Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحمل "اللغة الترمبية" مفتاح العودة للبيت الأبيض؟

يعتبرها بعضهم استراتيجية ناجحة للحفاظ على الزخم بينما يحذر آخرون من تداعياتها

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ ف ب)

ملخص

ستكون الأشهر السبعة المقبلة هي الاختبار الحاسم لما إذا كانت استراتيجية وأسلوب ترمب سيشهدان أي تغيير فيستقطب مزيداً من الناخبين المستقلين أو سيظلان ثابتين مع كل الأخطار التي يعنيها ذلك قبل انتخابات الرئاسة.

بعد حسم سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام الحالي بين الرئيسين الديمقراطي جو بايدن والجمهوري السابق دونالد ترمب، يعتقد بعضهم بأن البقاء بعيداً من الأضواء أفضل استراتيجية للمرشحين خلال الأشهر المقبلة تجنباً للأخطاء والزلات، لكن هذا لا ينطبق على شخصية ترمب الذي غالباً ما تتصدر عباراته العفوية الملتهبة عناوين الأخبار بما يجعله دائماً في مركز الأحداث.

ومع ذلك فإن تصريحات ترمب تلك والتي يكون بعضها غريباً وصادماً، تصبح في كثير من الأحيان مادة يستغلها خصومه لتقويض فرصه في الانتخابات، فما أغرب تصريحات الرئيس السابق حتى الآن؟ وهل تعتبر ذخيرة جيدة له في معركته الانتخابية الأخيرة أم تجلب عليه نيراناً مضادة لا أحد يعلم أثرها؟

أسلوب محبوب

من المؤكد أن أسلوب ترمب العفوي والسريع والفضفاض يجعله محبوباً لدى كثير من مؤيديه الذين دفعوه إلى البيت الأبيض عام 2016 وجعلوه المرشح الجمهوري لتحدي الرئيس جو بايدن في 2024، فعلى مدى أكثر من ثماني سنوات بنى ترمب هويته السياسية بالكامل على هذا الأسلوب غير المألوف في السياسة الأميركية وعلى حقيقة أنه شخص مختلف عمن سبقوه في الترشح إلى هذا المنصب، بخاصة استخدامه ما يصفه بالمبالغة الصادقة، ففي كتابه الأكثر مبيعاً لعام 1987 بعنوان "فن الصفقة" اعتبر الرئيس السابق أن قليلاً من المبالغة لا يضر أبداً لأن الناس يريدون أن يصدقوا أن شيئاً ما هو الأكبر والأعظم والأكثر إثارة، وهذا شكل بريء من المبالغة وشكل فاعل للغاية من أشكال الترويج، بحسب ما أشار إليه في كتابه.

ويبدو أن هذا النهج صدق في السياسة كما في قطاع الأعمال منذ ترشحه الأول لانتخابات عام 2016 وحتى الآن، على رغم ما يقوله خصومه ووسائل الإعلام الليبرالية لجهة أن خطابه مليء بالادعاءات الكاذبة، لكن في النهاية تبين للجميع أن دونالد ترمب يمتلك موهبة فذة في استخدام اللغة كسلاح بما جعله دائماً تحت الضوء حتى حينما كان خارج البيت الأبيض، ولا شك في أن هذه اللغة ستتزايد خلال الأشهر المقبلة وسط حملة انتخابية ساخنة، ومشكلات قانونية تطارده.

استراتيجية ثابتة

ومع خطاب تلو الآخر، يضع الرئيس السابق أجندة سياسية طموحة للفوز بولاية ثانية، لكنها تصبح أحياناً عدوانية بما يجعل عناصر ولايته الأولى في البيت الأبيض تبدو معتدلة، مقارنة بالاستراتيجية الحالية التي تركز على أن كل شيء فوضوي وأكثر قتامة، فالعالم مكان خطر والأمة الأميركية تنهار وجو بايدن زعيم غير كفؤ والطريقة الوحيدة لإنقاذ الولايات المتحدة هي التصويت لمصلحة ترمب.

 

 

ويبدو أن فريق حملته يحترم غرائز ترمب السياسية ويثق بها، ويعتبر أن اكتساحه للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري دليل واضح على إمكان تحقيق الهدف والفوز في الانتخابات العامة، كما يدرك في الوقت نفسه أن ترمب لن يتغير وأنه ثابت على مساره لأن الأميركيين يستحقون رئيساً لا يلطف ما يحدث في العالم، بحسب ما قال المتحدث باسمه ستيفن تشيونغ.

تغيير قواعد اللعبة

وعلى رغم أن بعض مستشاري ترمب نصحوه بكبح جماح اندفاعاته الغاضبة والحد من الحديث عن المظالم والانتقام، إلا أن حملة الرئيس السابق السياسية أعادت كتابة قواعد اللعبة حول كيفية إشراك الناخبين الأميركيين وكسبهم إلى جانب ترمب، من خلال الاستفادة من خطاباته الجريئة وانتقاداته الحادة وتعابيره الغريبة سواء كان ذلك عبر قوة وسائل التواصل الاجتماعي التي استفاد منها على نحو لم يفعله أي مرشح آخر من قبله، أو من خلال وسائل الإعلام التقليدية ولقاءاته الجماهيرية.

واعتمدت حملته على الصدى الذي تلاقيه كلمات ترمب لدى عدد كبير من الأميركيين من خلال جاذبيتها الشعبوية وقدرته على تقديم نفسه على أنه صوت "المنسيين" ووعوده بإحداث تغيير جذري في المؤسسة الحاكمة في واشنطن التي يصفها دائماً "بالمستنقع" و"الدولة العميقة" باعتباره رجل أعمال ناجحاً من خارج هذه المؤسسة، مما جعله ينال استحسان الناخبين الذين سئموا السياسة التقليدية والسياسيين القدامى في واشنطن.

كل الدعاية جيدة

ومن خلال التحدث مباشرة إلى قاعدته عبر تصريحات مثيرة للجدل وطرق استفزازية وغير مكتوبة مسبقاً في كثير من الأحيان، ظل ترمب في دائرة الضوء لدى وسائل الإعلام وعزز صورته الشعبوية وخلق شعوراً بالزخم والحماسة بين أنصاره.

وقامت هذه الاستراتيجية بدور في ترسيخ القول المأثور إن "كل الدعاية هي دعاية جيدة" بعدما طغت قدرته في السيطرة على رسائل خصومه، بخاصة حينما يعرف ترمب خصومه بعبارات غير مواتية ويستخدم الألقاب والعبارات الجذابة الشعبوية لتقليل صدقية منافسيه، مما قوض خصومه وجعلهم في موقف دفاعي بينما واصل الرئيس السابق تشكيل التصور العام لمصلحته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تمتد خطابات ترمب في التجمعات الشعبية لقاعدته الانتخابية لمدة ساعتين، وهو يتنقل بين المواقف والمقترحات السياسية والقصص الشخصية والنكات والهجمات على خصومه والشكاوى من تعرضه للاضطهاد من قبل المحاكم والتحذيرات في شأن مستقبل البلاد، تظل تعليقاته الأكثر إثارة للخلاف هي جزء من نصه وأسلوبه الدائم.

لغة لاذعة

ويبدو أن ترمب لا يفعل كثيراً لكبح جماح غرائزه سريعة الغضب، على رغم أن بعض حلفائه اقترحوا عليه أن يخفف من حدة خطابه الذي يخاطر بإهانة الناخبين المستقلين والأشخاص خارج قاعدته الانتخابية، مما قد يرتد عليه بإبعاد قطاع مهم من الناخبين منه حينما يتحدث عن قضايا ذات أولوية لكثير من الأميركيين.

وعلى سبيل المثال، تفاخر بترشيح ثلاثة قضاة في المحكمة العليا صوتوا لمصلحة إنهاء الحق في الإجهاض في وقت يحث الجمهوريون على عدم التشدد في قضية يمكن أن تؤثر سلباً في ترمب والجمهوريين، وفي وعده بتنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، تحدث عن المهاجرين الذين قال إنهم "يسممون دماء بلادنا" ويأتون من السجون ومن المصحات العقلية ومن جميع أنحاء العالم ليمنح خصومه فرصة لاتهامه بأنه يردد صدى أدولف هتلر، كما وصف ترمب أعداءه ذات مرة بأنهم "حشرات".  

وفي مناسبة أخرى، قال ترمب أثناء ترؤسه مؤتمر العمل السياسي المحافظ هذا العام إن "الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) أي (يوم الانتخابات) هو يوم التحرير الجديد للبلاد، ولكن بالنسبة إلى الكاذبين والغشاشين والمحتالين الذين استولوا على حكومتنا، فسيكون يوم القيامة".

تصريحات غريبة

ويطلق ترمب تصريحات غريبة عدة فجأة مثل اقتراحه استخدام الحرس الوطني للتصدي للجريمة وتلميحاته بإمكان توسيع صلاحيات الجيش وتعهده بالتدخل بالقوة العسكرية من دون الحصول على الإذن اللازم من القادة المحليين في الولايات للتصدي للجريمة في المدن، مما يعد انقلاباً على السياسة التقليدية الأميركية بوجود خط فاصل بين الجيش وسلطات إنفاذ القانون المحلية.

وكذلك صعد ترمب من لهجته القاسية واقترح عقوبة الإعدام لبعض الجرائم البسيطة، قائلاً أمام حشد صاخب من الجمهوريين في كاليفورنيا خلال سبتمبر (أيلول) 2023، "ببساطة شديدة، إذا سرقت متجراً، فيمكنك أن تتوقع إطلاق النار عليك أثناء مغادرتك ذلك المتجر"، ويصر ترمب بصورة روتينية على ضرورة فرض عقوبة الإعدام على تجار المخدرات، اعتماداً على خطورة جرائمهم، وهي عقوبة تخلت عنها غالبية الولايات الأميركية.

ويعتزم ترمب إلغاء وزارة التعليم الفيدرالية بالكامل التي تضم 4400 موظف بموازنة قدرها 68 مليار دولار بهدف إعادة السلطة التعليمية الكاملة إلى الولايات، على رغم أن إلغاء الوزارة لن ينقل مباشرة أي سلطة جديدة للولايات، وتعهد قطع تمويل أي نظام مدرسي عام يلزم الأطفال ارتداء الكمامة من أجل سلامتهم.

وإضافة إلى ذلك، جادل ترمب بأن لوائح الاتهام الجنائية الأربع عززت دعمه بين الناخبين أصحاب البشرة السمراء الذين يعتبرونه ضحية للتمييز مثلهم تماماً، وفي مناسبة أخرى قارن نفسه بزعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني الذي توفي في سجن في القطب الشمالي، معتبراً أنه منشق سياسي مثله تعرض للاضطهاد.

الانتقام السياسي ضد بايدن

إلى ذلك، تتمحور إحدى نقاط الحديث الأكثر ثباتاً لترمب حول نيته محاكمة بايدن إذا استعاد السلطة التنفيذية، فتعهد تعيين مدعٍ خاص لملاحقة الرئيس الحالي الذي وصفه بأنه "الأكثر فساداً في تاريخ أميركا وملاحقة عائلته الإجرامية".

وإضافة إلى خطاب ترمب حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين خارج الولايات المتحدة، وعد الرئيس السابق، ليس فقط بإعادة فرض حظر السفر الذي يستهدف بعض البلدان ذات الغالبية المسلمة، بل بتوسيع الحظر ليشمل اللاجئين من غزة وفرض فحوصات أيديولوجية معينة لجميع المهاجرين.

أخف من الماضي

لكن على رغم قوة تصريحات ترمب خلال الأشهر الأخيرة، إلا أنها أخف كثيراً من وطأة تلك التي أطلقها عندما كان يتولى الرئاسة في البيت الأبيض حيث نصح الناس بتناول مواد التبييض والمطهرات خلال جائحة "كورونا"، مما أدى إلى إصابة أكثر من 100 شخص، ثم قال بعد أيام إنه كان يمزح.

 

 

واستهدف ترمب التهكم على المعوقين وسخر من مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" سيرج كوفاليسكي الذي يعاني اعوجاج المفاصل، وفي العام نفسه تهكم على السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي كان وقع في الأسر سنوات عدة لدى الفيتناميين الشماليين وتعرض للتعذيب مما أدى إلى إعاقة في ذراعه، وقال ترمب إن ماكين لم يكُن بطل حرب لأنه اعتُقل وهو لا يحب هؤلاء.

الحرب ضد المرأة

وواجه دونالد ترمب أيضاً اتهامات بإهانة النساء وسوء السلوك معهن من خلال ثلاثة تصريحات أدلى بها ضمن الحملة الانتخابية لعام 2016 تمحورت حولهن، أحدها كان شريط أكسيس هوليوود الذي تحدث فيه عن "الإمساك بالنساء"، وقبل تسريب ذلك التسجيل، تهكم ترمب على شكل وجه المرشحة الرئاسية كارلي فيورينا، وأهان المذيعة ميغان كيلي التي سألته عن عدم احترامه للنساء في مناظرة خلال الحملة قائلاً إنها كانت تقطر دماً من عينيها ومن كل مكان.

وإضافة إلى ذلك، رصدت وسائل إعلام أميركية 69 إهانة للنساء من ترمب كان آخرها تهكمه على اسم منافسته الجمهورية السابقة نيكي هايلي وهي من أصل هندي عبر نطق اسمها الأصلي بطريقة خاطئة، وسخر من سلسلة طويلة من الأسماء المعروفة منها وزيرة النقل السابقة في إدارته إيلين تشاو على رغم أنها زوجة زعيم مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل، ثم نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس وكيسي ديسانتيس، زوجة المرشح الرئاسي لعام 2024 ومنافسه على ترشيح الحزب الجمهوري رون ديسانتيس، فضلاً عن النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز التي وصفها بالغباء.

اختبار المستقبل

وفي حين يمكن أن تساعد تصريحات ترمب الغريبة والمستفزة أحياناً في جذب مزيد من الناخبين، إلا أن بعض الجمهوريين يدركون الآن المشكلة التي يمكن أن تواجه الرئيس السابق، فوفقاً لبيانات وكالة "أسوشييتد برس"، فإن نحو نصف الجمهوريين بما في ذلك نحو ربع أنصار ترمب، يشعرون بالقلق من أنه متشدد للغاية إذ إنه ربما لا يتمكن من الفوز في الانتخابات العامة المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل على رغم أنه يهيمن على الناخبين المحافظين، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الناخبين يمثلون 37 في المئة فقط من الناخبين في الانتخابات الرئاسية، بينما يحتاج ترمب إلى كسب تأييد قطاع واسع من المستقلين لكي يفوز.

وستكون الأشهر السبعة المقبلة هي الاختبار الحاسم لما إذا كانت استراتيجية وأسلوب ترمب سيشهدان أي تغيير فيستقطب مزيداً من الناخبين المستقلين، أو سيظلان ثابتين مع كل الأخطار التي يعنيها ذلك.

المزيد من تقارير