Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكوميديا السياسية المغربية تتخلص من عباءة التلفزيون

الممثل باسو يبث على قناة "يوتيوب" سلسلة تنتقد الفساد الإداري

من سلسلة برنامج "الكالة" المغربي (صفحة البرنامج - فيسبوك)

ملخص

البرامج الترفيهية التي يقدمها التلفزيون المغربي في شهر رمضان تثير سجالاً بين جمهور يؤيدها وجمهورآ خر يجد فيها تكرارا فنياً، ويطالب بتجديدها. ونتيجة لهذا السجال، وجد بعض الفنانين الكوميديين الحل في تقديم أعمالهم عبر اليوتيوب وسواه من وسائل التواصل.

اعلى غرار مختلف الشاشات العربية يقدم التلفزيون المغربي خلال شهر رمضان مجموعة من البرامج الترفيهية. وبقدر ما تحظى هذه البرامج بعدد كبير من المشاهدات تحظى بالقدر ذاته من الانتقادات على اعتبار أن غالبيتها تتناول مواضيع سطحية وعابرة وتقوم على مبدأ إضحاك الناس بأي وسيلة، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالأدوار الريفية، إذ يغالي الممثلون في الحركات واللهجة المتعلقة بالرجل البدوي والمرأة البدوية. وقد أصبح موضوع الحياة في البادية لصيقاً بعدد من الفنانين والفنانات، إذ صار من الصعب أن يحققوا الحضور والتداول خارج الأدوار المتعلقة بهذا الموضوع. ويبدو أن أعمالاً قليلة جداً، ومعها ثلة محدودة من الوجوه الفنية، هي التي تنجو كل سنة من وابل الانتقادات التي تحملها صفحات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الصحافة الوطنية في شقيها الورقي والإلكتروني.

وإذا كانت التلفزة المغربية قد فتحت الباب للفن من أجل ممارسة النقد الاجتماعي، وتبليغ رسائل ذات طابع إنساني، وتوجيه المشاهدين إلى التحلي بثقافة وطنية، فإنها في المقابل ضيقت المداخل على الفن الذي ينتقد الفساد الإداري في مؤسسات الدولة. ويبدو أن هذا هو السبب الأساس الذي جعل الفنان المغربي محمد باسو ينقل سلسلته الجديدة "الكالة" خارج التلفزيون المغربي، ويبثها على منصة تحميل الفيديوهات "يوتيوب"، وهو الذي تعود المغاربة على متابعة أعماله الفنية في القنوات الوطنية، خصوصاً القناتين الأولى والثانية، وهما الأكثر مشاهدة في المغرب.

العبثية في تدبير الشأن العام

لا تتجاوز كل حلقة من حلقات سلسلة "الكالة" سبع دقائق من الأداء المكثف والسريع، وتعالج ظاهرة الوساطة في الحياة العامة، وتوظيف العلاقات والرشى والخدمات المتبادلة من أجل قضاء الأغراض والمصالح الإدارية، وهي تتطرق إلى مجموعة من الإجراءات ذات الطابع الإداري التي تتم خارج القانون، وضد قيم المساواة والشفافية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

ويشير مفهوم "الكالة" في الثقافة المغربية الشعبية إلى الوسيط، أو الشخص الذي يعتمد عليه من أجل السند وحماية الظهر وتوفير الفرص في المصالح العمومية. ويؤدي هذا النوع وظائف السمسرة، لكن بطرق ملتوية تعتمد على الوجاهة والمحسوبية والزبونية، فضلاً عن المقابل المادي.

في قالب كوميدي ينتقد باسو الريع وتبذير الموازنات العامة وشراء الأصوات في الانتخابات وشراء الإعلام والمنافسة على المشاريع العمومية، كما ينتقد طرق التوظيف والاستفادة من الدعم والمنح والصفقات العمومية وشراء الشواهد الجامعية، وغيرها من الظواهر والمواضيع التي تشكل نقاطاً سوداء في الحياة العامة. وتتوقف السلسلة أيضاً عند التحكم السلبي للمجالس المنتخبة في الرياضة والفن والمرافق العمومية.

