Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تأجير الرحم" يطلق الضوء الأحمر على شاشة رمضان

المؤلف: دور الفن ليس تقديم المسألة وحلها لكنه يعيد تقييم الكثير من الثوابت

تضمن مسلسل "صلة رحم" العديد من القضايا الجريئة   (التواصل الاجتماعي)

ملخص

تعاني الدول التي شرعت تأجير الأرحام قانوناً مشكلات كثيرة وصراعات بين القانون والقضايا الاجتماعية والإنسانية

تأجير الأرحام من أكثر القضايا الشائكة التي يعتبرها معظم الشعب العربي ضمن المحظورات وأول الخطوط الحمراء التي لا يجب الاقتراب منها، مثل كل القضايا التي تحدث لغطاً وتماساً مع الشرع خصوصاً في ما يتعلق بالحمل والإنجاب والأنساب.

وتناولت السينما والدراما والأعمال الفنية الأجنبية عديداً من هذه القضايا بداية من تأجير الأرحام وحتى الاستعانة ببويضات من بنوك تعتمد على متبرعات في مقابل نقدي، ولكن الدراما العربية لم تقترب من هذه المنطقة إلا على استحياء شديد.

"صلة رحم"

الجمهور العربي فوجئ في رمضان بعرض مسلسل شديد الجرأة في تناول قضية تأجير الأرحام وهو "صلة رحم"، الذي كتبه محمد هشام عبيه وأخرجه تامر نادي، ويلعب بطولته إياد نصار وأسماء أبو اليزيد ويسرا اللوزي وعدد من النجوم.

وتدور أحداث العمل عن الطبيب حسام الذي يمر بتجربة زواج فاشلة ويموت ابنه الوحيد فيدخل في حالة اكتئاب شديدة وتعالجه طبيبة نفسية تدعى ليلى، ويقع في حبها ويتزوجان، وبعد فترة يحدث الحمل المنتظر لكنها في الشهر الخامس تتعرض لحادثة سير يتسبب فيها زوجها المخمور فتفقد جنينها وتضطر إلى استئصال الرحم لخطورة حالتها الصحية.

ويقع الزوج في دائرة الذنب والحرمان ويعيش صراعاً قاسياً بين رغبته في الأبوة وتعويض زوجته عما أصابها بسببه، فيفكر في استغلال بويضاتها المجمدة مسبقاً بأحد البنوك في تلقيح فتاة أخرى لتكون رحماً بديلة على رغم خطورة الأمر ونتائجه الدينية والاجتماعية، ومجازفة تحقيقه في مجتمع عربي وإسلامي وشرقي له ثوابت وقواعد وشرائع لا يمكن النقاش فيها.

يحاول الزوج تنفيذ مخططه على رغم كل العواقب المنتظرة ويتحدى الجميع ولكن لا أحد يعرف النتيجة النهائية لقراره، وهل سيقابلها المجتمع بالقبول أم سترفض تماماً ويطبق عليه عقوبات اجتماعية وقانونية.

يتطرق المسلسل أيضاً إلى عدد من القضايا أبرزها أيضاً الإجهاض الذي يمارسه أحد الأطباء ويدافع عن نفسه بأنه لا يرتكب جريمة بل بالعكس يفعل عملاً جيداً، لأنه ينقذ فتيات تورطن في الحب من الفضيحة ومن خطر أن يتعرضن للقتل من طريق عائلاتهن في حالة اكتشاف حملهن، كما ينقذ طفلاً سيأتي للعالم لقيطاً وغير شرعي ليعاني قسوة لن يتحملها تجعله غير سوي.

تحريم تأجير الأرحام

وحول رأي الدين في فكرة اللجوء لتأجير الأرحام فقد صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية رقم 1 في الـ29 من مارس (آذار) 2001 بتحريم تأجير الأرحام. كما أجمع الفقهاء المعاصرون أثناء بحث هذه المسألة في إحدى ندوات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية على حرمته، لأن هناك طرفاً ثالثاً غير الزوج صاحب النطفة والزوجة صاحبة البويضة، ولا يمكن الجزم مع وجود الطرف الثالث بتحديد الأم الحقيقية لهذا الطفل، فهل الأحق به صاحبة البويضة التي تخلق منها الطفل وحمل كل خصائصها الوراثية؟ أو الأحق به الأم الحاضنة صاحبة الرحم التي تم فيها نموه وتطوره وتبدله حتى صار جنيناً مكتملاً؟

والطفل الذي يأتي بين والدتين لا يدري من أمه على سبيل القطع والتأكد سيعيش ممزقاً بين انتمائه لهذه وميوله لتلك، وهذا من الأسباب التي حملت الفقهاء على أن استئجار الأرحام محرم شرعاً.

وفي المسلسل لجأ الزوج الذي يقوم بدوره إياد نصار لاستشارة الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي وأكد له نفس الفتوى، لكن الباحث عن الأبوة لم يكترث ومضى بمخططه في رغبة لتعويض زوجته عن فقدان حقها في الأمومة وحتى لا يتزوج عليها ويزيد الأزمة بخاصة أنه يريد أن ينجب منها تحديداً، وبرر العمل تحركات الزوج بصورة عاطفية وإنسانية حتى إن تخطى حدود الفتوى المعروفة.

 

"اندبندنت عربية" تحدثت مع مؤلف المسلسل محمد هشام عبيه، عن فكرة المسلسل وبداية المشروع وردود الفعل بخاصة أن العمل يروج لفكرة غير مسموح بها شرعاً.

يقول عبيه "الفكرة في الأساس تخص الشركة المنتجة للعمل، وطلبوا مني تنفيذ عمل يناقش قضية تأجير الأرحام، وهل من حق الناس استخدام تلك الطريقة لتحقيق حلم الأمومة وتكوين أسرة في حالة تأزم ذلك لأسباب خارجة عن الإرادة؟".

يضيف "بعدها بدأت كتابة العمل بالشخصيات الأساسية وهي الزوج والزوجة والشابة التي سيتم طلب تأجير رحمها، وتم بناء الشخصيات الأخرى من كل العوالم الإنسانية والشرائح الاجتماعية المحيطة بالشخصيات الأساسية، وكذلك توضيح عالم وتاريخ كل شخصية وسبب الاضطرار إلى الفكرة بصورة إنسانية واجتماعية من دون مباشرة أو ظهور الأمر بصورة تعليمية وتوجيهية للمشاهد".

ونفى عبيه اللجوء لأي عمل أجنبي تناول قضية قريبة أو بعيدة من الفكرة حتى لا يتأثر بذلك من ناحية، ومن جانب آخر لأن الدول الأجنبية ليس بها تحريم أو تجريم لتأجير الأرحام أو حتى استخدام بويضات من متبرعات من طريق بنوك متخصصة، وهذا حدث بالفعل في حياة كثير من المشاهير الأجانب المعروفين.

أفكار راسخة

وأوضح المؤلف "أحب الموضوعات التي تتطلب بحثاً وتفكيراً"، ونوه بأن "هذا ما يحاول طرحه في العمل من خلال شخصيات إنسانية طبيعية تجمع بين الخير والشر وتبعد الأبطال عن فكرة الملائكية، وتنفي أن البطل لا يمكن أن يرتكب خطأ، لأن هذا في وجهة نظره ما يربط البطل بالمشاهد إذ يراه المتلقي يشبهه".

وتابع عبيه أن قضية تأجير الأرحام مطروحة في ذهنه منذ فترة، وقرأ أكثر من تحقيق صحافي عن وقائع قريبة من القضية، وهناك غروبات عبر صفحات التواصل الاجتماعي تعلن أحياناً عن توفير سيدات لتأجير أرحامهن، وطبعاً جميعهن يعانين الفقر الشديد، لذلك يلجأن لهذا النوع من الطرق لكسب العيش، وفي معظم الأحيان يكون هناك حالات نصب ضخمة جداً في ما يتعلق بعملية التأجير، وهناك ضحايا كثر في قضايا تخص هذا الأمر، لكن الأمر سيستمر حسب رأيه ما دام هناك فقر شديد عند كثير من السيدات من ناحية، ودوافع إنسانية وغريزية عند من يفقدن القدرة على الإنجاب لأسباب غير إرادية من ناحية أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح عبيه أن تأجير الأرحام غير قانوني في الوطن العربي والإسلامي، ولكنه مقنن في إيران، وعلى رغم قانونيته هناك فإنه يتعرض لمعارضات كبيرة جداً وحالات نصب متكررة.

وكشف عن أن هناك فتوى صدرت تؤكد أن الابن لمن حملت، وهنا يحدث تعقيد كبير في أحقية الأم البيولوجية صاحبة البويضة من جهة، والأم التي حملت البويضة في رحمها حتى ولدت الجنين، وتختلط المشاعر التي لا يمكن التحكم فيها وتتفاقم الأزمات.

طرح موضوعي

وعن اتهامه بالترويج لفكرة تأجير الأرحام كحل لمن لا تملك رحماً صالحة للإنجاب أو فقدتها لسبب ما، قال عبيه "أطرح قضية من كل الزوايا حتى يتم التفكير فيها، ولا أفرض حلولاً، فكما قدمت تأجير الأرحام كفكرة موجودة بالفعل في المجتمع أطرح عواقبها الإنسانية والدينية والاجتماعية، كما عرضت رأي الدين بوضوح حتى لا يتم التعتيم على منطقة والتركيز على أخرى، ولا أتحيز لأي فكرة بل أعرضها موضوعياً، ولا أتعمد أن أقدم عملاً لأحدث صداماً، ودور الفن ليس تقديم القضية وحلها ولكنه في الأقل يجعلنا نفكر ونعيد تقييم كثير من الثوابت التي قد لا نقترب منها لأسباب دينية ومجتمعية".

وأشار إلى أن ردود الفعل حول المسلسل كانت متوقعة، فالناس دائماً تهاجم أي فكرة تخدش استقرارهم وثوابتهم حتى إن كانوا مقتنعين بضرورة إعادة التفكير مع التطور أو الضرورات المستجدة في الحياة، ومع ذلك هناك آراء أخرى مع التغيير ومدافعين عن المشروع وإمكانية مناقشة الثوابت بحكم التغيرات والضرورات.

واختتم عبيه أنه لا يملك بصورة شخصية رأياً قاطعاً حيال الموضوع، ويستبعد إمكانية تشريع تأجير الأرحام مهما كانت الضرورة حسب الثوابت المعروفة، بخاصة أن الدول التي شرعت التأجير قانوناً ما زالت تعاني مشكلات كثيرة وصراعات بين القانون والإنسانيات.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون