Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سوق حمص" السورية... ملحمة "سقط المتاع"

تبيع كل شيء إلا المخدرات والسيارات وتلبي مطالب الجميع وتضمهم تحت وطأة الحاجة بعيداً من الحرب

بجولة في رحابها يمكن الخروج باستنتاج بسيط هو أن كل شيء حرفياً يباع هناك (اندبندنت عربية)

ملخص

اكتسبت شهرة واسعة في عموم البلاد، لا لأنها باتت مترامية الأطراف فقط، بل لأن شهرتها جاءت من الظرف الذي أوجدها للعام السابع على التوالي من دون انقطاع.

فرضت الأسواق الشعبية المتنقلة نفسها كبديل أسبوعي حاضر بقوة على حساب الأسواق الأساسية الثابتة في البلاد. الأسواق التي جاءت فكرتها الأم من دمار معظم أسواق المدن المعروفة سرعان ما صارت شائعة ومنتشرة وتحظى بإقبال كبير من الجمهور.

ظهرت هذه الأسواق في دمشق بعيد منتصف الحرب بقليل، لكن سرعان ما زالت من دون أن تخلف أثراً يذكر عن أماكن وجودها في الريف والمدينة، عدا تلك البسطات التي تنتشر بين مكان وآخر متنقلة بما معها من حمولة خفيفة أقل من أن تحظى بصفة سوق، لما تحتويه من تعدد وتنوع وشمولية واكتظاظ.

إلا المخدرات والسيارات

من بين الأسواق المتنقلة التي حافظت على وجودها حتى اليوم، أسواق ريف دير الزور وسوق حمص الكبيرة بوسط البلاد. "اندبندنت عربية" اتجهت إلى حمص لزيارة سوقها التي اكتسبت شهرة واسعة في عموم البلاد، لا لأنها باتت مترامية الأطراف فقط، بل لأن شهرتها جاءت من الظرف الذي أوجدها للعام السابع على التوالي من دون انقطاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تدعى "سوق حمص" تلك بـ"سوق الجمعة"، وهو يوم العطلة الرسمية، ليتيح للباعة القدوم بأغراضهم من كل أحياء المدينة وأريافها بل وبعض المدن القريبة منها أحياناً، وبجولة في رحابها يمكن الخروج باستنتاج بسيط هو أن كل شيء حرفياً يباع هناك، ربما في ما عدا المخدرات والسيارات.

طيور حمام عادية أو نادرة، دجاج بلدي أو مدجن، خرفان وماعز، ملابس جديدة أو مستعملة، أحذية بكل أنواعها، فواكه وخضروات تناسب جيب المشتري، من أجود الأنواع إلى أكسدها، أثاث منزلي، أطقم جلوس، كراسٍ، مكتبات منزلية، شاشات تلفزيون، أجهزة صيانة، غسالات مستعملة، برادات، قطع غيار سيارات وإلكترونيات وأجهزة خلوية، كل ذلك في ربع السوق الأول، وكلما توغل الزائر وجد مزيداً من المعروضات التي تصير أكثر من أن تحصى.

للطيور حضور الحرب

كان منظر الحمائم في عشرات الأقفاص المتجاورة يبدو لافتاً للنظر، واحد من تلك الأقفاص يتولى بيعه طفل يبلغ الـ15 من عمره واسمه عمر درواني. يقول عمر مشيراً لأحد الطيور من ذوي العنق الأسود، "هذا أغلى ما أعرضه، ثمنه أربعة ملايين ليرة (نحو 285 دولاراً)، وثمة أناس يشترونه، فمهنة تربية الحمام بمثابة الشغف لدى عشاقها، وإن لم أبعه هذا الأسبوع فسأبيعه الجمعة المقبل، أما أرخص طير لديّ فسعره 300 ألف ليرة سورية (20 دولاراً)، ولهذا زبونه ولذاك زبونه".

عمر يوضح أنه وعائلته يعيشون من تربية الطيور وبيعها أباً عن جد، مؤكداً أنها مهنة لا تندثر فمربو الحمام لم يتوقفوا عن اقتنائه في أية لحظة من الحرب كما كان يخبره والده، مستدلاً على ذلك بإشارة من سبابته نحو السماء قاصداً أسراب الحمام المدجنة التي تعبر فوق أحياء المدينة.

 

 

قبالة عمر يفترش أحمد حرسة (34 سنة) الأرض عارضاً على مساحة أمتار ملابس مستعملة، يقول إن ما يفعله الآن هو خيار الضرورة، فاستئجار محل في أية مدينة سورية صار حلماً بسبب الارتفاع غير المنطقي في الإيجارات.

يوضح أحمد أن الأسعار لديه أرخص من البالة، على رغم أن مصدره الأساس هو البالة في الحصول على الملابس، معللاً ذلك بأن البالات هذه الأيام انتهت من التنزيلات وبدأت البضائع لديها تكسد ولا يمكنها الاحتفاظ بها حتى الموسم الشتوي الجديد الذي سيحمل نوعيات وتشكيلات جديدة، لذا يتمكن وسواه من شراء تلك الملابس بأسعار مخفضة للغاية قبل أن يضع نسبة ربح تناسبه على بضاعته، وقد تصل للضعف أحياناً، وهو ما يحميه من انعدام قدرته على العمل بين جمعتين.

يضيف أحمد، "أحياناً يكون المبيع جيداً، وأحياناً سيئاً، لكن في كل الأحوال يزور هذه السوق آلاف الناس يومياً مما يجعل إمكانية البيع أعلى احتمالية ومردوداً، وبصراحة كل باعة السوق يبيعون أية قطعة من أي نوع بحسب شكل الزبون ومدى اتضاح قدرته المادية، فأحياناً أبيع القميص بدولار وأبيع ذاته بدولارين أو أكثر لزبون آخر".

الذي يعرف كل شيء

يقرر الحاج أبو عمار شيحة (61 سنة)، وهو واحد من كبار السوق مكانة لدى عموم الباعة، اصطحاب "اندبندنت عربية" في جولة بين البسطات والمفارش والخيام والأكشاك والباعة مقدماً نفسه كخبير في أدق شؤون السوق ومستلزمات زوارها، وشارحاً كيف أن المحافظة (محافظة حمص) حاولت تنظيم السوق بأكشاك من "التنك"، ولكن تلك الأكشاك سرعان ما اتضح أنها لا تغطي خمسة في المئة من الحجم الفعلي للباعة وأغراضهم.

يلوح الحاج بيده من بداية السوق لنهايته، مبيناً أنه قبل عام واحد كانت السوق بنصف أو ربع حجمها الحالي، قبل أن يسير مشيراً بيده من جديد قائلاً، "فلان هذا قادم من القرية الفلانية ويبيع كذا، وفلان هذا من أبناء حمص ويبيع كذا، وكل أسبوع يغير مصلحته، وفلان هذا قادم من مدينة حماة، وهكذا".

 

 

يجلس منصور طالب، وهو بائع آخر (43 سنة)، في زاوية متطرفة قليلاً يبيع أدوات وقطع غيار ومستلزمات صحية وجلود حنفيات وما إلى ذلك، إلى جانبها أشياء شديدة التنوع يصلح معها القول "من كل واد عصا"، فمن جلود الحنفيات إلى أكسسوار الموبايل إلى قطع صيانة الكهربائيات إلى صناديق لم يكن بعد قد أفرج عن محتوياتها.

يقول لـ"اندبندنت عربية"، "بعض ما أعرضه هو من منزلي، وبعضه من منازل أقاربي، والبقية أشتريها من باعة آخرين في أسواق أخرى، أو من هذه السوق نفسها، أو عبر الإنترنت، صحيح أنها لا تربح كثيراً، لكن تنوعها يجذب الزبون ليفكر بالشراء".

أكبر سوق في البلاد

تقع سوق حمص المتنقلة في حي النازحين قرابة وسط المدينة، داخل فسحة ترابية واسعة بين الأبنية السكنية، وهو الحي الذي شهد أم المعارك في المدينة بين عامي 2011 و2013، وإلى هذه السوق التي ما عاد أحد يعرف أين تبدأ وأين تنتهي يتوافد الباعة منذ منتصف الليل مخيمين لاختيار المكان الأفضل قبل أن يحتدم سباق حجز الأمكنة.

 

 

في أيام الشتاء لا سقف يقي هؤلاء الباعة الأمطار، وفي لهيب الصيف أيضاً لا شيء يظللهم، وبين صيف وشتاء، وجمعة وآخر، يبقى أن سوق حمص في مكانتها وتعداد زوارها واتساعها حال ملفتة تمكنت من فرض نفسها كأكبر سوق تقع في منطقة تسيطر عليها الحكومة السورية.

على الدوام تقف دوريات شرطية قبالة السوق لاحتواء أية مشاحنة أو مشكلة قد تحصل، لكن هذه الاحتمالية هناك صارت قليلة، إذ اعتاد الباعة على بعضهم بعضاً، مؤمنين أن الرزق موزع ولو كانت المساحة الترابية كلها تبيع صنفاً واحداً.

المساحة الترابية عينها ما عادت تعرف إن كانت هي السوق أم مداخل الأحياء المجاورة التي امتد الباعة فيها ميمنة وميسرة وباتجاه الطريق الرئيس ليصبح حيّ النازحين في يوم الجمعة سالكاً بصعوبة شديدة لا تشل المدينة بقدر ما تعطيها بعداً أنيساً يجمع كل أطيافها في مكان واحد بعد حرب ضروس.

المزيد من منوعات