تقوم السلسلة الجديدة لباسو على مبدأ الممثل الفرد، والمشهد الوحيد، إذ يجلس الوسيط في مكتبه محاطا بعدد هائل من السجلات، ويجري مكالمات لا حصر لها. ولا يظهر في الصورة سوى المكتب والكرسي وخزانة الملفات في الخلفية، مع هواتف ثابتة ومحمولة ووثائق عديدة. والعمل الأساس الذي يقوم به الممثل هو إجراء مكالمات أو الرد عليها. والواضح أن الوسيط يتقلد مسؤولية إدارية أيضاً، فهو لا يكف عن ختم الأوراق والملفات والوثائق، لكن عملية الختم تتم بطريقة غريبة تترجم العبث الذي تعرفه مجموعة من الإدارات الرسمية. وامتداداً لهذه الروح العبثية يضع سي "الكالة" قنينة من النبيذ أحياناً فوق أسفل المكتب وأحياناً فوقه، وفي أحايين أخرى على الرفوف الخلفية، ويصب منها الكأس تلو الأخرى، في إشارة إلى أن عملية تدبير الشأن العام تتم أحياناً خارج منطق العقل، وأن عدداً من المسؤولين يتخذون قرارات تهم مصالح ومصائر المواطنين بصورة عبثية وغير مسؤولة.

تقشف فني ورسائل مباشرة

وتعد سلسلة "الكالة" امتداداً لسلسلة سابقة عنوانها "ناطق غير رسمي" تعتمد تقريباً على الفكرة نفسها، إذ يقف الممثل على منبر الناطق الرسمي للحكومة للإجابة عن أسئلة الصحافيين، وتبرير قرارات الحكومة بصورة كوميدية، وتقوم ردود وتصريحات الناطق "غير الرسمي" على قمع الصحافيين وطمس الحقائق والتمويه والتضليل والتسويف. تقف السلسة على ظاهرة الوعود الحكومية، والخطاب الخشبي الذي لا يتلاءم وانتظارات الناخبين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإن كانت تجربة باسو قد حققت انتشاراً كبيراً وأرقاماً مهمة في نسب المشاهدات، وزادت من شهرة الفنان، غير أنها لم تسلم من النقد. فقد رأى كثر أن الكوميدي المغربي اعتمد خطاباً مباشراً، وبقدر ما تعمق في المحتوى، وأولى العناية الكبرى للرسائل التي تحملها سلسلته الجديدة بقدر ما أغفل الجانب الفني، إذ يمكن للعرض بممثل واحد ومشهد متكرر من وقوع العمل الفني في شرك النمطية. وربما يعود هذا التقشف الفني إلى كون العمل المعروض على منصة تحميل الفيديوهات، خارج سباق الأعمال التلفزيونية، بالتالي فهو غير مدعوم مادياً من شركات الإنتاج التي تستفيد من الدعم العمومي. ويطرح هذا الموضوع مشكل الرقابة في التلفزيون المغربي على الأعمال التي تشاكس الحياة السياسية، وتتخذ من سلبيات الإدارة العمومية والمجالس المنتخبة موضوعاً لها.

اللافت أن الفنان المغربي محمد باسو (مواليد 1985 بمدينة زاكورة جنوب المغرب) يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، لكنه يعمل في مجال الصناعة التقليدية، وتحديداً في صناعة الفخار، وهي حرفة والده. وقد عرفه الجمهور من خلال برنامج اكتشاف المواهب الفكاهية على التلفزيون المغربي "كوميديا"، إذ فاز باللقب سنة 2009. وشارك بعدها في سلاسل فكاهية عدة: "أولاد علي" و"قهوة نص نص" و"فلوكة" و"دايزو القوام" و"نهار مبروك" و"راتراباج"، وغيرها.

بسلسلته الجديدة "الكالة"، وقبلها "ناطق غير رسمي"، يعيد باسو إلى الحضور تجربة الكوميديا السياسية التي عرفت انحساراً كبيراً في المغرب خلال السنوات السابقة، والتي انتهت مع الأجيال الجديدة، حيث لم يعد الكوميديون المغاربة يتطرقون لقضايا الشأن العام في البلاد إلا لماماً، ومن أخف الأبواب.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون