Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب الجنرالين في السودان مستعرة مع دخول عامها الثاني

المنافسة بين الطرفين محتدمة وتشمل السلطة والموارد والمصالح التجارية المترامية الأطراف في البلاد

تصاعد الدخان خلال المعارك في شمال الخرطوم في 1 مايو 2023 (رويترز)

ملخص

استمر القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" حتى خلال شهر رمضان على رغم دعوات مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار

قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أمس الجمعة، إن اللاجئين السودانيين قد يتوجهون إلى أوروبا في حالة عدم توفير مساعدات إنسانية كافية للسكان في البلد الذي تمزقه الحرب. وذكر غراندي أن الأزمة الإنسانية في السودان ربما تدفع السودانيين اليائسين إلى الفرار إلى ما هو أبعد من الدول المجاورة التي يلوذ بها بالفعل قرابة مليوني شخص. وأضاف لـ"رويترز" في مقر المفوضية بجنيف، "نعلم تمام العلم أن هذه المنطقة مليئة بالمجرمين الذين يريدون استغلال بؤس اللاجئين والنازحين ومساعدتهم في الانتقال بكلفة نحو شمال أفريقيا ونحو أوروبا". وأضاف، "أؤيد تقديم مزيد من الدعم للنازحين داخل السودان أو في الدول المجاورة لأنه ما لم يحدث ذلك سيتحولون إلى لاجئين على امتداد هذه الطرق".

وقال غراندي، "هل ستوقف المساعدات الإنسانية الجميع عن الانتقال؟ بالطبع لا، لكنها بالطبع عامل من عوامل الاستقرار سيقلل من العوامل المحفزة على الاتجار في البشر وتهريبهم". وسيشارك غراندي في مؤتمر تبرعات للسودان يقام في باريس، الإثنين المقبل.

وفي تعليقات منفصلة، أمس الجمعة، قالت منظمة الصحة العالمية إن "الأزمة في السودان قد تتفاقم في الأشهر المقبلة إذا لم يتوقف القتال ولم يجر تأمين دخول المساعدات الإنسانية بلا عوائق".

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير، "لا نرى سوى النزر اليسير من الأزمة الحقيقية والموقف قد يكون أكثر تردياً من ذلك بكثير"، وشدد على أن 15 مليوناً في حاجة إلى مساعدة صحية عاجلة، وأن أمراضا مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك تنتشر. وذكر أن الإمدادات الطبية المتاحة في البلاد تقدر بنحو 25 في المئة من الاحتياجات، وأن 70 إلى 80 في المئة من المرافق الصحية السودانية لا تعمل بسبب الصراع.

خارجية السودان تستنكر استبعادها عن مؤتمر فرنسا

من جانبها، أعربت وزارة الخارجية السودانية أمس الجمعة عن "بالغ دهشتها واستنكارها" لاستبعادها عن المؤتمر الإنساني الدولي من أجل السودان الذي سيعقد في باريس في الـ15 من أبريل (نيسان) الجاري، منددة "بالاستخفاف" بمبدأ سيادة الدول. ولم تتم دعوة أي من الطرفين المتحاربين في السودان لحضور مؤتمر "المانحين" في باريس الذي سيسعى إلى معالجة ضعف تمويل الطوارئ في السودان والدول المجاورة والنقص الذي يبلغ أكثر من 2.5 مليار دولار.

وأعربت الخارجية السودانية الموالية للجيش "عن بالغ دهشتها واستنكارها" لانعقاد "هذا المؤتمر حول شأن من شؤون السودان، الدولة المستقلة وذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة، دون التشاور او التنسيق مع حكومتها ودون مشاركتها".

ودعت فرنسا إلى المؤتمر مسؤولين حكوميين من الدول المجاورة للسودان وزعماء مدنيين سودانيين ومنظمات إغاثة دولية، لكن لم تدع أياً من الطرفين المتحاربين.

وتستضيف باريس مؤتمراً دولياً من أجل السودان والدول المجاورة ينظم بالتعاون مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي بعد مرور عام على بدء الحرب.

وبث الصراع الذي اندلع في السودان الفوضى في أنحاء البلاد وأطلق العنان لموجات من أعمال العنف العرقية في دارفور ودفع ملايين إلى براثن الجوع، كما تسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم.

ما الذي فجر العنف؟

واعتمل التوتر على مدى أشهر قبل اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية في العاصمة الخرطوم يوم الـ15 من أبريل 2023.

وجمعت الطرفين شراكة هشة بعدما أطاحا معاً حكومة مدنية في انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وهي خطوة أخرجت عملية انتقالية من الحكم الاستبدادي عن مسارها بعد إطاحة الرئيس عمر البشير في انتفاضة شعبية عام 2019.

وظهر التناحر بين الطرفين علناً بسبب خطة مدعومة دولياً كان من شأنها أن تطلق عملية انتقالية جديدة مع القوى المدنية، وكان من المقرر الانتهاء منها قبل اندلاع الحرب مباشرة.

وبموجب هذه الخطة سيتنازل كل من الجيش وقوات "الدعم السريع" عن السلطة، وظهرت مسألتان شائكتان، الأولى الجدول الزمني لدمج قوات "الدعم السريع" في القوات المسلحة النظامية، والثانية تسلسل القيادة بين الجيش وقادة قوات "الدعم السريع"، ومسألة الرقابة المدنية. وهناك منافسة أيضاً بين الطرفين المتحاربين على المصالح التجارية المترامية الأطراف التي تتجاوز حدود السودان.

 

من هما اللاعبان الأساسيان على الأرض؟

الطرفان الرئيسان في الصراع على السلطة هما قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحاكم منذ عام 2019 الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ونائبه السابق في المجلس قائد قوات "الدعم السريع" الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يكن مكان الرجلين معروفاً في كثير من الأحيان خلال المراحل الباكرة من الصراع عندما اجتاح القتال العاصمة الخرطوم، وفي وقت لاحق بدأ البرهان يظهر علناً في وقت أسس الجيش والوزارات الحكومية المتحالفة معه وجوداً في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر،  ثم سافر كل من البرهان وحميدتي خارج البلاد لحشد الدعم.

وحميدتي الذي حقق ثروته من تعدين الذهب ومشاريع أخرى هو زعيم بلا منازع لقوات "الدعم السريع"، ويلعب أفراد من عائلته وعشيرته أدواراً قيادية، فيما قاعدة الدعم لقواته هي منطقة دارفور غرب السودان، حيث خرجت قوات "الدعم السريع" من رحم ميليشيات قاتلت إلى جانب القوات الحكومية لسحق تمرد في حرب وحشية تصاعدت بعد عام 2003، كما سعى حميدتي إلى استمالة بعض السياسيين المدنيين الذين شاركوا في خطط التحول الديمقراطي قبل الحرب.

وفي المقابل يقول محللون إن بقاء البرهان على رأس الجيش أقل ضماناً، إذ اكتسب موالون للبشير من ذوي الميول الإسلامية وعسكريون من ذوي الأقدمية نفوذاً منذ انقلاب عام 2021.

وقالت قوات "الدعم السريع" مراراً إنها تقاتل لتخليص السودان من فلول نظام البشير، بينما يقول الجيش إنه يحاول حماية الدولة من متمردين مجرمين.

ويقول شهود إن قوات "الدعم السريع" وحلفاءها ارتكبوا انتهاكات على نطاق واسع، بما في ذلك عمليات قتل بدوافع عرقية وعنف جنسي ونهب، واتهم سكان الجيش بقتل مدنيين في قصف عشوائي وضربات جوية، فيما ينفي الجانبان عادة الاتهامات الموجهة إليهما.

من له الغلبة؟

وعلى رغم تفوق الجيش السوداني في العتاد والعدة، بما في ذلك القوة الجوية، وما يقدر بنحو 300 ألف جندي، فإن قوات "الدعم السريع" نمت خلال الأعوام القليلة الماضية لتصبح قوة مجهزة تجهيزاً جيداً وتضم نحو 100 ألف فرد منتشرين في أنحاء البلاد.

وخلال الأيام الأولى من الحرب رسخت وحدات من قوات "الدعم السريع" وجودها داخل أحياء في أنحاء العاصمة، ومع نهاية عام 2023 حققت هذه القوات سلسلة من المكاسب السريعة لإحكام قبضتها على دارفور والسيطرة على ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، وهي منطقة زراعية رئيسة، لكن الجيش استعاد أخيراً بعض السيطرة وحقق أهم تقدم حتى الآن في أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى.

ماذا على المحك؟

وأحيت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت البشير الآمال في أن يتمكن السودان وسكانه البالغ عددهم نحو 49 مليون نسمة من التخلص من استبداد وتناحر داخلي وعزلة اقتصادية دامت عقوداً من الزمن، لكن الحرب الدائرة منذ عام وحتى الآن ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية وأجبرت أكثر من 8.5 مليون على الفرار من منازلهم ودفعت بنحو 5 ملايين إلى شفا المجاعة.

وتعرضت منازل ومكاتب ومستودعات وبنوك للنهب على نطاق واسع، وتوقفت مستشفيات عن العمل وتعطلت التجارة والزراعة وقتل آلاف المدنيين، على رغم أن تقديرات أعداد القتلى غير مؤكدة إلى حد كبير، كما اتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب.

وتقول وكالات الإغاثة إن القتال والنهب والعقبات البيروقراطية أعاقت بشدة عمليات إيصال المساعدات، وأدى احتدام الخصومة السياسية والعرقية داخل السودان إلى مخاوف من احتمال تفكك البلاد، ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، مما يزعزع استقرار منطقة مضطربة تتاخم منطقة الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وفر مئات الآلاف إلى مصر وتشاد ودولة جنوب السودان مع عبور أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فيما يستخدم الجانبان الذهب، أهم موارد السودان وأكثرها تهريباً، لدعم جهودهما الحربية.

 

ما دور الدول الأخرى؟

تحول الصراع إلى منافسة على النفوذ في السودان والمنطقة المحيطة به بين القوى الإقليمية والعالمية، وسبق لدول الخليج أن سعت إلى الاستثمار في قطاعات مثل الموانئ والزراعة التي يتمتع السودان فيها بإمكانات هائلة، وتسعى روسيا إلى بناء قاعدة بحرية على ساحل السودان على البحر الأحمر.

ووفقاً لتقارير خبراء من الأمم المتحدة فقد قدمت الإمارات أسلحة لقوات "الدعم السريع"، بينما تقول مصادر إن إيران قدمت دعماً عسكرياً للجيش. كما ترتبط مصر بعلاقات وثيقة مع البرهان والجيش، وشجعت قبل اندلاع الصراع مساراً موازياً للمفاوضات السياسية من خلال القوى التي لها صلات أقوى بالجيش ونظام البشير. كما دعمت القوى الغربية، ومنها الولايات المتحدة، عملية انتقالية تهدف إلى إجراء انتخابات ديمقراطية بعد الإطاحة بالبشير، لكن الاهتمام الدبلوماسي بالسودان تقلص بسبب حربي أوكرانيا وغزة.

أين مساعي إنهاء الحرب؟

ودعت السعودية والولايات المتحدة، العام الماضي، وفوداً من الطرفين إلى جدة لإجراء محادثات، لكن الاتفاقات على وقف إطلاق النار انتهكت مراراً، مما أدى إلى تعثر العملية، كما أطلقت مبادرات أخرى من قبل الهيئة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) ومصر، مما أثار القلق من تداخل وتنافس الجهود الدبلوماسية.

واستمر القتال خلال الأسابيع الماضية على رغم دعوات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والأمين العام إلى وقف إطلاق النار في شهر رمضان.

ويضغط المبعوث الأميركي الخاص للسودان، الذي عين حديثاً، من أجل استئناف المحادثات هذا الشهر في جدة، كما تستضيف باريس مؤتمراً للمانحين في الـ15 من أبريل الجاري في محاولة لجمع تمويل للمساعدات وزيادة وصول العاملين في المجال الإنساني.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات