Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصبح آسيا الوسطى معقلا جديدا لـ"داعش"؟

لا تزال طاجكستان وجهة مهمة للإسلاميين الأفغان وتوفر الحدود الطويلة فرصاً كبيرة لتهريب المخدرات مما يدر دخلاً ثابتاً

عناصر من تنظيم داعش الإرهابي بإحدى الدول الآسيوية (مواقع التواصل)

ملخص

يبدو أن مخططات المتطرفين لتنفيذ عمليات في روسيا لا تقتصر على المهاجرين الآتين من طاجكستان بل تمتد لتشمل متطرفين روساً يعيشون في القوقاز.

مساء 22 مارس (آذار) 2024، اقتحم أربعة مسلحين مجمع كروكوس في ضاحية العاصمة الروسية وفتحوا النار على الناس وأضرموا النار في المبنى. وبحسب آخر البيانات بلغ عدد ضحايا الهجوم الإرهابي 144 شخصاً ونحو 200 جريح لا يزال 80 منهم في المستشفيات.

في اليوم التالي للهجوم الإرهابي أبلغ مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (الاستخبارات) ألكسندر بورتنيكوف الرئيس فلاديمير بوتين أنه اعتُقل 11 شخصاً غالبيتهم يحملون جوازات سفر طاجيكية، من بينهم أربعة مشاركين مباشرين في الهجوم.

ثم بعد يومين، بدأت محكمة باسماني إجراءات محاكمة أربعة متهمين في القضية، وهؤلاء هم: داليرغون باروتوفيتش ميرزويف، وسيدكرامي مورودالي راشاباليزودا، ومحمد سوبير فايزوف، وشمس الدين فريدوني، وجميعهم يواجهون عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة.

وتعتقد لجنة التحقيق أن فريدوني جند اثنين آخرين هما أمينشون وديلوفار إسلاموف في الجماعة الإرهابية، فجرى اعتقالهما مساء 25 مارس 2024.

وفي كلمة له، قال بوتين إن الإرهابيين "كانوا يتجهون نحو أوكرانيا، حيث تم، وفقاً للبيانات الأولية، إعداد نافذة لهم على الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة"، موضحاً أن هذا الهجوم الدموي "لا يمكن أن يكون إلا حلقة في سلسلة كاملة من المحاولات التي يقوم بها أولئك الذين يقاتلون" مع روسيا منذ عام 2014.

بدورها، قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، نهاية الشهر الماضي، إن إجراءات التحقيق أظهرت أن مسار الهجوم على قاعة مدينة كروكوس والهجمات الإرهابية الأخرى في الاتحاد الروسي تشير إلى تورط أوكرانيا، موضحة أن موسكو طالبت كييف باعتقال وتسليم جميع المتورطين.

وجاء في بيانها، "إن العمل الإرهابي الدموي الذي وقع في 22 مارس في مدينة كراسنوغورسك وصدم العالم أجمع، ليس أول هجوم إرهابي ضد بلدنا في الآونة الأخيرة. التحقيقات التي أجرتها السلطات المتخصصة تشير إلى أن آثار كل هذه الجرائم تقود إلى أوكرانيا".

مطلب روسي

وفي هذا الصدد، نقلت وزارة الخارجية الروسية إلى السلطات الأوكرانية مطالبها، في إطار الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، بالاعتقال الفوري وتسليم جميع الأشخاص الذين تم اعتقالهم فوراً.

ومن بين هذه المطالب اعتقال رئيس جهاز أمن الدولة فاسيلي ماليوك الذي اعترف بسخرية في 25 مارس 2024 بأن أوكرانيا نظمت تفجير جسر القرم في أكتوبر (تشرين الأول) 2022. وكشف تفاصيل تنظيم هجمات إرهابية أخرى في الاتحاد الروسي.

بحسب الخارجية الروسية، فإن مكافحة الإرهاب الدولي مسؤولية كل دولة، مشددة على أنه إضافة إلى ذلك، تطالب موسكو نظام كييف بالوقف الفوري لأي دعم للأنشطة الإرهابية، وتسليم الجناة وتعويض الأضرار التي لحقت بالضحايا.

 

 

وأشار السلك الدبلوماسي الروسي إلى أن "انتهاك أوكرانيا لالتزاماتها بموجب اتفاقيات مكافحة الإرهاب سيستلزم مسؤوليتها القانونية الدولية".

وفي الوقت الذي نفت فيه أوكرانيا تورطها في الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية الروسية، وجهدت الولايات المتحدة وبريطانيا لتبرئتها من التورط في هذه العملية الإرهابية، تصر القيادات الروسية على أن كييف استخدمت أصوليين إسلاميين متطرفين لشن هذا الهجوم الإرهابي، على رغم انتقال محققيها إلى طاجكستان الدولة الفقيرة الواقعة في آسيا الوسطى للكشف عن مزيد من الخيوط والخلايا الإرهابية النائمة والكامنة في هذا البلد المجاور لأفغانستان، الذي يدين معظم سكانه بالإسلام على المذهب الحنفي.

إرهاب في روسيا واعتقالات في طاجكستان

غداة العملية الإرهابية الدموية في موسكو، أعلن مصدر أمني طاجيكي أنه في إطار التعاون مع الأمن الفيدرالي الروسي اعتقل تسعة أشخاص في إحدى ضواحي العاصمة دوشنبه، بتهمة ارتباطهم بمنفذي هجوم "كروكوس" الإرهابي. وقال إن المعتقلين يواجهون أيضاً تهماً تتعلق بصلتهم بتنظيم "داعش" الإرهابي.

من جهتها، نقلت قناة "آر تي" التلفزيونية الروسية عن مصدر قوله إن من بين المعتقلين في طاجكستان أقارب أحد المهاجمين على قاعة "كروكوس" داليرغون ميرزويف وأصدقاؤهم.

وعلى رغم ذلك، أعلن رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف أن التحقيق الأولي يشير إلى وقوف الولايات المتحدة وبريطانيا وأوكرانيا وراء الهجوم.

وأكد مصدر في الهيئات الأمنية الطاجيكية أنه تم فور ارتكاب العمل الإرهابي في موسكو التحقيق في دوشنبه مع أقارب منفذي هجوم "كروكوس" وأخذ إفاداتهم، مشدداً على أن سير التحقيق مع أقارب المجرمين، يخضع لإشراف شخصي من رئيس طاجكستان إمام علي رحمون، وهو يتلقى يومياً جميع المعلومات حول سير العمل والتدابير المتبعة خلال التحقيق الجاري في دوشنبه حول هجوم كروكوس الإرهابي.

وأضاف أن جميع المتهمين، قبل مغادرتهم إلى روسيا، كانوا يعيشون بالقرب من دوشنبه، في مدن فاهدات وجيسار ومنطقة روداكي.

ويبدو أن مخططات المتطرفين لتنفيذ عمليات في روسيا لا تقتصر على المهاجرين الآتين من طاجكستان، بل تمتد لتشمل متطرفين روساً يعيشون في القوقاز، إذ أعلنت لجنة مكافحة الإرهاب الروسية نهاية مارس الماضي، عن اعتقال ثلاثة مسلحين بعملية أمنية خاصة في مدينة كاسبيسك بداغستان.

وجاء في بيان صدر عن اللجنة أن المعتقلين خططوا لهجمات إرهابية، وضبطت في أماكن اعتقالهم أسلحة آلية وذخائر وعبوات ناسفة، مؤكدة عدم وقوع إصابات بين المدنيين ورجال الأمن.

كما أعلنت اللجنة محاصرة الأمن الفيدرالي أفراد مجموعة إرهابية في عدة شقق بأحياء سكنية في مدينتي محج قلعة وكاسبيسك بجمهورية داغستان القوقازية الواقعة قرب الشيشان.

جذور الحركات الأصولية في طاجكستان

تنشط "الحركة الإسلامية" والمجموعات الأصولية المتطرفة في طاجكستان الجمهورية السوفياتية السابقة منذ استقلالها عام 1991، أي قبل تأسيس تنظيمي "القاعدة" و"داعش" وظهورهما إلى حيز الوجود، وبدأ نشاط خلاياها الأولى في منطقة أسفرة المتاخمة لأوزبكستان، ثم انتشر بقوة إلى باقي أقاليم ومحافظات طاجكستان.

ومع أن عدد الإجراءات القانونية ضد أنصار المنظمات والحركات الدينية المحظورة في البلاد زاد 10 أضعاف في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا لم يقض عليها ولم يؤثر كثيراً على نشاطها السري.

ويشير نشطاء حقوق الإنسان إلى انتهاكات متعددة خلال التحقيقات في "القضايا الدينية". ووفقاً للمراقبين، فإن السلطات الطاجيكية غالباً ما تبالغ عمداً في تضخيم تأثير الجماعات الإسلامية المسلحة الصغيرة وغير المعروفة، بالتالي تحاول تأكيد دورها في المنطقة في أعين الغرب. ومع ذلك، فإن الإجراءات القسرية غير الفعالة التي تتخذها السلطات لا تؤدي إلا إلى زيادة عدد مؤيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة.

وبحسب مكتب المدعي العام، جرى فتح 196 قضية جنائية العام الماضي ضد مشتبه في انضمامهم إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفة وتورطهم في عمليات خارج البلاد.

تنظيمات عنقودية سرية

تعترف المحكمة العليا في طاجكستان بأنه منذ بدء السلطات بملاحقة الجماعات الأصولية المتطرفة، كان جميع المتهمين بالانضمام إلى حركات أصولية متطرفة في البلاد من مواطني طاجكستان، وأن التهم التي وجهت إليهم كانت تنظيم جماعات متطرفة محظورة في البلاد والمشاركة فيها.

كما أن تشديد السلطات الإجراءات الأمنية بسبب المخاوف من الهرب وكثرة عدد المتهمين خلال السنوات الأخيرة، لم يسفر عن التعرف إلى القيادات التي تقف وراء هذه الجماعات وتنظيمها وتمويلها.

وتقول المحكمة، "يعترف المتهمون أنفسهم جزئياً بذنبهم، ولا ينكرون أنه تم تجنيدهم في أحد التنظيمات السرية، لكنهم، بحسب قولهم، لم يعرفوا حتى لحظة اعتقالهم أي تنظيم ينتمون إليه".

 

 

إضافة إلى ذلك، لم يكن لديهم معلومات حول الأشخاص الذين تعاونون معهم. ولم يعلم المتهمون أن هؤلاء كانوا نشطاء في حركة محظورة في طاجكستان إلا أثناء التحقيق.

وفي الوقت نفسه ينكرون الاتهامات بالتورط في جرائم خطرة ارتكبت في أوقات سابقة، بما في ذلك جرائم قتل وتفجير.

وتتميز منطقة أسفرة في طاجكستان، حيث ينحدر المتهمون، بالتدين العالي منذ العهد السوفياتي. علاوة على أن الجيوب الطاجيكية الموجودة في هذه المنطقة بعيدة عن المناطق الوسطى من الجمهورية، ومن المستحيل عملياً السيطرة على المناطق الجبلية التي يصعب الوصول إليها من قبل السلطات.

الحرمان والتطرف

يقول المتخصص في الشأن السياسي بارفيز مولوغونوف، "لوحظ بالفعل مستوى معين من التطرف في جميع أنحاء منطقة آسيا الوسطى، لكنه لا يرتبط بعملية الأسلمة، بل بتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي للناس في هذه البلدان"، مضيفاً أن "السبب الرئيس للتطرف هو القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي لم يتم حلها وفي الفساد".

وفقاً لبمولوغونوف، غالباً ما يتحدر الأشخاص الأعضاء في الجماعات المتطرفة من عائلات مزدهرة تتمتع بثروات مادية، وعلى سبيل المثال، رواد الأعمال المتعلمون الذين لا يستطيعون تحقيق أنفسهم بسبب الفساد المنهجي وعديد من الحواجز الإدارية.

وخلال السنوات القليلة الماضية، تم اعتقال معظم المشتبه في تورطهم في الجماعات الإسلامية المحظورة في شمال البلاد أو كان المعتقلون من مواطني هذه المنطقة.

ويرتبط هذا في دوائر المتخصصين بقرب وادي فرغانة، الذي يطلق عليه بشكل متزايد مركز نشاط المنظمات المتطرفة الدولية في آسيا الوسطى.

وتباعاً تم حظر العشرات من الأحزاب والحركات الدينية في طاجكستان، بما في ذلك حزب التحرير والسلفية و"الحركة الإسلامية" في أوزبكستان المجاورة، التي تم الاعتراف بها كمنظمة إرهابية في آسيا الوسطى تهدف إلى الاستيلاء على السلطة بالعنف وإقامة نظام ثيوقراطي في أوزبكستان.

ومنذ بداية عام 2009، جرت عشرات المحاكمات في البلاد ضد نشطاء مزعومين ينتمون إلى جماعات ومنظمات إسلامية محظورة. ويشير نشطاء حقوق الإنسان إلى أن هذه المحاكمات، كقاعدة عامة، تجري خلف أبواب مغلقة، في انتهاك للتشريعات الحالية في البلاد، وبوجود عدد كبير من المتهمين.

ومن بين المحاكمات الجماعية الأكثر شهرة القضية المرفوعة ضد 56 عضواً في منظمة جماعة "التبليغ الإسلامية" المحظورة في عام 2009، وقضية الهجوم على مبنى الإدارة الإقليمية لمكافحة الجريمة المنظمة في مدينة خوجاند في عام 2009. وفي سبتمبر (أيلول) 2010، إذ اتهم 53 شخصاً. وفي كلتا الحالتين، حكم على جميع المشاركين في العملية بالسجن لفترات طويلة.

تقول المحامية فايزينيسو فاكيدوفا، "منذ عام 1999، عندما بدأت الاعتقالات الجماعية في ما يسمى بالقضايا الدينية، لم تكن هناك تبرئة واحدة. وإذا حللت الممارسة القضائية العامة على مدى السنوات الست إلى السبع الماضية، فستجد أنه لا يوجد أي تبرئة على الإطلاق".

وتشير المحامية إلى أن هذا يترك انطباعاً بأن هناك تعليمات غير رسمية من أعلى بعدم إصدار أحكام بالبراءة على الإطلاق.

القوة لا تساعد

إن تكثيف الحركات الدينية المتطرفة السرية في طاجكستان، وسلسلة من الهجمات الإرهابية التي يرتكبها الإسلاميون، كل هذا يسبب قلقاً شديداً للسلطات الطاجيكية.

ومع ذلك، فإن اللجوء إلى الحلول العسكرية للمشكلة لم يحقق نتائج ملموسة بعد، بل على العكس من ذلك، فإن هذا لا يؤدي إلا إلى تعزيز المشاعر المتطرفة بين الجزء الديني من سكان البلاد.

ويجد المتخصصون صعوبة في الإجابة على مدى انتشار الحركات الإسلامية المتطرفة في آسيا الوسطى. وتعمل معظم هذه المجموعات تحت الأرض، ويقدر عدد مقاتلي "الحركة الإسلامية" في طاجكستان بثلاثة آلاف مقاتل. ويعتقد المحللون أن مثل هذه الجماعات لا يمكن أن تشكل تهديداً أمنياً خطراً لدول المنطقة، لكن الناشطين الدينيين يمكنهم الاستفادة من الأخطاء التي ترتكبها حكومات هذه الدول.

ويقول المحلل بارفيز مولوغونوف إنه "من المستحيل القيام بثورة إسلامية تحت الأرض، لكن الجماعات المتطرفة يمكنها الاستفادة من الوضع، وذلك بفضل تنظيمها وتوافر الأموال. على سبيل المثال، المحاكمة الأخيرة. لا أعتقد أن المتهمين هم إسلاميون متحمسون".

وتابع، "لقد انتهى الأمر بعديد منهم من طريق الخطأ في هذه المنظمات. لا يمكنك الحكم على المنظمين والمشاركين على حد سواء".

ويعتقد الناشط المعروف في مجال حقوق الإنسان شوخرات كودراتوف أن الدولة نفسها، وفي كثير من الأحيان من دون أن تدرك ذلك، تساعد الناشطين السريين على تجنيد مؤيدين جدد. وفي رأيه فإن شدة العقوبة لا تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع وزيادة تطرف المجتمع.

ويضيف كودراتوف قائلاً "إن أحكام السجن الطويلة بتهم ملفقة تجعل السجناء انتقاميين وأعداء للدولة في نهاية المطاف. فعندما يكون الإسلاميون أحراراً، يعملون تحت الأرض، وعندما يذهبون إلى السجن، فإنهم ينشرون أفكارهم علانية، ويصبح عديد من زملاء الزنزانات من أتباعهم. وتبين أن مزيداً من الإسلاميين يخرجون من السجون أكثر تطرفاً، فيما تثبت السلطات الطبيعة الهائلة للعمليات، لكنها لا تفكر في عواقب ذلك".

وفي الوقت نفسه أصبح تأثير الإسلام ملحوظاً بشكل متزايد في المجتمع الطاجيكي. وتكثفت عملية الأسلمة، لكن كثيرين يعتبرون هذه الظاهرة عملية طبيعية لجميع الجمهوريات الآسيوية السوفياتية السابقة.

أسلمة ثابتة

في الوقت نفسه، فإن رجال الدين المسلمين الرسميين، الذين تسيطر عليهم السلطات، لا يتمتعون بشعبية، بخاصة بين الشباب، على عكس رجال الدين الشباب الذين تلقوا تعليمهم في الدول الشرقية.

وتحاول السلطات الطاجيكية السيطرة على خريجي الجامعات الإسلامية الأجنبية العائدين إلى وطنهم بعد التخرج. وفي العاصمة دوشنبه، يعتقد أن عدداً من المراكز الإسلامية لها توجهات متطرفة.

ويقول الباحث الإسلامي فاروق عمروف، "إن خطر التطرف موجود والأحداث التي وقعت في شرق طاجكستان قبل عامين، والهجمات الإرهابية في البلدان المجاورة، والصراعات العرقية دليل على واقع الحركة السرية المتطرفة. وبعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان، ظلت هذه التهديدات قائمة وازدادت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً له، فإن التطرف يتأثر بالعوامل الجيوسياسية والداخلية، مضيفاً أن "الإسلام في شكله الراديكالي تحول إلى أداة لتحقيق المصالح الجيوسياسية، فأُنشئت عديد من الجماعات الإسلامية المعروفة لدينا لزعزعة استقرار الوضع في بعض البلدان التي تشكل أهدافاً للمصالح الجيوسياسية لدول إقليمية أو قوى عظمى".

ومضى في حديثه، "وفي آسيا الوسطى، هناك تضارب ملحوظ في المصالح بين روسيا والولايات المتحدة وباكستان والهند. على سبيل المثال، تعمل باكستان على تطوير مفهوم (العمق الاستراتيجي)، الذي بموجبه ينبغي للدول الإسلامية في آسيا الوسطى أن تصبح عمقاً استراتيجياً لصراع باكستان من أجل جامو وكشمير".

وأشار إلى أن القوى المتصارعة بإمكانها استخدام القوى المتطرفة لمصلحتها، وأنه يتم اعتقال أنصار الحركات الإسلامية المحظورة في طاجكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، لكنهم يفرخون من جديد.

ووفقاً للمتخصصين، فإن لدى السلطات أسباباً للخوف من أن تصبح الجماعات الإسلامية أكثر نشاطاً عندما يعود العمال المهاجرون إلى دول آسيا الوسطى.

ومع ذلك، فإن المراقبين واثقون من أن الحل العسكري والبوليسي للمشكلة والحظر الصارم من جانب السلطات لن يحقق النتائج المرجوة، بل لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع وتعزيز المشاعر المتطرفة في المجتمع.

بؤر التطرف والصراع الدولي

كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" ووكالة "رويترز" بعد الهجوم مباشرة في موسكو أن تنظيم "داعش" الإرهابي المحظور في روسيا أعلن مسؤوليته عن الهجوم على قاعة مدينة كروكوس، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، رد على ذلك قائلاً، إن رواية تورط هذه المنظمة في الهجوم "ملائمة للغرب".

وتعتقد الاستخبارات الغربية أن كثيراً من المهاجرين المعتنقين للأفكار الراديكالية دخلوا أوروبا عبر أوكرانيا، بحسب ما أشارت صحيفة "Heute" النمسوية في إطار تغطيتها لهجوم "كروكوس" الإرهابي في روسيا.

وقالت الصحيفة إن هذا الاستنتاج يتوافق أيضاً مع نتائج تحقيقات الشرطة مع المشتبه بتورطهم في الإرهاب في فيينا، الذين اعتقلوا صباح 23 ديسمبر (كانون الأول) 2023، في ملجأ للاجئين في شارع تالياشتراسه.

وذكرت الصحيفة أنه وفقاً للمعلومات المتوفرة، خطط مواطن طاجيكي يبلغ من العمر 28 سنة مع زوجته وشريك لهما قبض عليه في ألمانيا، لهجوم على كاتدرائية القديس إسطيفانوس في فيينا باستخدام المتفجرات وبنادق كلاشينكوف.

وكان الزوجان وصلا إلى الاتحاد الأوروبي قادمين من أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وتمكنت أجهزة الاستخبارات الألمانية من اعتراض رسائل مشبوهة في محادثاتهما على شبكات التواصل الاجتماعي، تضمنت أدلة ملموسة على خطط لشن هجمات إرهابية على مدن أوروبية كبرى باسم تنظيم "داعش ولاية خراسان"، وهي ذات الجماعة التي أعلنت مسؤوليتها عن هجوم "كروكوس" الإرهابي بضواحي موسكو، الجمعة الماضي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من غير المرجح أن يكون الموقوفون في فيينا ومنفذو هجوم "كروكوس" يعرفون بعضهم بعضاً، لكن جميعهم تصرفوا على ما يبدو تحت راية نفس التنظيم الإرهابي.

وأكدت السلطات الروسية أن هجوم "كروكوس" نفذ بأيدي "إسلاميين متطرفين"، لكنها تشكك في أن يكون "داعش" هو الجهة التي تقف فعلاً وراء الهجوم.

في 26 مارس 2024، أجاب أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، عندما سئل عمن شارك في الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس، "بالطبع، أوكرانيا".

خلال اليوم نفسه، قال مدير الاستخبارات ألكسندر بورتنيكوف إن الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس كان يستعد له إسلاميون متطرفون، لكن الخدمات الخاصة الأوكرانية كانت متورطة في الهجوم. ووفقاً له، كانوا "على الجانب الآخر" يستعدون لاستقبال الإرهابيين "كأبطال". وقال "إن الهجوم الإرهابي في كروكوس كان ضرورياً من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية وأوكرانيا من أجل هز الوضع وإثارة الذعر في المجتمع في روسيا".

فبعد ثلاثة أيام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي عن إنشاء فيلق دولي للدفاع الإقليمي لجذب المتطوعين من الخارج. وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية الربيع الماضي إن أكثر من 20 ألف شخص من 52 دولة عبروا عن رغبتهم في الانضمام إليه، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" وصفت هذا الرقم بأنه مبالغ فيه.

وتعتبر السلطات الروسية المتطوعين الأجانب الذين يقاتلون لصالح القوات المسلحة الأوكرانية من المرتزقة.

وذكرت السلطات الروسية مراراً وتكراراً أن الإسلاميين المتطرفين يقاتلون إلى جانب القوات المسلحة الأوكرانية. وقال مدير جهاز الأمن الفيدرالي ألكسندر بورتنيكوف، في أكتوبر 2023، إن أعضاء "داعش" يقاتلون ضد روسيا كجزء من وحدات إيشكيريا وتتار القرم، مشيراً إلى أن "هؤلاء أيضاً جزء من مجموعات التخريب والاستطلاع التي تُرسل إلى الأراضي الروسية لتنفيذ هجمات وهجمات إرهابية".

وبعد الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس، قال بورتنيكوف إنه على رغم مشاركة إسلاميين متطرفين في الهجوم، فإن أجهزة الاستخبارات الغربية والأوكرانية قد تكون متورطة فيه.

وتابع، "نعتقد ذلك. على أي حال، نحن نتحدث الآن عن الفاتورة التي لدينا. هذه معلومات عامة، لكن لديهم أيضاً إنجازات عظيمة"، رداً على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا وأوكرانيا تقف وراء الهجوم الإرهابي.

وذكرت لجنة التحقيق أن مرتكبي الهجوم الإرهابي على كروكوس تلقوا أموالاً وعملات مشفرة من أوكرانيا. واستبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تورط كييف في الهجوم الإرهابي. وفي رأيه أن السلطات الروسية "تحاول ببساطة إلقاء اللوم في كل شيء على شخص آخر".

هل صارت آسيا الوسطى معقلاً لـ"داعش"؟

يُنظر في التحديات الأمنية التي تواجهها دول ما بعد الاتحاد السوفياتي في آسيا الوسطى من الإسلام الراديكالي، إذ يجري تحليل مشكلات التفاعل بين روسيا والغرب مع دول المنطقة في سياق مواجهة التهديد المتزايد للإسلاميين والإرهاب الدولي. ويولي اهتماماً خاصاً لطاجكستان، التي تبدو تجربتها في هذا المجال الأبرز.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن الهجوم الإرهابي الأخير بالقرب من موسكو يشير إلى تحول في تركيز تنظيم "داعش"، مع ظهور آسيا الوسطى معقلاً جديداً له.

وأوضحت أنه في حين أن عودة "طالبان" إلى كابول في عام 2021 حدت في البداية من عمليات التنظيم، إلا أن الشبكة المسؤولة عن الهجوم الدموي في روسيا وسعت نطاق وصولها إلى المناطق الشمالية من أفغانستان.

وأكدت أن استخدام تطبيق الرسائل المشفرة "تيليغرام" من قبل تنظيم "داعش" في ولاية خراسان، فرعه الأفغاني، لتبني هجوم 22 مارس الماضي في موسكو، كان متوقعاً من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية، لافتة إلى أنه رغم امتناع السلطات الروسية عن الاعتراف بهذا الادعاء، فإن الجماعة تستخدم بشكل متزايد مثل هذه المنصات لتأكيد مسؤوليتها عن الهجمات القاتلة.

ويمثل "داعش" في ولاية خراسان استراتيجية التنظيم الإقليمي بعد خسارته معاقله في العراق وسوريا، حيث تم تسهيل عملية إعادة الهيكلة هذه، بسبب عدم الاستقرار في المنطقة الحدودية الأفغانية الباكستانية.

 

 

 

 وبحسب تقرير للأمم المتحدة تم تقديمه إلى مجلس الأمن خلال يوليو (تموز) 2021، فإن عدد مقاتلي "داعش" في أفغانستان يتراوح بين 500 وعدة آلاف.

وبينت الصحيفة أنه على رغم أن عودة "طالبان" إلى السلطة قللت من نفوذ التنظيم في ولاية خراسان بأفغانستان، فإنها لم تقلل من قدرته العملياتية، مشيرة إلى أنه في وقت لاحق أعاد التنظيم في ولاية خراسان إنشاء قواعد له في دول آسيا الوسطى عبر الحدود.

أفغانستان

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعرب، في أكتوبر 2021، عن مخاوفه في شأن طموحات تنظيم "داعش" في أفغانستان، وإمكانية توسيع نفوذه إلى دول آسيا الوسطى والمناطق الروسية من خلال تأجيج التوترات العرقية والدينية، مشككاً في قدرة حركة "طالبان" الأفغانية على هزيمة هذه الجماعات المسلحة.

وبحسب "لوموند"، اعتمدت "ولاية خراسان" في البداية على المتمردين الذين انفصلوا عن حركة "طالبان" وغيرها من الجماعات المتطرفة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، وسعى هؤلاء المنشقون إلى السيطرة على الأراضي المحلية تحت هذا الشعار الجديد.

ومع تعزيز مقاتلي حركة "طالبان الباكستانية" الذين نزحوا من المناطق القبلية من قبل الجيش الباكستاني، أسس تنظيم "داعش" موطئ قدم له في منطقة أتشين الجبلية في إقليم ننكرهار، ثم توسع في نهاية المطاف إلى المناطق المجاورة المتاخمة لدول آسيا الوسطى.

وأشارت الصحيفة إلى أن مقتل زعيم تنظيم "داعش" أبوبكر البغدادي، في أكتوبر 2019، أدى إلى تسريع توسع التنظيم في آسيا الوسطى، مبينة أن ذلك تجلى من خلال استسلام 1400 فرد للسلطات الأفغانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، يقيمون في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في شمال شرقي أفغانستان.

وكان من بينهم مواطنون من أذربيجان وأوزبكستان وطاجكستان وباكستان وتركيا وجزر المالديف، وحتى مواطنون مزدوجو الجنسية من كندا وفرنسا.

من السهل فهم مخاوف السلطات الروسية، ففي حالة حدوث تطور غير مناسب للوضع في طاجكستان، سيتم تشكيل معقل للإرهاب الإسلامي بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا.

خلال التسعينيات، شهدت هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى حرباً أهلية دامية، واجه خلالها الإسلاميون المتطرفون القوات الحكومية. في تلك السنوات، كانت حركة "طالبان" ترعاهم بشكل نشط، والآن، وبدعم من منظمة أخرى، يبدو أنهم يستعدون لتوسع جديد.

اليوم يتركز الاهتمام مرة أخرى على آسيا الوسطى، التي لديها كل الفرص لتصبح مرة أخرى معقلاً لعدم الاستقرار. إن الإسلاموية الطاجيكية، التي رُوِّضت على ما يبدو في أواخر التسعينيات وتم سحقها في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، ترفع رأسها مرة أخرى، ويجري تسهيل ذلك من خلال كومة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي لم تُحل، والتي حُجبت ببساطة من قبل السلطات المحلية على مدى السنوات الـ24 الماضية.

كل ما هو جديد، كما نعلم، قد نسي جيداً القديم. ففي الثمانينيات، تطور الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب أيضاً في جمهورية طاجكستان الاشتراكية السوفياتية. نما عدد السكان بسرعة، بخاصة في المناطق الريفية، ولكن ببساطة لم تكن هناك وظائف كافية في الجمهورية الفقيرة.

حاولوا حل المشكلة من طريق نقل سكان الريف إلى المدن، لكن هذا لم يساعد، وبحلول نهاية الثمانينيات، تراكم الآلاف من الفقراء العاطلين عن العمل في المدن، الذين أصبحوا القوة الرئيسة في الصراع المستقبلي.

الصراع بين السلطة والإسلاميين

مطلع فبراير (شباط) 1990، جاءت عشرات العائلات الأرمنية لزيارة أقاربها في طاجكستان، هرباً من المواجهة العرقية المشتعلة آنذاك في ناغورنو قره باغ. أدت الإشاعات الشعبية إلى زيادة عدد اللاجئين إلى عدة آلاف، ثم انتشرت إشاعات مفادها أن العائلات الأرمنية ستحصل على شقق كبيرة في المباني الجديدة من دون قوائم انتظار.

وفي الـ12 من الشهر نفسه، اقتحم حشد من الناس الساخطين مبنى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، ثم انتشرت موجة من المذابح في جميع أنحاء دوشنبه. اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وسرعان ما فقدت السلطات السوفياتية السيطرة، وفي 24 أغسطس (آب) 1990، تم اعتماد قانون "سيادة الدولة في جمهورية طاجكستان الاشتراكية السوفياتية"، ثم في ديسمبر 1991، أصبح رحمان نبييف أول رئيس لطاجكستان المستقلة.

لكن الرئيس الجديد للجمهورية لم يكن يحظى بدعم شعبي. ولا يتعلق الأمر بآرائه السياسية أو إصلاحاته التي لا تحظى بشعبية، بل إن كل ما في الأمر أن نبييف كان ينتمي إلى العشيرة الحاكمة للشماليين، الخوجينتيين، الذين حكموا طاجكستان في العهد السوفياتي. بالنسبة إلى المواطنين، فهو يجسد النظام القديم.

أصبح الجنوبيون من الباميريين معارضين لنبييف. وأعلنوا شعارات إسلامية وديمقراطية في الوقت نفسه. نظراً لحقيقة أنه في أواخر الثمانينيات كانت الحدود في المناطق التي يصعب الوصول إليها في منطقة بامير غير خاضعة للحراسة تقريباً، فقد تأثرت المنطقة بشدة بالمجاهدين الأفغان، ومن بينهم عديد من الطاجيك العرقيين. وسرعان ما أدرك زعماء العشائر أن النصر يتطلب مساعدة خارجية، وفتح التعاون مع "طالبان" المجال أمام الوصول إلى الأموال من الدول الإسلامية الغنية.

ومع ذلك، واجه الإسلاميون مشكلات في تجنيد المؤيدين داخل الجمهورية. والحقيقة هي أنه، على عكس أوزبكستان المجاورة لم يكن لدى طاجكستان مراكز دينية قوية مثل سمرقند أو بخارى.

وبناء على ذلك، لم يكن هناك علماء دين إسلاميون جادون، بالتالي لم يكن هناك مصدر للتطرف الديني. كان الإسلام الطاجيكي مجرد جزء من أسلوب الحياة التقليدي ومن المحتمل أن يصدم أي خريج مدرسة دينية.

ومع ذلك، وبمساعدة المدربين الأفغان، تمكن المعارضون الإسلاميون في وقت قريب جداً من تشكيل عدد قليل من الوحدات الجاهزة للقتال. إضافة إلى ذلك، استولت عائلة بامير على تهريب المخدرات من أفغانستان، واعترضت جزءاً لا بأس به من الدخل من المافيا المحلية. وفي مايو (أيار) 1992، دخلت المواجهة مرحلة النزاع المسلح.

لا يمكن القول إن الحرب الأهلية في طاجكستان كانت بالمعنى الكامل للكلمة مواجهة بين السلطات العلمانية والمتطرفين الدينيين. لقد كان صراعاً بين العشائر، التي لم يوحدها مكان المنشأ فحسب، بل أيضاً المصالح التجارية المشتركة، وجرى مواجهة القسوة المجنونة من كلا الجانبين. وأعلن المعارضون أن مؤيدي الحكومة "متعاونون مع الكفار" ونفذوا عمليات إعدام جماعية. وهذا ليس بالأمر المستغرب، وذلك نظراً لظهور إسلاميين حقيقيين في صفوفهم، وتحديداً من حركة "طالبان" وكتيبة من المقاتلين المنتمين إلى "الحركة الإسلامية" في أوزبكستان المحظورة في روسيا.

ودفعت القوات الحكومية للمعارضين بنفس العملة، ففي القرى التي استولت عليها القوات الحكومية، قتل الناس لمجرد الاشتباه في تعاطفهم مع المعارضة، وتم حرق القرى ببساطة حتى لا تضيع طاقتها في الدفاع عنها. ووصفهم ضابط لواء الجيش الروسي، أوليغ غوليبين، الذي ساعد في تدريب المقاتلين الحكوميين، بأنهم "العصابات الصديقة" في مذكراته.

ومع ذلك، فإن منطق الحرب جعل المعارضة إسلامية بشكل متزايد، وسرعان ما حولت الأخوة العسكرية مع "طالبان" عديداً من أنصار المعارضة إلى أصوليين إسلاميين حقيقيين. وفي مرحلة ما، وصل المدعو خطاب الأردني الجنسية، والذي أصبح اسمه معروفاً لاحقاً في جميع أنحاء روسيا، إلى موقع وحدات المعارضة الطاجيكية.

خلال الحرب الأهلية في طاجكستان، وبمرور الوقت أصبح يطلق على المعارضة الطاجيكية بأكملها، ولسبب غير معروف، مصطلح "الفوفتشيك"، في إشارة إلى التشدد، فيما أطلق على أنصار الحكومة اسم "يورتشيك". على رغم الأسماء التافهة، أصبحت الحرب بين الفوفتشيك واليورتشيك واحدة من أكثر الحروب دموية في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي.

تعمقت الأزمة، وفي عام 1994 تغيرت الحكومة في الجمهورية، وفاز الرئيس الحالي إمام علي رحمون في الانتخابات الرئاسية المبكرة وأصبح انتخابه حافزاً لعملية التفاوض بين الأطراف المتحاربة. أولاً، هو مواطن من جارم، لم يكن ينتمي إلى الشماليين المكروهين ولم يسبب الرفض بين زعماء المعارضة. ثانياً، كان رحمون حصاناً أسود فلم يأخذه مؤيدو الحكومة ولا المعارضون على محمل الجد، وكان الجميع يأمل في إزالة "الشخصية المساومة" قريباً.

وواصل الطرفان القتال على أمل تحقيق نصر سريع، وتزايدت أعداد الضحايا، ولم تتزايد فرص أحد في تحقيق النصر. في ظل هذه الظروف، في عام 1997، جلست الحكومة والمعارضة، أخيراً، إلى طاولة المفاوضات وتوصلتا إلى السلام. وحصل الباميريون على جزء من المناصب في حكومة الجمهورية، وحزب النهضة الإسلامية الطاجيكي على فرصة المشاركة بشكل قانوني في الانتخابات، إلا أن تاريخ "الحركة الإسلامية" في البلاد لم ينته عند هذا الحد.

وكان عبدالله رحيموف أحد أولئك الذين رفضوا إلقاء أسلحتهم. لا يعرف أي شيء تقريباً عن السنوات الأولى من حياته، لكنه ولد عام 1949 في لينين آباد.

إن سيرة رحيموف قبل الحرب محاطة بعديد من الأساطير التي كررها مؤيدوه ومعارضوه. ويعتقد أنه في ظل الحكم السوفياتي عاش حياة مملة إلى حد ما، وكان يعمل في إصلاح أجهزة التلفزيون.

وفي مرحلة ما، جمعه القدر مع إشوني عبدالرحيم جون، عالم الفقه الذي تعلم منه راخيموف أساسات الفقه الإسلامي لمدة 13 عاماً. ثم، كما يقولون، حصل على لقب مولو عبدلو، الذي دخل به التاريخ بفضل تدينه وأخلاقه. بعد اندلاع الحرب الأهلية، انضم إلى قوات المعارضة وسرعان ما أصبح قائداً ميدانياً محترماً.

كان مولو عبدالله أحد القادة الإسلاميين القلائل الذين أحبهم الناس. على سبيل المثال، لم يشارك أبداً في تهريب المخدرات، وعلى رغم القسوة، كان معروفاً بأنه شخص صارم ولكنه عادل. أدى تمسكه بالمبادئ والخلافات إلى صراعات مع المعارضين الآخرين. عندما عقدوا السلام مع رحمون، وصف عبدالله أنصاره السابقين بالخونة وذهب مع بعض الناس إلى الجبال لمواصلة القتال من أجل بناء خلافة إسلامية في آسيا الوسطى.

استقر عبدالله في أفغانستان. ومن هناك، استمر بشن غارات على الأراضي الطاجيكية وتعاون بنشاط مع طاهر يولداشيف من "الحركة الإسلامية" في أوزبكستان. تمكن عبدالله من القتال إلى جانب ألد أعداء "طالبان"، أحمد شاه مسعود، وبعد وفاته، إلى جانب "طالبان" ضد الأميركيين.

في عام 2009، على رأس مفرزة من عشرات المسلحين، عبر عبدالله الحدود الأفغانية الطاجيكية. عند عودته إلى الوطن، أعلن أن الحرب لم تنته بعد. كل يوم كان أنصاره يتزايدون أكثر فأكثر على حساب الفلاحين الفقراء والعناصر الإجرامية. وانضم إلى قوات عبدالله أيضاً قادة المعارضة السابقون الذين يبدو أنهم ألقوا أسلحتهم بالفعل. وبعد أن علم رحمون بذلك، أعلن مهمة تصفية عبدالله رقم واحد، لكن هذا لم يجذب سوى مؤيدين جدد للقائد الميداني. بدأت البلاد تتحدث بجدية عن مرحلة جديدة من الحرب الأهلية.

لكن مولو عبدلو لم يتمكن قط من تجميع مجموعة قوية حقاً. بلغ عدد فرقته بضع مئات من الأشخاص. كانت الحلقة المحيطة برحيموف تتقلص باستمرار، وفي منتصف أبريل (نيسان) 2011 قتل في معركة ضارية.

لكن بينما كان عبدالله رحيموف يركض حول الجبال الأفغانية والطاجيكية حاملاً مدفعاً رشاشاً، أصبح رفاقه السابقون منخرطين بشكل قانوني في السياسة. وفي انتخابات عام 2000، دخل حزب "النهضة الإسلامية" في طاجكستان إلى البرلمان بعد أن تخلى عن الشعارات المتطرفة ولم يعد يدعو إلى بناء الخلافة، بل دعا فقط إلى الدور النشط للإسلام كقيمة تقليدية في حياة المجتمع الطاجيكي.

ومن الغريب أن الهيكل الإسلامي هو الذي أصبح الأكثر ليبرالية في السياسة الطاجيكية. تخلى الحزب عن مبدأ العشيرة، وكان من الممكن أن يعمل في صفوفه، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي والأصل. لقد نصب نفسها مدافعاً عن الإسلام والمسلمين، وليس فقط سكان منطقة معينة. في المناطق الريفية، غالباً ما حل الحزب الإسلامي الثوري محل مؤسسات الدولة، وأنشأ أعضاؤه مؤسسات تعليمية دينية وشاركوا بنشاط في الأعمال الخيرية.

بالتوازي مع تزايد شعبية الحزب الإسلامي، نمت قوة رحمون أيضاً. حتى منتصف العقد الأول من القرن الـ21، كان عليه أن يتحمل الإسلاميين. وبموجب اتفاق مع المعارضة عام 1997، تم منح عديد من المناصب للقادة الميدانيين السابقين، المدعومين من الجماعات المسلحة ومافيا المخدرات.

لم يستطع رحمون أن يفعل أي شيء معهم، لكن الحكمة الشرقية تعلم أن الحل الأسرع ليس دائماً هو الحل الأصح. وبمرور الوقت، مات بعض أعدائه، وتمكن الرئيس من رشوة أو إغراء الآخرين إلى جانبه. بعد التخلص من التطرف، اكتسب الحزب الإسلامي الثوري شعبية، لكنه فقد دعم المجاهدين الأيديولوجيين، وترك وحده مع نظام رحمون الاستبدادي.

وبعد ذلك، وبدءاً من عام 2011، أطلق رحمون هجوماً ضد الإسلاميين الشرعيين. السبب الرسمي كان غزو مولو عبدلو. منع الطاجيك من إظهار انتمائهم الديني، والسفر إلى الخارج لدراسة الإسلام، ومنع القصر من الالتحاق بالمدارس الدينية. وأصبح أعضاء الحزب متورطين بشكل منتظم في قضايا التطرف، وتحدثوا على شاشة التلفزيون الحكومي عن جرائم المعارضة الإسلامية خلال الحرب الأهلية: "هل تريدون أن يكون الأمر كما كان الحال في التسعينيات؟"، خاطب مؤلفو البرامج التلفزيونية المشاهدين.

بشكل عام، حاول رحمون فضح حزب النهضة الإسلامية باعتباره متعصباً دينياً مسعوراً، وهو ما لم يفعلوه منذ فترة طويلة.

ووجه الرئيس الضربة الأخيرة للحزب قبل الانتخابات البرلمانية عام 2015. فتم حرمان المرشحين من حزب النهضة الإسلامية من التسجيل بذرائع واهية وتعرضوا للتهديد. ونتيجة لذلك، لم يحصل الحزب حتى على مقاعد رمزية في البرلمان، إذ حصل على سبعة في المئة فقط من الأصوات، لكن القمع الرئيس كان لا يزال أمامنا. في صيف عام 2015، كانت هناك اعتقالات واسعة النطاق لأعضاء حزب النهضة الإسلامية.

أُغلقت فروع الحزب في جميع أنحاء البلاد. واضطر نواب المجالس المحلية (أحياناً تحت التعذيب) إلى التنازل عن ولاياتهم. وفي أغسطس 2015، اعتُرف بالحزب منظمة متطرفة وإرهابية وحُظر، وأُلقي معظم قيادته في السجن. هاجر عديد من الأعضاء العاديين، لكن ذلك لم يؤثر في مواقف الإسلاميين بالقوة التي يريدها رحمون.

طاجكستان ونذر التطرف الأصولي

لقد كانت طاجكستان ولا تزال وجهة مهمة للإسلاميين الأفغان، ولا يهم من سيحكم تحت الأرض – "طالبان" أو "داعش". توفر الحدود الطويلة وسيئة الحراسة فرصاً كبيرة لتهريب المخدرات، وهو ما يدر دخلاً ثابتاً، ولنقل المسلحين إلى آسيا الوسطى. إضافة إلى ذلك، يقاتل عديد من الطاجيك العرقيين في صفوف المقاتلين الأفغان.

وليس كل شيء يسير بسلاسة في الجمهورية نفسها. بعد أن أُرسل الحزب الإسلامي للعمل تحت الأرض، بدأ أعضاؤه السابقون في التطرف مرة أخرى. لقد خيب رحمون آمالهم في الطرق القانونية للقتال ودفعهم إلى أحضان "طالبان". إضافة إلى ذلك، أقر الرئيس قانونين مهمين لكن لا يحظيان بشعبية. أحدهما سمح له بإعادة انتخابه لعدد غير محدود من المرات، والآخر خفض الحد الأدنى للسن المطلوبة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية.

والثاني، تم تبنيه لابن رحمون ويسمح للرئيس الطاجيكي ببناء حكم سلالي في البلاد. وأثار ذلك غضب عشائر المعارضة. لقد اقتنعوا، أخيراً، بأنه لا مستقبل لهم في طاجكستان سواء في عهد رحمون أو في حالة استقالته الطوعية من المنصب الرئاسي.

اليوم، اتضح أنه بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا توجد دولة ذات سكان فقراء تشعر بخيبة أمل شديدة في قيادتها، ولا ترى أي آفاق لنفسها. لقد كانت حالة المجتمع هذه دائماً أرضاً خصبة للأيديولوجية الأصولية، ولكن على النقيض من أوزبكستان المجاورة، فإن أهل النخبة في طاجكستان ليسوا موحدين، ومن غير الممكن حشدهم لدعم الحكومة إذا لزم الأمر. وفي حالة حدوث غزو حقيقي من أفغانستان، قد تدعم بعض العشائر الإسلاميين على أمل الحصول على نصيبهم من الكعكة. دُمِّر حزب النهضة الإسلامي، لكن قاعدته الاجتماعية ظلت قائمة. الآن هؤلاء الناس غاضبون من رحمون وهم قادرون على حمل السلاح.

وبطبيعة الحال، لدى رحمون ورقة رابحة. ولا تزال هناك قاعدة عسكرية روسية في طاجكستان بها حامية مثيرة للإعجاب بمعايير المنطقة. ومن الممكن أن يؤدي وجود الجيش إلى احتواء التوتر في الوقت الحالي، لكن من غير المعروف إلى متى. ونتيجة لذلك، فإن روسيا لديها كل الفرص للحصول على مصدر آخر لعدم الاستقرار مع المتشددين الإسلاميين، ولكن على النقيض من سوريا، فإن طاجكستان أقرب كثيراً إلى روسيا مما تبدو عليه. أولاً، لا توجد حدود كاملة مع جمهوريات آسيا الوسطى. ثانياً، تم تبسيط الدخول إلى روسيا لمواطني طاجكستان إلى أقصى الحدود.

المزيد من تحقيقات ومطولات