ملخص
بعد انهيار النظام الصحي في قطاع غزة لم يجد السكان طريقة لتقديم العلاج سوى داخل خيام حولوها إلى عيادات طبية
بملامح مرهقة كانت هناء تقف في طابور طويل تضع يدها على بطنها وتمررها يميناً ويساراً لتشعر جنينها بالأمان، وفي الوقت ذاته تراقب دخول وخروج السيدات الحوامل إلى العيادة الطبية الموجودة في خيمة صغيرة مصنوعة من قطع النايلون والقماش المقوى.
في خيمة
تحسب هناء بواسطة هاتفها المحمول مدة مكوث كل امرأة داخل خيمة العيادة، فهي متحمسة لمراجعة الطبيب للاطمئنان على جنينها، وتقول، "منذ ستة أشهر لم أراجع مختصاً ولا أعرف أي شيء عن وضع حملي، وهذه المرة الأولى التي سأعرف فيها جنس الجنين".
بعد نحو ساعة من الانتظار، جاء دور هناء للدخول إلى الخيمة، انحنت السيدة لتدخل من باب العيادة التي أقامها فريق طبي وسط تجمع لخيام النازحين في محافظة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، بهدف تقديم الرعاية الطبية للحوامل.
وأجرى الفريق الطبي فحوصات سريعة لهناء، ووضع الطبيب محمد الرقب الأخصائي في طب النساء والولادة، سائلاً على بطنها وأخذ يفحص جنينها بواسطة جهاز فحص الحمل "الإيكو"، وأبلغها سريعاً أنها حامل بأنثى وهي بصحة جيدة، لتطلق الأم من الفرحة زغرودة طويلة سمعتها كل النسوة اللاتي يقفن أمام خيمة العيادة الطبية.
إنقاذ "الإيكو"
من جهة أخرى، ومن تحت أنقاض عيادته الطبية التي تعرضت لقصف إسرائيلي إثر العملية العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مدينة خان يونس جنوب غزة، انتشل الطبيب محمد الرقب جهاز "الإيكو" وحمله إلى منطقة مواصي رفح، حيث يتجمع نحو 1.5 مليون نازح ويعيشون جميعهم في خيام.
بين هؤلاء النازحين، نصب الطبيب خيمة وحولها إلى عيادة خاصة لمتابعة النساء الحوامل، وساعده في ذلك عدد من الممرضين المتطوعين والأطباء والصيادلة. ويقول الرقب "نقدم الرعاية الطبية ضمن إمكانات متواضعة". ويضيف، "جاءتنا الفكرة في ظل تكدس النازحين بمنطقة الجنوب، وخروج جميع العيادات الطبية عن الخدمة، وتوقف كثير من المستشفيات عن عملها أو الاهتمام بالحالات الطارئة والخطرة".
لوقف انهيار النظام الطبي
ويعتقد الرقب أن "فكرة وجود عيادات طبية مهمة جداً لوقف انهيار النظام الطبي في غزة والحفاظ على صحة سكان غزة"، ويؤكد أن "الحوامل في حاجة إلى متابعة مراحل حملهن حتى خلال الظروف الصعبة التي نمر فيها". ولا يوجد في كل أنحاء قطاع غزة أي عيادة طبية عاملة، وتوقفت مراكز الرعاية الأولية التي تشرف عليها وزارة الصحة في القطاع. أما بالنسبة إلى الحوامل والولادات، فإن المستشفى الإماراتي فحسب يتولى هذه الحالات ولا يمكنه متابعة جميع الحالات التي تصله.
ويفحص الطبيب الرقب يومياً 70 امرأة حامل في خيمته الطبية. ويعمل في عيادته الموجودة بين قطع النايلون والقماش تدريجاً ووفق الأولويات، نظراً إلى محدودية المعدات والكادر الطبي.
وتبنت وزارة الصحة بالقطاع "الخيمة العيادة" وأصبحت توفر لها بعض المستلزمات الطبية. ويوضح الطبيب الرقب أنهم يوفرون الفيتامينات والمقويات لنساء يعانين كثيراً ويفتقدن المياه النظيفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عيادة أسنان
كذلك في مخيم النصيرات الذي يشهد عمليات عسكرية إسرائيلية محدودة، وتحليقاً مكثفاً للطائرات الحربية والمسيرة، افتتح الطبيب نجدت صقر خيمة وعلق عليها لافتة كتب عليها "عيادة أسنان".
في داخل الخيمة أو العيادة، كما يحب أن يسميها، ينشغل الطبيب صقر في معالجة ضرس مريض يشكو من ألم حاد، بواسطة آلة حفر الأسنان التي تصدر صوتاً يغطي على صوت الطائرات، والتي انتشلها من تحت أنقاض عيادته الطبية.
ويقول صقر "ربما يعتقدون أن غزة مكان للموت، ولكن بالنسبة لي هي مكان للحياة، ولن أفقد الأمل أبداً، العيادة الطبية هذه صحيح موجودة في خيمة، لكنها هي مجرد مكان لنشر الأمل ومواصلة رسالتنا الإنسانية". ويضيف، "على بعد مئات الأمتار من عيادتي البديلة هناك قتال عنيف دائر، لكن الحياة لن تتوقف، بل مستمرة، ويجب أن تمشي، أنا أعمل لأجل إزالة ألم المرضى، على رغم أنه لا يوجد كهرباء ولا مياه".
يذكر أن النظام الصحي في غزة انهار بصورة كاملة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ومن أصل 36 مستشفى هناك ثلاثة فحسب عاملة، ومن بين 660 مركز رعاية أولية يعمل خمسة فحسب، أما العيادات الطبية والتخصصية فجميعها توقفت بالكامل.
مداواة وتطبيب
لكن الطبيب حسن القهوجي اتفق مع زميلته الطبيبة فداء القرشلي على عدم الاستسلام لواقع غزة، وقررا العمل على تدشين عيادة طبية عامة داخل خيمة قماشية لخدمة النازحين في محافظة رفح، وبالفعل نجحا في ذلك. ويضع الطبيب حسن ضماد الجروح على يد مصاب ويلفها بحزم ويقول، "نحاول تخفيف الأعباء عن الأطباء في مستشفيات الوزارة الحكومية، ونتيجة لصعوبة الوصول إلى مستشفيات رفح نظراً إلى قلة وسائل التنقل قررنا إقامة عيادة في خيمة". ويضيف عكاشة، "نقدم خدمات العلاج مجاناً، إن أصعب الحالات التي أعالجها هي مشكلات الجهاز التنفسي، وهي منتشرة بين الأطفال. أعتقد أن النظام الصحي منهار تماماً، وما نفعله محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فحسب".
وفي خيمة مجاورة تماماً لمكان عمل الطبيب حسن، تفترش الطبيبة فداء الأرض وتقدم خدماتها الصحية للمرضى بلا أي وسائل ولا حتى أسرة مرضى. وتقول، "نعمل على تقديم الحد الأدنى من الرعاية الطبية والأدوية للمرضى النازحين".
وبعد أن انتهت من متابعة قدم طفل أصيب بشظايا صاروخ إسرائيلي، قدمت له فداء نصائح لحماية جرحه من الالتهابات، وجلبت له دواءً مضاداً للالتهابات.
يموتون بسبب نقص الرعاية الطبية
وتضيف فداء، "نوفر خيمة للمبيت ونستقبل النازحين المرضى في كل وقت حتى بعد ساعات منتصف الليل، يومياً نستقبل من 50 إلى 100 حالة مرضية".
في السياق، تقول منسقة مشروع "أطباء بلا حدود" في غزة ليزا ماكينير إن "توفير العلاج داخل قطاع غزة شبه مستحيل، وكذلك الأمر في ما يتعلق بتوفير خدمات التطبيب والتشخيص، وكل ذلك بسبب تجاهل إسرائيل التام لحماية البعثات الطبية والإنسانية وطواقمها وسلامتهم، فضلاً عن منع وصول الناس إلى المساعدات الدوائية المنقذة للحياة". وتضيف، "إذا لم يقتل الناس بالقنابل، فإنهم يعانون الحرمان من الغذاء والمياه، ويموتون بسبب نقص الرعاية الطبية، النظام الصحي في غزة على وشك الانهيار، إذ لم يعمل أي من مستشفيات القطاع بكامل طاقته خلال الشهرين الماضيين".
