Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلقاء المساعدات جوا خيار أخير... فمتى يتم اللجوء إليه؟

يعاني 42.3 مليون شخص حول العالم المجاعة أو إمكان الوقوع في براثن الجوع إذا لم يحصلوا على الإمدادات العاجلة

طائرة نرويجية تسقط أكياساً من الحبوب الغذائية في تشاد عام 1973 (برنامج الأغذية العالمي)

ملخص

أول عملية إنزال جوي للإغاثة الإنسانية الطارئة لمنظومة الأمم المتحدة كانت في أغسطس 1973 في منطقة الساحل الغربي في أفريقيا

يعلن برنامج الأغذية العالمي أنه في أية لحظة يمكنه تقديم ما يعادل خمسة آلاف شاحنة من الأغذية إلى الذين يحتاجون إليها، وهم كثر حول العالم، إلا أن غالبية الصعوبات التي يواجهها بغية القيام بذلك، طرق نقلها سواء براً أو بحراً أو جواً، وهذه الطريقة الأخيرة هي الوسيلة التي يلجأ إليها البرنامج بعد انسداد كل السبل البرية والبحرية، علماً أن نقل الغذاء جواً يواجه أيضاً معوقات لوجستية كثيرة تتعلق بالسماح للطيران فوق المنطقة المنكوبة المحتاجة إلى مساعدات برنامج الأغذية العالمي.

ومع ذلك، "لا تزال بعض الجماعات الأكثر ضعفاً بعيدة من متناولنا"، يعلن البرنامج، و"غالباً ما تكون هذه المجموعات من العالقين خلف الخطوط الأمامية في مناطق النزاع، أو في المناطق التي يتعذر الوصول إليها بسبب الطقس القاسي أو وعورة الطرق"، بحسب ما أتى على موقع برنامج الغذاء على شبكة الإنترنت.

ويكمل البرنامج أنه "عندما تفشل الخيارات الأكثر فاعلية، يلجأ برنامج الأغذية العالمي إلى عمليات الإنزال الجوي، وحدث ذلك في المناطق النائية من جنوب السودان وفي مناطق مختلفة حول العالم، وشارك البرنامج في إيصال المساعدات الغذائية جواً إلى قطاع غزة، وكان يسهم في إيصالها براً قبل بدء الحرب الدائرة حالياً. واللجوء إلى الإسقاط الجوي للمساعدات يكون الخيار الأخير بسبب الكلف العالية لهذه العملية، بدءاً من وقود الطائرات وتشغيلها وتشغيل الأفراد العاملين من الجو وعلى الأرض، وبسبب الكميات الصغيرة نسبياً التي يمكن تسليمها في كل رحلة عكس الكميات الكبيرة التي تنقلها قوافل الشاحنات، ويكلف توصيل الطعام عن طريق الجو ما يصل إلى سبعة أضعاف ما يكلفه عن طريق البر، بحسب تقارير برنامج الأغذية العالمي.

حالات الطوارئ

وقعت أول عملية إنزال جوي للإغاثة الإنسانية الطارئة لمنظومة الأمم المتحدة في أغسطس (آب) 1973 بقيادة برنامج الأغذية العالمي بواسطة أكثر من 30 طائرة شحن لإسقاط المساعدات بمنطقة الساحل الغربي في أفريقيا، حيث أدت ستة أعوام من الجفاف في تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال وما كان يسمى آنذاك فولتا العليا ويعرف الآن ببوركينا فاسو إلى نقص الغذاء والماء، مما أثر في حياة ملايين الناس، واستمرت جهود الإغاثة لمدة ثلاثة أعوام. ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، قدمت عمليات الإنزال الجوي 1.5 مليون طن من المساعدات في أسوأ حالات الطوارئ في العالم على مدى الأعوام الـ 15 الماضية.

في 2016، أنزل البرنامج مساعدات جوية على مدينة دير الزور في سوريا للوصول إلى ما يقارب مليون نسمة يقبعون تحت الحصار، وكان إسقاط هذه المساعدات من أعلى نقطة جوية خوفاً من قذائف المدفعية التي قد تطاول الطائرات. فالإنزال الجوي يحصل من ارتفاعات تراوح ما بين 300 متر و5600 متر في مناطق النزاع، وهو الوسيلة المعتمدة حين يوجد خطر على الطائرات. وتخلف برنامج الأمم المتحدة عن الموعد النهائي المحدد من قبل المجموعة الدولية لدعم سوريا للقيام بإنزال جوي، إذ لم تمنح الحكومة السورية الإذن بالوصول إلى المناطق المحاصرة حيث يوجد أكثر من مليون سوري محاصرين. في النهاية، تمكن البرنامج بمساعدة دولية من تنفيذ 44 عملية إنزال جوي فوق دير الزور، حيث قدم 750 طناً من المواد الغذائية.

وعام 2020، ألقت الطائرات التابعة لبرنامج الأغذية العالمي في عمليات إنزال جوية في باينجيار جنوب السودان المساعدات جواً، وكانت هذه العمليات الأكبر من بين عمليات برنامج الغذاء، إذ تم الوصول إلى 2.5 مليون شخص محتاج بين عامي 1990 و2005 في جنوب السودان. وأدى بناء الطرق وإصلاح أخرى في جنوب السودان إلى جعل التوصيل البري أرخص بنسبة 50 في المئة تقريباً من النقل الجوي.

في شمال شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعتبر عمليات الإنزال الجوي الطريقة العملية الوحيدة لإمداد 130 ألف شخص نزحوا بسبب القتال حول دونغو، بالمساعدات الغذائية. واستغرقت آخر قافلة من الشاحنات التي وصلت إلى البلدة من أوغندا، 35 يوماً لقطع مسافة 520 كيلومتراً، مقارنة بأقل من ساعتين بالطائرة.

وفي الخامس من مارس (آذار) 2024، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن عملياته لإيصال الأغذية إلى شمال غزة تواجه كثيراً من الانتكاسات، وحاول البرنامج التابع للأمم المتحدة استئناف جهوده لإيصال الإمدادات الغذائية الضرورية إلى القطاع، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل. وأعلن البرنامج أنه بعد انتظار دام ثلاث ساعات عند نقطة تفتيش وادي غزة، أعادت قوات الدفاع الإسرائيلية قافلة غذائية مكونة من 14 شاحنة، وهي القافلة الأولى التي يرسلها البرنامج منذ تعليق إرسال المساعدات إلى شمال القطاع في الـ20 من فبراير(شباط) الماضي. فلجأ البرنامج في اليوم نفسه إلى مساعدة سلاح الجو الملكي الأردني ليتم إنزال الإمدادات الغذائية التي تزن ستة أطنان إلى 20 ألف شخص في شمال غزة. وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة هو أكبر منظمة إنسانية في العالم تقوم بإنقاذ الناس في حالات الطوارئ الذين يعانون النزاعات والكوارث وآثار تغيّر المناخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نقل الغذاء للمحتاجين إليه حول العالم

يعاني 42.3 مليون شخص حول العالم المجاعة أو إمكان الوقوع في براثن الجوع إذا لم يحصلوا على المساعدة العاجلة، وهذا الجوع يقع بسبب الصراعات وتغير المناخ وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، أما النقاط الساخنة الحالية والمتضررة بشدة بسبب الجوع، فهي غزة وتشاد وجنوب السودان وهايتي.

ولكي نعتبر أن شعباً أو جماعة من البشر في حال الجوع يتم استخدام المعيار العالمي لقياس انعدام الأمن الغذائي، أو "مقياس ريختر" للجوع، فيبدأ التصنيف بما يسمى "الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي" وهي المرحلة الأولى من التصنيف المتكامل للأمن الغذائي، وفي هذه المرحلة يعاني أقل من خمسة في المئة من السكان سوء التغذية، ويتمتع الناس بدخل ثابت. تكون هناك كمية ونوعية ملائمتين من الطعام بالنسبة إلى معظم الناس، ويحصل الشخص الواحد على أكثر من 2100 سعرة حرارية في اليوم.

والمرحلة الثانية هي انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفي هذه المرحلة يحصل الأشخاص على الحد الأدنى من الاستهلاك الغذائي المناسب، بينما يمكنهم تحمل كلفة بعض المواد غير الغذائية الأساسية، ويواجهون صعوبات في تلبية حاجاتهم الأساسية، ويتعين عليهم إجراء بعض التغييرات لدعم حاجاتهم غير الغذائية. في هذه المرحلة، يعاني ما نسبته بين خمسة و10 في المئة من السكان سوء التغذية الحاد، ويتناول الشخص 2100 سعرة حرارية في اليوم، مما يعني أنهم بالكاد يحصلون على نظام غذائي كافٍ لتلبية حاجاتهم الغذائية.

أما المرحلة الثالثة، فهي انعدام الأمن الغذائي الحاد ويسمى "الأزمة"، وفيها تعاني الجماعات نقصاً في استهلاك الغذاء إلى جانب سوء التغذية الحاد، ويختبر ما بين 10 إلى 15 في المئة من السكان سوء التغذية الحاد مع عدم وجود مصدر دخل معين للأفراد والأسر.

سوء التغذية

في المرحلة الرابعة يبدأ انعدام الأمن الغذائي الحاد "الطارئ"، وتواجه الأسر نقصاً كبيراً في استهلاك الغذاء إلى جانب معدلات سوء تغذية حاد وأعداد زائدة من الوفيات، أو لا تتمكن من التغلب على نقص استهلاك الغذاء إلا من خلال بيع الأصول القليلة المتبقية لديها، ويعاني ما بين 15 إلى 30 في المئة من السكان سوء التغذية الحاد.

أما المرحلة الخامسة، فتسمى "الكارثة" أو "المجاعة" وهي أشد مراحل الجوع، وتعني الافتقار التام إلى إمكان الحصول على الغذاء والحاجات الأساسية الأخرى. ويكون الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد، واضحة للعيان. وفي هذه المرحلة يموت ما لا يقل عن اثنين من كل 10 آلاف شخص يومياً، بسبب الجوع أو المرض في ظروف المجاعة.

في وقت سابق من هذا الشهر، بدأت الولايات المتحدة بإجراء أول عمليات إنزال جوي للمساعدات الغذائية، فهبطت بالمظلات آلاف الوجبات على طول الساحل وفي شمال غزة.

لكن المنظمات الإنسانية التي يدق كثير منها ناقوس الخطر في شأن أزمة الجوع بغزة منذ أشهر، ليست معجبة بطريقة الإيصال الجوي للمساعدات إلى قطاع غزة. وهم يجادلون بأن عمليات التسليم الجوي والبحري ليست فقط بديلاً غير كافٍ للمساعدات الإنسانية التي يتم تسليمها عن طريق البر، ولكنها أيضاً غير إنسانية وغير ضرورية كما يقول سياران دونيلي، نائب الرئيس الأول للاستجابة للأزمات والتعافي والتنمية في لجنة الإنقاذ الدولية، ويؤكد أن "ليس هناك سبب وجيه لعدم تمكن المساعدات من الوصول إلى غزة براً"، مشيراً إلى أنه على عكس الأماكن النائية جداً أو التي تعرضت في الفترة الأخيرة للكوارث الطبيعية، هناك كثير من الطرق البرية إلى القطاع. وفي بعض الحالات، أثبتت هذه الجهود أنها خطرة، إذ قتل كثير من الجوعى الفلسطينيين عندما فشلت منصة مساعدات بالمظلة في الانتشار بصورة صحيحة. وأدت عملية إنزال جوي فوق شمال غزة إلى إلحاق أضرار بالألواح الشمسية في المستشفى المعمداني التي كانت توفر مصدراً حيوياً للكهرباء وسط انقطاع التيار على نطاق واسع.

الاعتراض على عمليات الإنقاذ الجوي في قطاع غزة لا يقع على عاتق لجنة الإنقاذ الدولية فحسب، بل أصدرت 25 منظمة غير حكومية، بما فيها "منظمة العفو الدولية" و"أطباء بلا حدود" و"أوكسفام"، بياناً يدعو الحكومات إلى إعطاء الأولوية لتأمين وقف فوري ودائم لإطلاق النار واستئناف وصول المساعدات الإنسانية عبر جميع المعابر البرية، محذرة من أن "الدول لا يمكنها الاختباء وراء عمليات الإنزال الجوي والجهود المبذولة لفتح ممر بحري لخلق الوهم بأنها تفعل ما يكفي لدعم الحاجات في غزة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير