Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخلاف البريطاني - الأميركي على دعم إسرائيل يتوسع

العلاقة بين الجانبين التي توصف بأنها خاصة تعثرت بسبب التباين في شأن طريقة التعاطي مع الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين الناجمة عن حرب إسرائيل على غزة. كاتب المقال ينظر إلى الحوار المتغير بين الحلفاء والدور الذي يضطلع به ديفيد كاميرون في رسم الاتجاه الجديد

وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن (إلى يسار الصورة) ووزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون الذي يعتمد لهجة دبلوماسية جديدة حيال إسرائيل (غيتي)

ملخص

تباين بين الموقفين الأميركي والبريطاني في مقاربة الملف الإسرائيلي

أبدت دول في مختلف أنحاء العالم تضامنها مع إسرائيل، وأعربت - في أعقاب الهجوم الذي نفذته حركة "حماس" على جنوب إسرائيل يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي - عن تضامنها مع تل أبيب متعهدة تقديم الدعم لها.

من بين هذه الدول برزت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللتان قدمتا مساعدات كبيرة لها. وفيما نشرت بريطانيا طائرات مراقبة، وسفينتي دعم تابعتين لـ"البحرية الملكية" Royal Navy، ونحو 100 عنصر من "مشاة البحرية الملكية" Royal Marines، أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات، مصحوبتين بسفن وطائرات.

هذا الرد السريع أظهر التقارب في النهج بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حافظتا لعقود من الزمن على تحالف ثابت مع إسرائيل، تقريباً في كل المسائل، بدءاً من مبيعات الأسلحة، وصولاً إلى قرارات الأمم المتحدة، والدعم السياسي، والتعاون العسكري.

إلا أن هذه الديناميكية يمكن أن تتغير. فبعد نحو ستة أشهر من الصراع العنيف في غزة الذي أسفر عن سقوط أكثر من 32 ألف فلسطيني، ودفع مليون شخص إلى حافة المجاعة، بدأت التباينات تطفو على سطح العلاقات بين لندن وواشنطن العاصمة في طريقة التعامل مع إسرائيل.

وقد وجهت الدولتان انتقادات ذات نبرة مخففة لتصرفات إسرائيل أثناء الصراع، وأعربتا عن معارضتهما لعملية عسكرية إسرائيلية في مدينة رفح، التي لجأ إليها أكثر من مليون فلسطيني بعد تهجيرهم من أجزاء أخرى من قطاع غزة، لكن المملكة المتحدة أجرت في الأسابيع الأخيرة تحولاً في موقفها، من خلال الإشارة إلى أنها مستعدة لأن تتحدث بصورة أكثر مباشرة ووضوحاً - وربما حتى ربط كلماتها بالأفعال - في ما يتعلق بالحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التغيير في النهج هذا قادته وزارة الخارجية البريطانية التي يتولاها رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون. ونظراً إلى مكانته البارزة في الماضي على الساحة العالمية، فإن مشاركة اللورد كاميرون تضيف وزناً كبيراً إلى وزارة الخارجية التي تتمتع أساساً بتأثير دولي. وفي بعض الأحيان يبدو أنه يضطلع بدور في صياغة خطاب المملكة المتحدة المتعلق بغزة، هو أكبر من ذلك الذي يقوم به رئيس الوزراء الراهن ريشي سوناك.

من الأمثلة الواضحة على ذلك، الرسالة العلنية الأخيرة الموجهة إلى أليشا كيرنز رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، في ما يتعلق بمسألة السماح بدخول شحنات غير كافية من المساعدات إلى غزة. وقد عزا اللورد كاميرون التأخير إلى "الرفض التعسفي من جانب حكومة إسرائيل، وإجراءات التخليص [الجمركي] والتدقيق المطولة التي تشمل عمليات فحص متعددة وساعات عمل مقيدة وضيقة [قليلة العدد] خلال النهار".

هذا التطور تزامن مع تحذيرات وجهتها منظمات إغاثة عدة - بما في فيها تلك التابعة للأمم المتحدة - من أن غزة باتت على حافة المجاعة. وفي الأسبوع الماضي، أفاد نظام "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" Integrated Food Security Phase Classification (IPC) الذي تعتمد عليه وكالات الأمم المتحدة، أن نحو ثلاثة أرباع السكان في أجزاء معينة من شمال قطاع غزة، يواجهون الآن المستوى الأكثر خطورة من انعدام الأمن الغذائي، متجاوزين عتبة المجاعة البالغة 20 في المئة بفارق كبير.

هذا الانتقاد رددته أيضاً وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، التي اتهمت إسرائيل بعرقلة تسليم المساعدات المنقذة لحياة كثر. وقد أغلقت إسرائيل جميع معابرها البرية المؤدية إلى القطاع، باستثناء معبر واحد. ورأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن تقرير نظام "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي"، يشكل "إدانة مروعة" للظروف القاسية القائمة على الأرض.

وفي حديث مع الصحافيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وصف غوتيريش ما يحدث في غزة بأنه "كارثة من صنع الإنسان"، مشيراً إلى أن التقرير يؤكد أنه "يمكن وقفها". وحض إسرائيل على ضمان وصول الإمدادات الإنسانية إلى جميع أنحاء غزة.

وفي رسالة وزير الخارجية البريطاني للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، ذكر أيضاً أن المساعدات البريطانية ظلت تنتظر عند حدود غزة لمدة ثلاثة أسابيع، كي تحصل على موافقة إسرائيلية للدخول إلى القطاع، واصفاً ذلك بأنه "مصدر إحباط كبير". ودان كاميرون إسرائيل على قطعها المياه وحرمان نحو 300 ألف شخص في شمال غزة من الحصول عليها، قائلاً إن "السلطات الإسرائيلية لديها الوسائل اللازمة لإعادة تدفق المياه، وعليها أن تتصرف".

هذه التصريحات تعد أكثر حزماً وضوحاً من تلك التي أدلى بها رئيس الوزراء البريطاني سوناك، وأقوى بصورة ملحوظة من أي تعليق صادر من الولايات المتحدة حول هذا الموضوع.

والواقع أن الولايات المتحدة حرصت على تجنب توجيه انتقادات مباشرة إلى إسرائيل بسبب عرقلتها المساعدات، حتى مع ظهور شبح مجاعة على نطاق واسع في أفق قطاع غزة. وفي ظل عجزها من خلال المناشدات العامة والجهود التي تبذلها خلف الكواليس لإقناع حليفتها بالسماح بدخول شحنات مساعدات كافية إلى غزة لتجنب الجوع، اتخذت خطوة غير عادية تمثلت في البدء بإسقاط المساعدات جواً على القطاع، وهي تخطط لإقامة ميناء موقت على شاطئ القطاع، لتسهيل إيصال مزيد من المساعدات.

وعلى رغم ذلك، أعرب خبراء إغاثة دوليون عن شكوكهم، معتبرين أن هذه الإجراءات تظل غير كافية لمنع حدوث مجاعة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن قامت أيضاً بخفض تمويلها لإحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، التي تعد ذات أهمية كبيرة لتجنب وقوع مجاعة في غزة. وقد وقع الرئيس الأميركي هذا الأسبوع على مشروع قانون متعلق بالإنفاق، أوقف تمويل "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees (UNRWA) حتى مارس (آذار) 2025.

وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعدد من الدول الأخرى علقت في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي تمويل وكالة الأمم المتحدة، التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين على وجه التحديد، وذلك في أعقاب اتهامات من إسرائيل لها بأن بعض موظفيها متورطون في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي نفذته "حماس"، والذي أسفر عن سقوط 1200 قتيل. وتقوم الحكومة البريطانية في الوقت الراهن بتقييم هذه الادعاءات، ولم توضح ما إذا كانت ستعاود تمويلها لوكالة "أونروا" عندما ينتهي التحقيق.

 

 

وكانت منظمات إغاثة عدة قد نبهت إلى أن "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" هي الهيئة الوحيدة القادرة على تقديم المساعدات اللازمة لتجنب حدوث مجاعة في غزة، مشددة على أن وقف التمويل سيتسبب بوفيات على نطاق واسع.

وهذا الأسبوع، ذهبت وزارة الخارجية الأميركية إلى حد تبرئة إسرائيل من اللوم على عرقلة إيصال المساعدات. وعندما سئل المتحدث الرسمي باسمها ماثيو ميللر عما إذا كان الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل يمكن أن يتعرض للخطر بسبب سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، والتأخير في توزيع المساعدات، قال للصحافيين، "لم نجد أن (إسرائيل) تنتهك القانون الإنساني الدولي، سواء في إدارة الصراع أو لجهة تقديم المساعدات الإنسانية".

إلا أن وزارة الخارجية البريطانية في ظل كاميرون ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال الإشارة إلى أنها مستعدة للنظر في أمر كثيراً ما عارضته حكومة الولايات المتحدة بإصرار. وفيما أعربت كل من لندن وواشنطن عن معارضتهما لعملية عسكرية إسرائيلية في رفح، مشيرتين إلى حتمية وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، فإن المملكة المتحدة وحدها هي التي لوحت بأنها قد تتخذ خطوة غير مسبوقة، تتمثل في وقف مبيعات الأسلحة للدولة الإسرائيلية إذا ما مضت قدماً في عملية من هذا النوع.

وبحسب تقرير أعدته وكالة "بلومبيرغ نيوز" استناداً إلى مسؤولين حكوميين، فإن المملكة المتحدة تقوم في المرحلة الراهنة بتقييم إمكان فرض قيود على بعض صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، في حال غزوها لمدينة رفح في غزة، وهو الإجراء الذي أشارت لندن إلى أنها قد تلجأ إلى اتخاذه بدعم من الولايات المتحدة أو من دونه. ويتناقض هذا التدبير المقترح بصورة حادة مع الموقف الأميركي، الذي أبدى اعتراضات ورفض التفكير في خيار استخدام الدعم الأميركي المالي الكبير الذي يمنح لإسرائيل، كوسيلة لإقناعها بإعادة النظر في خططها.

وما زال يتعين انتظار ما إذا كانت الفروق بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في ما يتعلق بإسرائيل، تنبع من مجموعة محددة من العوامل والظروف التي يقودها وزير خارجية بريطاني طموح، أو ما إذا كان ديفيد كاميرون يرسم مساراً بديلاً يتعين على الولايات المتحدة أن تنظر فيه.

والواقع أن الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي أقوى على نحو ملحوظ، سواء من حيث حجم الدعم، أو الأهمية السياسية المحلية التي يحملها. وعلى رغم ذلك، برزت مؤشرات إلى حدوث تغير طفيف في موقف البيت الأبيض.

وكانت الولايات المتحدة قد امتنعت الإثنين الماضي عن استخدام حقها في النقض (فيتو) لوقف صدور قرار في "مجلس الأمن الدولي" يدعو إلى وقف نار فوري في غزة. وكان ذلك بمثابة خروج عن نهجها السابق، بحيث مارست الحق في النقض ثلاث مرات في السابق، لدعم رغبة إسرائيل في مواصلة عملياتها العسكرية حتى يتم القضاء على "حماس".

وفي خطوة احتجاج على الموقف الأميركي، ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة كانت مرتقبة لوفد رفيع المستوى إلى واشنطن العاصمة. واتهم الولايات المتحدة بـ"التراجع" عما وصفه بأنه "موقف مبدئي" أميركي تجاه بلاده، لكن حتى في هذا الجانب، ظهر تباين في المواقف بين كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ففيما قدمت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، تفسيراً فريداً للقرار باعتباره "غير ملزم"، عارضت المندوبة البريطانية الدائمة لدى المنظمة الدولية باربرا وودوارد، هذه القراءة. واعتبرت أن القرار "يجب أن ينفذ على الفور"، مشددة على القول إنه "يبعث برسالة واضحة وموحدة من ’مجلس الأمن‘، ونتوقع تنفيذ جميع قرارات المجلس ذات الصلة".

يشار إلى أن الرئيس الأميركي بايدن، يتعرض لضغوط متعاظمة من داخل حزبه وكذلك من الحلفاء الدوليين لبلاده، لاتخاذ إجراءات أقوى من شأنها أن توقف الهجوم الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة. كما أنه يواجه جهوداً منسقة من جماعات أميركية عربية تلوح بسحب دعمها له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يزيد من تعقيد حملة إعادة انتخابه الصعبة في الواقع ضد الرئيس السابق دونالد ترمب. في المقابل، ستترتب عن التشدد أكثر في التعامل مع إسرائيل عواقب سياسية على بايدن، لأن الخطوة تتطلب انحرافاً عن عقود من الدعم غير المشروط للحليف.

في الآونة الأخيرة، كشف عن كلام قاسٍ قاله الرئيس بايدن، نبه فيه إلى أنه قد يصل مع نتنياهو إلى "لحظة الإدراك والحساب" [لحظة الفراق التي تسبق انعطاف كبير]، إذا لم يغير رئيس الوزراء الإسرائيلي مسار الصراع ويعالج المخاوف الإنسانية التي أعربت عنها واشنطن.

وإذا ما مضت إسرائيل في غزوها لرفح في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، فمن المرجح أن يعجل ذلك في حلول تلك اللحظة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل