Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يهدد التعدد القبلي تماسك الدول أم إنه يثري المجتمع؟

روح القومية والوحدة الوطنية تقود نحو الاستقرار والتقدم

تتبوأ أفريقيا مقدمة الدول في المشكلات المترتبة على تعدد العرقية والقبلية وعدم الاستقرار (أ ف ب)

ملخص

الهند وعلى رغم أنها ثاني تعداد سكاني بعد الصين إلا أنها استطاعت تحقيق توافق قومي بين إثنياتها

شهدت مجتمعات كثيرة نماذج مختلفة لما يتسبب فيه التنافس الإثني والعرقي من انعكاس سلبي على التماسك الوطني، فالصومال كانت ساحة لصراع قبلي في القرن الماضي أضر بالبلاد، كما شهدت رواندا صراع قبيلتي الهوتو والتوتسي الذي أودى بأرواح مئات آلاف المواطنين، إلى جانب نماذج أخرى لاسيما في الدول الأفريقية، فهل يمثل التعدد القبلي خطراً على تماسك الدول؟ أم إنه يثري الحياة من خلال تعددية البيئات والمواهب والقدرات؟

يرجع علماء الاجتماع الإثنية إلى تشارك هوية ثقافية موحدة في اللغة والثقافة والتقاليد المشتركة، بينما ينسبون العرقية إلى التصنيف البيولوجي المشكل للإنسان في اللون والطبع بناء على الحمض النووي والبنية العظمية.

أكثر تداولاً

وفيما يوصف العرق كونه الأكثر تداولاً في التفاعلات الشعوبية والأكثر إثارة للجدل، يرى بعض العلماء مثل رامون غروسفوغل من جامعة كاليفورنيا أن الهوية العرقية - الإثنية تمثل مفهوماً واحداً يصعب تجزئته. وهناك آراء أخرى تصف الإثنية كونها تختلف عن العرقية، إذ إنها معنية بعوامل ثقافية واجتماعية في تمييز الشعوب والقبائل على أسس أعمق وأرسخ وأكثر دلالة من العرقية.

وضمن التدرج الوصفي للمجتمعات تأتي القبيلة كمجموعة تنتمي في الغالب إلى نسب واحد، ويرجعها الدارسون إلى جذور عائلية يرجعونها إلى الأجداد، وتتكون من عشائر عدة. وغالباً ما يسكن أفراد القبيلة إقليماً مشتركاً يعدونه وطناً لهم، ويوصفون بلهجة تميزهم عن غيرهم وثقافة متجانسة.

مثلت التنازعات العرقية في مفهومها الواسع عامل عدم استقرار لعديد من دول العالم، ولظروف عدة تتبوأ أفريقيا مقدمة الدول في المشكلات المترتبة على تعدد العرقية والقبلية وعدم الاستقرار الناجم عن التنافس بين مكونات المجتمع.

عامل معوق

يقول عبدالعزيز راغب شاهين في كتابه "الصراع القبلي والسياسي في مجتمعات حوض النيل"، "لقد ترتب على استقلال الدول الأفريقية ظهور دول حديثة تفتقر إلى مقومات التجانس العرقي، بفعل ظاهرة التقسيم التعسفي للحدود الذي أحدثته الدول الاستعمارية إبان صراعها المستمر للاستحواذ على هذه القارة لأسباب اقتصادية وسياسية معروفة".

ويشير "وتعد القبلية من أبرز المشكلات التي تواجه الدول الأفريقية بوجه عام ودول حوض النيل بوجه خاص، فالمجتمع الأفريقي يتألف من مجموعات قبلية. وعلى رغم أن القبلية لعبت في الماضي الأفريقي دوراً إيجابياً، ألا أنها أصبحت في الوقت الحاضر عاملاً معوقاً أمام تحقيق الوحدة القومية وبناء الدولة الحديثة في أفريقياً". ويوضح أن "ذلك بسبب طغيان القبيلة أو الشعور القبلي في دولة، ما معناه أن الولاء للقبيلة سيكون قبل الولاء للدولة، وغالباً ما يبقى اندماج الإثنيات موقتاً".

لكن في بعد وعمق القضية العرقية والقبلية، لا يمثل الاستعمار وحده السبب بسياسات التفريق، بل هناك أسباب راجعة إلى الجهل وانتشار الأمية، إلى جانب الخلفيات الثقافية والسياسية للمجتمعات العرقية، والتأثير الإقليمي ممثلاً في الأطماع الخارجية.

فالجهل بحسب خبراء اجتماع يؤثر في عدم معرفة وإلمام بقيم التعاون والتآزر لبناء مجتمعات متكاملة تقود إلى نهضة، كما تمثل الخلفيات الثقافية والسياسية عنصر تنافس سلبياً إذا لم يوظف ويوجه هذان العاملان بشكل صحيح، بينما يمثل التأثير الإقليمي أداة أطماع تفرق وتؤثر في تماسك المجتمعات وإضعافها، وتخلق توترات وحروباً من خلال مناصرة عنصر قبلي على آخر في الدولة نفسها، مما يؤدي إلى صراعات وعدم استقرار في الدول المعنية.

حروب أوروبا

هناك تجارب إنسانية عدة في قيم التعايش بين القوميات، فأوروبا التي تتكون من كيانات متعددة شهدت هي الأخرى حروباً متتالية على مدار عهدها القديم والحديث، كحرب الأعوام الـ30 خلال القرن الـ16 بين 1618 و1648، وشملت مناطق أوروبا الوسطى، واشتركت فيها تباعاً معظم القوى الأوروبية، فيما عدا إنكلترا وروسيا، إلى جانب حرب الأعوام الـ100 بين فرنسا وبريطانيا التي يصفها المؤرخون كونها من أطول الحروب في التاريخ المعاصر، إذ وقعت على مدى 116 عاماً بين 1337 و1453، وتعاقب خلالها عديد من الأنظمة الملكية في البلدين، وكان لكلا الحربين أبعاد دينية وسياسية وعرقية، وهدفت للسيطرة على أوروبا.

وأسوة بماضي أوروبا، يشهد عهدنا الحديث حروباً في قارتي أفريقيا وآسيا لا تزال مشتعلة في ليبيا والسودان وأثيوبيا وسوريا وغزة، بينما تستمر حرب روسيا وأوكرانيا في أوروبا لتشارف عامها الثالث.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الوحدة العرقية

وأدت الأحداث التي صاحبت التعدد الإثني - العرقي ضمن تنافس سياسي وقبلي إلى خسائر بشرية ومادية، وعطلت مسار مجتمعات بدلاً من أن يكون التنوع سبباً لتعدد مواهب وقدرات ترفع بالوطن الواحد. في هذا الإطار يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، "التعددية العرقية والإثنية إما أن تكون رحمة وإثراء وإما أن تكون نقمة وابتلاء، وكمثال ينظر لدولة الهند التي رفعت شعار ’توجيه الوحدة العرقية والتعدد والتنوع لإثراء المجتمع‘، وعملت على استغلال التنوع لصالح الدولة والمجتمع، وخلق اللحمة الوطنية المتماسكة، ونجحت الهند في ذلك حينما استطاعت جمع تبايناتها القبلية المتعددة في وئام".

ويضيف "الهند وعلى رغم الانتقادات الشديدة التي تصاحب تعاملاتها الدينية تجاه المسلمين الهنود الذين يبلغون 200 مليون نسمة، ويشكلون نسبة 15 في المئة من السكان، إلا أنها ظلت حريصة على خلق سلام مجتمعي بين جميع مكوناتها. ومعروف أن الهند فيها أكبر تعداد سكاني في العالم، مليار و300 مليون نسمة، وهي الثانية في العالم على مستوى السكان بعد الصين، والصين تمثل عرقاً واحداً مهيمناً إلى جانب عرقيات أخرى قليلة العدد".

ويوضح "أفرز اهتمام الهند بمجتمعاتها العرقية - الإثنية وتحقيق عامل التعايش والتبادل بين إثنياتها تحت شعار ’الوحدة القومية المتكاملة‘ دفعاً قوياً للدولة في تنوع العطاء الإنساني الذي تقدمه على المستويات كافة، سواء على النطاق الاقتصادي أم التكنولوجي أم الإنساني أم الفني، إلى أن أصبحت الهند الآن تنافس القوى العظمى في غزو الفضاء بعد تثبيتها لأرضية مشتركة لشعوبها على النطاق السياسي الديمقراطي، والنطاق الاجتماعي الذي يشهد تعايشاً متسامحاً نسبياً مقارنة بما تجمعه من موزاييك عرقي - إثني متعدد".

ويضيف "في المقابل وخصوصاً على المستوى الأفريقي، هناك نماذج سيئة شهدت صراعات مثل الصومال نهاية القرن الماضي، والسودان على رغم أنه يضم 45 مليون نسمة، و56 قبيلة كبيرة، إلا أنه لم يكن هناك تعامل جيد تجاه الواقع في استغلال جيد للتعددية العرقية، بل هناك استقلال سيئ أدى إلى نتائج كارثية معلومة سواء في الصومال أو السودان. وضمن الواقع الأفريقي أيضاً هناك نموذج إثيوبيا، التي عانت في الأعوام الأخيرة حرباً في تيغراي، وتعاني حالياً حرباً أخرى في إقليم أمهرا، وإن كانت هناك محاولات لوحدة وطنية جامعة للانفكاك من براثن العرقية".

ويتابع الدومة "من المعروف أن هناك تنافساً في المجتمعات المتعددة العرقية، وإذا أدارت الجهات السياسية المشرفة على الدولة هذا التنافس بطريقة عادلة، فإن ذلك سيؤدي إلى استقرار ويجعل الكيانات العرقية في تنافس شريف يفجر أقصى طاقاتها من الإبداع والإثراء للمجتمعات المتباينة والدفع بها للأمام".

رؤية واضحة

عادل عبدالعزيز حامد الباحث في الشؤون الدولية يقول إن "التعدد الإثني والقبلي أقرب لأن يكون إيجابياً، فالأمر يتطلب وجود قيادة رشيدة لها رؤية واضحة نحو السلام والنهضة، ونحو الاستفادة من الزخم الاجتماعي والتقاليد والسمات القبلية الراشدة المستنيرة، وتوجيه كل ذلك لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية".

ويشير "لدينا نموذج واضح وحي في ما فعله رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد الذي حقق وحدة شعبه، وتمكن من تحويل ماليزيا من دولة زراعية إلى دولة صناعية حديثة، كما استطاع الارتقاء بشعب الملايو وهم كانوا يعيشون مبعثرين فى الأحراش والغابات، وفي غضون عقدين من الزمان شكلوا شرائح مجتمعية وطنية ذات قوة اقتصادية منافسة في شمال شرق آسيا، وبات عديد من السياسيين يرون في التجربة الماليزية مثالاً ناجحاً يمكن الاقتداء به في الدول النامية."

ويضيف "المشكلة الأساسية التي تقابل أفريقيا هي نسبة الأمية العالية، وانعدام القيادات الوطنية التي تعمل لصالح الشعوب الأفريقية، فبعض القيادات الأفريقية من المتعلمين خريجي الجامعات الغربية يعملون لصالح الخارج، في حين تحتاج المجتمعات الأفريقية إلى قيادات وطنية مخلصة، يكون همها الأول هو تحقيق السلام والتعاون، ونشر روح القومية والوحدة الوطنية، مما يقود المجتمع بإثنياته كافة نحو الاستقرار ونهوض الدولة".

ويوضح "على رغم ما تعانيه أفريقيا من سلبيات في مضمار العرقية والإثنية، هناك تجارب ناجحة في القارة السمراء لا يمكن تجاهلها كتجربة جنوب أفريقيا وراوندا على رغم ما شهدته من أحداث ومآس عرقية، لذا يرى باحثون أن العالم الأفريقي يحتاج إلى دراسة هاتين التجربتين والتجارب العالمية الأخرى، والاستفادة من الدروس والعبر من أجل تطبيق النموذج الأقرب في التلاقي الوطني المتعاون".

واعتبر أنه "إذا تحقق ذلك سيكون هناك سلام وطني يوظف كل إثنيات المجتمع في تلاق وتعاون وروح عمل متكاملة ومتحدة، وإذا صدقت النوايا الوطنية وتضافرت الجهود فلا بد من بزوغ فجر التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل أفريقيا التي تعتبر من أغنى القارات، ونأمل في أن يتحقق ذلك قريباً، لاسيما لما توفره الاتصالات الحديثة التي تربط كل الأرجاء في البلد الواحد والعالم أجمع، وما تحدثه ثورة المعلوماتية من زيادة في الوعي والاستقرار والتنمية."

المزيد من تقارير