Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الفصح" اليهودي والمسيحي عيد واحد وتاريخ مغاير

يجمعهما تراث وأحداث ودلالات رمزية تختلف من دولة إلى دولة

موكب كاثوليكي احتفالا بعيد الفصح في كنيسة القيامة بالقدس عام 1989 (أ ف ب)

ملخص

من الوجهة اللاهوتية والطقسية يظل المفهوم الإيماني لـ"عيد الفصح" بين اليهود والمسيحيين واحداً لا فرق فيه ولا اختلاف من حوله.

من بين أهم الأعياد الدينية التي يشهدها الغرب يأتي عيد الفصح الذي يحتفل به اليهود والمسيحيون في مواعيد متقاربة، لكن هناك فارقاً مؤكداً وكبيراً بينهما، فارقاً في المحتوي والعقيدة والتراث، وحتى في الممارسات الطقسية التي تجري من حول الاحتفال عينه.

والثابت أنه إذا كان عيد الفصح متفقاً عليه من جانب العالم اليهودي في موعد محدد، فإن الفصح المسيحي مختلف من حوله، بمعنى أن مسيحيي الغرب يحتفلون به في توقيت مغاير لمسيحيي الشرق، وعادة ما يأتي هذا الاختلاف في حدود أسبوع إلى أربعة أسابيع، ولا يحدث الاتفاق في المواعيد إلا مرة واحدة كل أربع سنوات.

تبدو قصة الفصح ذات أبعاد تراثية وممارسات وأحداث ترتبط بالجغرافيا والديموغرافيا، وتختلف من دولة إلى أخرى عبر التاريخ، لا سيما الفصح المسيحي، الذي يحظى بتاريخ طويل من العادات والقرارات المثيرة للقراءة والبحث، حتى إنه حظر الاحتفال به في بعض الحقب الزمنية، باعتباره عيداً وثنياً، على رغم أنه يقوم مقام أهم عيد مسيحي من الجهة اللاهوتية أو الفقهية.

على أن علامة الاستفهام الأولي في هذه القراءة تتعلق بمن له الأولوية تاريخياً، الفصح اليهودي أم المسيحي؟

الجواب تاريخياً فصح اليهود، الذي له روابط تاريخية مع قصة خروج بني إسرائيل من أرض مصر، في ما يعرف باسم "بيساح" أو العبور، أي عبور البحر الأحمر في زمن موسى النبي، ومن ثم اجتياز أرض سيناء للوصول إلى فلسطين، ومن بعده جاء عيد الفصح المسيحي المرتبط بقيامة أو بعث السيد المسيح بعد صلبه من قبل الرومان، حسب المفهوم الإيماني المسيحي.

عيد الفصح اليهودي... نظرة تاريخية

يعد عيد الفصح أحد الأعياد اليهودية الرئيسة، وترجع أهميته إلى أنه كان يحتفل به تذكاراً لخلاص بني إسرائيل من عبودية المصريين، والحصول على حريتهم كما هو مذكور في التوراة، وبالتحديد في سفر الخروج.

لا يقتصر الاحتفال بالفصح اليهودي على يوم واحد مثل سائر الأعياد، بل يستمر نحو سبعة أيام متواصلة، بين الـ15 من أبريل (نيسان) والـ20 من الشهر عينه حسب التقويم العبري، ويعرف أيضاً باسم عيد الفطير وعيد الحرية وعيد الربيع.

يعرف عيد الفصح اليهودي باللغة الإنجليزية باسم "باسوفر" أي العبور أيضاً، ويعتقد أن خروج موسى النبي من أرض مصر قد جرى عام 1300 قبل الميلاد، وإن ظل فرعون الخروج مجهولاً حتى الساعة، ومن حوله تدور كثير من الأحاديث التي يلفها الغموض، لا سيما أن الكتب المقدسة لم تأت على ذكر اسمه.

ومن الغريب أن السنة العبرية الجديدة تبدأ في الشهر السابع من التقويم العبري، وهذا يحدث في فصل الخريف، بينما يبدأ عد الأشهر في فصل الربيع ليلة الـ15 من شهر أبريل، والليلة الأولى من الفصح اليهودي هي عادة ليلة البدر الأولى بعد الاعتدال الربيعي.

طقوس الاحتفال بالفصح اليهودي

كيف يحتفل اليهود حول العالم وليس في إسرائيل فقط بالفصح اليهودي؟

المعروف أن العائلات اليهودية تبدأ عادة الاستعداد لعيد الفصح قبل مدة طويلة من العيد نفسه، وأحياناً يشكل العيد فرصة "للتنظيف الربيعي"، وقد أصبح التعبير باللغة العبرية العصرية "التنظيف والترتيب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن التنظيف الخاص بعيد الفصح اليهودي له هدف خاص، وهو التخلص من "الحاميتس"، أو "الخمير"، بمعنى التخلص من الخبز المخمر والمنتجات الغذائية المشتقة منه وذلك لأداء الآية التوراتية التي توصي بـ"سبعة أيام تأكلون فطيراً واليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم، فإن من أكل خميراً من اليوم الأول إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل"، وهو النص المأخوذ من سفر الخروج لموسى النبي، الإصحاح الثاني عشر والآية الـ15.

 والشاهد أنه إذا أتيح للقارئ أن يتجول في المتاجر الغذائية الكبرى في إسرائيل خلال فترة عيد الفصح، فعلى الأرجح سيرى الرفوف التي تحوي الكعك والبسكويت والمنتجات الأخرى التي تحوي الخمير قد تمت تغطيتها، بدلاً من الخبز العادي.

خلال الفصح يأكل اليهود في كل أنحاء العالم فطيراً، وهو عبارة عن خبز مسطح غير مخمر يسمى "ماتسوت"، ويمكن أن يكون مربعاً أو مدوراً، وقد يستبدل كثير منهم أدوات الأكل التقليدية من صحون وملاعق وأكواب وطناجر ومقالي، بأخرى معدة خصيصاً ومطهرة بنوع خاص لهذا العيد.

سيدير والهاجادا عشية الفصح اليهودي

ما الذي يميز عيد الفصح اليهودي؟ مؤكد الليلة الأولى من احتفالات العيد، والتي تسمى "سيدير" حيث يقام الاحتفال ضمن العائلة في المنزل.

كلمة "سيدير" باللغة العبرية تعني "ترتيب"، وفي الحقيقة تعتبر هذه الليلة أكثر ليلة ترتيباً في السنة اليهودية إلى حد كبير مع صلوات وبركات ونصوص للقراءة والأناشيد والمأكولات الرمزية.

أما الكتاب الذي يستعمل خلال هذا الاحتفال فيسمى "هاجادا"، وحرفياً تعني هذه الكلمة "القول".

أما الهدف من هذه الطقوس الدينية فهو رواية القصة القديمة من جديد ليشعر كل واحد كأنه خرج من مصر شخصياً، كما يبدو قد أصبح "الخروج من مصر"، ذا معنى رمزي، بخاصة في التقاليد اليهودية، ولاحقاً بات يتعلق بأنواع مختلفة وكثيرة من التحرير الوطني والشخصي.

وتحوي "الهاجادا" نصوصاً من عهود مختلفة من التاريخ اليهودي، ابتداءً من التوراة، وإن كانت تلك النصوص ترتكز بصورة خاصة على تفاسير الحاخامين.

غير أنه وفي وقتنا الحاضر فإن "الهاجادا" باتت تعكس مذاهب أيديولوجية مختلفة، متعلقة بالحياة اليهودية، بما في ذلك المساواة بين الرجل والمرأة، والاشتراكية والحاجة لدى اليهود لتأييد حركات تحرير الشعوب الأخرى.

 

لكن هذا الأمر عند الغالبية العظمى من العائلات يمضي على نحو مختلف، إذ تعتبر ليلة "السيدير"، بمثابة لقاء عائلي يهدف إلى تناول المأكولات التقليدية والغناء الجماعي للأغاني من عهود الطفولة، أكثر من كونه فرصة لإجراء النقاش الأيديولوجي.

وعلى رغم تنوع المذاهب اليهودية، سواء في الداخل الإسرائيلي أو في الشتات، فإن كثيراً من العائلات حتى ذات الطابع العلماني، تحتفل بنوع معين من "السيدير"، يتركز في مشاركة الأطفال، لأن الهدف الرئيس هو نقل قصة الخروج من جيل إلى آخر.

ويعتبر اليومان الأول والسابع من عيد الفصح يومي عيد كاملين، وتفرض قيود معينة على الأنشطة الحياتية، على رغم أنها عادة لا تكون صارمة مثل القيود المتبعة في يوم السبت، والفرق الرئيس هو السماح بعملية الطهي.

الفصح المسيحي... النشأة والتطور

يعرف أيضاً بعيد القيامة، أي قيامة السيد المسيح من الموت، بعد ثلاثة أيام من صلبه من جانب الرومان، بحسب الإيمان اللاهوتي المسيحي. ويعتبر أهم الأعياد الطقسية في المسيحية عبر ألفي عام، وعادة ما يأتي في الفترة بين أواخر مارس (آذار) وأواخر أبريل من كل عام عند الغربيين، أما لدى المسيحيين الشرقيين فعادة ما يأتي في الفترة بين أوائل أبريل إلى أوائل مايو (أيار).

هناك قصص ومرويات تاريخية مختلفة حول بدايات الاحتفال بعيد الفصح في المسيحية، وربما المؤكد منها أن الاحتفال كان يتم في سرية تامة، حيث كان المسيحيون الأوائل عرضة للتنكيل بهم في موضع دعوتهم أول الأمر، وفي عموم الإمبراطورية الرومانية تالياً، وهو مما ظل لثلاثة قرون، عانى فيها المسيحيون الاضطهاد وسفك الدم، وكان أبشع ما جرى في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس.

غير أنه مع مجيء الإمبراطور قسطنطين، وإصداره ما عرف بمرسوم ميلانو، توافرت حريات دينية للمسيحيين الأوائل، الذين استطاعوا الاحتفال بفصحهم حسب إيمانهم ومعتقدهم.

المثير أن هؤلاء كانوا يحتفلون لفترة طويلة بفصحهم في نفس توقيت الفصح اليهودي، أي الـ14 من أبريل.

وقد جرت مراجعة توقيت عيد الفصح المسيحي لاحقاً أكثر من مرة، لا سيما في المجمع الشهير المعروف باسم مجمع نيقية عام 325 ميلادية، وفيه تم تثبيت قانون لا يزال مطبقاً إلى الآن، وهو أن عيد الفصح يقع في الأحد الأول الذي يلي بدر القمر الواقع في أول الربيع، فكان هناك على هذا الأساس عنصران لتعيين الفصح، عنصر شمسي وهو الـ21 من مارس يوم التعادل الربيعي، وعنصر قمري وهو الـ14 من الشهر القمري، وهذا يعني أن يكون الأحد الذي يلي بدر الربيع هو عيد الفصح عند جميع المسيحيين.

لماذا الاختلاف بين الشرق والغرب؟

يبدو الجواب عن السؤال المتقدم والمتعلق باختلاف مواقيت الاحتفال بعيد الفصح بين الغربيين والشرقيين معقداً بعض الشيء، غير أن أحد أفضل من قدم شرحاً مبسطاً أخيراً، الأب الدكتور رفعت بدر الأردني الجنسية، عبر موقع "أوبنا"، حيث يقدم للقارئ نقاطاً مختصرة في محاولة لتبسيط الأمر.

بداية نظر مجمع نيقية في قضية تحديد عيد الفصح كما سبق الإشارة، وكان ذلك في عام 325 ميلادية، ووضع قاعدة ثابتة وهي أن عيد الفصح يقع يوم الأحد بعد تمام البدر الواقع بعد الـ21 من مارس أي بعد بدء الربيع، وقد بقيت كنائس العالم جميعاً تعيد معاً حسب التوقيت اليولياني (نسبة إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر)، واستمر الأمر حتى عام 1582.

عام 1582 كان الفرق بين التقويم اليولياني وحقيقة دورة الشمس السنوية 10 أيام، فكان اعتدال الربيع يقع في الـ11 من مارس بدلاً من الـ21 من مارس، ولهذا تقرر حذف 10 أيام، واعتبروا أن ثاني يوم بعد الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) يكون الـ15 من أكتوبر، وابتدأ منذ ذلك الحين التوقيت الغريغوري أو الغربي نسبة إلى البابا غريغوريوس الثالث، ثم ازداد الفارق بين الحسابين اليولياني والغريغوري بمقدار يوم واحد كل 129 سنة، ولهذا فإن الفارق بين التقويمين عادة ما يكون في حدود 13 يوماً.

وقد يكون الفرق بين العيدين أسبوعاً واحداً أو أكثر قليلاً، فعلى سبيل المثال في العام الحالي وقع الحساب الغربي في الـ31 من مارس الجاري، وفي الشرقي في الخامس من مايو المقبل، وفي العام الماضي كان الفارق أسبوعاً واحداً، وفي حين تتبع كل كنائس العالم التقويم الغريغوري المصحح، فإن كنائس العالم الشرقي وحدها هي التي تعتمد التاريخ اليولياني القديم.

وعلى رغم اختلاف الموعد من الناحية التاريخية، فإنه من الوجهة اللاهوتية والطقسية، يظل المفهوم الإيماني بين الجانبين واحداً لا فرق فيه ولا اختلاف من حوله.

التحضير للفصح... الأصوام والصلوات

والثابت تاريخياً أنه لا يمكن الوصول إلى الفصح المسيحي إلا عبر مسيرة طويلة من الاستعدادات الروحية، عند عموم المسيحيين شرقاً وغرباً، هذه المسيرة يطلق عليها مسيرة "الصوم الأربعيني المقدس"، أي الصوم لمدة 40 يوماً في الغرب، ويضاف إليها أسبوع يسبق الفصح مباشرة يسمى أسبوع الآلام، فيكون مجموع أيام هذا الصوم 47 يوماً في الغرب، أما في الطوائف المسيحية الشرقية فيضيفون إليها أسبوعاً آخر قبل بدء الموعد الرسمي ليضحى الصوم نحو 55 يوماً.

تعد هذه الأيام فرصة روحية لتطهير النفس من جميع الأدران الروحية التي لحقت بها طوال العام، ويكون الصوم انقطاعاً تاماً عن الطعام من منتصف الليل إلى ما بعد نهاية الصلوات التي تنتهي في حدود الساعة الثالثة عصراً، أما الإفطار فيكون على المأكولات النباتية، ولا يقتربون من اللحوم والأسماك وسائر المنتجات الحيوانية، فيما الأجيال القديمة كانت أكثر تقشفاً، إذ عاش بعضها طوال هذه الأصوام على الماء والعيش الجاف والملح فقط لا غير.

تقسم أسابيع هذا الصوم إلى ثمانية أسابيع، كل أسبوع يطلق عليه اسماً، وتبدأ بأحد الرفاع أو المرفع، الذي يكون الفرصة الأخيرة لأكل اللحوم قبل بدء الصوم.

 

تستمر المسيرة في قراءة الكتب المقدسة وأداء مزيد من الصلوات الطقسية، وصولاً إلى أحد الشعانين، أي ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم، حيث استقبله أتباعه بأغصان الزيتون وسعف النخل، توقعاً منهم أنه ملك إسرائيل المنتظر، الذي سيخلصهم من نير الرومان وطغيانهم.

بالوصول إلى الأسبوع الأخير، وهو أهم أسبوع في صلوات ومباشرات المسيحية، نجد بعد أحد الشعانين ذكرى ما يعرف بالخميس الكبير أو خميس الأسرار، ثم الجمعة العظيمة، وأخيراً الوصول إلى يوم سبت النور، حيث تقام الصلوات في المساء، صلوات عيد الفصح أو القيامة، إذ تشعل شمعة الفصح الكبرى وتبقى مضاءة طوال العام.

 في تاريخ الكنيسة المسيحية الأولى كانت هذه الليلة مهمة جداً للمتقدمين للانضمام إلى المسيحية، حيث كانوا يحصلون على سر العماد في هذه الليلة، وهو تقليد محافظ عليه حتى الساعة، في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وبأكثر من الكنائس الشرقية.

فيما بعض الجماعات المسيحية لا سيما التي تتبع المنهج البروتستانتي تفضل الاحتفال بصلوات عيد القيامة، صباح الأحد نفسه، ولا تقيم الصلوات في المساء.

البيض الملون غرباً والفسيخ شرقاً

من الملامح الشهيرة والمهمة في احتفالات المسيحيين بعيد الفصح نجد الاهتمام ببعض المأكولات ذات الدلالات الرمزية، التي تقرب مفهوم الفصح والقيامة أو البعث من عقول المؤمنين.

 ولا تزال عادة تلوين البيض مستمرة حتى يومنا، فتعج المتاجر ببيض طبيعي وغيره من الصناعي واليدوي بأسعار عالية، بينما يقدم للأطفال بيض فصح مصنوع من الشيكولاتة، يرتبط أرنب الفصح أيضاً بقصص شعبية عن أنه يأتي بالبيض للأطفال، ومنذ عام 1600 ميلادية ارتبط الأرنب بالفصح في لعبة انتقلت من ألمانيا تسمى "لعبة البحث عن الكنز"، تلك اللعبة يمارسها سكان الدول الإسكندنافية في الفصح متنقلين في الغابات القريبة من سكنهم مع العائلة والجيران لإمتاع الأطفال بالبحث عن الكنز الذي عادة ما يحوي بيضاً وشيكولاتة لهم مربوطة بما يضعه الأرنب هناك.

أما الطبق الرئيس على موائد الأسر المسيحية في الغرب فغالباً ما يكون لحوم الضأن والحملان بنوع خاص، وهذه واحدة من الأشياء القليلة التي يتشارك فيها الفصحان اليهودي والمسيحي دفعة واحدة.

 

أما الشعوب الشرقية، وفي مصر بنوع خاص فإن مأكولات الفصح تتسم بشيء مغاير، وهو الفسيخ، الذي يؤكل ثاني يوم عيد الفصح، وهو نوع من الأسماك المملحة، وتختلف الروايات التاريخية عن منشأ هذه العادة، ذلك أن هناك من يرى أنها عادة فرعونية قديمة توارثها المصريون المحدثون، وهي تربط بين أفكار البعث والخلود عند الفراعنة بفكرة الفصح في المسيحية.

ولعل أكثر دولة غربية لها اهتمام خاص باحتفالات أسبوع الفصح هي إسبانيا، والمثير أن هناك تأثيرات للوجود العربي والإسلامي هناك منذ مئات السنين، لا سيما خلال الاستعراضات التي تجرى في الشوارع حاملة مجسمات ليسوع المصلوب ولمريم الحزينة.

تتميز مدن الجنوب الإسباني (الأندلس) عن باقي مدن المناطق الأخرى باحتفالاتها وطقوس مرافقة المجسمات في جولاتها على ظهر مركبات مزينة بالشموع ترافقها حشود المؤمنين بالتراتيل والغناء، وبنوع خاص التغزل في السيدة مريم العذراء بمواويل تعرف بـ"السايطة".

ويربط بعض الباحثين هذا الموال الشهير في الأندلس بفن "الغيطة" في شمال المغرب، ويقولون إنه يحمل كثيراً من عناصر الشبه من حيث الصوت والأداء، كما يمتزج بالبكاء والتعبير عن الألم لتضحيات يسوع المسيح والغزل في جمال أمه مريم العذراء التي تحملت كثيراً من الآلام خلال مسيرة حياته على الأرض.

عن غزة وفصح القدس الحزين

وكما كان كريسماس بيت لحم الأخير حزيناً من جراء ما يحدث في غزة من قتل وتخريب، ومن هجمات إسرائيلية على المدنيين العزل بحجة البحث عن مقاتلي "حماس"، فإن فصح الأرض المقدسة هذه المرة يبدو أكثر حزناً، والقدس مدينة الآلام التي كانت تعج بالمصلين والحجاج من جميع أرجاء المسكونة تبدو اليوم خالية من الزوار بل حتى ومن المؤمنين المقدسيين.

الأحد الماضي والمعروف بأحد الشعانين، وحيث درج مسيحيو فلسطين الدخول إلى القدس والسير في ذات الطريق الذي سار فيه السيد المسيح قبل نحو 2000 عام، منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المسيحيين الفلسطينيين من الوصول إلى مدينة القدس للمشاركة في إحياء صلوات أحد الشعانين الطقسية.

وبحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" فإن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشترط على الفلسطينيين، المسلمين والمسيحيين، استصدار تصاريح خاصة للعبور من حواجزها العسكرية المحيطة بالمدينة المقدسة والوصول إلى أماكن العبادة بخاصة المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة".

وللإحساس بألم ومعاناة الغزاويين ألغت الكنائس جميع المظاهر الاحتفالية بالأعياد، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل في قطاع غزة.

أما بطاركة القدس فقد جددوا في بيان لهم على هامش الفصح مطالبتهم بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وجاء في البيان "ندرك تماماً عمق المعاناة الشديدة التي تحيط بنا هنا في الأرض المقدسة، وكذلك في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، وبالحديث بصورة مباشرة عن ظروفنا الخاصة فإننا نكرر إدانتنا لجميع أعمال العنف في الحرب المدمرة الحالية، بخاصة تلك الموجهة ضد المدنيين الأبرياء، ونكرر دعوتنا إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار".

وأضافوا "نجدد نداءنا من أجل سرعة وصول المساعدات وإطلاق سراح جميع الأسرى، وتسهيل عمل الأطباء والطواقم الطبية لرعاية المرضى والجرحى ومن دون أي عائق، وفتح المفاوضات والعمل الدولي لإنهاء دائرة العنف وتجاوزها".

ولعل كلمات بطريرك القدس اللاتيني بيير باتيسبالا، التي وجهها للغزاويين المحاصرين والمتألمين تعبر عن عمق الأزمة التي يعيشها أهل فلسطين في ظل الاحتلال، وقد ذكرهم بأنهم في القلب وأن أحداً لن ينساهم، ومكانهم دائماً في القدس موجود طوال الزمن.

أما البابا فرنسيس فبدوره لم ينس سكان القدس، المدينة المقدسة في زمن الفصح، فقد وجه رسالة لهم أكد فيها محبته لهم، وتضامنه مع آلامهم، وشكرهم فيها على الرجاء الذي يتمسكون به على رغم المحنة التي يعانون جراءها منذ السابع من أكتوبر 2023 الماضي. وأضاف "لن نترككم أبداً بل سنظل متضامنين معكم من خلال الصلاة والمحبة الفاعلة"، كما أعرب عن الرجاء في العودة قريباً إلى الأرض المقدسة كحاج للنظر في عيونهم، على حد قوله.

فصح مجيد لكل المحتفلين به في سائر أنحاء العالم شرقاً وغرباً.

المزيد من تحقيقات ومطولات