمالية ترسل لروسيا ذخائر مدفعية تحتاج إليها موسكو بشكل ملح لاستخدامها في أوكرانيا، إذ أكد مسؤولون أميركيون في شهر أكتوبر (تشرين الأول) أن أكثر من 1000 حاوية أسلحة وصلت إلى روسيا بواسطة السفن والقطارات. المعدات الكورية الشمالية ليست بالمستوى الدولي الجيد – إذ يبلغ معدل فشل قذائف بيونغ يانغ 20 في المئة، فيما معظم الذخائر الأميركية المتطورة لا يتعدى معدل فشلها 10 في المئة – إلا أن صواريخ كورية شمالية عديدة تطرح على أوكرانيا صعوبات جمة في اعتراضها وحماية نفسها منها، إذ إن تلك الصواريخ هي صواريخ بعيدة المدى، مما يسمح للقوات الروسية بإطلاقها من مناطق بعيدة داخل العمق الروسي، كما أنها متأخرة تكنولوجياً وذاك يصعب الكشف عنها. لذا فإن الدعم العسكري الكوري الشمالي يمكن أن يكون حاسماً في الحملة الروسية الهادفة لإيقاف تقدم الجيش الأوكراني. في المقابل، وبالنسبة إلى بيونغ يانغ، فإن إيصال أسلحتها إلى روسيا يشكل فرصة مهمة لتجربة ترسانتها في معارك حقيقية.

في السياق، وإضافة إلى تقويض جهود الولايات المتحدة وحلفائها في الدفاع عن أوكرانيا، يأتي توسع التعاون الكوري الشمالي – الروسي ليهدد استقرار شبه الجزيرة الكورية. ففي الخامس من يناير (كانون الثاني)، بعد مرور أقل من أسبوع على ظهور تقارير تشير إلى أن روسيا أطلقت على أوكرانيا أول صاروخ باليستي مصنوع في كوريا الشمالية، قامت الأخيرة بإطلاق مئات قذائف المدفعية نحو البحر قرب الحدود المتنازع عليها مع كوريا الجنوبية. وفي الـ14 من يناير (كانون الثاني)، أجرت كوريا الشمالية أول تجربة في العام لصاروخ باليستي متوسط المدى، كما أعلنت رسمياً أنها لم تعد تعتبر كوريا الجنوبية "شريكاً للمصالحة واستعادة الوحدة"، بل عدواً ينبغي هزيمته – من خلال حرب نووية، إذا تطلب الأمر.

وفوق هذا كله، تقوم الصين من جهتها بلعب دور هدام. إذ إن علاقة بكين الأمنية مع روسيا تعمقت في الآونة الأخيرة، إذ قامت روسيا بمد الصين بأسلحة حساسة وقدمت لها خبرات في الصناعات الدفاعية، كما يجري البلدان، على نحو متزايد ومتقدم، تدريبات عسكرية مشتركة. وسمحت الصين في الواقع لوجود دور عسكري روسي أكبر في القارة الآسيوية وأمنت الغطاء السياسي وشريان الحياة الاقتصادي الذي يحتاج إليه بوتين كي يتابع القتال في أوكرانيا. كذلك قامت الصين بحماية كوريا الشمالية من العقوبات الدولية والضغوطات الهادفة إلى إجبار كيم على التخلي عن برنامجه العسكري النووي.

في الإطار ذاته أيضاً ثمة سابقة تاريخية لتعاون هذه الدول الثلاث مع بعضها بعضاً. فخلال الحرب الباردة التزمت كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا بموقف "معارضة الإمبريالية" – الشعار الذي وجه أنشطة هذه الدول الثلاث المعادية للغرب. ويسر التعاون القائم بينها الصراع المحتدم في العالم، خصوصاً في أوروبا الشرقية وشبه الجزيرة الكورية ومنطقة مضيق تايوان.

لكن تبقى هناك أخبار جيدة في هذا السياق تتمثل بأن الحلف الثلاثي "الروسي – الصيني – الكوري الشمالي" لم يأت بمردود ذي قيمة للدول الثلاث خلال الحرب الباردة، وهو قد يفشل أيضاً اليوم إن قامت الولايات المتحدة بلعب أوراقها بطريقة صحيحة. لقد أسهم الدعم الصيني والسوفياتي بمساعدة كوريا الشمالية في مواجهة كوريا الجنوبية وحلفائها وتحقيق نتيجة متعادلة في الحرب قادت إلى اتفاق هدنة عام 1953. بيد أن ما عاشته كوريا الشمالية بعد ذلك من عقود فقر ونظام سياسي منبوذ عالمياً يصعب اعتباره نصراً لبيونغ يانغ. أما بالنسبة إلى بكين وموسكو، فسرعان ما حل مكان التعاون بينهما شرخ وانقسام صيني – سوفياتي، وذلك قبل أن ينهار الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف. وعلى رغم أن الظروف مختلفة في أيامنا الراهنة، إلا أن هناك علامات وبوادر عدم ارتياح معروفة باتت ظاهرة سلفاً بين الصين وكوريا الشمالية وروسيا، وهذه العلامات تشكل تصدعات وفجوات يمكن للولايات المتحدة استغلالها.

مثلث غير مستقر   

تشكل حال الخلاف التي أصابت جبهة الصين وكوريا الشمالية والاتحاد السوفياتي طوال الخمسينيات نموذجاً دالاً. فعقد الخمسينيات ذاك بدأ مع التزام القوتان الأكبران ضمن هذا المثلث، الصين والاتحاد السوفياتي، بأمن بعضهما بعضاً وبدعم الدول الشيوعية الأخرى، من ضمنها كوريا الشمالية. وفي عام 1950 توصلت بكين وموسكو إلى عقد اتفاق تحالف بينهما تتعهد فيه بدفاع مشترك في حال التعرض لهجوم وتعد بتنسيق أنشطتهما المعادية للغرب. ودعم كلا البلدين آنذاك كيم إيل سونغ، مؤسس كوريا الشمالية وجد كيم جونغ أون، وذلك في مسعاه إلى مهاجمة كوريا الجنوبية بذلك العام (1950). وعندما أرسلت الصين قواتها للمشاركة في القتال الضاري بشبه الجزيرة الكورية، قام الاتحاد السوفياتي بمساندة الجهود الصينية القتالية عبر تأمين المساعدات والخبرات العسكرية.

بيد أن ذاك التعاون لم يكتب له الدوام. إذ بعد وفاة الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين عام 1953، قام خليفته نيكيتا خروتشوف بإجراء إصلاحات سياسية وانتهج سبيل "التعايش السلمي" مع الولايات المتحدة الأميركية. وهددت محورية الاتحاد السوفياتي آنذاك في تقويض المشروع الداخلي للزعيم الصيني ماو تسي دونغ الذي استلهم حكم ستالين الفظ. وفي الأثناء أثارت الهجمات الصينية على الجزر الواقعة تحت سيطرة تايوان، وحرب الحدود التي خاضتها الصين عام 1962 ضد الهند، و"الوثبة العظمى إلى الأمام" – برنامج بكين الاقتصادي والاجتماعي الكارثي في تلك الفترة – سخط موسكو وحنقها. كذلك فإن طعون ماو الشخصية بحق القيادة السوفياتية لم تسهم بتحسين الأمور بطبيعة الحال. ومع حلول عام 1960 كان الاتحاد السوفياتي ألغى 12 اتفاق دعم، ونحو 200 مشروع علمي وتكنولوجي مع الصين.

وفي ذلك الوقت، كما الآن، كانت بكين وموسكو تشكلان قوتين بديلتين (أو "تغييريتين" وفق شعاراتهما المناوئة للنظام العالمي "الغربي")، ولا يكن كلاهما تجاه الآخر سوى قليل من حسن النوايا للإسهام المتبادل في تطوير طموحات بعضهما بعضاً. كما أنهما توقعا من شراكتيهما ما هو أكثر من مجرد تبادل الحماية. إذ سعت بكين إلى الحصول على مساعدة مالية لقاعدة قطاعها الدفاعي، ودعماً سياسياً يضفي شرعية على نظام حكمها. أما موسكو فأرادت تزعم الكتلة الشيوعية التي تواصل توسعها، وأن تضمن الحصول على دعم الصين في مساعي تقويض موقع الولايات المتحدة في القارة الآسيوية. وعلى رغم مشاركة الطرفين كثيراً من المصالح ذاتها، إلا أن أولوياتهما اختلفت. وقاد الأمر إلى تصادمهما من ناحية التكتيكات، خصوصاً حين تعلقت الأخيرة بالتعامل مع طرف ثالث. إذ إن بكين وموسكو اختلفتا مثلاً تجاه كيفية الرد والتعامل مع المقاومة البولندية والهنغارية في وجه الهيمنة السوفياتية عام 1956. حتى أن ماو حذر من أن الصين قد تدعم بولندا إن قام الاتحاد السوفياتي بإرسال قواته لإخماد الاضطرابات.

العلاقة الكورية الشمالية - الروسية تقوض نفوذ الصين

لقد وازن القادة الصينيون والسوفيات بين مكاسب وأخطار تحالف بلديهما. فالقوى العظمى بوسعها استخدام التحالفات لتقوية جيوشها وتعزيز إمكانياتها الردعية، لكن إقامة الشراكات بالنسبة إليها يمكنها أيضاً أن تثير عداوات محتملة، أو أن تضع إحدى القوى العظمى المنخرطة في الشراكة، وعلى خلاف رغبتها، في موقع نزاع مع حليفها. فمثلاً، خلال الخمسينيات أيضاً، تزايدت مخاوف القادة السوفيات من أن يؤدي خلاف الصين مع تايوان إلى تقويض خططهم (الخطط السوفياتية) الراغبة في مناقشة احتمالات التهدئة مع الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الضغوط والمخاوف عينها هذه يمكنها اليوم التسبب بانقسامات بين الصين وشركائها. إذ إن تنامي التعاون وتعمقه بين كوريا الشمالية وروسيا أسهم في إبراز توتر جوهري في علاقات روسيا مع الصين. فبكين، على عكس بيونغ يانغ، أظهرت عدم رغبة في دعم حرب موسكو بأوكرانيا دعماً مباشراً، وفي السياق بقيت طلبات روسيا للتجهيزات العسكرية والدعم من الصين، من دون إجابة (زعم مسؤولون روس بأن الصين وافقت سراً على تزويدهم بأسلحة فتاكة، لكن واشنطن لم تجد دليلاً يثبت صحة هذا الزعم). وعلى هذا الأساس يبقى موقف بكين الرسمي من الحرب في أوكرانيا محايداً. فهي دعت إلى وقف التصعيد، وكررت معارضتها لاستخدام الأسلحة النووية، وشددت على مبدأ السيادة لجميع الأمم. لم يصدر أي بيان صيني متضمناً توبيخات صريحة لروسيا، بيد أن الصينيين في المقابل لم يعبروا عن دعمهم الكامل لروسيا. ويظهر اضطرار روسيا للتوجه إلى كوريا الشمالية بغية الحصول على الدعم والسلاح مدى ضآلة المساعدة المادية التي تتلقاها موسكو من بكين. وهذا يعني في المدى القريب أن روسيا ليس أمامها سوى تقبل أية مساعدة يمكنها الحصول عليها، وذاك مع اكتشافنا في النهاية أن شراكتها "غير المحدودة" مع الصين كما يزعم، لها في الحقيقة حدود قد تجبرها على التفكر بأخطار الاعتماد على بكين.

أما بالنسبة إلى الصين فإن العلاقة الكورية الشمالية – الروسية تقوض تأثير بكين ونفوذها في شبه الجزيرة الكورية. واختارت روسيا - من دون أي دليل على أنها استشارت الصين في ذلك - تجاهل العقوبات التجارية التي تفرضها الأمم المتحدة (التي وقعت عليها الصين وروسيا)، والقيام ببيع كوريا الشمالية تكنولوجيات عسكرية متطورة طالما رغبت القيادة الكورية الشمالية بالحصول عليها. والآن إذ باتت روسيا مستعدة لمنحها مكاسب لم تشأ الصين منحها إياها، تقوم بيونغ يانغ بالاقتراب أكثر من موسكو، وخسرت الصين في هذا الإطار نفوذاً كبيراً. وللتوضيح هنا، ما زالت الصين الشريك التجاري الأكبر لكوريا الشمالية. لكن حتى عندما كانت كوريا الشمالية معتمدة تماماً تقريباً على الصين، لم يجد كيم أي مانع في تجاهل تفضيلات القادة الصينيين. واليوم يأتي الدعم الروسي كي يمنح بيونغ يانغ قدرة أكبر على القيام بأفعال قد تعرقل طموحات الصين الإقليمية والدولية. إذ إن بكين مثلاً لن ترغب في أن تقوم كوريا الشمالية – أو روسيا وللسبب ذاته – بتخريب محاولاتها لتوحيد تايوان مع البر الصيني. إلا أن نشوء أزمة في شبه الجزيرة الكورية يمكنه تقويض خطط الصين في هذا المجال عبر دفع الولايات المتحدة وحلفائها نحو تدخل دفاعي أكبر، تماماً مثلما أدى الاجتياح الذي قامت به كوريا الشمالية عام 1950 لكوريا الجنوبية إلى دفع الولايات المتحدة لإعادة التفكير بمصالحها الأمنية في المنطقة وتوقيع معاهدة دفاعية مع تايوان عام 1954.

قلق الصين واضح تجاه تحركات موسكو وبيونغ يانغ التي قد تضر بكين أكثر مما تنفعها

النتائج الأكثر سلبية للتعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا قد تتمثل بإمكان إضرارها بالمصالح الصينية من ناحية الدبلوماسية الحدودية والأمن. فكوريا الشمالية أكثر جرأة واندفاعاً، وروسيا أكثر عدائية، لن يسهما أبداً في تحسين صورة الصين عالمياً أو في مساعدتها للتنافس مع الولايات المتحدة. لا شيء يوحد حلفاء الولايات المتحدة أكثر من مخاوف مشتركة تجاه العدوانية الروسية أو الكورية الشمالية. ويتوقع من الصين في هذا الإطار، كشريك للبلدين المذكورين، استخدام نفوذها السياسي الخاص تجاههما لحل المشكلات التي يتسببان بها. ففي قمة ديسمبر (كانون الأول)، مثلاً، المنعقدة في بكين مع قادة الاتحاد الأوروبي، أراد المسؤولون الصينيون التركيز على خطط طويلة الأمد للعلاقات الثنائية والتحذير من استراتيجية أوروبية "لنزع الأخطار" تهدد طموحات الصين التكنولوجية ومصالحها الاقتصادية. بيد أن الوفد الأوروبي، بدل ذلك، قام بافتتاح المحادثات بدعوة الصين إلى استخدام تأثيرها الاقتصادي في روسيا كي "تضع حداً للعدوان الروسي على أوكرانيا".

لطالما اعتبرت الصين التحالف الثلاثي بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة تهديداً كبيراً لأمنها، حتى أنها طلبت ضمانات من سيول وطوكيو بعدم دخولهما حلف كهذا. جزء من التقديمات التي عرضتها بكين عليهما في هذا الإطار تمثل بطمأنة العاصمتين (طوكيو وسيول) تجاه استعداد الصين لأداء دور "ضامن الاستقرار" في شمال شرقي آسيا – وهو موقف كررته بكين خلال اجتماع مع مسؤولين يابانيين وكوريين جنوبيين بعد إطلاق بيونغ يانغ قمرها الاصطناعي التجسسي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وفي ذاك الاجتماع نفسه قام وزير الخارجية الكوري الجنوبي بارك جين بدعوة نظيره الصيني وانغ يي لحث كوريا الشمالية على وقف استفزازاتها وانتهاج مسار نزع الأسلحة النووية. إلا أن التزام الصين بلعب "دور بناء" في السياق المذكور قد يعتبر غير كاف ما لم تقم كوريا الشمالية، مدعومة من روسيا، بالاستجابة للمبادرات والاقتراحات الصينية. وفي مرحلة معينة، حتى إن لم تعتبر دول أخرى في المنطقة أن الصين متواطئة مع تصرفات كوريا الشمالية العدائية، فإن اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة سيبقون ملزمين في اتخاذ قرارات دفاعية لن يكون مرحباً بها صينياً.

والصين إذ انتبهت إلى خطر اعتبارها ضمن فريق كوريا الشمالية وروسيا، حاولت علناً إبعاد نفسها من مواقف هذين البلدين. ففي أواخر يناير (كانون الثاني)، قال ليو بنغيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، لإذاعة "صوت أميركا"، إنه "لم يكن على علم" بالتعاون الكوري الشمالي – الروسي في المجال العسكري. كذلك قامت الصين على الدوام بنفي لعب أي دور ضمن التعاون الحاصل في الآونة الأخيرة بين هذين البلدين. وفي سياق ادعائها ذاك فإنها لم ترد عندما اقترحت موسكو انضمام كوريا الشمالية إلى المناورات والتدريبات البحرية المشتركة بين الصين وروسيا في سبتمبر (أيلول). كذلك قام الإعلام الصيني الرسمي بالتقليل من شأن فكرة الحلف الثلاثي بين الصين وكوريا الشمالية وروسيا. إذ بحسب الصين فإن شراكة كهذه "لفقت" من الإعلام الغربي لتبرير التعاون العسكري الأوثق بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وبغية خلق أجواء تحاكي "الحرب الباردة" عبر تأطير السياسات الإقليمية ضمن كتلتين متعارضتين. إلا أن الصين في الوقت عينه ما زالت ترى مكاسب حقيقية، ولو كانت محدودة، من علاقاتها مع كوريا الشمالية وروسيا، فيما يبقى تخوفها مرتبطاً بأن تكون تصرفات كوريا الشمالية وروسيا مضرة أكثر مما هي نافعة بالنسبة إليها.

اتركوا الأحداث تتفاعل وحدها

يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تشجيع حصول شقاق ضمن كتلة الدول الأوتوقراطية الناشئة، لكن عليهم توخي الحذر في هذا المسار. خلق العقبات يعد مقاربة خاطئة. لكن عبر مراجعة فصل واحد من دروس التاريخ على واشنطن إدراك أن الصين وكوريا الشمالية وروسيا سيقومون بتقويض حلفهم الثلاثي بنفسهم. فخلال الحرب الكورية مثلاً لم يكن الدعم الجوي السوفياتي للقوات الصينية صريحاً على رغم وعود موسكو، وفي الستينيات نكث الاتحاد السوفياتي بالتزامه في تمرير خبراته النووية إلى الصين. تلكؤ موسكو المستمر ذاك في دعم بكين، ناهيك عن تلكئها في تمديد دعمها الأمني وإيصاله إلى الصين في وقت الأزمات تحديداً، شكل سبباً أساسياً للانقسام الصيني – السوفياتي.

وفي الآونة الأخيرة أتاحت الحرب في أوكرانيا للصين فرصة مثالية كي تخيب أمل شريكتها (روسيا) عبر رفض دعم حملتها العسكرية دعماً كاملاً. إلا أن إدارة بايدن أهدرت تلك الفرصة من خلال تهديد الصين "بعواقب" إن قامت بدعم جهود روسيا الحربية، وعبر إدراجها على اللائحة السوداء شركات صينية اعتبرتها على نحو مؤكد داعمة للقوى العسكرية الروسية. لقد كان من غير المحتمل، حتى من دون هذه التهديدات، أن تقوم بكين بمنح روسيا مساعدة مهمة. لكن الآن، يمكن لبكين احتواء الضرر الذي أصاب علاقتها بموسكو عبر لوم الولايات المتحدة على فشلها (الصين) في مساعدة حليفها. لو قامت واشنطن بترك هذه المسألة من دون تدخل، أو حصر تهديداتها ضمن القنوات الخاصة، لكان التمايز بين الصين وروسيا تدحرج وتنامى ككرة ثلج، وتطور إلى خلاف أكبر.

الطريقة الأفضل للولايات المتحدة كي تواجه التقارب الصيني – الروسي تتمثل باستخدام هذا التقارب لتحشيد حلفاء واشنطن وشركاءها. بوسع تصور خطر مشترك أن يخلق بيئة خصبة لتعميق التحالفات وفتح الطريق أمام مناح جديدة للتعاون الدفاعي. طريقة كهذه في التفكير سبق وسمحت لليابان وكوريا الجنوبية بتجاوز عداواتهما التاريخية والعمل معاً على نحو أوثق من أي وقت مضى. إذ قرر كل منهما في الربيع الماضي أن يضعا بعضهما بعضاً من جديد في موقع الشريك التجاري الأفضل للآخر، وفي ديسمبر (كانون الأول) استأنفا المحادثات الاقتصادية رفيعة المستوى بينهما بعد توقف دام ثماني سنوات. حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الذين كانوا مترددين في الضغط على بكين قد يبدلوا أيضاً مواقفهم حين يرون أن الصين وروسيا تشكلان خطراً واحداً – وربما لدرجة تقنعهم بمساعدة الولايات المتحدة في ردع العدائية الصينية في آسيا. فالصين أظهرت تردداً في دعم الأهداف العسكرية والسياسية الروسية في أوروبا لأن بكين، في جانب من الجوانب، تقدر علاقاتها الاقتصادية مع البلدان الأوروبية. لذا، إن قامت الدول الأوروبية هذه بالاصطفاف مع الولايات المتحدة لانتهاج موقف أقوى تجاه الصين، فإن بكين قد تستنتج أن التقارب مع روسيا وتكتيكاتها التخريبية له أثمان بالغة الكلفة.

حتى الآن التعاون بين كوريا الشمالية وروسيا يصعب على الولايات المتحدة وحلفائها مهمة إجبار أي من هذين البلدين على التخلي عن ميولهما لتغيير الوضع القائم والتصرفات العدوانية وانتهاج دور بناء ضمن المجتمع الدولي. لكن إن أدت علاقتهما هذه إلى تهديد حقيقي للصين، فإن بكين قد تختار إبعاد نفسها عن موسكو وبيونغ يانغ على حد سواء. حتى أنها قد تذهب إلى أبعد من ذلك، فتحاول بث الشقاق بين كوريا الشمالية وروسيا. الولايات المتحدة وحلفاؤها لم يمثلوا السبب الرئيس للخلاف والانقسام الصيني – السوفياتي خلال الحرب الباردة، ولن يكونوا سبب الانقسام الصيني – الروسي المقبل اليوم – لكن بوسعهم تنشيط وإعمال الديناميات الإقليمية التي تسرع هذا الانقسام.

*أوريانا سكايلار ماسترو هي زميلة في معهد فريمان سبويلي بجامعة ستانفورد ومؤلفة الكتاب الذي سيصدر قريباً: "الصعود: كيف غدت الصين قوة عظمى" Upstart: How China Became a Great Power

مترجم عن "فورين أفيرز" 19 فبراير 2024

المزيد من آراء