Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تزال إسرائيل دولة بلا حدود

يرى مراقبون أنه لا فرص حقيقية في المدى المنظور لإقامة "فلسطين" بالحد الأدنى من المقومات

إسرائيليون يصلون على جبل الزيتون المطل على مجمع المسجد الأقصى (أ ف ب)

ملخص

تعد الحدود السياسية لإسرائيل من أكثر الأمور المثيرة للجدل عالمياً حتى اليوم لأنها منذ إنشائها عام 1948 لم تعلن حدودها الرسمية بالكامل.

لم يكن دخول البريطانيين مدينة القدس في الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) 1917، نهاية الحكم العثماني لفلسطين الذي استمر أربعة قرون وبداية الانتداب البريطاني وحسب، بل اللحظة الحاسمة التي أيقن فيها اليهود من حول العالم، أن وعد بلفور بتأسيس وطن قومي لهم في فلسطين يتحقق، وأن خرائط العالم ستتغير، ومعها الديموغرافيا والرواية والتاريخ.

من هنا بدأت خرائط العالم تتغير بإقامة مستوطنات في مناطق استراتيجية على شكل مجتمعات مغلقة "غيتو"، تركزت في المناطق التي لم يسكنها اليهود من قبل، لتشمل أوسع مساحة جغرافية ممكنة، وتوسعت أملاك اليهود في منطقة القدس وبئر السبع والنقب الشمالي ومنطقة غزة، إلى أن تمكنوا خلال الفترة ما بين 1939 و1948 من تأسيس 79 مستوطنة على مساحة تجاوزت ملياري متر مربع.

وتعد الحدود السياسية لإسرائيل من أكثر الأمور المثيرة للجدل عالمياً حتى اليوم، لأنها منذ إنشائها عام 1948 لم تعلن حدودها الرسمية بالكامل.

قرار التقسيم

حتى عام 1918 لم يتجاوز مجموع ما كان يملكه اليهود من أراض 240 مليون متر مربع، التي شكلت آنذاك ما نسبته 1.56 في المئة فقط من إجمالي أرض فلسطين، وما إن صدر قرار التقسيم، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 الذي نص على إنهاء الانتداب البريطاني، وتقسيمها إلى دولتين، منح اليهود الذين لم يتجاوز عددهم ثلث السكان ولم يمتلكوا سوى سبعة في المئة من الأراضي آنذاك، ما يربو على 56 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27 ألف كيلومتر مربع.

 

 

شملت المنطقة المخصصة لليهود السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي، بما فيها بحيرة طبريا، وإصبع الجليل، وصحراء النقب، بمساحة 14.1 ألف كيلومتر مربعاً وسكان عددهم 498 ألف يهودي و497 ألف عربي.

فيما خصص للدولة العربية 11.1 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 43 في المئة فقط من أراضي فلسطين وضمت الضفة الغربية ومنطقة الجليل الغربي وعكا والساحل الجنوبي من شمال مدينة أسدود حتى رفح جنوباً، إضافة إلى جزء من الصحراء المحاذية لمصر، في حين نص القرار على أن تصبح القدس وبيت لحم مدناً تحت إدارة دولية، تقوم على إدارته الأمم المتحدة، وخصص للمدينة وضواحيها التي كان يسكنها 205 آلاف شخص، ومنهم 100 ألف يهودي 117 كيلومتراً مربعاً.

منع التسلل

ما إن أعلن العرب والفلسطينيون رفضهم قرار التقسيم،، حتى شكلوا "جيش الإنقاذ"، لطرد الجماعات اليهودية من فلسطين، ومع عشية انتهاء الانتداب البريطاني في الـ14 من مايو (أيار) 1948، وإعلان القيادة اليهودية إنشاء دولة إسرائيل، وارتكاب المنظمات اليهودية مثل الهاغانا والبلماخ والأرغون والشتيرن المجازر في حق الفلسطينيين وتهجيرهم ومصادرة أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم، الذي يؤرخه الفلسطينيون بيوم النكبة، دخل حلف من أربعة جيوش عربية (مصر وسوريا والعراق والأردن) في حرب مع إسرائيل عرفت بحرب "تحرير فلسطين"، انتهت بضم إسرائيل كامل النقب والجليل وشمال فلسطين، واستحوذت على مساحات كبيرة من الأراضي، مع سيطرة كاملة على الساحل الفلسطيني باستثناء غزة التي دخلت تحت السيطرة المصرية، في حين أصبحت القدس الشرقية والضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لتقرير مركز حقوق السكن والتهجير بالاشتراك مع مركز البديل الفلسطيني، سيطرت إسرائيل ابتداء من عام 1949 على ما يقارب من 20 ألف كيلومتر مربع من أراضي فلسطين الكلية التي كان الفلسطينيون يملكون 90 في المئة منها إما بشكل فردي أو جماعي.

كما منعت من خلال قانون "منع التسلل" الذي شرعته عام 1954، مهجري الداخل الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم، الذين كانوا يطردون منها، في حال ضبطهم "متسللين" مثلما جاء في نص التقرير.

ومع تجاهل إسرائيل خطة التقسيم واجتياحها مدينة القدس 1948 وسيطرتها على 84 في المئة من مساحة المدينة، رحل أو طرد نحو 20 ألف مسلم ومسيحي مقيمين في القدس الغربية من منازلهم من دون عودة، وأصبح 4.5 في المئة المتبقية من حدود القدس لعام 1948 "منطقة حرام" أي عازلة.

التغيير الأكبر

في الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967 وبعد أقل من عقدين على نشأتها، تمكنت إسرائيل في حرب استمرت ستة أيام فقط من هزيمة الجيوش العربية (مصر وسوريا والأردن) والسيطرة على القدس الشرقية والضفة الغربية فضلاً عن معظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، واستولت بذلك على 69347 كيلومتراً مربعاً من مساحة الأراضي العربية، التي شكلت أكثر من ثلاثة أضعاف الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في حرب عام 1948، محققة بذلك نتائج مهمة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فعند الجبهة الأردنية، سيطرت إسرائيل على كامل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وبسطت نفوذها على مساحة 5878 كيلومتراً مربعاً وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كيلومتراً إلى 480 كلم.

أما على الجبهة السورية فاستولت إسرائيل على 1158 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كيلومتراً مربعاً، وهو ما أجبر قرابة 100 ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا، ومكنها استيلاؤها على شبه جزيرة سيناء وسيطرتها على 61948 كيلومتراً مربعاً من تحسين وضعها الاستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية، بخاصة أن مرتفعات الجولان ونهر الأردن وقناة السويس تملك موانع جغرافية طبيعية.

 

 

 

وعلى رغم انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء بموجب اتفاق السلام مع مصر عام 1979، وتوصلها لمعاهدة "وادي عربة" للسلام مع الأردن عام 1994 وترسيم حدودها مع كلا البلدين، شكل السيطرة على القدس الشرقية عام 1967 وضمها للقدس الغربية حدثاً تاريخياً ودينياً غير مسبوق للإسرائيليين، يعد الأكبر منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ووفقاً لموقع وزارة الخارجية الفلسطينية، صادرت إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1967 على نحو 34 في المئة من أراضي القدس الشرقية "للاستخدام العام" وخصصت ما نسبته 53 في المئة أخرى من أراضي القدس الشرقية للمستوطنات أو حددتها "كمناطق خضراء" فيما أقدمت بلدية القدس على ضم 1.3 في المئة من الأراضي لنطاق صلاحياتها.

ولم يستطع الفلسطينيون على أثر ذلك، العيش والبناء سوى على 13 في المئة فقط من أراضيهم شرقي القدس. ومع إصدار الحكومة الإسرائيلية "القانون الأساسي" في عام 1980، توسعت الصلاحيات لتشمل القدس الشرقية، وانتهكت محاولة الضم هذه الحظر القانوني الدولي على الاستيلاء على الأراضي بالقوة وأعلن أنها "بلا شرعية قانونية" من قبل مجلس الأمن الدولي.

وقائع جغرافية

على رغم من تنفيذ إسرائيل "قانون الانسحاب" أو ما يعرف بخطة فك الارتباط الأحادية من قطاع غزة عام 2005، مع الإبقاء على حصاره جوياً وبحرياً وبرياً، لا تزال الدولة العبرية وفقاً للقانون الدولي تسيطر على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية.

وتؤكد دراسات وأبحاث، أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المتواصل منذ عام 1967، أدى إلى مصادرة أكثر من 40 في المئة من مساحة الضفة البالغة نحو خمسة آلاف و760 كيلومتراً مربعاً، لمصلحة إنشاء المستوطنات والطرق الالتفافية التي تربط بينها بطول 980 كيلومتراً.

وبلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية حالياً نحو 471 موقعاً، تتوزع بواقع 151 مستوطنة و26 بؤرة وأحياء تابعة لمستوطنات قائمة، و150 بؤرة رعوية وزراعية، و144 موقع مصنف كمناطق صناعية وسياحية وخدماتية ومعسكرات للجيش.

إلى جانب تلك المساحة، صادرت إسرائيل 18 في المئة من مساحة الضفة الغربية، لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري، إضافة إلى جدار الضم والتوسع الذي عزل أكثر من 12 في المئة من مساحة الضفة، وصادرت السلطات الإسرائيلية منذ عام 1967 نحو 353 مليون متر مربع من الأراضي الفلسطينية وصنفتها "محميات طبيعية".

وعلى رغم انخراط منظمة التحرير الفلسطينية في عملية سلام مع إسرائيل عام 1993، وإنشاء السلطة الفلسطينية لتحكم أجزاء من الأراضي الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، واصلت تل أبيب بسط سيطرتها القوية على الأرض، إذ أكدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان قبل أيام، أن إسرائيل صادرت نحو 27 مليون متر مربع من أراضي الضفة الغربية وأخضعت للدراسة 52 مخططاً هيكلياً استيطانياً، وأجبرت 25 تجمعاً فلسطينياً على الرحيل منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023. ووفقاً لبيانات الهيئة الفلسطينية الرسمية، تبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية الخاضعة فعلياً للإجراءات الإسرائيلية 2380 كيلومتراً مربعاً وهي تشكل 42 في المئة من مجمل مساحة أراضي الضفة الغربية، و69 في المئة من مجمل المناطق المصنفة (ج)، التي تخضع للحكم العسكري الإسرائيلي.

ويرى مراقبون ومتخصصون في الشأن الفلسطيني، أنه لا فرص حقيقية في المدى المنظور لإقامة دولة فلسطينية بالحد الأدنى من المقومات، في ظل انسداد أفق الحل السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتصاعد إجراءات مصادرة مزيد من الأراضي بلا قيد أو حدود، بخاصة أن إسرائيل تتحكم كلياً في معظم أراضي الضفة الغربية وتسيطر عسكرياً عليها، وتتوسع استيطانياً في المناطق المصنفة (ج)، في حين تسيطر السلطة الفلسطينية جزئياً على مراكز المدن من دون سيادة أمنية تامة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير