Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التنمية والنزوح والفوضى... ماذا يحدث في إثيوبيا؟

أخطار الحروب أدت لآلاف المتضررين وسط تطوير العاصمة الذي يتطلب الهدم وإجلاء المواطنين

حطام وأنقاض قطاع كامل من حي بيازا التاريخي في أديس أبابا  (أ ف ب)

ملخص

تسعى الحكومة الإثيوبية إلى تنفيذ مشروع سيمثل تحولاً مهماً في تنمية البلاد وسط فاتورة باهظة الكلف على المواطنين

أدت الصراعات السياسية والإثنية التي تشهدها إثيوبيا منذ ما يقارب نصف قرن، والتي تضاعفت خلال العقود الأخيرة، إلى نزوح داخلي واسع من الريف نحو المدن الكبرى بحثاً عن مناطق أمان، مما أدى إلى تراجع المحاصيل الزراعية وجدواها على موازنة الدولة، لا سيما أن اقتصاد الدولة قائم بشكل أساس على الزراعة وفي مقدمها البن.

النزوح الريفي بدوره فرض أزمات اجتماعية تتعلق بانتشار البطالة فضلاً عما يعرف بـ"الحزام الأسود" من المباني العشوائية في خاصرات المدن الكبرى بينها العاصمة أديس أبابا، إذ انتشرت السكنات غير المرخصة والأسواق الموازية، مما يتناقض مع خطط الدولة لمشروعات التطوير والتنمية بالبلاد.

مسار التنمية 

يفخر الإثيوبيون بعاصمتهم التي أقامها الملك منيليك الثاني في عام 1886 لتكون واجهة حضارية للبلاد وحينها استبدل اسم المنطقة من "فنفني" إلى أديس أبابا التي تعني الزهرة الجديدة تيمناً بمدينة نيويورك الأميركية إلا أن العاصمة التي تقع على ارتفاع 7.546 قدم، رغم ما شهدته من تنمية خلال العقود الماضية فإنها تشهد صراعات عدة تعطل مسيرة الدولة.

ويعود ذلك إلى أسباب تاريخية وسياسية الأولى متعلقة بالنزاع الدائر حول تبعيتها لإقليم الأورومو إذ يطالب الأروميون باستعادة مسماها القديم واعتبارها جزءاً من إقليمهم. أما السبب الثاني فيتعلق بتداعيات الحروب وفوضى النزوح الريفي غير المنظم وانتشار المباني القصديرية.

في السياق قدمت الحكومة الإثيوبية مشروعاً وصفته بأنه سيمثل تحولاً مهماً في تاريخ مسار تنمية المدينة. وأكدت تحسين البنية التحتية والمشهد الحضاري لتعكس التزامها بالتقدم لجعل المدينة تعكس اسمها "الزهرة الجديدة" وتصبح "صالحة للعيش" لسكانها.

 

ومع ذلك، فإن أخطار مسعى التنمية الطموح يتفاقم بسبب أنشطة الهدم التي تحدث بسرعة الضوء وتصاحبها تجارب مؤلمة لسكان المدينة، ويتضح من عمليات الهدم المستمرة واسعة النطاق للمباني على طول الطرق المتضررة.

وتشير الإحصاءات الأولية إلى هدم ما يقارب 2000 منزل مملوك للدولة حيث تؤوي غالبية السكان المضطهدين في المناطق الحضرية، و400 منزل مستأجر آخر مملوك للدولة، و300 وحدة سكنية خاصة إضافة إلى عديد من المؤسسات التجارية والدينية والسقائف ومحال الحاويات والملاجئ الموقتة. 

وبحسب مصادر إدارة المدينة فقد أُجلي نحو 11 ألف مواطن من منطقة بياسا (وسط العاصمة) وحدها، مما يؤكد حجم التأثير في المجتمعات المتضررة.

وبينما تؤكد الحكومة الإدارة الفعالة لإعادة التوطين وتوفير مساحات معيشة بديلة فإن عديداً من التقارير تسلط الضوء على تناقضات خطرة بين البيان الرسمي والواقع على الأرض بخاصة عدم تعويض السكان الذين تم إجلاؤهم، والمخاوف المتعلقة بتوقيت وتعطيل الخدمات الأساسية بما في ذلك التغييرات المفاجئة في مدارس الأطفال والخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الرعاية الصحية.

بين التنمية والفوضى 

ويحذر المراقبون للشأن السياسي الإثيوبي من تناقض الخطط التنموية التي تتبعها الدولة لتحديث البنى التحتية الأساسية مع إمكانات المجتمعات المحلية التي تعاني العوز والفقر، إذ لا تتحمل كلف المعيشة المتزايدة في المدينة خصوصاً بعد إقدام الدولة على هدم عديد من المرافق بما فيها الوحدات السكنية التي لا تتوفر على وثائق الملكية، في ظل غياب نظم تعويض مناسبة، فضلاً عن أن سكانها في الأغلب نازحون من الحروب الضارية التي تجري بوجه خاص في إقليمي الأمهرة وأروميا وتداعيات ذلك على السلم الاجتماعي.

وعلى رغم أن البعض لم يتسلم مساكنه البديلة بعد، فإن من تسلموا سيواجهون ارتفاع كلفة المعيشة في منازلهم بالأحياء الجديدة، وأدت مشاريع ممرات الطرق أيضاً إلى إغلاق عدد لا يحصى من الشركات الصغيرة الناشئة في هذه المناطق المزدحمة بالمدينة، إذ تمتد الآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك إلى ما هو أبعد من أصحاب الأعمال وستضرب الأسر البعيدة عن المدينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التحول إلى اقتصاد السوق 

يرى الباحث الإثيوبي إيالوا تللا، أن التطوير الباذخ لا ينبغي أن يكون أولوية بالنسبة لحكومة يعيش 60 في المئة من سكانها في فقر مدقع، إذ تواجه البلاد حالياً فجوة تمويلية تبلغ نحو مليار دولار أميركي في استجابتها للأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد. وكان من الممكن استخدام الموازنة المخصصة للهدم ودفع التعويضات وإعادة بناء ممرات الطرق بالعاصمة لمساعدة الآلاف من ضحايا الجفاف الذين أصبحوا على حافة الموت في مناطق أخرى.

يضيف، السياق الأوسع لهذا التحول إلى جانب مشاريع أخرى مماثلة هو انعكاس للتحول الجذري في السياسة الإثيوبية في ظل السياسات التي يتبناها حزب الازدهار الحاكم، خصوصاً برنامجه الاقتصادي الذي تحول من استراتيجيات السياسة الداعمة للفقراء التي تبنتها الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية إلى تفضيل الأثرياء، ويتجلى هذا بشكل خاص في نية الحكومة المعلنة للسماح للأجانب الأثرياء بامتلاك العقارات بما في ذلك الأراضي ولسوء الحظ لم يستيقظ الإثيوبيون بعد على هذه الحقيقة.

يضيف تللا، إذا كانت مثل هذه التحسينات الحضرية واسعة النطاق التي تؤثر بشكل رئيس في الفقراء والمحرومين هي الأمر السائد فإن أقل ما كان ينبغي للسلطات فعله إتاحة المجال لمناقشة القضايا بشكل شامل، يليها شكل من أشكال الاستعدادات لضمان تنفيذ العملية. ولا تصبح عبئاً على الفقراء والمضطهدين لحملها.

يشير إلى أنه قد تبدو هذه الحجة وكأنها حول القرارات التي فات أوان التراجع عنها. ومع ذلك، هذا لا يعني أنه في الأقل لا ينبغي تحدي السلطات لتغيير مسارها لجعل العملية الجارية تعكس الحد الأدنى من اللياقة الإنسانية.

مؤكداً أن معظم المتضررين بالأساس هم ضحايا الحروب التي أشعلتها الإدارة الحالية في أقاليم تيغراي أروميا وأمهرة، وأن من مسؤوليات الدولة إيجاد بدائل للنازحين الفارين من المعارك وتوفير حياة كريمة لهم سواء من خلال تبني مشاريع المصالحة الوطنية وإعادة توطينهم في مناطقهم الزراعية أو توفير بدائل حضرية لضمان مشاركتهم في مشاريع الإنتاج الاقتصادي.

 

يشير إلى أن المواجهات بين الشرطة والمعترضين على هدم المنازل خلَّف مقتل عدد من المدنيين على أيدي الشرطة أو نتيجة التدافع، مما ترك آثاراً بالغة في ذاكرة النازحين تجاه التعاطي مع مخططات الدولة التي تنفذ من دون إجراء حوار مجتمعي.

ويختم تللا حديثه بالقول، يبدو أن الدولة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الفئات الأكثر فقراً، وتسعى بشكل متسارع نحو تمكين الأثرياء من خلال سياسات اقتصادية سيكون لها آثار اجتماعية واقتصادية قد تقود في النهاية إلى تآكل الطبقة الوسطى، من ثم الدخول في دائرة جديدة من العنف.

ويرجح الباحث أن تكون هذه السياسات نتاج ضغوط وإملاءات خارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تسعى إلى خلق نماذج ليبرالية أفريقية بغرض تعميمها في القارة السمراء، وأن هناك عدداً من الدول أسهمت مالياً في تمويل ما يعرف بمشروع "تطوير وتحديث العاصمة"، من بينها الصين.

عاصمة أفريقيا 

من جهته رأى الباحث الاقتصادي بيهون غيداون، أن جهود الحكومة الإثيوبية من ناحية التوسع الحضاري للعاصمة وغيرها من المدن يتماشى مع هدف جعل البلاد مقصداً سياحياً واقتصادياً على مستوى القارة الأفريقية، خصوصاً أنها تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي وتسعى إلى الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، إذ تم وضع إطار زمني مدته ثلاث سنوات لإثيوبيا لإتمام المفاوضات وتأمين عضويتها للمنظمة العالمية، خصوصاً بعد أن تمكنت الإدارة الحالية من ضمان موقعها كعضوة في منظمة بريكس.

ويقلل غيداون من الآثار الاجتماعية المترتبة عن هذه السياسات إذا ما قيست بالمكاسب الاقتصادية والتجارية مقابل جعل إثيوبيا دولة حديثة تسهم في الديناميكيات الاقتصادية والتجارية والسياسية دولياً وتقلل من حجم تلك الخسائر.

مضيفاً أن الرصيد الحضاري والثقافي الذي تتمتع بها البلاد يعد من أهم الثروات غير المستغلة سياحياً، وأن السياسات الطموحة التي تنفذها الدولة الآن ستجعل منها وجهة سياحية ومركز جذب اقتصادي مهم في القارة السمراء.

ويشير غيداون إلى تجارب عدة حول العالم بينها تجربة البرازيل التي انتقلت من دولة تعاني اختلالات بنيوية في اقتصادها إلى قوة صاعدة بفضل سياسات الإصلاح الاقتصادي والمدني الذي جعلها مرشحة لأن تكون خامس اقتصاد في العالم.

ويرجح الباحث أن هذه التجربة حاضرة بشكل قوي في سياسات الحكومة في سعيه للتوسع الاقتصادي والحضري من خلال تقديم العاصمة كمركز جذب سياحي في ظل ندرة الثروات الطبيعية، لكن ذلك ينبغي أن يسبقه تحرك قوي وقاس على مستوى تشييد البنى التحتية من طرق وممرات والخدمات الأخرى الجاذبة للسياحة العالمية على رأسها المساحات الخضراء.

مضيفاً أن الانتقادات الموجهة لهذه الخطط تعتمد على فرضية أنها ليست من الأولويات الضرورية في ظل العجز المالي والاقتصادي، في حين أن تنفيذها ممول من خارج موازنة الدولة وبدعم مباشر من دول صديقة كالصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير