Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب السودان تمزق الولاءات العرقية وتكرس تسييس الإدارات الأهلية

يعود دورها في البلاد إلى فترة سلطنات الفونج ودارفور وتقلي والمسبعات

انغماس القبائل في السياسة أبعدها عن لعب دورها الطبيعي (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

كيف عمقت الحرب التسييس المستمر للإدارات الأهلية وما تبعه من تجييش قبلي وجهوي سواء في الوسط والشمال والشرق أو غرب السودان؟ وما مصير الإدارات الأهلية بعد تورط بعض قادتها في أتون الحرب المستمرة؟

بخلاف تداعياتها وتسببها في كارثة إنسانية وتشريدها ملايين السودانيين داخلياً وخارجياً، كرست الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" الانقسامات والتمزق القبلي، وزعزعت ولاءات الإدارات الأهلية بين طرفي القتال، وإن كان انغماس القبائل في السياسة أبعدها عن لعب دورها الطبيعي كوسيلة للسلم الاجتماعي، فإن واقع الحرب حول كثير من الإدارات الأهلية إلى مورد بشري يغذي الحرب عبر عمليات الاستنفار على أساس عرقي أو جهوي، أو بسبب الضغوط السياسية والأمنية. فكيف عمقت الحرب التسييس المستمر للإدارات الأهلية وما تبعه من تجييش قبلي وجهوي، سواء في الوسط والشمال والشرق أو غرب السودان؟ وما مصير الإدارات الأهلية بعد تورط بعض قادتها في أتون الحرب المستمرة؟

 

الانشطار الدامي

في السياق، اعتبر عبدالحميد موسى كاشا الوالي الأسبق مدير مركز "كاشا لفض النزاعات وتعزيز السلام"، أن "موقف بعض القبائل سواء في الشرق والوسط وغرب السودان من الحرب الراهنة غير موفق لأنها حرب بين طرفين كانت تضمهما مؤسسة عسكرية واحدة هي (القوات المسلحة)، وكانا، وفق تصريحات قادة الطرفين، يقران بتبعية "الدعم السريع" للقوات المسلحة"، مضيفاً "تسييس القبائل ودخولها حلبة الصراع عمق أزمة الحرب ووسع دائرتها، الأمر الذي سيؤثر في النسيج الاجتماعي بين مكونات المجتمع كافة إن لم يتم تداركه بصورة عاجلة".

غياب الحكماء

وكان من الممكن أن يكون زعماء القبائل والعشائر العقلاء وسطاء بحكمتهم لاحتواء الخلاف بين الجيش و"الدعم السريع"، ودرء الفتنة بحكمتهم، وأن يكونوا جزءاً من الحل بدلاً من أن يكونوا جزءاً من الصراع والمشكلة، لكن هذا الموقف السلبي للزعماء القبليين، وفق كاشا، "أفقدهم الأهلية في التعامل مع الأحداث والمكانة السامية لقيادتهم الرشيدة وسط مجتمعاتهم المحلية وعدم قبولهم كوسطاء بين طرفي النزاع". وتابع "ليس هناك أدنى شك في أن دخول بعض القبائل ومشاركتها في الحرب، ربما بسبب الانتماءات العرقية والجهوية والضغوط السياسية والأمنية، أضعف دور إداراتهم الأهلية، مما أسهم بإضعاف دور قادة الإدارة الأهلية في الاطلاع بمسؤولياتهم، وهو الدور الذي كان ينبغي أن يقوموا به في الوساطة وفض النزاع قبل وبعد الحرب، لكنه بكل أسف لم يتم".

 

خطورة التسليح

في رأي مدير مركز فض النزاعات، فإن حمل وانتشار السلاح وسط المواطنين له سلبياته "فالبعض قد يضطر إلى حمل السلاح دفاعاً عن النفس والممتلكات في حال عجز الحكومة عن حمايته، وهي تقديرات من اختصاص السلطة الحاكمة، لكن مهما كانت مبررات حمل السلاح من قبل المواطنين، فإنه من دون ضوابط صارمة يبقى سيفاً ذا حدين".

وكان المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية لقبائل ولاية جنوب دارفور قد أعلن مساندته "الدعم السريع" معززاً، بذلك، حال الاصطفاف القبلي تجاه طرفي الحرب. ويضم المكتب التنفيذي، قيادات أهلية من نظار قبائل البني هلبا والترجم والهبانية والفلاتة والمسيرية والتعايشة ورزيقات جنوب دافور، وبرر مساندته هذه القوات بتحقيق إرادة وتطلعات الشعب السوداني في الحكم المدني والحرية والسلام والديمقراطية.

بين القومي والقبلي

في الأثناء، رأى المتخصص في مجال العلوم السياسية عبدالرضي الطاهر أن من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها قيادة "الدعم السريع" قبولها ما عرف ببيعة الولاء من عدد من زعماء قبائل وعشائر دارفور، "ما يعني تقسيمها الشعب بين الموالاة لمشروعها بدلاً من مشروع الدولة". ولفت الطاهر إلى أن الحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على اتفاق سلام جوبا انتبهت مبكراً إلى أن "الدعم السريع" تبني حربها على مشروع قبلي ربما مسنود من بعض الدوائر الخارجية، لذلك اتخذت موقفاً محايداً في بادئ الأمر، "ثم تحولت بعدها إلى مساندة الجيش والمدنيين الذين تعرضوا لانتهاكات فظيعة من نهب وترويع من قبل منسوبي (الدعم السريع)".

وطالب الطاهر الجيش بضرورة اعتماد تحول في خطابه نحو القومية بعيداً عما يحدث في بعض مناطق الاستنفار من استقطاب يبدو جهوياً إلى حد كبير في مناطق وسط وشمال وشرق السودان، تفادياً لتعميق ما حدث في دارفور من انقسامات أهلية.

تحولات مستقبلية

وحذر المتخصص في مجال العلوم السياسية من مآلات ومضاعفات الصراع الحالي على كل البلاد وغربها بصفة خاصة، متوقعاً أن يكون المسرح الأخير لهذه الحرب في دارفور كونها تمثل الحاضنة الاجتماعية لقوات "الدعم السريع"، وأيضاً بسبب الاحتقان بين المكونات القبلية بالإقليم نفسه، والنزاعات الكامنة التي قد تبدو مؤجلة في الوقت الراهن، ورجح الطاهر أن تكون للحرب تداعياتها على مستقبل النظام الأهلي بالبلاد التي قد تقود لتحولات كبيرة في واقع الإدارات الأهلية ودورها مستقبلاً، من خلال إعادة النظر في تقنين وتصحيح وضعها بعد الحرب، ما قد يؤدي أيضاً إلى تغييرات أساسية في بنية النظام الأهلي وقياداته، لا سيما أن النظام القبلي التقليدي خفت صوته وبدأ في الاضمحلال بعديد من المناطق لصالح منظمات المجتمع المدني.

الدور السيئ

وعلى نحو متصل رأى الناشط والباحث القبلي علي منصور أن الإدارات الأهلية في دارفور، على وجه الخصوص، لعبت دوراً "سيئاً في هذه الحرب، بما يجافي طبيعة دورها الممتد منذ مؤتمر نيالا عام 1922 الذي أقر تعايشاً سلمياً طويل الأمد وتراضياً بين المكونات الإثنية بالإقليم، حين كانت الإدارة الأهلية قادرة على الإمساك بزمام الأمور، وقادت مجتمعاتها إلى السلم الاجتماعي والتعايش في نموذج طيب للإدارة الأهلية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتاريخياً، أسهمت كل الحكومات المتتالية والأحزاب في عملية التسييس والتجييش القبلي التي تعود جذورها إلى ما قبل الاستقلال، حيث اعتمد التجييش في إقليمي دارفور وكردفان بصورة أساس على قبيلتي الرزيقات والمسيرية إلى جانب قبيلة الحوازمة إلى حد ما، باعتبارها قبائل حدودية على خط المواجهة مع حاملي السلاح بجنوب السودان. وأضاف منصور "من الصعب القول إن كل قبائل دارفور متورطة بمساندة (الدعم السريع) في هذه الحرب، لكن أبناء من قبائل الإقليم شاركوا بصورة أو بأخرى، في صنع الوضع الحالي الذي آلت إليه الأوضاع التي هيأت النخب السياسية، منذ الثمانينيات، إلى تسليح ما سمي (المراحيل)، ثم صناعة (الدعم السريع) لاحقاً".

التعافي الصعب

ولفت الباحث القبلي إلى أن تعافي البلاد في المرحلة المقبلة يحتاج إلى إعادة النظر في البناء المجتمعي "لكن هناك من سيدفعون الثمن من زعماء القبائل بخاصة ممن ساندوا الحرب، وفقدوا، تبعاً لذلك، أي قبول أو دور في المستقبل، بخاصة ممن ارتبطت أسماؤهم بالاستنفار والتحريض". وتابع "كثر من الانتهاكات التي حصلت يتحمل الوزر الأكبر فيها قيادات من بعض الإدارات الأهلية بدارفور، لا سيما أن منها ما دعا وشارك في استنفار الشباب على أساس قبلي لصالح (الدعم السريع)". وأشار منصور إلى أنه ما لم تتم معالجة قضايا الانتهاكات وفق عدالة حقيقية باسترداد كل الحقوق والتعدي على الحرمات والممتلكات العامة والخاصة، "فإن ردود الفعل المستقبلية المرتبطة باسترداد هذه الحقوق بالقوة، ستظل كامنة في الروح الانتقامية التي خلفتها الحرب".

الإرث الضائع

وأسف منصور لضياع الإرث التاريخي للإدارات الأهلية بدارفور عبر مساهمات القبائل والسلطنات التي أرست نظماً للمصالحات والتعايش السلمي، "لكن من الواضح أن بعض الإدارات الأهلية تحول إلى طرف في القتال".

ويعود دور الإدارة الأهلية في السودان إلى فترة سلطنات الفونج ودارفور وتقلي والمسبعات، لكن في فترة الحكم الثنائي البريطاني - المصري بين عامي 1937 و1942، عمدت الإدارة البريطانية إلى تقنين عمل الإدارة الأهلية، مواكبة بما عرف بـ"تقرير مارشال" لتطوير الإدارة والخدمة المدنية في السودان الذي تبعته الحكومات الوطنية بعد الاستقلال.

ويقوم نظام الإدارة الأهلية على سلطات إدارية وشبه قضائية لرؤساء هذه الإدارات في المجتمعات المحلية، وتختلف تسمياتها وهياكلها بحسب طبيعة المنطقة وموقعها الجغرافي، فهناك المشايخ والعمد والنظار والشراتي (مفردها شرتاي)، وتوسعت صلاحيات وسلطات الإدارة الأهلية، بعد أن كانت تختص فقط بإدارة شؤون مكوناتها القبلية، خلال محاولات عهد نظام عمر البشير لتوظيفها سياسياً وضمان ولائها لـ"حزب المؤتمر الوطني" الحاكم سابقاً، ما عزز الصراعات بين مكونات هذه الإدارات، وأسهم في زعزعة عدد من المناطق التي كانت مستقرة مع احتدام ظاهرة الاستقطاب السياسي للمكونات والقيادات القبلية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات