Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجاعة تطرق أبواب مخيمات الشمال السوري

سيغرق الذين أبعدوا من المساعدات أكثر في الفقر والجوع ويجبرون على الاعتماد بشكل متزايد على استراتيجيات التأقلم الضارة

يعاني قسم كبير من الأطفال في شمال سوريا من التقزم بسبب سوء التغذية الحاد (اندبندنت عربية)

ملخص

فقدان فرص العمل وضياع الأرزاق دفع أهالي الخيام إلى الاعتماد على المساعدات المنقذة للحياة لكنهم اليوم على أبواب المجاعة بعد توقفها بشكل نهائي.

عام بعد عام يزداد حال مخيمات الشمال السوري بؤساً ووجعاً، ويحاول القاطنون تأمين لقمة اليوم بشق الأنفس بعدما تقطعت بهم سبل العيش، ويسعون إلى النجاة بحياتهم منذ خمس سنوات مضت داخل خيام متداعية لا تصمد بوجه العواصف الثلجية والمطرية شتاءً، ولا تقي وهج الشمس اللاهبة صيفاً.

الأمن الغذائي المعدم

يسير أكثر من ثلاثة ملايين نازح على حافة المجاعة ويقبعون في مخيمات تفتقر إلى مقومات الحياة الكريمة، وينحو الواقع الأشد قساوة إلى أكثر السيناريوهات المفزعة، إلى الموت جوعاً في بلاد عاشت قبل الحرب الأخيرة حياة الاكتفاء الذاتي وحققت أمنها الغذائي.
في الأثناء، انخفض حجم المساعدات الإنسانية الأممية التي كانت تصل إليهم عبر معبر "باب الهوى" مع الجانب التركي وتوقفت عن الوصول قبل أشهر. ولعل توقف هذه المساعدات، وتحولها لتقتصر على حالات الطوارئ، قد ضاعف مشكلة الأمن الغذائي منذ مطلع العام الحالي. وأوضح بيان للمنظمة الأممية مواصلة البرنامج دعمه الأسر المتضررة نتيجة حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء البلاد من خلال تدخلات الاستجابة.
وسبق ذلك إعلان برنامج الأغذية العالمي خفض وتقليص التمويل، وعن نتائج كارثية بتعرض 24 مليون شخص لخطر المجاعة بعد تخفيض حصص الإعاشة بصورة كبيرة، في حين باشر البرنامج بتقليص مساعداته في يوليو (تموز) 2023 وانقطعت المساعدات عن 45 في المئة من المستفيدين منها في سوريا بشكل نهائي.
وارتفعت معدلات الجوع بشكل قياسي، وبات أقرب لأن ينهش في بطون السوريين الخاوية لا سيما أن الحرب دمرت البنية الاقتصادية، وتدهور القطاع الزراعي وخرج عن الخدمة كون الأراضي الصالحة للزراعة تقع في مناطق اشتباك وصراع مسلح، علاوة عن هجرة أصحابها والمزارعين إلى خارج البلاد أو نزوحهم قسراً إلى المدن الأكثر أماناً، إضافة إلى ما لحق المواسم السابقة من جفاف، والأكثر من ذلك زيادة أسعار الأسمدة ومستلزمات الإنتاج التي رفعت معها أسعار الخضراوات والمواد الغذائية.
وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منتصف يونيو (حزيران) 2023، أن 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع حاجة أكثر من 15 مليون شخص للمساعدة الإنسانية، وهو توجه ظل ثابتاً في السنوات السابقة.

مخيمات النزوح ومعدلات الجوع

وتفيد بيانات الفريق الإغاثي "منسقو استجابة سوريا" وهي منظمة تعمل في مناطق نفوذ المعارضة في شمال سوريا، بأن 80 في المئة من السوريين عاجزين عن تأمين الغذاء خلال الفترة المقبلة، وتزداد النسبة إلى 87 في المئة في شمال غربي سوريا ضمن مخيمات النازحين، بينما ارتفعت معدلات الجوع إلى أعلى مستوى على الإطلاق، ووضعت سوريا بالمرتبة السادسة في العالم من جهة انعدام الأمن الغذائي.
ولعل الانزلاق إلى المجاعة لم يعد يتهدد أبناء البلد ممن أجبرتهم الحرب والصراع المسلح المندلع منذ عام 2011 على الهجرة القسرية من بيوتهم، بل إنهم بالفعل يعانون أمراضاً ناتجة من سوء حاد بالتغذية. ويرى متخصص التغذية، الدكتور جمال عبيد أن "مخاطر جمة تتهدد صحة من يعيش في المخيمات بسبب ضعف التغذية التي تؤثر في الأطفال والأمهات الحوامل".
ويجزم عبيد بأن الواقع أقرب لما يوصف بالـ"مجاعة" لا سيما بعد جولات أجراها على عدد من مخيمات النزوح، واطلاعه على أوضاع العائلات التي تعيش حالة شديدة من الفقر والبؤس. ويحذر من توقف الدعم عن مئات آلاف العائلات الفقيرة التي لا تملك سوى المعونة الغذائية للعيش. وأضاف عبيد، "منذ سنوات وخلال جولات على عدة مخيمات لاحظنا سوء التغذية الحاد، وهذا إضافة لكل الأخطار والأضرار على الصحة البدنية والعقلية التي لا يمكن التعافي منها. ويضعف لديهم الجهاز المناعي، كما أن مرض التقزم الذي أخذ يتفشى بين الأطفال".
وكانت منظمة الطفولة العالمية "يونيسف" حذرت من ترك الأطفال في سوريا أمام الخطر المتزايد للإصابة بسوء التغذية، وبحسب معلومات نشرتها المنظمة يوجد ما يناهز 700 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون التقزم.
ويحذر مراقبون في المجال الصحي من زيادة في معدلات التقزم وسوء التغذية. وبحسب المعلومات الخاصة بعد التواصل مع مكتب برنامج الأغذية العالمي في سوريا، أكد البرنامج زيادة معدل التقزم بين الأطفال بحيث بلغ 28 في المئة في بعض أنحاء البلاد، وبلغ معدل سوء التغذية بين الأمهات 25 في المئة.
في هذه الأثناء يتفاقم المشهد السوداوي الناتج من توقف الإمدادات الغذائية، حيث سيترك الناس من دون مأوى أو غذاء، ويزيد من خطورة الأمر زيادة نسبة البطالة، ونقص فرص العمل، وتفشي الكوارث والأمراض المتلاحقة من وباء كورونا، إلى زلزال السادس من فبراير (شباط) 2023 الذي أصاب الشمال الغربي من البلاد، وأدى إلى دمار واسع ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، وزاد من الضائقة المالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مرارة الحصول على لقمة

وبحسب تقييمات برنامج الأغذية العالمي فإنه حتى الأسر التي تتلقى مساعدات غذائية كانت تضطر إلى اتخاذ تدابير ضارة للتعامل مع خفض المدخول الغذائي، وأكثر من نصف العينة التي درستها المنظمة لجأت إلى الاستدانة أو عكفت على خفض عدد الوجبات، بينما 15 في المئة أخرجوا الأطفال من المدرسة أو أرسلوهم إلى العمل، في حين الأسر التي تعيلها النساء كانت الأكثر تضرراً. ولا يخفي برنامج الأغذية دفع الناس باتجاه خيارات أكثر تطرفاً ويزيد حوافزهم للبحث عن فرص لكسب العيش في مكان آخر.
ويرى فريق منظمة الاستجابة السريعة في سوريا أن نسبة العائلات التي تعتمد على المساعدات الإنسانية في المخيمات تصل إلى 85.8 في المئة، محذراً من زيادة النسبة الحالية. وبحسب الفريق زادت نسبة الحاجات الإنسانية في مختلف القطاعات بمقدار 11.7 في المئة.
وتروي "أم منصور" التي تعيش في مخيم يسمى "أطمة" في شمال سوريا، قرب الحدود التركية، حالة البؤس الشديد التي تعيشها مع أولادها، وتقول إن "حليب الأطفال مفقود، نعيش على ما يجود به الناس، كانت المعونة الغذائية تسد رمقنا، لكننا اليوم ننتظر الموت جوعاً، هل يمكن أن تتخيل أحد أطفالي لا يعلم عن الفاكهة سوى ما يشاهدوه بالكتب؟ والدهم توفي ولا معيل لهم".
في المقابل، تحتاج تلبية النداء الإنساني إلى سوريا ما يقارب 11.1 مليار دولار، إذ أدى الصراع المسلح إلى مقتل 500 ألف شخص وتشريد وتهجير قرابة 12 مليوناً، ومن بقي في الداخل يعاني أيضاً من التضخم، وخفضاً كبيراً في القدرة الشرائية.
ويعتقد مسؤول في إحدى المنظمات الأممية الإغاثية، فضل عدم ذكر اسمه، أنه "في بلد لا يغطي فيه متوسط الأجر الشهري سوى ربع حاجات الأسرة الغذائية تقريباً، فإن غالبية السوريين يعانون أصلاً من الارتفاع المتسارع لأسعار الغذاء ونقص إمدادات الوقود والقمح بخاصة خلال السنوات القليلة الماضية". وأضاف أن "الشعور بالقلق حيال الأشخاص الذين أبعدوا من المساعدات، سيغرقون أكثر بالفقر والجوع ويجبرون على الاعتماد بشكل متزايد على استراتيجيات التأقلم الضارة مثل إرسال الأطفال إلى العمل أو الزواج المبكر أو الغرق في الديون. وتشكل التخفيضات خطراً على السكان بالنظر إلى معدلات سوء التغذية الآخذة في الارتفاع أصلاً، وأكثر من 50 في المئة من الأسر السورية غير قادرة على تلبية حاجاتها اليومية من السعرات الحرارية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير