Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدكتوراه الفخرية: الأولوية للألقاب أم للكفاية العلمية؟

لا تمنح أي امتياز لحامليها وسط تشكيك إضافي بشروط منحها في عالمنا الحاضر

جامعة أكسفورد البريطانية قدمت أول "دكتوراه فخرية" في التاريخ خلال القرن الخامس عشر (غيتي) 

ملخص

منذ ستة قرون انطلق نموذج "الدكتوراه الفخرية" من جامعة "أكسفورد" في بريطانيا تقديراً لجهود بعض الأشخاص، قبل أن تتحول إلى وسيلة للتفاخر بين أصحاب "الحظوة" المالية والاجتماعية

في القرن الـ15، منحت جامعة "أكسفورد" في بريطانيا "الدكتوراه الفخرية" للمرة الأولى في تاريخها. عندها منحت أعرق الجامعات الإنجليزية هذه الرتبة لكل من أسقف سالزبوري في إنجلترا ليونيل وودفيل وصهره إدوارد الرابع، ومنذ ذلك الحين بدأ هذا النموذج الأكاديمي في أحضان الجامعات الكبرى من "أكسفورد" إلى "هارفارد" يتخذ بعداً تكريمياً لأشخاص قدموا خدمات جليلة للمؤسسات والمجتمع.

وخلال الأعوام الأخيرة، شهد الفضاء العمومي على "طفرة نوعية" في دنيا "الدكتوراه الفخرية"، وخرجت من دائرة "عربون الشكر والتقدير" لتصبح أداة لسد نهم بعضهم إلى الشهرة.

ما هي "الدكتوراه الفخرية"؟

"الدكتوراه الفخرية" أو Honis reasona باللاتينية جوائز أكاديمية تمنحها الجامعات العريقة تقديراً لبعض الأفراد وهي عبارة عن درجة "من أجل الشرف" تمنحها الجامعات الدولية وفق نظام خاص لأشخاص محددين، من دون أن يشترط فيهم أي تحصيل أكاديمي معين أو كفايات علمية، إذ يتقدم الراغب بطلب إلى الجامعة، لتتولى لجنة علمية من الأساتذة في الجامعات مهمة دراسة الملفات ومن ثم إصدار القرار على ضوء حجم الخدمات والاسهامات الاجتماعية.

في الماضي، أتاحت هذه الدرجة الفخرية حصول أصحابها على امتيازات كبيرة وكانت موازية للدكتوراه العلمية، ولكن مع مرور الوقت وتعمق العلماء في البحث العلمي التجريبي، تقيّدت أطر "الدكتوراه الفخرية"، إذ يُحظّر مبدئياً على أصحابها استخدام لقب الدكتور أو استعمالها في سيرهم الذاتية، وعلى رغم انتشارها على نطاق واسع تمتنع جامعات كثيرة عن منح هذا النوع من الشهادات على غرار جامعة "ستانفورد" و"فرجينيا" و"ماساتشوستس للتكنولوجيا".

واستحق عدد كبير من الأعلام والمشاهير هذه الرتبة التكريمية ذات الطابع المعنوي، وعام 1753 منحت جامعة "هارفارد" أول درجة فخرية في الآداب، وحصل بنجامين فرانكلين (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) على الماجيستير في هذا الحقل المعرفي وحازت هيلين كيلير (أديبة ومحاضرة وناشطة أميركية) رتبة الدكتوراه من هذا النوع في 1955. ومنذ عام 1962، منحت "هارفارد" أكثر من 2300 "دكتوراه فخرية" يعلن عنها ضمن احتفالات رسمية.

وكرّت سبحة "الدكتوراه الفخرية" لتصبح وسيلة معهودة على مستوى العالم، فامتلأت السجلات والصفحات بأسماء الفائزين، من جورج واشنطن (أول رئيس للولايات المتحدة) إلى شخصية العرائس "الضفدع كيرميت" والملياردير بيل غيتس، وصولاً إلى الجدل حول "الدكتور محمد رمضان" (الفنان المصري) عام 2021.

 

وبين هذا وذاك، نال عدد كبير من الفنانين والمشاهير هذه الرتبة التكريمية، فحصلت الممثلة الأميركية ميريل ستريب على أربع شهادات "دكتوراه فخرية" من "هارفارد" و"ييل" و"برينستون". وعام 2013، نال الممثل الشهير بن أفليك "الدكتوراه الفخرية" في الفنون الجميلة من جامعة "براون"، أما المخرج ستيفن سبيلبرغ فمنحته "هارفارد" هذه الدكتوراه عام 2016.

وفي العالم العربي، حصل الممثل المصري يحيى الفخراني على "الدكتوراه الفخرية" في 2017 من جامعة "كيب بريتون"، كما حازت الممثلة الراحلة فاتن حمامة هذه الشهادة مرتين من "الجامعة الأميركية" في بيروت وفرعها في القاهرة.

شهادة منزوعة الصلاحيات

وشهدت الأعوام الأخيرة طفرة في "الدكتوراه الفخرية" وأصبحت تثير كثيراً من اللغط في أذهان الجمهور.

ولفت المشرف في المعهد العالي للدكتوراه في "الجامعة اللبنانية" الدكتور عفيف عثمان إلى أن "الدكتوراه الفخرية أقدم عهداً في الظهور من الدكتوراه العلمية ذات المسار التعليمي العالي الرصين، وبدأت الجامعات العريقة بمنحها لبعض الشخصيات قبل أن تتسلل إلى الجامعات العربية ويطغى عليها طابع الأعمال والمال، وتمنحها الجامعات تقديراً لبعض الشخصيات وأصحاب الإسهامات الخيّرة في الجامعة من خلال إسهاماتهم في بناء أو تأهيل بعض القاعات والكليات"، مضيفاً أنه "في الماضي منحت الجامعات العريقة هذه الشهادات لأشخاص كبار تقديراً لجهودهم، أما راهناً، فانعكست أزمة التعليم العالي وعدم انضباط المؤسسات على هذه الدرجة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع عثمان أن "اليوم بدأت بعض المؤسسات أو الجامعات غير المرخصة بمنح هذه الدرجات لقاء مبالغ من المال، وطغى عليها الطابع التنفيعي، وأصبح هناك أناس غير متعلمين يودون الحصول على شهادة عليا فيدفعون من أجل اللقب على غرار ما يُمنح من ألقاب السفراء الفخريين وسفراء السلام وما شابه ذلك من ألقاب ودرجات لا تعكس في الحقيقة أي كفاءات، كما أنها لا تمنح الفرد أي حصانة أو امتيازات، ولا تؤهله للتعليم أو استخدامها في إكمال المسار الأكاديمي التعليمي، ولا يعتد بها في الملف الشخصي لحاملها"، وهي "أشبه بالشهادات التي تعلق حصراً على جدران الصالون".

شهادة من دون مسار علمي منضبط

وشهدت شهادة "الدكتوراه الفخرية" انفلاشاً خلال العقدين الأخيرين، ويحفل الإنترنت بعشرات المواقع التي تعرض "بيع" وتأمين الدكتوراه على الراغبين في فترات استثنائية تصل إلى 20 يوماً فقط لقاء حوالات مصرفية، أو بواسطة شركات الصرافة. ويُطلب من المتقدم الاسم الثلاثي ورقم "واتساب"، إضافة إلى البريد الإلكتروني وتخصصه الدراسي ومستواه الأكاديمي، وتتوافر خانات لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي والدراسات العليا والدراسات المهنية، وخصصت كذلك خانة يضع فيها المتقدم إنجازاته الرفيعة وعنوانه في الدولة والمدينة.

 

وقال عثمان أيضاً "لا يعتبر إعداد البحث العلمي شرطاً من أجل الحصول على الدكتوراه الفخرية لأنها درجة على سبيل الشرف، بعكس الدكتوراه التي تشترط اجتهاداً ودرساً وبحثاً وتعباً وكتابة أطروحة"، مضيفاً أنه "من أجل بلوغ شهادة الدكتوراه في الدراسات العليا، يستهلك الطالب فترة طويلة من عمره وجهده. بعد اجتياز الشهادة الثانوية يبدأ المسار الجامعي، فيحصل على الإجازة، ومن ثم الماجيستير، وإعداد الرسالة العلمية التي تؤهله للتقدم إلى الدكتوراه. وبدأت كليات الجامعة اللبنانية بالتشدد في الشروط المطلوبة للدكتوراه وفرض عملية التصفية من خلال امتحان دخول، وعليه خلال فترة تراوح ما بين أربعة وخمسة أعوام إعداد أطروحة علمية تتضمن رؤية جديدة ومقاربة مختلفة للمواضيع البحثية"، وأسف عثمان لتأثير الأزمة في إنجاز الدكتوراه اللبنانية، إذ "رُفع بدل المناقشة من تسعة دولارات إلى مليوني ليرة لبنانية للدكتور المناقش (قرابة 20 دولاراً أميركياً)، مما لا يحفز الأساتذة على المشاركة في جلسات المناقشة".

وشدد عثمان على ضرورة أن "يلتزم كاتب أطروحة الدكتوراه شروطاً دقيقة لناحية ضبط الأفكار والمراجع والخضوع لعملية إشراف من قبل متخصصين".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير