Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجلس الأمن... فيتو "المصالح" أقوى من تسوية النزاعات

عكس تأسيسه موازين القوى في نهاية الحرب العالمية الثانية ولا يستجيب للحجم السياسي والاقتصادي والعسكري للدول راهناً

 

جلسة لمجلس الأمن بنيويورك في 25 مارس 1946 (غيتي

ملخص

يعتبر مجلس الأمن الدولي الأداة "التنفيذية" للأمم المتحدة بسبب امتلاكه قائمة من الإجراءات تراوح ما بين إلزام الدول بقراراته إلى فرض الحصار والعقوبات، وصولاً إلى استخدام القوة تحت الفصل السابع... لكنه في المقابل، يعتبر أداة بيد الدول الخمس الكبرى التي تمتلك حق النقض، وبالتالي تعطيل وإسقاط أي قرار يخالف مصالحها. 

 شكلت الحرب العالمية الثانية صعقة لشعوب الأرض، ودفعت الفاعلين للبحث عن إطار عملي لمنع تكرارها بوصفها أشد حروب التاريخ حتى يومنا. فقد تراوح عدد ضحاياها بين 35 و60 مليون شخص. الأمر الذي دفع دول الحلفاء التي واجهت صعود النازية حينها إلى البحث عن تأسيس منظمة عالمية جديدة، ووريث شرعي لـ"عصبة الأمم"، فكان التوجه لإنشاء منظمة الأمم المتحدة، بأداة تنفيذية فعالة هي مجلس الأمن. استثمر الحلفاء مكاسبهم الميدانية في تكريس نفوذها على مستوى السياسة الدولية، وظهر ذلك في أبهى صورة من خلال تكريس حق النقض (الفيتو)، للقوى الخمس الكبرى أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين والاتحاد السوفياتي سابقاً (روسيا الفيدرالية اليوم)، ليصبح الفيتو أداة مؤثرة في السياسة الدولية، فهو يسمح لأي دولة من هذه الدول بتعطيل وإسقاط أي قرار يخالف توجهاتها داخل مجلس الأمن. 

ما هو مجلس الأمن؟ 

في عام 1945، وقبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، نشأت منظمة الأمم المتحدة بوصفها منظمة دولية في مؤتمر سان فرانسيسكو بمشاركة أكثر من 50 دولة مؤسسة، فيما تتكون المنظمة حاضراً من 193 دولة. وتهدف للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والتعاون بين الدول الأعضاء. ولغاية تحقيق أهداف الأمم المتحدة، تم إنشاء مجلس الأمن كهيئة تنفيذية.

 

شهدت المفاوضات السابقة لإنشاء المنظمة الدولية على تحفظات واسعة ضد حق النقض من قبل الدول الصغرى، في مقابل إصرار الدول الكبرى على ذلك. وفي النهاية، تمكنت الدول الكبرى من فرض شروطها. يروي فرانسيس ويلكوكس مندوب الولايات المتحدة إلى مؤتمر 1945 حدوث انقسام الدول حول حق النقض، وصولاً إلى فرض ذلك على الدول "الصغرى"، حيث أكد السيناتور كونيللي من الوفد الأميركي لتلك الدول بأنها ستشعر بالذنب حيال ذلك، وسينسفون الميثاق.

يشير المرجع في القانون الدولي محمد المجذوب في كتابه التنظيم الدولي إلى أن "مشكلة التصويت في مجلس الأمن من أدق المشاكل التي تعترض سبيل هيئة الأمم المتحدة. وقد دب الخلاف حول هذه المسألة في مؤتمر "دمبارتون أوكس"، ولم يحل إلا في مؤتمر يالطا 1945، حيث تقدم فرانكلين روزفلت باقتراح، وهو الاقتراح الذي صيغ في المادة 27، وأقره ونستون تشرشل وجوزيف ستالين، ومن ثم وافقت الصين عليه. وفي مؤتمر سان فرانسيسكو عرض الحل على المجتمعين فاندلع الخلاف من جديد بينهم، وحملت الدول الصغرى على الامتيازات التي أقرتها الدول الكبرى نفسها. غير أن الاعتراضات لم تغير من صيغة الاتفاق الذي اتخذه الكبار في يالطا". ويضيف في مكان آخر "إن إلغاء هذا الحق ليس من الأمور اليسيرة. إنه يتطلب تعديلاً للميثاق. والميثاق لا يعدل إلا بموافقة الخمسة الكبار". 


 
تركيبة دقيقة

يوضح الباحث القانوني رفيق هاشم ماهية مجلس الأمن الذي "يتألف من 15 عضواً، ويتوزعون بين خمسة أعضاء دائمين، وهم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، و10 أعضاء غير دائمين، تنتخبهم الجمعية العامة لمدة عامين، ولكل عضو صوت واحد"، مضيفاً "يأخذ المجلس زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلم الدولي، أو عمل من أعمال العدوان. ومن صلاحياته أن يطلب من الدول الأطراف في نزاعٍ معين تسويته بالطرق السلمية. وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، على جميع الدول الأعضاء الامتثال لقرارات المجلس. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن اللجوء إلى فرض عقوبات وجزاءات، وصولاً إلى الإذن باستخدام القوة لصون السلم والأمن الدوليين وإعادتهما. ويتولى رئاسة المجلس كل من أعضائه بالتناوب بصورة شهرية".

أما عن بنية مجلس الأمن، فيوضح هاشم أنه يتألف من لجان وهيئات فرعية وفرق عمل تعاونه، قائمة من أعضاء المجلس الـ15. ومن أهم هذه اللجان، لجنة مكافحة الإرهاب التي تعمل على تعزيز قدرة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على منع الأعمال الإرهابية داخل حدودها وعبر المناطق. 

فاعلية مجلس الأمن وعنف الفصل السابع

يتمتع مجلس الأمن الدولي بقوة معنوية، وكذلك بأدوات تنفيذية، تصل إلى حد استخدام القوة والعنف المادي. يلفت المحامي هاشم إلى أن "لمجلس الأمن أداة مهمة لإنفاذ مقرراته نص عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي تتمثل بصلاحية استخدام سلاح العقوبات والجزاءات للضغط على دولة أو كيان معين من أجل الامتثال للأهداف التي حددها المجلس، من دون اللجوء لاستخدام القوة. وتتعدد أشكال جزاءات مجلس الأمن في إطار السعي لتحقيق أهدافه، بحيث تراوح ما بين جزاءات اقتصادية وتجارية شاملة وأخرى أكثر تحديداً مثل حظر الأسلحة ومنع السفر وفرض قيود مالية أو مصرفية أو قيود على السلع. ويطبق مجلس الأمن عقوبات لدعم الحلول السلمية، ولردع التغييرات غير الدستورية، ولتقييد الإرهاب، ولحماية حقوق الإنسان، ولتعزيز عدم الانتشار النووي". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مثلاً، العقوبات التي فرضت على العراق خلال تسعينيات القرن الماضي في أعقاب غزو الكويت، يؤخذ عليها أنها كانت شديدة التأثير على حياة المدنيين في البلاد، وتصل بهم إلى حد المجاعة، الأمر الذي ألزم في حينه الأمم المتحدة تغطية عملية مقايضة النفط مقابل الغذاء. 

 

المصالح الكبرى

ينفرد الأعضاء الخمسة الذين يمثلون الدول الدائمة العضوية بحق النقض، ويشير محمد مجذوب في كتاب "التنظيم الدولي" إلى مبرر تخصيص بعض الدول بهذا الامتياز، حيث "نالت الدول الخمس الكبرى مقاعد دائمة في المجلس نظراً لتضحياتها المشتركة في أثناء الحرب، ونظراً للمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقها في شتى المجالات، وخصوصاً في مجال المحافظة على السلام والأمن"، معبراً عن مأخذ على المادة 23 من الميثاق، و"هو تحديدها للدول الخمس وتسميتها، مما يؤدي إلى استحالة تغييرها أو تبديلها، مع أن الوضع في كل هذه الدول قد يتطور مع الأيام فيسبب لها الانقسام على النفس أو يفقدها قوتها السابقة ومركزها الغابر. ثم إنه من المحتمل أن تتغير الأوضاع في العالم فيصبح عضو آخر في المنظمة الأممية دولة عظمى تتمتع بنفوذ قوي، ويتعين عندئذ إفراد مقعد دائم لها. وهذا ما تطالب به اليوم كل من ألمانيا واليابان".
 
من جهته، يتطرق المحامي هاشم إلى ما يسميها "الآليات أو الأدوات الجدلية" التي تطبع عمل مجلس الأمن، حيث يبرز حق الفيتو، الذي "يجد جذوره الأساسية في المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة للمقرر في عام 1945، هو يعتبر أداة أساسية وجوهرية تمتلكها الدول الكبرى الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بحيث يتيح لها الحق في منع اتخاذ أي قرار يتعلق بالمسائل الموضوعية غير الإجرائية، من خلال الاعتراض عليه، وبالتالي يمنحها القدرة على عرقلة القرارات المتعلقة بالمسائل الموضوعية، التي تتنافى مع مصالحها السياسية أو الاستراتيجية".

 

الفيتو والانتقادات بالجملة

يمتلك حق الفيتو قوة، تتمثل في منح الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية إمكانية تعليق أي قرار في مجلس الأمن، حتى لو كانت أغلبية أعضاء المجلس تؤيد القرار. فبمجرد قيام أي دولة من الدول الدائمة باستخدام حق الفيتو العائد لها في شأن قرارٍ معين، تتعطل إمكانية اتخاذ هذا القرار في المجلس.

برر مؤسسو ومنظرو ميثاق الأمم المتحدة حق الفيتو بأنه يُعد آلية مهمة تعكس واقعية العلاقات الدولية وترمي إلى الحفاظ على التوازن في العلاقات الدولية بين القوى الدولية الأساسية، حيث تمنح الدول الكبرى الفرصة للتعبير عن مصالحها والدفاع عنها وصونها. 

لذلك، برزت آراء أخرى اعتبرت أن حق الفيتو يشكل خللاً في مبادئ المساواة والإنصاف والعدالة على المستوى الدولي، واعتبرت أن استخدام حق الفيتو بشكل مفرط قد يؤدي إلى انعدام الثقة في مجلس الأمن وفي حياديته وتجرده، وقد يكون حجر عثرة أمام الجهود البناءة في حل النزاعات بصورة سلمية، تضمن السلام والأمن الدوليين. هذا ويواجه حق الفيتو انتقادات متزايدة من الدول النامية والناشئة التي ترى فيه عقبة أساسية في مسار تحقيق مصالحها وحماية حقوقها. 

يعتقد المحامي رفيق هاشم أنه "لئن كان حق الفيتو آلية مكرسة في ميثاق الأمم المتحدة من أجل صون التوازنات في ما بين الدول الكبرى، إلا أن الرأي السائد فقهياً يرى ضرورة في إعادة النظر فيه وإجراء إصلاحات وتعديلات جذرية في شأنه، وبالحد الأدنى، يرى هذا الرأي السائد ضرورة في استخدام حق الفيتو بحكمة وتوازن وبصورة جد استثنائية، ضماناً لتعزيز الثقة بشرعية وعدالة مجلس الأمن أولاً، وضماناً لصون دور مجلس الأمن كصمام أمان دولي وكمنبر لتحقيق العدالة والسلام الدوليين ثانياً، وضماناً لتأمين توازنات فاعلة ودقيقة بين مصالح الدول الكبرى من جهة، والدول النامية والناشئة من جهة أخرى، في ظل التحديات العالمية المعاصرة ثالثاً. وعليه، يجب أن يظل النقاش حول حق الفيتو مفتوحاً من أجل السعي إلى إيجاد آليات تحقق الضمانات الثلاث المتقدمة". 

مجلس الأمن وإمكانات الإصلاح

كرس مجلس الأمن "عولمة" القضايا المتصلة بحقوق الإنسان، والمسائل المتصلة بالأمن والسلام الدوليين. ولكن في المقابل، أثبتت التجارب انقياد الدول الكبرى وراء مصالحها الخاصة على حساب القيم الإنسانية والأخلاقية، فيما تبقى كثير من القرارات حبراً على ورق أو تنتظر الفرصة السياسية السانحة لتبصر النور. ومن بين الأمثلة على ذلك، القرار 242 الذي صدر عن المجلس في 22 نوفمبر (تشرين الأول) 1967، الداعي لانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي العربية التي احتلها في يونيو (حزيران) 1967. وكذلك القرار 425 الصادر في 19 مارس (آذار) الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي احتلها، والحفاظ على السلامة الإقليمية للبنان. ناهيك عن القرار 1559 الصادر في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2004، الذي دعا إلى انسحاب كافة القوات الأجنبية من لبنان، والذي ما كان لينفذ في هذا الشق، لولا اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، الذي عجل في انسحاب الجيش السوري في أبريل (نيسان) من ذلك العام، فيما يستمر القرار مدار سجال محلي لبناني بفعل دعوته إلى حل ونزع أسلحة كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. وشكّل القرار 1701 الذي يعد مقدمة لإنهاء حرب يوليو (تموز) والهجوم الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، حيث دعا إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان، وانسحاب جميع القوات من المنطقة منزوعة السلاح التي أقيمت بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. فيما يبقى القرار موضع التباس، ونقاش حتى يومنا هذا، حيث أعادته إلى الواجهة عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما أعقبها من مواجهات بين إسرائيل، ومجموعة من الجماعات اللبنانية والفلسطينية المسلحة في لبنان باعتباره أرضية ممكنة للحل. 

المهام التي انتظرها العالم من مجلس الأمن 

يرى رئيس مؤسسة (justicia) الحقوقية في بيروت، بول مرقص، أن "مجلس الأمن لا يقوم بالمهام التي انتظرها العالم منه منذ عام 1945، عندما حلت الأمم المتحدة محل عصبة الأمم، وأقيم ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو"، عازياً ذلك إلى "تركيبة مجلس الأمن من حيث العضوية، وآلية التصويت فيه، والتي عكست انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ولم تحقق مقاصد الأمم المتحدة التي وردت في الميثاق والرامية إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث يعجز هذا المجلس عن اتخاذ قرارات حاسمة لتحقيق هذه المقاصد تحت الفصل السابع الذي يكره فيه الدول على التنفيذ، بدءاً بقطع العلاقات الدبلوماسية، وفرض الحصار الاقتصادي، وصولاً إلى اللجوء للقوة العسكرية". 

ينطلق مرقص من أمثلة واقعية، ترتبط بالقرارات الكبرى المتعلقة بوقف الحروب، والتدخل في النزاعات بين الدول، وحماية المدنيين، ووقف تهجير المدنيين، ليتحدث عن "تأثير الحسابات السياسية على مواقف الدول التي صنفت نفسها عظمى، وحجزت لنفسها مقعداً دائماً في مجلس الأمن، مع حظوة استخدام حق النقض الفيتو، لتعطيل أي قرار صادر عن المجلس، ولو صدر بأكثرية عالية وموصوفة. ويذكّر مرقص بمواقف الدول الدائمة العضوية، مما جرى ويجري في سوريا وأوكرانيا وفلسطين، حيث عجز مجلس الأمن في فرض قراراته، وآخرها، ما يحصل في غزة، حيث "مضت أشهر قبل أن يتمكن المجلس من الاتفاق على قرار في شأنها، علماً أنه لم يتمكن من إدراجه تحت الفصل السابع". 

يلفت مرقص إلى مجموعة من الاقتراحات المتداولة في المؤتمرات العلمية لإصلاح مجلس الأمن، من جهة أولى، توسيع مجلس الأمن لضم دول كبرى جديدة على ضوء التطورات التي شهدها الواقع الدولي، وخصوصاً تلك التي تمتاز باحترام النظام الديمقراطي، وحقوق الإنسان، مشدداً على أنه "لم يعد قياس تقدم الدول والمكانة قائماً على القدرات العسكرية حصراً، وإنما تطور حقوق الإنسان، والاعتراف بالقانون الدولي". ومن جهة ثانية، يبرز الاقتراح بتبديل آليات التصويت داخل مجلس الأمن، وتقييد الفيتو، لناحية إعطاء حق النقض لثلاث دول معاً من بين الدول الخمس الدائمة العضوية التي يمكن رفع عددها إلى ثمانية أعضاء دائمين. يؤكد مرقص أن "التعديلات المقترحة هي الحد الأدنى المقبول، لأن المطلوب هو أوسع وأكبر"، مشدداً على "الحاجة لضغوط شعبية، وسياسية من الحكومات أيضاً، وصولاً إلى موافقة الدول المسماة عظمى من أجل الوصول إلى تعديل تركيبة مجلس الأمن". ليخلص إلى أن "الإصلاح ما زال مستعصياً نظراً لنفوذ الدول الكبرى، وتقديم مصالحها على أي أمر آخر". 

المزيد من تحقيقات ومطولات