Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المساعدات سلاح الحرب والتشريد والفوضى في غزة

تلاحق اتهامات إسرائيل بالتلاعب في الملف لخلق واقع جديد يعيد تشكيل هياكل الحكم بالقطاع

فلسطينيون يحملون مساعدات إنسانية نادرة التوافر في قطاع غزة (رويترز)

ملخص

تقول إسرائيل إن عدد الشاحنات التي تدخل غزة ارتفع بشدة في الأيام القليلة الماضية لكن الأمم المتحدة تعطي أعداداً أقل وتقول إن المساعدات أقل بكثير من الكميات المطلوبة لتلبية الحاجات الإنسانية.

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه سكان غزة منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تعد مسألة توزيع المساعدات الإنسانية بين النازحين والمؤسسات كالمستشفيات والمراكز الصحية وغيرها مجرد أزمة عابرة يعانيها القطاع منذ عدة أشهر، بل غدت مسألة روتينية محفوفة بالأخطار وأقرب لقضية حياة أو موت، كيف لا ونحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون شح الموارد الأساسية ويقفون على شفا مجاعة وشيكة.

تفرض إسرائيل على سكان القطاع حصاراً محكماً وتحتكر منافذ إدخال المساعدات، التي أصبحت وفقاً لمراقبين تتشابك مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية للجيش الإسرائيلي باعتبارها مسألة محورية، ويمكن استخدامها كسلاح استراتيجي لخلق لاعبين جدداً ذوي نفوذ وقوة يمكنهم إزاحة حكومة "حماس" التي بدت قادرة على مواصلة الجهود في الاستحواذ على المساعدات، وتوزيعها على كامل القطاع.

نهج معيب

وسط ضغوط متزايدة على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من الإمدادات والمساعدات الإغاثية الأساسية والملحة، يؤكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى غزة لا يزال يواجه عراقيل بسبب فرض إسرائيل قيوداً ورفضها لتحركات المساعدات المخطط لها.

وأشارت المنظمة إلى أنه خلال مارس (آذار) الماضي، تم رفض أو إعاقة أكثر من نصف البعثات الغذائية التي تنسقها الأمم المتحدة إلى المناطق التي تواجه أخطاراً كبيرة والتي تتطلب التنسيق مع السلطات الإسرائيلية.

 

 

وفي حين تقول إسرائيل إن عدد الشاحنات التي تدخل غزة ارتفع بشدة في الأيام القليلة الماضية، تعطي الأمم المتحدة أعداداً أقل وتقول إن المساعدات أقل بكثير من الكميات المطلوبة لتلبية الحاجات الإنسانية. وهو ما دفع تل أبيب لاتهام المنظمة الأممية بتقديم إحصاءات تقلل كمية المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة واستخدامها نهجاً معيباً يهدف إلى التغطية على الصعوبات التي تواجهها هي نفسها في التوزيع، وفي خضم تلك الاتهامات المتبادلة طالبت فرنسا بممارسة ضغوط، وربما فرض عقوبات على إسرائيل كي تفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة.

لوجيستيات

في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة الإسرائيلية عن حلول بديلة للتعامل مع المساعدات من خلال تعاون دولي يسعى لإيجاد بدائل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يرى مراقبون، أن الأسئلة المتعلقة حول كيفية تنظيم إيصال المساعدات بفعالية والطرق اللوجيستية لعبورها ومن سيتولى مسؤولية توزيعها مسألة جوهرية وملف حساس ومعقد، بخاصة أن المساعدات الإنسانية ولوجيستيات التوزيع تحولت خلال الآونة الأخيرة إلى معركة حقيقية تحاول إسرائيل استخدامها بشكل متعمد كسلاح لوضع معالم اليوم التالي للحرب.

فإلى جانب مساعيها الجدية لفتح قنوات اتصال مع عشائر وعائلات في شمال القطاع، لفحص إمكانية توليهم دوراً مركزياً في تسلم وتوزيع المساعدات، تتباحث الحكومة الإسرائيلية وفقاً لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" مع الأردن ومصر والإمارات في شأن خطة من شأنها أن تسمح لرجال أعمال فلسطينيين مغتربين، الدخول في عمليات توزيع المساعدات والانخراط ببعض الوظائف الأساسية والحيوية، التي قد تتيح ظهورهم كشخصيات مقبولة شعبياً وأكثر قرباً على سكان القطاع من حكومة "حماس" المتهمة إسرائيلياً وعند بعض الأوساط الفلسطينية، بالسيطرة على المساعدات، و"سرقتها" لتمويل عناصرها وحرمان السكان من الحصول على هذه المساعدات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدى مقتل سبعة من عمال المطبخ المركزي العالمي في الثاني من أبريل (نيسان) الجاري أثناء توزيعهم للمساعدات في قطاع غزة، إلى توجيه تهم مضاعفة لإسرائيل بأن العنف الذي أظهرته في حربها تجاه شبكات توزيع المساعدات، على أنه سياسة ممنهجة ومتعمدة.

ووثقت الأمم المتحدة تعرض قوافل عدة لإطلاق النار وأخرى تعرقل وصولها من قبل مستوطنين إسرائيليين كما حصل في الـ 25 والـ 26 من يناير (كانون الثاني) الماضي، في حين بينت صور ومقاطع فيديو بما لا يدع مجالاً للشك، إطلاق الرصاص بشكل مقصود على مئات الفلسطينيين أثناء وخلال انتظارهم الحصول على مساعدات إنسانية. ورصدت الأمم المتحدة منذ بدء الحرب وحتى السادس من فبراير (شباط) الماضي، خمس حوادث مماثلة، في حين وثق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ما لا يقل عن 14 حادثة.

مخطط مدني

في أعقاب الانتقادات الدولية المتزايدة والضغوط من الدول الغربية التي تبدي قلقها في شأن ما وصفته بـ"الكارثة المدنية" في غزة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية منتصف مارس الماضي، نيتها تعيين مخطط مدني جديد يعمل مباشرة تحت إشراف رئيس الوزراء، للإشراف على تعزيز التنسيق والفعالية في إيصال المساعدات الإنسانية وتوزيعها للمدنيين داخل القطاع، خصوصاً مع الفوضى الناجمة عن تعدد جهات إسقاط المساعدات من الجو.

وعلى رغم الخلاف العميق بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، لتأييد الأخير إشراك السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" في توزيع المساعدات بقطاع غزة، أشارت تقارير إسرائيلية إلى دور محتمل لرئيس الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج تشكيل قوة مسلحة لتوزيع المساعدات على سكان القطاع من جنوبه حتى شماله، وهو ما تزامن مع تشديد السلطة الفلسطينية على ضرورة أن يتم إدخال المساعدات وتوزيعها في القطاع بالتنسيق الكامل معها، باعتبارها "القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني".

 

 

وقالت الخارجية الفلسطينية، إن آلية إدخال المساعدات وتوزيعها يجب أن تجري بالتنسيق الكامل مع السلطة، ومن خلال الآليات الدولية المعتمدة وغير القابلة للاستبدال كـ"الأونروا" والهلال الأحمر الفلسطيني والمؤسسات الدولية ذات الصلة. ورجحت أوساط سياسية فلسطينية متعددة استطلعت "اندبندنت عربية" آراءهم، أن السلطة الفلسطينية وعبر تيارات وشخصيات عدة، قد تعود إلى غزة من باب المساعدات الإنسانية، وأن حالة الفلتان الأمني جراء الحرب دفعت بعض هذه القوى إلى حمل السلاح لحماية المساعدات.

 وفي سعي إسرائيل لتحسين صورتها الدولية من خلال تسهيل عملية إيصال المساعدات، ودحض كل الاتهامات الموجهة للجيش بعرقلة أو منع دخول المساعدات وتسيس لوجيستيات توزيعها، صرح غالانت في العاشر من أبريل الجاري، بأن إسرائيل ستفتح معبراً برياً جديداً يهدف في الأساس إلى تيسير توصيل المساعدات للفلسطينيين في غزة من الخارج أو من الأردن.

فلتان أمني

وأدى غياب القوى الأمنية والشرطية التابعة لـ"حماس" جراء استهدافهم بغارات جوية إسرائيلية أكثر من مرة، في خلق الفوضى ووضع القطاع بحالة فراغ أمني، وتفشي حالات السطو على شاحنات المساعدات والاستيلاء على حمولتها بقوة الأسلحة البيضاء والنارية، ومن ثم طرحها للبيع.

ورصد نازحون مساعدات دولية وعربية تباع في الأسواق بأسعار خيالية. ويرى فلسطينيون أن غياب الرقابة والمساءلة على المساعدات الإغاثية وطرق توزيعها واستهداف كل مظاهر الأمن والاستقرار واحتكار معظم منافذ إدخال المساعدات، خلق وقائع جديدة على الأرض، ليس فقط لترسيم مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، وإعادة تشكيل هياكل الحكم، وإنشاء شبكات بديلة من الإدارة والسلطة والمحسوبية، بل لتحويل الفلسطينيين من حالة صمود على رغم الجوع، إلى تشتت وتشريد وفوضى.

 

 

وعلى رغم ترقب سكان غزة، إقامة جسر بحري من قبرص لإيصال المساعدات بكميات كبيرة إلى شواطئ القطاع، وإنشاء الولايات المتحدة ميناء عسكرياً على ساحل غزة لإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة من طريق البحر، يعبر الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن شعورهم بالخوف والقلق عما قد يحصل بعد وصول هذه المساعدات إلى القطاع، ومن سيوزعها وكيف ستصل إليهم بأمان من دون ابتزاز.

المزيد من متابعات