Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ناجية من الاتجار بالبشر تحذر لندن من ترحيل اللاجئين الى رواندا

خطة الحكومة البريطانية نقل ناجين من الاتجار بالبشر قسراً إلى دولة أخرى سيؤدي إلى تفاقم شعورهم بالاستهداف مرة أخرى - ثقوا بما أقول، فقد اختبرتُ ذلك

زورق مطاطي يحمل نحو 65 مهاجراً خلال عبوره مياه "القنال الإنجليزي" في 6 مارس 2024 (غيتي)

ملخص

الحقيقة هي أن نقل ضحايا العبودية الحديثة إلى رواندا يبدو مشابهاً للاتجار بالبشر، لأنه يتم نقلهم إلى مكان آخر ضد إرادتهم، حيث يكونون أكثر عرضةً للاستغلال

يمكنني أن أجزم، باعتباري إحدى الناجيات من الاستغلال الجنسي للأطفال - وهو شكلٌ من أشكال العبودية الحديثة - بأنني أدرك تماماً مشاعر الرعب والخوف والعجز واليأس التي يعاني منها الضحايا. فعندما يقعون بالكامل تحت رحمة تجار البشر، يصبحون مجردين من أي شعور بالإرادة الحرة والاستقلالية. وغالباً ما شعرتُ بأنني غير ملحوظة أو مرئية، ولم أجد أحداً للدفاع عني.

وقد تطلب الأمر مني فترةً طويلة للتعافي، اعتمدت خلالها بشكلٍ كبير على دعم الأشخاص الذين قابلتهم والشبكة المجتمعية التي تمكنتُ من بنائها. ومن حسن الحظ أن جنسيتي البريطانية وفرت لي شعوراً بالأمان، بحيث لم يكن علي الخوف من الترحيل واحتمال البدء من جديد في بيئة غير مألوفة لا رغبة لدي في أن أكون فيها.

الوصول إلى المملكة المتحدة عبر طرق غير مشروعة، مثل قاربٍ صغير - وهو طريق يُضطر كثيرٌ من الضحايا المحتملين للعبودية الحديثة والاتجار بالبشر لسلوكه - لا يخفف على الإطلاق من مشاعر الخوف والضعف الشديد التي تتملكهم. وفي الحقيقة، أتصور أن ذلك سيتسبب في تفاقمها. فبعد رحلةٍ مؤلمة ومحفوفة بالأخطار، يصل كثيرٌ من الأفراد في حال من الإنهاك والذعر الشديدين، ويتعرضون للاستغلال في العمل أو الجنس أو الأنشطة الإجرامية.

وفيما أن الاستجابة الإنسانية والأخلاقية مع هذه الحالات، تكون من خلال ضمان حصول أولئك الذين وقعوا في فخ العبودية، على الدعم العاجل الذي يحتاجون إليه، إلا أن الحكومة البريطانية، بدلاً من اتباع هذا النهج، اتخذت موقفاً عدائياً تجاه الناجين من العبودية الحديثة، من خلال محاولات إخراجهم من البلاد، بما فيها إبعادهم إلى رواندا من خلال ما يُسمى "مخطط رواندا" Rwanda Scheme. ويبدو أنها ماضيةٌ في هذا المنحى على رغم صدور قرارٍ عن "المحكمة العليا" يعتبر رواندا وجهةً غير آمنة لهؤلاء الأفراد.

والحقيقة هي أن نقل ضحايا العبودية الحديثة إلى رواندا يبدو مشابهاً للاتجار بالبشر، لأنه يتم نقلهم إلى مكان آخر ضد إرادتهم، حيث يكونون أكثر عرضةً للاستغلال. إن احتجاز الناجين من الاتجار بالبشر ونقلهم قسراً إلى بلدٍ آخر لن يؤدي إلا إلى زيادة الشعور بعدم القدرة على السيطرة على حياتهم وإجبارهم على القيام بشيء على عكس إرادتهم. وبهذه الطريقة، قد يشعرون كما لو أنهم يعاملون بالطريقة نفسها التي عوملوا بها من قبل المتاجرين بهم.

هذا النهج لا يحل مشكلة الاتجار بالبشر، إنه يوجد المزيد من المشكلات. وهذا لا يؤدي إلا إلى وضع هذه المشكلة على عاتق طرفٍ آخر، إضافةً إلى تحمل المملكة المتحدة مبلغاً هائلاً من المال.

والحقيقة هي أن الترحيل القسري لضحايا العبودية الحديثة إلى رواندا أو إلى دولةٍ أخرى، من دون السماح لهم بالتحدث، ومع عدم إمكانية حصولهم على الدعم أو الرعاية الصحية المناسبة، سيكون له تأثيرٌ سلبي كبير على صحتهم العقلية والجسدية، ويمكن أن يودي بهم حتى إلى الانتحار.

إذا تم ترحيل لاجئين إلى رواندا، فإن ذلك سيزعزع ثقة ضحايا العبودية الحديثة في الحصول على ذلك المستوى المتدني من الدعم الذي يتلقونه هنا في المملكة المتحدة

 

لقد تحدثتُ مع ناجين من الاتجار بالبشر، الذين كانوا ينتظرون سماع ما إذا كان سيُسمح لهم بالبقاء في المملكة المتحدة أو أن سيتم ترحيلهم، وكان من المحزن الاستماع لقصصهم. وعلى رغم أنه يحق رسمياً لضحايا محتملين للاتجار بالبشر بأن يحصلوا على الدعم الحكومي، فإن المساعدة التي كانوا يتلقونها كانت ما دون المستوى المطلوب، كما أن انتظار صدور قرارات الهجرة، زاد من وقع الصدمة التي أصابتهم.

إحدى النساء حدثتني عن تجربتها في العزل داخل غرفةٍ في أحد الفنادق، فرضته عليها وزارة الداخلية، حيث كانت وجبات الطعام تُترك لها خارج باب الغرفة. ولسوء حظها، أنها لم تتمكن من تناول الكثير من الطعام بسبب حساسيةٍ تعاني منها. يُضاف إلى ذلك، أنها كانت تعاني من بعض الإصابات ومن مشكلاتٍ صحية لم يتم علاجها. فأنا أشعر بالذعر إذا ما أصبتُ بعدوى بسيطة في إصبعي، علماً أنه يمكنني بسهولة زيارة طبيب وطلب الرعاية. تخيلوا أنكم تتصارعون مع مشكلة صحية أشد خطورة، وأنتم غير متأكدين متى، أو حتى ما إذا كنتم ستتلقون المساعدة العلاجية اللازمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التقيتُ أيضاً بشابٍ حصل على نحو 35 جنيهاً استرلينياً (44.45 دولار) فقط في الأسبوع، جزءاً من الدعم المقدم له من خلال "آلية الإحالة الوطنية" National Referral Mechanism (NRM) (وهي إطار لتحديد الضحايا المحتملين للعبودية الحديثة وضمان حصولهم على الدعم المناسب)، من دون أي مساعدة إضافية، باستثناء وضعه في غرفةٍ خالية تفتقر حتى لفراشٍ ينام عليه. وقد أصيب بصدمةٍ شديدة وكان يجد صعوبةً في النوم. وما زاد الطين بلة أنه في عز البرد القارس للشتاء لم يكن لديه معطف. والسؤال: لماذا يُضطر شخصٌ لأن يختار ما بين الحصول على فراش أو معطف أو ما يكفي من طعامٍ لتناوله؟ ولا يتمكن من تناول الغذاء والشعور بالدفء إلا من خلال دعمٍ مجتمعي له.

في حال تم ترحيلهم إلى رواندا، فإن ذلك سيحد من آمال ضحايا العبودية الحديثة في الحصول حتى على ذلك المستوى المتدني من الدعم الذي يتلقونه هنا في المملكة المتحدة. كما أن مخطط الإبعاد إلى رواندا يعني أيضاً أنه قد لا يتم حتى تحديد الضحايا المحتملين للعبودية والاتجار بالبشر في المقام الأول، بحيث سيخشى الأفراد من التقدم للإبلاغ عن تلك الممارسات، لأنهم يدركون أن مصيرهم قد لا يكون مختلفاً كثيراً عن فخ العبودية الحديثة التي يواجهونها في الوقت الراهن.

ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى أن عدداً أقل من الأشخاص سيتجرؤون على التقدم ببلاغات، ما يعني في المقابل أن عدداً أقل من المتاجرين بالبشر سيُلقى القبض عليهم ويُحاكمون، كما تؤكد الأدلة. وفي الواقع، سيُمنح المُتاجِرون بالبشر ضوءاً أخضر لتهريب مزيدٍ من الأشخاص والإفلات من العقاب. إن الحكومة تتصرف بشكل غير إنساني وغير أخلاقي، ولا تبدي أي اعتبار لسلامة الأشخاص المستضعفين.

يُشار إلى أن الحكومة البريطانية قدمت 250 مليون جنيه (318 مليون دولار) لحكومة رواندا لوضع هذا المخطط، الذي سيكلف دافعي الضرائب في المملكة المتحدة أكثر من نصف مليار جنيه (635 مليون دولار).

لذا، حريٌ بنا استخدام هذه المبالغ الضخمة من المال التي يتم إنفاقها لإبعاد الأفراد، من أجل حل المشكلات الحقيقية المتعلقة بمسألة الاتجار بالبشر.

يمكن أولاً استخدام هذه الأموال لتحسين الدعم المخصص في الوقت الراهن للناجين، وضمان شعورهم بالأمان عند التقدم بشكاواهم. ثانياً، يتعين علينا أن نستثمر في التكاليف المتعلقة بحماية الأفراد، وبخدمات المدعين العامين للزج بالمتجرين في السجون. إن دعم الضحايا سيساعد في ذلك، لأنهم سيشعرون بالأمان والقدرة على مساعدة الشرطة في ملاحقة المتجرين بالبشر.

يجب علينا أن نراعي القيم التي نغرسها في أطفالنا، ومن الضروري تعليمهم التعاطف والرحمة، وإظهار أن الجميع يستحقون الحماية والمساعدة، بدلاً من مجرد نقل المشكلة إلى مكانٍ آخر. هل نختار الصمت، علماً أنه تصرفٌ جبان، أم نرفع أصواتنا ونقول بحزم: "لا"؟

يبقى القول أخيراً إنه يمكن لأفعالنا أن تغير السردية القائمة، وأن تحولها من إهمال الضحايا إلى محاكمة المتجرين، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تسهيل التعرف إلى المزيد من الضحايا. ومن شأن هذا النهج أن يجعل المملكة المتحدة مكاناً أكثر أماناً، ويجعلها نموذجاً عالمياً يُحتذى في مجال مكافحة العبودية والاتجار بالبشر.

جاين لاسوندر هي عضو في "اللجنة الاستشارية للتجارب الحية" Lived Experience Advisory Panel  لدى "مركز سياسات وأدلة العبودية الحديثة وحقوق الإنسان" Modern Slavery and Human Rights Policy and Evidence Centre

© The Independent

المزيد من متابعات