Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحسكة السورية مدينة منهمكة بالعطش

أشهر طويلة من جفاف أنابيب المياه والسكان يدفعون الثمن

ينهمك سكان مدينة الحسكة بصورة مستمرة بتأمين المياه (اندبندنت عربية)

ملخص

ينهمك سكان مدينة الحسكة السورية بصورة مستمرة بتأمين المياه بسبب انقطاعها المستمر

عند التجول في أرجاء مدينة الحسكة السورية، خصوصاً في ساعات النهار، ستصادف إما صهريجاً ينتقل من منزل إلى آخر أو أحد الأشخاص يحاول تأمين المياه وآخر يملأ الخزانات.

منذ قرابة ستة أشهر، وبالتحديد منذ بداية سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت آخر مرة تتبلل فيها أنابيب خطوط مياه الشرب في مدينة الحسكة وريفها بما كان يأتيها من محطة علوك الواقعة في مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل السورية المعارضة في الريف الشمالي للمدينة من عملية "نبع السلام" التركية عام 2019.

ويبلغ تعداد من يعتمد في مدينة الحسكة وريفها على مياه محطة علوك قرابة مليون و200 ألف شخص بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، لكن جميع هؤلاء باتوا ومنذ ذاك التاريخ يعتمدون بصورة كلية على المياه التي يشترونها من الصهاريج المتنقلة، فمشكلة المياه أصبحت مزمنة في هذه المدينة وريفها، لكن السكان لا يملكون كثيراً من الخيارات سوى أن يتأقلموا مع واقعهم الصعب.

فحياة رب الأسرة أو أحد أفرادها متعلقة بصورة يومية بتأمين المياه لأفراد المنزل، ويراوح ذلك ما بين التواصل مع أصحاب الصهاريج أو البحث عنهم عند عدم تأمين الاتصال والإشراف على تعبئة المياه في الخزانات الموجودة في المنزل والمخصصة لتعبئة المياه وتموينها لأيام عدة، إذ زاد الأهالي من عدد خزاناتهم المنزلية منذ ظهور مشكلة انقطاع الماء من محطة علوك عام 2019، حيث يمكن رؤية أكثر خزانات مرتبطة ببعضها فوق أسطح المنازل والمباني وفي باحات المنازل، إلى جانب تخصيص بعضها للشرب فحسب وأخرى لاستخدامات المنزل.

 

في حي تل تحجر الواقع بالقسم الشمال الغربي من المدينة تستنفر أم سعيد (50 سنة) وابنتها مع وصول الصهريج، ليبدأ العامل بإيصال الأنبوب إلى الشرفة، إذ وضعت العائلة خزانين للمياه سعة كل منهما ألف ليتر، خلال ربع ساعة تقريباً، ملأت الأسرة الخزانين وبعض الأواني بمبلغ 60 ألف ليرة سورية (4 دولارات أميركية)، إذ تقول أم سعيد إن هذه الكمية تكاد تكفيهم لأربعة أيام، إذ يبلغ عدد أفراد العائلة 7 أشخاص، مضيفة "هذا حالنا منذ خمس سنوات".

مدينة منهمكة

ويبدو أن الجميع في المدينة مشغول بتأمين المياه ليلاً نهاراً.

ينتظر خالد سرجين (45 سنة) صاحب الصهريج الانتهاء بتعبئة مياه جيرانه في الدكان الذي يعمل فيه بحي تل حجر ليتفق معه على تعبئة المياه في منزله الواقع على بعد مئات الأمتار من مكان عمله، ويقول منذ 8 أشهر لم يصل إليهم الماء عبر الخطوط الرئيسة، وأن استهلاكهم للماء في فصل الصيف ومع ارتفاع حرارة الجو يصل إلى ثلاثة أضعاف ما يستهلكونه في الشتاء، وأن تلك المصاريف تصل إلى نحو مليون ليرة سورية (65 دولاراً أميركياً) شهرياً.

ويضيف الرجل الذي يبدو الشحوب على محياه بسبب الصيام أنهم لا يكترثون كثيراً لمصدر المياه الآتية عبر الصهاريج، إن كان آمنة أو تحمل الأمراض، فالهم الأكبر لديهم هو تأمين المياه مهما كانت نوعيتها، خصوصاً في الصيف حيث يزداد الطلب على شرائها عن طريق الصهاريج، ويتساءل عن سبب قطع المياه عن الأهالي قائلاً "لم يفعل مثل هذا الأمر أي طرف بالعالم، ماذا يريدون من هذا الشعب لا أعرف".

يبدو لافتاً جداً وجود الصهاريج الكبيرة والمتوسطة التي تنقل ما بين 5 و20 متراً مكعباً من المياه من المناهل الواقعة خارج المدينة إلى أحيائها في الدفعة الواحدة، كما أن فئة من السكان تضع خزاناتها في شاحناتها الخاصة لتوفر عن نفسها ما يزيد على نصف ثمن ما يشتريه السكان.

 

وبحسب إحصاءات رسمية تابعة للإدارة الذاتية فإن نحو 800 صهريج متنقل تغذي المدينة بالمياه يومياً منها 60 صهريجاً لدائرة المياه في الحسكة التابعة للإدارة الذاتية تزود بعض الأحياء بالمياه، وبسعر 10 آلاف ليرة للمتر المكعب الواحد، في حين أن عشرات الخزانات المشتركة الموزعة في أحياء المدينة تزودها منظمات غير حكومية بالمياه.

ومع انتهاء فصل الشتاء وارتفاع درجة حرارة الطقس في المنطقة التي تعد شبه صحراوية يزداد طلب الأهالي لاستهلاك المياه، ويقول محمد رياض وهو صاحب صهريج خاص إن ضغط العمل بدأ مع شهر رمضان، وإنه أحياناً يعمل حتى ساعات متأخرة في الليل، "لكن في الصيف يكون الضغط أكبر مما هو عليه الآن"، لكن هذا الضغط الكبير في العمل يؤدي بأصحاب هذه الصهاريج إلى كلف أكبر في صيانة مركباتهم التي حولوها من شاحنات لحمل ونقل البضائع إلى صهاريج مياه من خلال وضع الخزانات الحديدية عليها. ويفيد رياض بأن الوزن الكبير للمياه يؤدي إلى أعطال مزمنة في الشاحنة، خصوصاً أن المياه في حركة مستمرة، وأن الصهاريج تدخل في أزقة وشوارع غالباً ما تكون طرقاتها مكسرة، إلى جانب ذلك يشكو صاحب الصهريج من ارتفاع ثمن الوقود وضعف تأمينه في المدينة.

وعلى رغم أن السكان يعتمدون على المياه ويدفعون ثمنها، فإنها لا تصل إليهم حال طلبهم فوراً، بل يتأخر الصهريج لساعات، وأحياناً لا تصل إلى صاحب الطلب، ويعزي ذلك سائق الصهريج محمد رياض إلى قلة المناهل (الآبار) التي يعبئون منها المياه وبعدها عن المدينة لمسافة قد تصل إلى 20 كيلومتراً، على حد قوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أرقام رسمية

تقدر الإدارة الذاتية على لسان الرئيسة المشتركة لدائرة المياه في الحسكة المهندسة نوارة صبري حجم حاجات المدينة والمناطق الأخرى التي تعتمد على مياه محطة علوك يومياً بـ 48 ألف متر مكعب كحد أدنى، في حين أن الحاجة القياسية للسكان تصل إلى 150 ألف متر مكعب يومياً، وفي كل الأحوال فإن كلا الحدين غير متوفر للسكان. وتقول نوارة لـ"اندبندنت عربية" إن الاعتماد الحالي للسكان هو الآبار التي تأتي الصهاريج منها بالمياه "ومقاييس معظمها لا توافق المقاييس العالمية لصلاحية الشرب لفترات طويلة".

وتتبع لمديرية المياه سبع آبار قرب قرية شموكة الواقعة (20 كلم) غرب المدينة ويعبأ منها نحو 60 صهريجاً خاصاً بالمدينة وتزود أحياء داخل المدينة، فيما تتبنى منظمات غير حكومية إيصال المياه إلى المخيمات المنتشرة حول الحسكة والبالغ تعداد قاطنيها إلى نحو 32 ألف نازح سوري، كما توصلت المنظمات غير الحكومية يومياً ما مجموعه يراوح ما بين 300 إلى 400 متر مكعب من المياه الصالحة للشرب من خلال وضعها في خزاناتها المنتشرة في الأحياء.

 

بدائل علوك 

لم تنجح المنطقة حتى الآن من إيجاد بديل ناجع عن مياه محطة علوك، فقد حفرت الإدارة الذاتية في مارس (آذار) 2020، 15 بئراً في منطقة الحمة غرب المدينة لتكون بديلاً عن المحطة، لكنها سرعان ما نضبت وجفت بعد أشهر من العمل على رغم أن ميزانية غير قليلة رصدت لها، في حين أن جودتها لم تكن جيدة للشرب، لكنها كانت إسعافية خدمت نحو ثلاثة أشهر فحسب، بحسب المسؤولة عن مياه الحسكة، كما تمكنت الإدارة الذاتية من إيصال مياه نهر الفرات في أغسطس (آب) 2021، لكن سرعان ما توقف المشروع الذي أنهكته التعديات على الخط الواصل من بلدة الصور بريف دير الزور إلى محطة العزيزية داخل الحسكة من قبل سكان القرى المحاذية لخط الجر البالغ طوله 160 كيلومتراً وتتخلله محطات عدة للضخ، إلى جانب قلة الوارد المائي للنهر القادم من تركيا كما بلغت كلفته نحو مليوناً ونصف المليون دولار أميركي.

 

أخيراً، في بداية العام الماضي عزمت الإدارة الذاتية على البدء في مشروع جديد لإيصال المياه من ريف بلدة عامودا (70 كلم شمال الحسكة) إلى المدينة والمتضمن حفر 20 بئراً عبر خط من الأنابيب بطول 62 كلم وبكلفة تقدر بـ40 مليون دولار، وهذا المشروع أيضاً تم التأخر في تنفيذه ويعوقه عدد من الأسباب منها فشل مشاريع الاستجرار السابقة إلى جانب كلفته الباهظة، كما تؤكد المسؤولة في الإدارة الذاتية أن الآبار في ريف عامودا الجنوبي القريب من الحدود مع تركيا قد يكون هو الآخر عرضة لهجمات عسكرية تركية، "فلا ضمانات بعدم تعرض هذا المشروع لضربات تركية". وأضافت أنه إذا ما تبنت منظمات دولية تنفيذ مشروع آبار عامودا فإن مشكلة مياه الحسكة ستتجه نحو الحل لا سيما أن غزارة هذه الآبار وجودة المياه فيها جيدة، و"ستسد حاجة المدينة في الحد الأدنى"، معتبرة أن الحسكة بالفعل تعد مدينة منكوبة منذ عام 2019.

خسائر كبيرة للسكان

ووفق الأرقام التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" فإن معدل كلفة شراء الماء من قبل السكان يومياً تساوي ملياراً و440 مليون ليرة سورية يومياً ما يزيد على (96 ألف دولار أميركي)، بالتالي ينفق الأهالي مليونين و880 ألف دولار أميركي شهرياً.

في حين أن الاستهلاك في الصيف يتضاعف ويخلق أزمات متعددة الأوجه للسكان، ناهيك عن ظهور أمراض جرثومية تنقلها المياه، لا سيما بين الأطفال وكبار السن.

ومع استمرار الخسائر اليومية التي يدفعها السكان، فإنه لا بديل مفيداً حتى الآن عن مياه محطة علوك التي أصبحت ورقة نزاع سياسي وعسكري تتحكم بها تركيا والفصائل المدعومة منها المسيطرة على منطقة رأس العين وريفها وعليه تطالب المسؤولة في الإدارة الذاتية المهندسة نوارة صبري بضرورة تحييد المحطة عن النزاع إلى جانب دعم المشروع الجاري العمل عليه في ريف عامودا، حيث يعتبر مشروع آبار عامودا إسعافياً لا يغني عن محطة علوك. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير