Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيلينسكي "المتأرجح" يقبل بالمحادثات ويتنازل عن حدود 1991

قال إن بلاده ستكون منفتحة على المفاوضات إذا تمكنت من السيطرة على حدودها التي كانت قائمة حتى الـ22 من فبراير 2022

زيلينسكي يكافئ جندياً أوكرانياً جريحاً في مستشفى سومي العسكري (أ ف ب)

ملخص

أشار الرئيس الأوكراني إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية تحاول إيجاد طريقة لعدم التراجع. وخلص إلى أنه من دون دعم الكونغرس الأميركي، فإن أوكرانيا ستواجه نقصاً خطراً في الصواريخ. كما أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن قواتها المسلحة فقدت أكثر من 3000 جندي في أسبوع واحد

يبدو أنه كان "مطلوباً" أن تتكبد أوكرانيا ومعها روسيا وما يزيد على 50 دولة ما لحق بها من خسائر بشرية ومادية، حتى يصل الرئيس الأوكراني إلى ما وصل إليه من قرار كشف عنه في حديثه إلى شبكة تلفزيون "سي بي أس"، متأخراً لما يزيد على ثلاث سنوات. كما يبدو أيضاً أن زيلينسكي لم يكن ليفصح عن تحوله الأخير، ويقر بقبوله المحادثات بعيداً من شروطه التعجيزية حول ضرورة عودة روسيا إلى حدود عام 1991 دون استشارة حلفائه في ما وراء المحيط. فما أسباب هذا التراجع؟ وما الذي تغير على الساحتين الأوكرانية والدولية؟

زيلينسكي يتخلى عن شرط عودة روسيا إلى حدود 1991

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تطرق في حديثه إلى شبكة تلفزيون "سي بي أس" الأميركية، ولأول مرة منذ بدء "العملية العسكرية الروسية"، إلى إمكانية بدء المفاوضات مع موسكو في شأن تسوية النزاع، دون عودة روسيا إلى حدود عام 1991، وإن قال إنه على يقين من "أن بوتين سيكون على استعداد للحوار إذا ما خسرت روسيا ما ضمته إليها اعتباراً من عام 2022، وإذا ما استطاعت القوات المسلحة الأوكرانية الوصول إلى الحدود التي كانت عليها أوكرانيا قبل بداية العمليات القتالية، بما يعني أنها لن تكون في حاجة إلى تحرير الأراضي الموجودة تحت السيطرة الروسية بالقوة المسلحة".

وكان زيلينسكي عاد ورفض ما أسفرت عنه المحادثات التي جرت في إسطنبول بين الوفدين الروسي والأوكراني تحت رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أواخر فبراير (شباط) ومطلع مارس (آذار) 2022. وكشف رئيس الوفد الأوكراني في محادثات إسطنبول ديفيد أراخاميا عن أن زيلينسكي اتخذ قرار رفضه لما توصل إليه، بإيعاز من رئيس الحكومة البريطانية الأسبق بوريس جونسون، وذلك بعد أن توصل الجانبان الروسي والأوكراني آنذاك إلى "اتفاق" يقضي بقبول كييف إعلان عدم انضمامها إلى "الناتو"، وحظر نشر الأسلحة الاستراتيجية (النووية) في أراضيها، على أن تسحب موسكو قواتها من محيط كييف، ومقاطعة خاركوف كبادرة حسن نوايا. ولم تكن روسيا آنذاك قد اعترفت بعد باستقلال كل من جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، وانفصال مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون، وما تلا ذلك من قرارات ضم هذه المناطق التي اتخذتها في الـ30 من سبتمبر (أيلول) 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حديثه إلى شبكة تلفزيون "سي بي أس" أعرب زيلينسكي عن رأي مفاده أن بلاده ستكون منفتحة على المفاوضات إذا تمكنت أوكرانيا من السيطرة على حدودها التي كانت قائمة حتى الـ22 من فبراير 2022 أي قبل إعلان موسكو اعترافها وضمها لهذه المناطق الأوكرانية الأربع. غير أن الرئيس الأوكراني ربط ما يقول، بما صرح به حول أنه على يقين من أن فقدان روسيا لما حققته خلال عمليتها العسكرية سيسمح بتحديد تلك البلدان التي لا تزال تراودها الشكوك تجاه مسألة دعم أوكرانيا. وقال إن "الرئيس بوتين سيفقد شعبيته في الداخل الروسي، مما سيسمح له ببدء الحوار".

ولعله من الغريب أن يكون الرئيس الأوكراني في حالة تسمح له باستنتاج ما قاله، في وقت حقق فيه الرئيس بوتين "انتصاراً ساحقاً" في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بحصوله على نسبة تزيد على 87 في المئة من أصوات ناخبيه الذين بلغت نسبتهم ما يزيد على 78 في المئة من مجموع المسجلين في السجلات الانتخابية، وذلك في وقت يواجه فيه زيلينسكي مشكلة "استمرار شرعيته" اعتباراً من الـ21 من مايو (أيار) المقبل تاريخ انتهاء ولايته الدستورية، وهو الذي أعلن قراره بإلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في أوكرانيا، مبرراً ذلك بحالة الحرب والأحكام العرفية والتعبئة العامة التي تعيشها بلاده، وذلك ما أشارت إليه وزارة الخارجية الروسية في ما عزته إلى ما وصفته بالتوتر الذي يساور الرئيس زيلينسكي بسبب انتهاء فترة ولايته.

وكان المندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، وفي معرض تعليقه على المحادثات المحتملة بين روسيا وأوكرانيا، أشار إلى أن بلاده لا تعرف مع من تتفاوض في أوكرانيا. كما ذكر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، الجمعة الماضي، أن مسألة الاعتراف بفولوديمير زيلينسكي ستفقد أهميتها بحلول الـ21 من مايو المقبل.

أوكرانيا فقدت 3000 جندي في أسبوع واحد

أما عن الأسباب والمبررات التي قد تكون وراء مثل هذه التصريحات، فقد أماط زيلينسكي اللثام عنها في ما قاله إلى المعلق السياسي لصحيفة "واشنطن بوست" ديفيد إغناتيوس، حول أن القوات المسلحة الأوكرانية من دون دعم الولايات المتحدة، قد تكون مضطرة إلى "الانسحاب التدريجي من أجل تأمين خط المواجهة والحفاظ على الذخيرة"، على رغم محاولات تمسك هذه القوات بمواقعها على الخطوط الأمامية.

وخلص الرئيس الأوكراني إلى استنتاج مفاده أنه لتحقيق مثل هذه النتيجة يكون من الضروري دعم القوات المسلحة الأوكرانية بما تحتاج إليه من الأسلحة الغربية، مع مواصلة العمل من أجل إحكام حلقة الحصار حول روسيا من جانب "بقية بلدان العالم"، على حد قوله. وكشف زيلينسكي عن أن تأخير الكونغرس في الموافقة على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 60 مليار دولار "كلف أوكرانيا غالياً". وقال إنه "إذا لم يكن هناك دعم أميركي، فهذا يعني أنه لن يكون لدينا دفاع جوي، ولا صواريخ باتريوت، ولا أجهزة تشويش للحرب الإلكترونية، ولا قذائف مدفعية عيار 155 ملم. وهذا يعني أننا سنعود، ونتراجع خطوة بخطوة".

وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية تحاول إيجاد طريقة لعدم التراجع. وخلص إلى أنه من دون دعم الكونغرس الأميركي، فإن أوكرانيا ستواجه نقصاً خطراً في الصواريخ. كما أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن قواتها المسلحة فقدت أكثر من 3000 جندي في أسبوع واحد في اتجاه بيلغورود. وفي الـ29 من مارس الماضي، أعلن القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية ألكسندر سيرسكي، أن "القوات كان يمكنها الحفاظ على مواقعها في أفدييفكا، لو كان لديها عدد كافٍ من أنظمة الدفاع الجوي وقذائف المدفعية". وفي الـ28 من مارس، قال زيلينسكي لشبكة "سي بي أس نيوز" إن القوات المسلحة للبلاد لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها في حالة وقوع هجوم روسي كبير.

وقد جاءت تلك التصريحات في وقت مواكب لما أعرب عنه مستشار رئيس مكتب زيلينسكي، ميخائيل بودولياك، في حديثه إلى صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار، من قلق في شأن تقدم القوات الروسية في ظل عدم وجود أسلحة للمقاومة، وإن رفض بصورة قاطعة إمكانية "تجميد" الصراع، إضافة إلى ما قاله بودولياك في وقت سابق حول "حالة الركود" التي تعيشها القوات الأوكرانية على الخطوط الأمامية، والفرص المحدودة للهجوم بسبب نقص الموارد. كما أشار إلى أن طلب 60 مليار دولار إضافية من المساعدات لأوكرانيا من إدارة الرئيس جو بايدن، لم يجد الدعم المناسب في الكونغرس الأميركي بسبب موقف الجمهوريين في مجلس النواب.

بوتين ومراعاة "الواقع الراهن على الأرض"

وكان الكرملين أكد أكثر من مرة أنه لم يرفض أبداً الحوار مع كييف. وقال الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه لا توجد شروط مسبقة لذلك الآن، "لأن الحركة نحو السلام مستبعدة من قبل كل من أوكرانيا والغرب الجماعي". كما أكد "استحالة تحرك الأوضاع في اتجاه سلمي، إلا إذا أخذ الوضع الفعلي والحقائق الجديدة في الاعتبار، وجميع مطالب موسكو معروفة جيداً"، على حد تعبيره. كما أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا "مستعدة للمفاوضات في شأن أوكرانيا". وقال إن "هذه المفاوضات لا بد أن تكون مبنية على أساس الواقع الراهن، وليس على التمنيات بعد استخدام العقاقير المؤثرة في العقل" على حد قوله. وخلص بوتين إلى القول إنه "إذا أرادت كييف بدء الحوار، فعليها إلغاء المرسوم الذي اتخذه زيلينسكي حول حظر المفاوضات".

وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي أعلن موافقته على دعوة روسيا للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي لم يتم بعد الإعلان عن مكانه أو موعده. وقال إن الدعوة التي قد تتلقاها روسيا ستكون للحضور، وليس لمناقشة شروط اتفاق السلام، وهو ما يأتي على طرفي نقيض مما قاله زيلينسكي أخيراً في حديثه إلى شبكة تلفزيون "سي بي أس". وكان وزير الخارجية السويسري إينياتسيو كاسيس أكد احتمالات عقد المؤتمر "مع حلول فترة الصيف"، وذلك ما انتقده وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بقوله إن برن "اتخذت موقفاً معادياً لروسيا بصورة علنية ولا يمكن الوثوق بها كوسيط للتوصل إلى تسوية الأزمة الأوكرانية".

على أن ذلك كله يظل خارج السياق، إذ إن كل الاجتماعات التي جرت من دون مشاركة موسكو سواء في كوبنهاغن أو جدة، أو الرياض، وأخيراً في سويسرا، كانت قد تركزت مناقشاتها حول "صيغة السلام" ذات النقاط الـ10 التي قدمها زيلينسكي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 في قمة "مجموعة الـ20"، وتضمنت شرط انسحاب القوات الروسية إلى حدود عام 1991، وهو ما يرفض الكرملين قبوله، مؤكداً ضرورة مراعاة "الواقع الراهن على الأرض"، بما يعني الاعتراف بضم مناطق شبه جزيرة القرم وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، ومقاطعتي زابوريجيا وخيرسون إلى روسيا، بموجب نتائج الاستفتاءات التي أجريت هناك في عامي 2014 و2022، وهو ما يبدو أنه صار أمراً واقعاً يجب على أوكرانيا وحلفائها من بلدان "الغرب الجماعي" أخذه في الاعتبار.

وذلك كله وفي مجمله، لا يعني سوى تغير في مواقف الرئيس الأوكراني زيلينسكي. وعلى رغم كل محاولات التلاعب بالألفاظ، فإن ما يقوله زيلينسكي حول أنه لن يجلس إلى بوتين، وأنه في انتظار رئيس روسي آخر، يظل أمراً بعيد المنال، في وقت ثمة من يقول إن الانتخابات الأميركية وبغض النظر عن نتيجتها قد تضع حداً للأزمة الأوكرانية.

المزيد من تقارير