Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعود الجيش السوداني إلى ثكناته بعد الحرب؟

العسكر رفضوا تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين لأنه من المؤكد خضوعهم للمساءلة والمحاسبة

ملخص

 جيش ما بعد انقلاب نظام الـ 30 من يونيو (حزيران) 1989 لم يعد ھو ذاته جيش ما قبل ھذا التاريخ، على علاته التي كانت مدخلاً لتدخله المستمر والمتكرر في السياسة.

 

منذ وقوع حرب الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي أكملت عامها الأول، ظل الجدل قائماً بين السودانيين كافة حول وضع جيش بلادهم بعد انتهاء هذه الحرب، بالنظر إلى الحقائق التي تكشفت لهم عن واقع هذا الجيش وهو يخوض القتال ضد قوات كانت تشكل الذراع اليمين له قبل تمردها، بحسب قادة الجيش.

ففي ظل هذه الأحداث وما يثار من نقاشات في المنابر السودانية المختلفة، ثمة من يرى ضرورة ابتعاد الجيش من السياسة والعودة لثكناته فور انتهاء الحرب ليتفرغ لمهماته الأساس المنصوص عليها في قوانينه، بينما يعتقد آخرون أن وقت مغادرته للسلطة لم يحن لأن الأوضاع على الأرض غير مستقرة.

 

 

ويقول الباحث في مركز الخرطوم للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني إن "السؤال عن عودة الجيش لثكناته بعد الحرب يقابله سؤال آخر وهو هل تنجح الأحزاب السياسية السودانية في اجتياز امتحان الديمقراطية داخل أطرها الحزبية وبينها وبين منافسيها في الميدان الانتخابي العام في مناخ ديمقراطي حر، يسمح بتبادل سلمي للسلطة السياسية من دون اتهامات وتجريم وتخوين من بين أطراف العملية السياسية؟".

ويضيف، "في التاريخ السياسي السوداني شهدت البلاد تجارب نيابية ليبرالية حرة عادة ما تنتهى بنظام حكم تقوده المؤسسة العسكرية مسنودة بالقوى السياسية الصاعدة التي تمتلك الديناميكية الأكثر، وأبرز مثال على ذلك دعم اليسار للتغييرات التي وقعت بعد الاستقلال عام 1958، وما عرف بانقلاب الفريق إبراهيم عبود، والتغيير الذي قاده العقيد جعفر محمد نميري عام 1969 وتورط اليمين وشراكته مع ضباط الجيش في التغيير الذي قاده العميد عمر أحمد البشير عام 1989 وانتهى بثورة شعبية لم تقد إلى وضع سياسى مستقر، بل أنتجت حرباً مدمرة تعتبر الأسوأ في التاريخ السياسي السوداني".

 

 

ويضيف، "كذلك شهد لحزب الأمة تسليمه السلطة للعسكريين عام 1958 نكاية في خصومه السياسيين، وهناك شواهد على تسليم الجيش السودانى السلطة السياسية للقوى الحزبية المدنية، أشهرها وأكثرها نصاعة دعم المشير عبدالرحمن سوار الذهب عام 1985 لمطالب الشعب وازاحته الرئيس نميري وفتح المجال للقوى المدنية للتنافس الحر بعد فترة انتقالية حكم فيها التكنوقراط، لكن عرف تاريخياً ضعف فترة حكم الأحزاب ودخولها في مكايدات الاستحواذ على السلطة والمناصب السياسية وتقريب الموالين، مع تجاوز قوانين الخدمة العامة وعدم احترام قواعد اللعبة السياسية مع إهمال الجانب الاقتصادي على رغم تأثيره في حياة الناس، فضلاً عن الاختراقات الظاهرة وتدخل الخارج في الشؤون الداخلية، وكل ذلك كان يقود لدعوة الجيش للتدخل في سبيل الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار".

شراكة الحكم

وفي سياق متصل ينوه مدني إلى أنه "من الملاحظات أيضاً تكرار مطالبة القوى الحزبية المدنية لقادة الجيش بتمديد الفترات الانتقالية على حساب قيام الانتخابات، وحدث ذلك إبان فترتي الانتقال عامي 1964 و1985، كما شاهدنا رغبة قوى الحرية والتغيير في استمرار شراكتها في الحكم مع المؤسسة العسكرية إبان حكومة عبدالله حمدوك من دون تفويض انتخابي، وإطالة أمد الفترة الانتقالية والتركيز على سحق المنافسين السياسيين المحتملين من دون أدنى مراعاة لروح القيم الديمقراطية الليبرالية الحرة، مما عجل بنهاية حكم الأحزاب، والجيش لا يحكم منفرداً لكنه يتحالف مع القوى الأكثر نشاطاً وصعوداً في الشارع السياسي، وتسند المهمات عادة إلى التكنوقراط، وانتهت كل هذه الفترات بالفشل ولم ترضي طموحات الأجيال الجديدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبين أن "قانون القوات المسلحة مثل القوانين السودانية الأخرى موروث من فترة الحكم البريطاني وروحه العامة، مثل القوانين التي تحكم الجيوش الأخرى في العالم، وإذا استثنينا الفصل الأول والثاني في الباب الأول المتعلق بالفصل وتنظيم العلاقة بين المستويات السياسية والعسكرية في الدولة، وتحديد أهداف وطبيعة القوات وهياكلها، فإن بقية أبواب وفصول ومواد هذا القانون مواد حاكمة ومنظمة وضابطة لهذه القوات في السلم والحرب والحقوق والواجبات".

 

 

ويلفت الباحث في مركز الخرطوم للحوار أنه "في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي والتعديلات المتكررة للدستور في السودان والأطماع الدولية والإقليمية التي تحيط به، والضعف البائن للمستويات والأطر الحزبية والسياسية التي تمثل المجتمع المدني، يبقى الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى الوحيد المتماسك والقادر على الحفاظ على وحدة البلاد وحمايتها من التشظي، وبالتالي فإن الحديث عن الإصلاح المطلوب للعبور نحو المستقبل يتطلب إصلاح الدولة السودانية بمستوياتها المختلفة المدنية والعسكرية، بطريقة متدرجة بعيدة من أجواء الاستقطاب السياسي عبر مؤسسات منتخبة مسنودة بهيئات استشارية مهنية حتى يتحقق الاستقرار المنشود، ونمضي في اتجاه الريادة والابتعاد من إدخال الدولة ومؤسساتها المختلفة في صراع داخلي يهدد بقاءها ويورثها الهلاك".

مساءلة ومحاسبة

من جهة ثانية يعتقد عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين (تضامن) العميد وليد عزالدين عبدالمجيد أن "الجيش لن يعود لثكناته لأسباب عدة، أهمها رغبة العسكريين البقاء في الحكم، ونربط ذلك بما حدث خلال الفترة الانتقالية الأخيرة عندما رفضوا تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، لأنه بكل تأكيد سيُخضعون للمساءلة والمحاسبة، وأيضاً مما يدعم ذلك وقوف ورغبة بعض القوى السياسية المتحالفة مع العسكريين مثل ’الإخوان المسلمين‘ وبعض الحركات المسلحة".

 

 

ويتابع، "من المؤكد أن كل التجارب العسكرية في الحكم كانت خصماً على الجيش وتضرر منها كثير خلاف الدولة نفسها، من ناحية فقدان الكفاءات بالإحالات أو الإعدامات، وأيضاً أثرت فعلاً في الانضباط العسكري والمهنية التي لا تتفق مع العمل السياسي، وهذا ظهر جلياً طوال فترة حكم النظام السابق التي أقحمت المؤسسة العسكرية في المشاريع الاقتصادية وشغلت القادة والضباط عن مهماتهم الأساس في التدريب وتجهيز القوات وتأهيلها لمهماتها، وكان المردود السلبي الذي قيد الصرامة العسكرية وتطورها، ومواكبة الجيوش الأخرى في المهمات العسكرية البحتة".

ويرى عبدالمجيد أن "هناك إمكاناً للوصول إلى جيش مهني يستوفي شروط الواجب العسكري إذا توافق الجميع على التقيد بتنفيذ شروط الجيش الوطني المهني، والمتمثلة في القومية والوطنية والأسباب التي تستدعي تكوين الجيوش في الدول، مثل نسبة الأفراد العسكريين من العدد الكلي للسكان في الدولة والأخطار المتوقعة والعقيدة القتالية المقتبسة من العقيدة الإستراتيجية للدولة والتهديد المتوقع، وهل هي دفاعية أم هجومية، والأهم من ذلك كله وجوب الفصل بين الانتماء إلى القوات المسلحة والانتماءات الشخصية للمجموعات والأفراد داخل المؤسسة، فلا بد من الابتعاد من تجربة نظام الإخوان التي جعلت الجيش ميليشيات تأتمر بأمر الحزب لا الواجب العسكري".

محك حقيقي

من جانبه قال المحلل السياسي الجميل الفاضل إنه "في ما يبدو أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت الجسر، وأن الأحداث قد تجاوزت إلى حد بعيد مطالب الشارع المنادية في وقت سابق وظرف مختلف بعودة الجيش لثكناته وحل ميليشيات الدعم السريع، وفي تقديري أن مجريات وطبيعة هذه الحرب وضعت الجيش أمام محك حقيقي، وكشفت عن أن جيش في ما بعد انقلاب نظام الـ 30 من يونيو (حزيران) 1989 لم يعد ھو ذاته جيش ما قبل ھذا التاريخ، على علاته التي كانت مدخلاً لتدخله المستمر والمتكرر في السياسة بشكل سافر ومباشر لأكثر من 52 سنة، فالواقع والتجربة منذ انطلاق الحرب في الـ 15 من أبريل (نيسان) 2023 يشيران إلى استحالة استمرار وجود ھذا الجيش كما ھو، ناھيك عن وجود أدنى فرصة له للمشاركة السياسية".

 

 

وأردف، "أتصور أن ھذه الحرب لن تنتھي إلا بنھاية أسطورة ھذا الجيش الذي لم يعد لدرجة من القداسة والتوقير الزائف اللذين كان يحظى بهما، ومؤكد أن الجيش الجديد سيكون تأسيسه وفق معايير المهنية والشروط العسكرية التي تراعي التنوع والتعدد الجغرافي، ومختلفاً تماماً عن ھذا الجيش".

وأشار الفاضل إلى أن الأزمة الموروثة لھذا الجيش تجعل إصلاحه شبه مستحيل من حيث التكوين المناطقي والبنية البشرية، فضلاً عن احتكار لا يخفى لنخب اثنية ومناطقية لمركز القيادة والسيطرة فيه، وبالتالي فإن جيش المستقبل لا بد من أن يقوم على أسس مهنية احترافية يراعي فيها معالجة الاختلالات التي أدت إلى وجود جيش مأزوم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير