Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيالات الجو الإسرائيلية تهدد حياة المدنيين في الضفة الغربية

لا يتخذ القرار وفقاً لتصاعد الأحداث أثناء اقتحامات الجيش بل يخرج من أعلى مستويات المنظومة الأمنية والعسكرية

تلملم العائلات الفلسطينية نفسها كلما سمعت صوت "الزنانة"، اللقب الذي أطلقه الفلسطينيون على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، فمع استئناف إسرائيل منذ نحو عام الاغتيالات بالطائرات الحربية بعد انقطاع دام نحو عقدين، يعيش الفلسطينيون حالة من الخوف والقلق من خطر الاغتيالات الجوية التي يرون أنها لا تفرق بين كبير وصغير، بخاصة إذا ما كانت وسط أحياء سكنية أو في ازدحام مروري.

واغتالت طائرات حربية إسرائيلية خلال أقل من 48 ساعة سبعة فلسطينيين في رام لله وطولكرم وجنين، لوقوفهم خلف سلسلة عمليات تقول تل أبيب إنها تسببت في مقتل إسرائيليين. ولا يعتبر اغتيال نشطاء فلسطينيين جواً قراراً ميدانياً يتخذ وفقاً لتصاعد الأحداث أثناء تنفيذ الجيش اقتحامات أو اعتقالات معقدة، بل يخرج من أعلى مستويات المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ومصدق عليه من قبل المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت).

وتقدر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا" أن ما يصل إلى ثلثي سكان مخيم جنين يغادرون بانتظام للنوم في أماكن أخرى، منذ بدء المداهمات بصورة مكثفة في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، خوفاً من الغارات الجوية.

وركزت عمليات الاغتيال الإسرائيلية بصورة شبه حصرية قبل الانتفاضة الثانية عام 2000 على تصفية القادة الكبار للفصائل الفلسطينية أو الأعضاء الذين يمتلكون مهارات نوعية، وهو ما تغير بعد ذلك ليشمل تصفية قيادات وسطى وعناصر نشطة، بهدف وقف زخم الانتفاضة.

ووفقاً لـ"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، نفذت إسرائيل منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحتى منتصف عام 2006 ما يقارب 252 عملية اغتيال، قتلت فيها 603 فلسطينيين، إلا أن هذه السياسة تراجعت في أعقاب تفكيك وإضعاف البنى التحتية لعدد من الفصائل المسلحة بالضفة الغربية، وعادت من جديد في الـ21 من يونيو (حزيران) من العام الماضي، بقصف مركبة من الجو كان يستقلها ثلاثة فلسطينيين قرب مدينة جنين، ادعى الجيش آنذاك أنهم نفذوا عملية إطلاق نار باتجاه أحد الحواجز العسكرية التابعة له.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعويض سريع

وفقاً للتقديرات الأمنية الإسرائيلية، فإن العودة للاغتيالات من الجو والاستعانة بطائرات مسيرة هجومية واشتدادها بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، يأتي لمنع تعرض حياة الجنود للخطر أثناء الاجتياحات البرية، في ظل اشتداد العمليات المسلحة الفلسطينية واتساعها وتطورها، والخوف من خسائر فادحة في صفوفهم، خصوصاً بعد أن استخدم مسلحون شمال الضفة الغربية عبوات ناسفة شديدة الانفجار أدت إلى وقوع قتلى في صفوف الجيش. إلى جانب ذلك تعمد المنظومة الأمنية والعسكرية لوضع القيادات والكوادر الفلسطينية الفاعلة تحت ضغط الاستهداف في أي وقت، مما يقلل من مساحة حركتهم واتصالاتهم ويحد من فعاليتهم. وتدار عملية الاغتيال من غرفة عمليات مشتركة بين سلاح الجو والأجهزة الاستخباراتية والنيابة العامة العسكرية، ويوجد فيها معظم رؤساء المؤسسة الأمنية وممثلون للمستوى السياسي. وأحياناً يأتي رئيس الحكومة إلى المكان لاتخاذ قرار بأسرع وقت ممكن، أو لتوجيه الأمر بالقيام بالعملية. وقد أشار الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي عوزي بنزيمان مراراً إلى أن عمليات الاغتيال التي اتخذت من أعلى الهرم السياسي تخلق ظروفاً تحفز إسرائيل على استئناف عملياتها العسكرية وتسرع دائرة العنف.

وصرح رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، نائب وزير الأمن في إسرائيل سابقاً أفرايم سينيه، "بأن الاغتيالات والتصفية الجسدية للفلسطينيين تعتبر وسيلة فعالة وأكثر دقة من غيرها"، في حين يرى الرئيس السابق لقسم الأبحاث الاستراتيجية والسياسات في الجيش الإسرائيلي نحاس يحزقيلي أن الاغتيالات الجوية تدخل الجماعات الفلسطينية المسلحة في حالة من الفوضى لفترة من الزمن، قبل أن تستعيد عافيتها خصوصاً عندما تتم تصفية الشخصية المركزية، مؤكداً أنها "لن تنهي ظاهرة الإرهاب".

وهو ما أكده المحلل الإسرائيلي في القناة العاشرة الإسرائيلية ألون بن ديفيد، حين قال إنه مع اغتيال أمين عام "حزب الله" السابق عام 1992 وفتحي الشقاقي مؤسس حركة "الجهاد الإسلامي" عام 1995 "تحولت الأحزاب من جماعات صغيرة إلى جيش منظم، ولم يمنع اغتيالهم من تحول هذه التنظيمات إلى قوة أكثر تهديداً لأمن إسرائيل".

 ويجزم بن ديفيد أن سياسة الاغتيالات "تؤثر في صورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وتعرض ضباطاً وقادة إسرائيليين للملاحقة قضائياً في المحاكم الدولية، إن لم يكن بسببها مباشرة، فبسبب الأضرار الجانبية التي تنتج منها والمس بالمدنيين الأبرياء"، كما حدث في عملية اغتيال القيادي في حركة "حماس" صلاح شحادة عام 2002 الذي أدت عملية اغتياله بإلقاء قنبلة تزن طناً من طائرة حربية على المبنى المكتظ الذي يقيم فيه إلى مقتل 14 مدنياً، وتقديم دعاوى ضد قائد القوات الجوية الإسرائيلية نائب رئيس الأركان آنذاك دان حالوتس.

تأجيج العنف

بالنسبة إلى الفلسطينيين لم تنجح سياسة الاغتيال الجوي في تفكيك الجماعات المسلحة التي لها شعبية بالمجتمع الفلسطيني تتيح ضم عناصر جدد، يمتلكون القدرة والكفاءة لتولي مهام ممن تمت تصفيتهم. ويرى المحلل في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن سياسة الاغتيالات الجوية بالطائرات الحربية والمسيرات التي انتهجتها إسرائيل على مدى عقود طويلة بأبعادها المختلفة باتت "تستوجب ملاحقة قانونية، حول مدى أخلاقية هذه السياسة وانسجامها مع القانون الدولي". وأضاف "تثبت التجربة العملية أن هذه السياسة قادت إلى تأجيج العنف وتوسيع دائرة المنخرطين فيه وتوسيع نطاقه، وأن من تم اغتيالهم شغل مكانهم أشخاص أكثر تطرفاً اعتبروا أن مهمتهم الأولى الثأر لقادتهم الذين تم اغتيالهم". بدوره، قال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي، إن الاغتيالات الأخيرة التي نفذها الجيش الإسرائيلي في جنين ورام لله وطولكرم "خير دليل على فشل الاحتلال في كسر مقاومة الشعب الفلسطيني التي تشتد وتتصاعد". وأضاف "ظنت إسرائيل أن الجيل الشاب سيكون أكثر خنوعناً وخوفاً من الاغتيالات والمطاردة، لكن ما نراه على الأرض هو أنه أكثر كفاحاً ونضالية وإصراراً على نيل حريته".

خطر فوري

مع اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 أخذت سياسة الاغتيالات الجوية لتصفية مطلوبين ونشطاء فلسطينيين بعداً جديداً أكثر كثافة وتركيزاً، ونفذ الجيش الإسرائيلي حتى اليوم أكثر من 200 عملية أو محاولة اغتيال من الجو في الضفة الغربية، وبالنسبة إلى السلطات الإسرائيلية لا يتعلق الأمر بتنفيذ عمليات اغتيال مركزة ومبنية على معلومات استخباراتية مسبقة، إذ تهدف هذه العمليات إلى إحباط خطر فوري، ومحاولة فرض إجراءات تهدف إلى خلق ردع ضد المسلحين الفلسطينيين تشمل ضربات بطائرات من دون طيار يمكنها تدمير المباني المتعددة الطوابق في لحظة.

وقدمت منظمة "يش غفول" المناهضة للحكومة الإسرائيلية واللجنة العامة ضد التعذيب التماساً للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد استخدام الجيش هذه السياسة، بدعوى أنه "وسع استخدامها أكثر من الغاية الأصلية التي حددها لها، وأن اللجوء إلى هذه السياسة بهذه الكثافة، والتسبب في وقوع ضحايا في صفوف المدنيين يتعارضان مع القانون الدولي". وأوضحت المحكمة العليا في ردها بعد أربع سنوات من الالتماس بأن "من يشارك في تنفيذ عملية إرهابية يجب أن يأخذ بالاعتبار أنه سيكون عرضة للمس من قبل الجيش".

 واعتبرت المحكمة في حينه "أن المنخرطين في المنظمات الإرهابية ليسوا مواطنين ولا يلتزمون قوانين الحرب ولا تنطبق عليهم الحماية الدولية الممنوحة للمواطنين". واكتفت بتقديم توصيات عامة تطالب الجيش "بتفضيل الاعتقال والتحقيق مع المتورطين وتقديمهم إلى المحاكمة، وعدم استهدافهم، إذا كان هذا الاستهداف سيؤدي إلى المس بأبرياء قريبين منهم".

 ووفقاً لدراسة أعدها "معهد أبحاث الأمن القومي" في عام 2018 فإن سياسة الاغتيالات التي بدأتها إسرائيل "تحولت إلى ظاهرة دولية وأداة مركزية في الحرب على الإرهاب على مستوى العالم"، ووجد المعهد خلال البحث أن "ثلاث دول غربية متقدمة تستخدم سياسة الاغتيال ما بعد عام 2000".

حالات استثنائية

ووفق ملخص معايير تقييد سياسة الاغتيالات الجوية الذي نشره موقع "واللا" الإسرائيلي عام 2019، فإنه يجب على الاغتيالات التي يوافق الجيش على تنفيذها "أن تتم بصورة مدروسة وفي حالات استثنائية وبعد استنفاد الوسائل الأخرى وامتلاك معلومات تؤكد أن الهدف المنوي اغتياله سينفذ فعلاً عملية، وأن اغتياله فقط يمكن أن يوقفها، إلى جانب التأكد من عدم المس بالآخرين".

وكشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في نوفمبر 2023، أن الجيش الإسرائيلي أكد عودة سياسة الاغتيال بالقصف الجوي للمطلوبين في الضفة عوضاً عن اقتحام الجنود على الأرض. وأن عملية القصف تتم وفقاً لدائرة الرقابة الداخلية في الجيش. وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن "اعتماد الجيش الإسرائيلي بصورة متزايدة على الغارات الجوية بواسطة الطائرات من دون طيار في الضفة الغربية تزامناً مع تصاعد الحرب على غزة يهدد بإعادة تنشيط الجماعات المسلحة".

المزيد من متابعات