Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صداقة عدو عدوي هل تؤهل روسيا لـ"تدجين" حركة "طالبان"؟

تعلق الحركة الأفغانية آمالاً كبيرة على إمدادات المواد الغذائية والمواد الخام من موسكو

مقاتل من حركة طالبان يقف حارساً أمام السفارة الروسية بعد هجوم انتحاري تعرضت له في كابول، في 5 سبتمبر 2022 (أ ف ب)

ملخص

يمكن وصف الصداقة المنتظرة بين خصوم الأمس بأنها لفتة رمزية، سيكون تأثيرها السياسي صفراً. فصداقة "الدب" مع "الذئب" لا تثير سوى ضجيج إعلامي فقط، ولن تتمكن روسيا أبداً من بناء استراتيجية أفغانية مناسبة.

ألهمت "داعش –خراسان" كلاً من روسيا وحركة "طالبان" في أفغانستان بوجوب إصلاح ذات البين بينهما في أسرع وقت ممكن، لأن هناك عدواً مشتركاً يقرع الأبواب في كابول وموسكو على حد سواء، ويسيل الدماء، وينتظر انتهاز أول فرصة للانقضاض على أهداف محددة ومرسومة بدقة.
كل فعل مفاجئ وغير متوقع يستتبع ردود أفعال لم تكن منتظرة وغير متوقعة، فالعملية الإرهابية التراجيدية في مجمع كروكوس قرب العاصمة الروسية، التي دُبرت في ليل وفي غرف سرية معتمة، نُفذت بأيدي متطرفين أصوليين، وحصدت 144 قتيلاً و200 جريح في 22 مارس (آذار) الماضي، ما دفع روسيا إلى تسريع خطى التقارب وشدّ العرى الوثقى التي كانت مقطوعة مع حركة "طالبان" الأفغانية، على رغم مما بين الطرفين من دماء مسفوكة وتاريخ من الثأر والعداء والقتال الشرس الذي أوقع آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى طوال عقد كامل من المجابهة والمواجهة في جبال ووديان أفغانستان الوعرة، امتد من عام 1979 وحتى عام 1989 حين قررت القيادة السوفياتية سحب جيوشها من الأرض العصية على كل محتل وغازٍ، وهذا ما كرر فعله الأميركيون وقوات حلف شمال الأطلسي بعد إقامة تحت النار لنحو عشرين عاماً في أفغانستان التي لم تستطع أي قوة مهما بلغ جبروتها احتلالها والبقاء فيها.

مصائب قوم عند قوم فوائد

فبعد أسبوع واحد على العملية الإرهابية في كروكوس، كشف مدير الإدارة الآسيوية الثانية بوزارة الخارجية الروسية، زامير كابولوف، في مطلع أبريل (نيسان) الجاري، عن أن تعاون روسيا مع حكومة "طالبان" في مجال مكافحة الإرهاب "يتم بشكل منتظم". وأكد أن القيادة الروسية دعت وفداً من حركة "طالبان" الحاكمة في أفغانستان (والمحظورة في روسيا) للمشاركة في منتدى "روسيا - العالم الإسلامي: منتدى قازان" المقرر عقده في الفترة من 14 إلى 19 مايو (أيار) المقبل.
وأكد كابولوف أيضاً إن التعاون بين روسيا الاتحادية وحكومة "طالبان" في مجال مكافحة الإرهاب "يتم على أساس منتظم". وأشار إلى أنه "لا توجد أخبار خاصة هنا يمكن إضافتها".
والمفارقة الغريبة العجيبة، تكمن في أن زعماء "طالبان" يزورون روسيا بانتظام منذ ما قبل استيلائهم مجدداً على الحكم في بلادهم، على رغم أن موسكو لم تزل منظمتهم بعد من قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة. وتكثف تفاعل موسكو مع "إمارة أفغانستان الإسلامية" بشكل كبير منذ الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. والسمة المشتركة بينهما هي المشاعر المعادية لأميركا، والتي كانت قوية في كل من كابول وموسكو. ومع ذلك، فإن نفوذ روسيا الاقتصادي في المنطقة محدود ولا يمكن مقارنته بنفوذ لاعبين مهمين حقاً مثل الصين أو باكستان.
خلال حكم "طالبان" الأول من عام 1996 إلى عام 2001، كان المسؤولون الروس ينتقدون بشدة الإسلاميين المتطرفين. وكان الكرملين غاضباً بشكل خاص عندما اعترفت "طالبان" باستقلال "إيشكيريا" أي الشيشان، بينما كانت الحرب الدموية تدور رحاها في جنوب الاتحاد الروسي. ولهذا السبب على وجه الخصوص، دعم الرئيس الشاب آنذاك فلاديمير بوتين للمرة الأولى العملية العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد "طالبان" في عام 2001.

ولكن بعد مرور عقدين من الزمن منذ ذلك الحين، وعودة "طالبان" إلى كابول من دون معارضة تُذكر في 15 أغسطس (آب) 2021 لتولي حكم البلاد مجدداً، صار العالم مكاناً مختلفاً بالفعل. وأجلت السفارات الغربية موظفيها وأحرقت وثائق سرية على عجل. ولم تتأثر البعثة الدبلوماسية الروسية بهذا. ولم يتم إخراج أحد من البلاد.
حينذاك، أصبح السفير الروسي دميتري شيرنوف أول دبلوماسي أجنبي يلتقي علناً بـ"طالبان"، بعد يومين فقط من سقوط كابول. وفي الوقت نفسه، كانت السفارة الروسية تنشر تقريراً يفيد بأن الرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني فر بسيارات مليئة بالأموال "بطريقة مخزية للغاية". ومع دخول "طالبان" المنتصر إلى كابول، كانت موسكو قد أقامت بالفعل اتصالات وثيقة مع المتطرفين. وحتى قبل ذلك، جرت في العاصمة الروسية مفاوضات "بصيغة موسكو" بين سلطات الجمهورية السابقة و"الإمارة" الجديدة. وهي مستمرة حتى اليوم، فقط من دون الحكومة السابقة.
وبعد انسحاب القوات الغربية، أعلنت حركة "طالبان" "نهاية احتلال أفغانستان الذي دام 20 سنة". وكانت وجهة النظر هذه على وجه التحديد هي التي كانت مفيدة لبناء جسور خاصة في وقت كانت علاقات موسكو مع واشنطن تتدهور بالفعل. وفي الوقت نفسه، تم بعث إشارات إلى أن حقيقة أن جنود الاتحاد السوفياتي، الدولة التي ولِد من رحمها الاتحاد الروسي، كانوا أيضاً في أفغانستان منذ عام 1979 وحتى عام 1989، قد ألقيت في البحر، ووريت طي النسيان.

عود على بدء

كان الاتحاد السوفياتي في النصف الثاني من القرن العشرين أهم لاعب أجنبي في أفغانستان. وفي الفترة ما بين الخمسينيات والثمانينيات، وبمشاركته، تم بناء 130 منشأة صناعية ومنشأة للبنية التحتية في البلاد، من المطارات إلى أنظمة الري. في شوارع كابول، لا يزال بالإمكان في كثير من الأحيان رؤية المعدات أو السيارات الصدئة التي تذكرنا بعصر الكتلة الشرقية. يتحدث الجيل الأكبر سناً من الأفغان اللغة الروسية بشكل جيد. لكن أيام عظمة موسكو ولت منذ زمن طويل. إن هؤلاء الشباب الأفغان الذين يحلمون بالهجرة، نظراً لارتفاع مستويات البطالة والكساد الاقتصادي، يفكرون في الولايات المتحدة أكثر من روسيا، التي لا تلعب سوى دور الخيار الاحتياطي. والطريق إلى روسيا ليس سهلاً بالنسبة إلى الشباب الأفغاني، إذ لا يمكن الحصول على التأشيرات التعليمية إلا على حساب جهود بيروقراطية كبيرة. إضافة إلى ذلك، فإن الأخبار عن هجمات الطائرات من دون طيار على موسكو تجعل روسيا أقل جاذبية للمنفيين الأفغان الذين مزقتهم الحرب. وحتى في مجال القوة الناعمة، فإن روسيا لا تبدي أي نشاط تقريباً، فلا برامج تعليمية، ولا مساعدات إنسانية، في حين تدعم تركيا، على سبيل المثال، شبكة من المعاهد الثانوية والمدارس الأخرى في أفغانستان.

الوجود الاقتصادي الروسي في البلاد محدود أيضاً. وفقاً لوكالة الإحصاء الأفغانية، احتلت روسيا المرتبة الثامنة فقط هذا العام بحجم تجارة يبلغ 289 مليون دولار، متخلفةً بشكل كبير، على سبيل المثال، عن إيران (1.4 مليار دولار)، والصين (1.2 مليار دولار)، وباكستان (1.2 مليار دولار). علاوةً على ذلك، ووفقاً للبنك الدولي، شهد العامان الماضيان تراجعاً بنسبة 35 في المئة في الاقتصاد الأفغاني وحدثت مجاعة حادة. ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش ثلثا الأفغان تحت خط الفقر.

وفي هذه الحالة، تعلق "طالبان" آمالاً كبيرة على إمدادات المواد الغذائية والمواد الخام من روسيا. وفي سبتمبر (أيلول) 2022، أبرمت موسكو وكابول اتفاقية اقتصادية كبرى. وستزود روسيا أفغانستان سنوياً بنحو مليون طن من البنزين، وكمية مماثلة من وقود الديزل، ونصف مليون طن من الغاز الطبيعي المسال. وإضافة إلى ذلك، سيتم تصدير القمح الروسي إلى أفغانستان بمقدار مليوني طن سنوياً. وستصل كل هذه البضائع إلى أفغانستان عن طريق سكك الحديد والنقل البري بعد خصم مقارنةً بالسعر العالمي (كما تدعي طالبان). وأكدت موسكو الاتفاق لكنها التزمت الصمت بشأن التفاصيل.
وفي فبراير (شباط) 2023، أعلن السفير الروسي عن اتفاق بين روسيا و"طالبان" بشأن بناء محطة للطاقة الحرارية في شمال البلاد. ووفقاً له، يشارك مصنعو الأنابيب الروس في بناء القسم الأفغاني من خط أنابيب الغاز من تركمانستان إلى باكستان والهند. لكن كل هذه الخطط لا تزال موجودة على الورق فقط، ولا توجد أخبار عن تنفيذها.


عدو عدوي صديقي

ومن الواضح أن تطوير مثل هذه العلاقات مع "طالبان" يمثل أولوية بالنسبة للكرملين. وليس من قبيل الصدفة أن تكون روسيا واحدة من الدول القليلة التي اعتمدت موفدي الحركة كممثلين للسفارة الأفغانية. ومع ذلك، لا يزال علم "الجمهورية الإسلامية" البائدة يرفرف فوق مبنى السفارة في موسكو. إن حكومة موسكو تريد حقاً التعاون مع أي شخص يتبنى علناً سياسة مناهضة للغرب، حتى مع إيران، وحتى مع كوريا الشمالية، وحتى مع "طالبان". وبهذه الطريقة، تُظهر موسكو أنها ليست وحدها في خطابها المناهض للغرب، بغض النظر عن شركائها. وبهذه الطريقة تحاول موسكو إثبات مغالطة الانطباع بعزلتها، والتأكيد على قدرتها على جذب الشركاء الأجانب، إلا أن حقيقة رغبة الكرملين في حل المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تعاني منها أفغانستان تثير شكوكاً جدية.
وبدأ ممثلو "طالبان" اتصالات منتظمة سرّية وعلنية مع الاتحاد الروسي. وذكرت موسكو مراراً وتكراراً أنه على رغم أن الاتحاد الروسي لا يعترف قانوناً بحكومة "طالبان"، إلا أنه يجري حواراً نشطاً معها.
وقال المتحدث الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف للصحافيين، "إنهم حكومة الأمر الواقع في أفغانستان. هذه في الواقع دولة مجاورة لنا. بطريقة أو بأخرى نتواصل معهم. نحن بحاجة إلى حل القضايا الملحة. وهذا يتطلب حواراً. وفي هذا الصدد، نحن، مثل أي شخص آخر، نتواصل معهم".

رفع اسم "طالبان" من لوائح الإرهاب

وتعمل وزارة الخارجية الروسية، بالتعاون مع وزارة العدل والإدارات الأخرى ذات الصلة، على "مسألة" إزالة وضع المنظمة الإرهابية عن حركة "طالبان" الإسلامية المتطرفة، وذلك بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الروسية يوم الإثنين 1 أبريل (نيسان) الجاري نقلاً عن بيان لوزارة الخارجية. وأشارت الوزارة إلى أن "القرار النهائي ستتخذه القيادة السياسية العليا في البلاد".
ويؤكد خبراء أن روسيا يمكنها رفع اسم "طالبان" من قائمة الإرهابيين على المستوى الوطني، وأن مثل هذا القرار لن يتعارض مع أعراف الأمم المتحدة.
وقال نيكيتا ميندكوفيتش، رئيس النادي التحليلي الأوراسي، لـ"اندبندنت عربية"، إن "لروسيا الحق في اتخاذ أي إجراءات في هذا الشأن، وستعمل على المستوى الوطني. وفي مجلس الأمن، بطبيعة الحال، هناك حاجة إلى قرار بالإجماع من جانب أعضائه الدائمين. هذه أسئلة مختلفة تماماً، وليست مرتبطة دائماً ببعضها البعض. لرفع "طالبان" من قائمة الإرهابيين على مستوى الأمم المتحدة، من الضروري أن يتبنى مجلس الأمن قراراً جديداً. ويبدو هذا غير مرجح الآن، إذ من المرجح أن تمنع الدول الغربية تمرير مثل هذه المبادرة".
وأضاف ميندكوفيتش، "قد تكون هناك تناقضات خطيرة للغاية هنا، بخاصة بالنظر إلى الحقائق التي تم الكشف عنها بشأن الدعم الأميركي لتنظيم "داعش خراسان" (المحظور في الاتحاد الروسي)، والذي يقاتل الآن ضد "طالبان". واسمحوا لي أن أذكركم أن رئيس هذا الفرع سناء الله غفاري عمل لفترة طويلة في شركة عسكرية خاصة أميركية، ثم في جهاز استخبارات الحكومة الأفغانية السابقة الذي كان تحت السيطرة الأميركية. ولذلك، فإن العديد من الخبراء يعتبرون "داعش-خراسان" في أفغانستان هيكلاً موالياً لأميركا". وأشار نيكيتا ميندكوفيتش إلى أنه "في ظل هذه الظروف، يمكن للولايات المتحدة تخريب خروج "طالبان" من عقوبات مجلس الأمن".

حركة "طالبان" ومكانتها في الاتحاد الروسي

تم الاعتراف بحركة "طالبان" في روسيا كمنظمة إرهابية، وتم حظر أنشطتها في الاتحاد الروسي في عام 2003 بعد أن تم إدراجها في القائمة ذات الصلة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، حافظت موسكو على اتصالاتها مع "طالبان" لسنوات عدة. وفي مارس (آذار) 2022، اعتمدت روسيا أول دبلوماسي للحكومة الأفغانية بعد أن أصبحت السلطة في الدولة الواقعة في آسيا الوسطى تحت سيطرة حركة "طالبان".
وصرح الممثل الخاص للرئيس كابولوف في وقت سابق أن "إزالة طالبان من قائمة الإرهابيين في روسيا لن يكون ممكناً إلا بعد أن يحدث ذلك على مستوى مجلس الأمن الدولي. ولهذا السبب يجب على طالبان أن تظهر أنها تتصرف بطريقة متحضرة".
ومع ذلك، أعلنت الخارجية الروسية أن إزالة سمة "منظمة إرهابية" عن "طالبان"، قيد الدراسة، وذلك في خطوة لم تكن متوقعة، موضحةً أن القيادة السياسية العليا في البلاد ستتخذ القرار النهائي بهذا الشأن.
وجاءت هذه الخطوة الروسية بشكل مفاجئ، بحسب مراقبين، بخاصة أن موسكو كانت تربط مسبقاً إزالة "طالبان" من قوائمها كمنظمة إرهابية بقرارات الأمم المتحدة، على رغم العلاقات التي كانت تتوسع بين موسكو والحركة منذ أعوام.

ورأى الخبير في الشؤون الروسية، قياتشيسلاف غانينكو، أن الخطوة الروسية تجاه "طالبان" ناجمة عن "بعض التغيرات التي حصلت في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها هجوم كروكوس، الذي تبناه تنظيم داعش خراسان، الذي يكن العداء لطالبان، وهنا تقاطعت المصالح على ما يبدو".
وتابع غانينكو، إن "العلاقات بين موسكو وطالبان لم تكن مقطوعة، فهناك تواصل دائم، والوفود القادمة من كابول كانت تصل بشكل متتابع إلى موسكو، لكن ما كان ينقص هذه العلاقة هي وصولها الى المستوى الرسمي". وقال إن "روسيا كانت تنتظر إجراء بعض الخطوات كتشكيل حكومة تجمع كافة أطياف المجتمع الأفغاني، وكذلك اتخاذ الأمم المتحدة قراراً بإزالة صفة "إرهابية" عن حركة طالبان، لكن هذا كله لم يحدث".
وأشار إلى أن "ما دفع موسكو إلى هذه الخطوة هو الهجوم على كروكوس، فالعدو واحد، سواء بالنسبة لطالبان أو لموسكو، وفي هذه الحالة روسيا معنية بهذا الأمر". وأضاف غانينكو أن "التشكيل الإرهابي الذي ينشط في أفغانستان، لن يفلت من عقاب روسيا، لذلك هذه الخطوة تأتي تمهيداً لمرحلة مقبلة من الحرب الروسية على الإرهاب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ضرب "داعش خراسان"

واستكمل الباحث في شؤون الحركات المتشددة، ألكسندر ريزانوف، من النقطة التي توقف عندها الخبير في الشؤون الروسية غانينكو، حول التمهيد للمرحلة المقبلة وهي ضرب "داعش خراسان"، وقال إن الخطوة الروسية "جاءت تأكيداً لتوسيع العلاقات مع طالبان، بخاصة الجزء الأمني منها، بهدف ضرب داعش خراسان". وأضاف أن "طالبان اليوم تحارب هذا التنظيم، وفي الوقت ذاته ترغب موسكو بالقضاء عليه، وهي رغبة تشاركها طهران وإسلام آباد أيضاً، لذلك الاعتراف الرسمي بسلطات كابول، يسهل العمل والتخطيط لضرب هذا التنظيم الإرهابي".
وحول الخطوات التي تلي إزالة "طالبان" من قوائم الإرهاب الروسية، أشار ريزانوف إلى أن "توسيع التواصل الاستخباراتي مع كابول والعمل العسكري، لا بد أن يمر عبر أجهزة الدولة الروسية، ووجود "طالبان" كتنظيم إرهابي، يعوق الكثير من المسائل، وبعد إزالة صفة الإرهاب، تصبح أجهزة الاستخبارات الروسية قادرة على التواصل مع نظيرتها الأفغانية بسهولة أكثر، بل قد تتطور الأمور للوصول إلى اتفاقيات أمنية مشتركة".
وتابع "ربما في المستقبل تطلب "طالبان" من موسكو، انطلاقاً من أي اتفاقية أمنية مشتركة، أن تساعدها في القضاء على التكتلات الإرهابية النشطة في أفغانستان".
وأكد ريزانوف أنه في هذه الحالة "يمكن لموسكو أن تقدم كل الإمكانات إلى سلطات كابول، بخاصة العسكرية والاستخباراتية، وحتى الوصول إلى صفقات تسليح، أو حتى عملية عسكرية مشتركة على الأراضي الأفغانية. كل شيء وارد، فالأمر سيصبح قانونياً 100 في المئة، واستراتيجياً في الوقت ذاته".

من سيلحق بروسيا؟

وفي السؤال حول اتخاذ إيران وباكستان قراراً مشابهاً، استبعد الخبير في الشؤون السياسية الآسيوية، ألكسندر غريغوريف، أن تخطو طهران وإسلام آباد خطوات مشابهة نحو "طالبان" في الوقت الراهن.
وأوضح غريغوريف، أنه "لا يعتقد أن يكون هناك خطوة مشابهة في الوقت الراهن، لكن إذا استفادت روسيا من توسيع العلاقات مع طالبان في الحرب المنتظرة ضد داعش خراسان، فربما تتشجع بعض الدول على اتخاذ قرارات مشابهة، وهنا التعويل معقود على طالبان، وهي ستحاول بالتأكيد إثبات أنها جديرة وقادرة على التعامل مع الملف الأمني بإخلاص". وأشار غريغوريف إلى اختلاف السياسة الروسية تجاه "طالبان" عن سياسة إيران وباكستان، وقال "هناك أزمات ومشكلات مختلفة تماماً بين طالبان وإسلام آباد وطهران، ومن الصعب تشبيه الوضع مع طالبان بين هاتين العاصمتين وبين موسكو". وتابع "فعلى صعيد إيران، فهي دولة مسلمة شيعية، ولديها تحفظات كثيرة على تعامل طالبان مع الشيعة الأفغان. يضاف إلى ذلك أزمة المياه في المناطق الحدودية بين الدولتين، وأزمات أخرى معقدة، وهذا يحول دون تطبيع العلاقات، أما على صعيد باكستان، فلديها مشكلاتها المختلفة بخاصة في المناطق الحدودية وتبعية بعض المناطق وأزمة عبور الحدود.. مشكلات معقدة، لا تقتصر على رفع سمة الإرهاب عن طالبان فقط".
وخلص الباحث إلى القول "لكن أعتقد بعد تطبيع موسكو علاقاتها مع سلطات كابول، ربما ترعى مفاوضات منفصلة بين كل من إيران وباكستان لحل المشكلات العالقة، وهناك فرصة كبيرة للنجاح، بخاصة أن الأمر نابع من تأثر هذه الدول بالهجمات الإرهابية الآتية من دولة كأفغانستان". وختم بالقول، "الأمر يحتاج إلى وقت، لكن علينا انتظار ظهور تحالف يجمع هذه الدول لحماية نفسها من الإرهاب".

وكان القائم بأعمال وزير الداخلية التابع لحركة "طالبان"، سراج الدين حقاني، قال في 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي خلال لقاء مع الممثل الخاص للرئيس الروسي في أفغانستان زامير كابولوف، إن "الاستقرار في أفغانستان أمر ضروري، وهو في مصلحة روسيا والمنطقة برمتها".
واعتبر حقاني، الذي نقل المتحدث باسم وزارة الداخلية في طالبان، عبد المتين كاني، كلماته على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، أن "الأمن والاستقرار في أفغانستان يلبي مصالح المنطقة بأكملها، بما في ذلك روسيا". وذكر حقاني أن "اللقاء ناقش العلاقات الثنائية بين أفغانستان وروسيا والقضايا الأمنية ونمو التجارة بين البلدين ودعم روسيا لأفغانستان في المحافل الإقليمية والدولية".
يُشار إلى أن حقاني وصف العلاقات بين أفغانستان وروسيا بالجيدة، وأكد أن زيادة عدد زيارات الوفود بين البلدين ستعزز العلاقات الثنائية. بدوره، قال كابولوف، بحسب السكرتير الصحافي، إن روسيا تحترم موقف الحكومة الأفغانية وترغب في رفع مستوى التجارة الثنائية بين أفغانستان وروسيا.
وفي اليوم السابق، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أثناء حديثه في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن "النظام في منطقة آسيا الوسطى يعتمد على الوضع في أفغانستان، وبالتالي فإن الاتحاد الروسي يدعم رغبة الأفغان في العيش في أفغانستان بسلام". وأضاف أن "الاتحاد الروسي يدعم بالكامل حق ورغبة الشعب الأفغاني في العيش في سلام واستقرار، والنظام في المنطقة يعتمد على ذلك. ومع ذلك، فإن بناء هذا السلام المستدام على المدى الطويل مستحيل من دون تفاعل صبور وعملي مع سلطات الأمر الواقع".
ووفقاً لنيبينزيا، فإن "الخروج السريع من المأزق الحالي" وإعادة الاندماج الدولي اللاحق للبلاد سيعتمد على "التنسيق والتماسك بين تصرفات جميع اللاعبين" في أفغانستان.
وسيطرت حركة "طالبان" على أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، عندما انسحبت الولايات المتحدة وحلفاؤها وهم يجرون ذيول الهزيمة. وفرت الحكومة التي يدعمونها البلاد على عجل بعد تواجد دام 20 سنة، ولا تزال حركة "طالبان"، التي يوجد قادتها على قوائم عقوبات الأمم المتحدة، غير معترف بها رسمياً من قبل أي دولة.

الثقة المفقودة

ويشير عمر نصار، الباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إلى أن "الاتحاد الروسي ودول أخرى لا تزال لا تثق بشكل كامل بطالبان. فالدول التي لا تعترف بطالبان لا تريد التخلي عن أحد آخر أدوات النفوذ عليها. وفي جميع الاجتماعات التي عُقدت في موسكو، أعلن ممثلو "طالبان" علناً عن احترام حقوق المرأة وإنشاء حكومة شاملة، ولكن لم يتم الوفاء بأي وعد من هذه الوعود. لذلك إذا أزال المجتمع الدولي "طالبان" من قائمة الإرهاب، فسيبدو ذلك بمثابة انتصار لهذه الحركة التي تحكم البلاد بقوانين القرون الوسطى. وفي معظم دول العالم يُنظر إليها على أنها حركة متشددة. وإضافة إلى ذلك، فإن حركة "طالبان" لا تبذل جهوداً تُذكَر في مكافحة الإرهاب في أفغانستان، الأمر الذي يثير قلق القيادة الروسية بشدة".
وأكد الخبير نيكيتا ميندكوفيتش أن "قضايا السياسة الداخلية في أفغانستان بالنسبة إلى روسيا تُعتبر ثانوية، حيث لا يتعلق الأمر بمشكلة الإرهاب. ولسوء الحظ، فإن "طالبان" لا تقاتل التنظيمات الإرهابية المتوالدة كالفطر في الأراضي الأفغانية بشكل جيد بما فيه الكفاية الآن. ومنذ نهاية عام 2021، تتواجد التنظيمات الإرهابية في المناطق الشمالية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، وحركة تركستان الإسلامية، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، وجماعات أخرى محظورة في روسيا الاتحادية. بل كانت هناك معلومات تفيد بأن ممثلي القاعدة يعيشون علانية في كابول".
ويعتقد الخبير أنه "إضافة إلى القضايا الأمنية، بما في ذلك مكافحة تهريب المخدرات، فإن روسيا تشعر بالقلق إزاء إمكان تعزيز التعاون الاقتصادي مع أفغانستان. فكل همّ روسيا يتركز على أمرين أساسيين، أولهما قطع دابر الإرهاب العابر للحدود من أفغانستان، باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً، وباتجاه روسيا نفسها. والأمر الثاني، السيطرة على تجارة المخدرات المتدفقة من هذا البلد، سواء لبيعها في روسيا، وهذا يعتبر تهديداً للأمن القومي الروسي، لا يقل خطورة عن تهديد الإرهاب، أو لاستخدام الأراضي الروسية كطريق عبور وترانزيت باتجاه دول ثالثة لا سيما باتجاه أوروبا، مع ما يجره ذلك من تبعات قانونية ودولية على السلطات الروسية".

التعامل مع "طالبان" "متعة غريبة"

وفي الوقت الذي تمد فيه موسكو يد الصداقة لـ"طالبان" وحبل الإنقاذ الأول، هناك شكوك في أن تأثير أي اتفاق بين روسيا و"طالبان" سيكون جدياً. ويشير أندريه سيرينكو من مركز دراسة أفغانستان الحديثة إلى أن "الاتحاد الروسي يسعى من خلال مد جسور الصداقة مع هذه الحركة، لكن موقف موسكو في أفغانستان اليوم أضعف حتى مما كان عليه قبل الحرب. فعلى رغم أن الاتحاد الروسي يؤكد ارتياحه للمزاج المناهض للولايات المتحدة في أفغانستان، إلا أن ذلك لم يجلب أي شيء جيد لموسكو: أفغانستان لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً لآسيا الوسطى، وهو أمر يهم روسيا، وكابول لا تقاتل داعش التي لديها الكثير من القواعد في البلاد. طالبان لا تحارب المخدرات في البلاد (وهذه المشكلة تقلق موسكو دائماً)، كما ترفض طالبان تنفيذ مشروع الحكومة الشاملة الذي تصر عليه روسيا. باختصار، طالبان لا تستجيب لأي مطالب من موسكو".
على هذه الخلفية، يمكن وصف الصداقة المنتظرة بين خصوم الأمس بأنها لفتة رمزية، سيكون تأثيرها السياسي صفراً. فصداقة "الدب" مع "الذئب" لا تثير سوى ضجيج إعلامي فقط، ولن تتمكن روسيا أبداً من بناء استراتيجية أفغانية مناسبة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير