Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزف الدماء الشابة... الشيخوخة تتسلل إلى المجتمع السوري

تقاعد 800 ألف مسن وسط احتياج سوق العمل للأيدي العاملة والحرب والاقتصاد أبرز أسباب الهجرة المتواصلة

هجرة الشباب جراء الخراب الذي حل في سوريا بسبب الحرب  (اندبندنت عربية)

ملخص

الهرب من تأدية الخدمة العسكرية أو استكمال التحصيل العلمي وفرص العمل أبرز الأسباب التي تحول دون رجوع الشباب للبلاد وتشجع من بالداخل على الهجرة

على قارعة طريق أمام داره يجلس العم أبوفراس على كرسي خيزران طوال النهار، اعتاد إمضاء جل وقته خارج منزله بعد تقاعده من وظيفته قبل خمس سنوات مضت، يحاول إشغال نفسه بأحاديث جانبية مع الجوار والمارة، وإن بدت الحكايات التي يرويها متشابهة ومكررة حول أمجاد حققها في عمله الوظيفي قبل إحالته على المعاش، أو ما يكيله من نصائح لشباب اليوم حين يقارنهم بأحوال الشباب قبل عقود من الزمان.

"ألا ليت الشباب يعود يوماً" أكثر الجمل ترديداً على لسانه، تعتصر شفته لفافة التبغ وينفث بالهواء سحابة من الدخان الأبيض، بعدها يسرد بغصة وحرقة قلب عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، يفتقد ابنه الوحيد المهاجر إلى أوروبا منذ بداية الحرب.

يخبرنا أبوفراس، "لم يبقَ في العمر متسع للسفر، ولدي يريدنا أن ألحق به إلى برلين المدينة التي يقطنها مع أسرته الصغيرة للعيش معهم، وأنا أرفض لن أعيش أيامي الأخيرة غريباً، صدق المثل الشعبي (من يخرج من داره يقل مقداره)".

الحياة القاسية

تغير حال المجتمع السوري بعد اندلاع الصراع المسلح عام 2011، وتشتت الأسر والعائلات إذ أسفرت الحرب عن مصرع ما يقارب نصف مليون شخص وهجرت أكثر من ستة ملايين ونصف المليون سوري بأرجاء المعمورة، بينما بلغ عدد النازحين بالداخل السوري ستة ملايين، ومن بقي يعيش داخل البلد جرت عليه ويلات الحرب والحصار والضائقة المادية، لكن أصعب ما يمكن النظر إليه تحول المجتمع السوري من مجتمع فتي إلى مجتمع يتجه إلى الشيخوخة.

وبحسب إحصاءات أممية تعتبر سوريا بلداً يعيش نزاعاً طويل الأمد ويخضع لتحول ديموغرافي، ومن المتوقع ازدياد معدل الأعمار على 60 سنة بنحو خمسة أضعاف بين 2020 إلى 2050 أي من نحو 1.3 مليون (7.5 في المئة من إجمالي السكان) إلى 6.5 مليون شخص.

 

في غضون ذلك يساير الباحثون حالة القلق من تغييرات في طبيعة المجتمعات العمرية ونقص الشباب المتزايد، ولعل تأثير الحرب الأخيرة وفرار كثير من السكان خارج البلاد دفع إلى خفض عدد السكان، بينما ترك هذا الأمر تراجعاً بنسبة الولادات حيث كشفت جمعية المولدين النسائيين عن نسبة الولادات قبل عام 2010 التي وصلت إلى ما يناهز نصف مليون ولادة سنوياً بينما بعد الحرب انخفضت إلى ما دون النصف، ولعل العامل الاقتصادي وارتفاع كلف الولادة وتحمل أعباء الإنجاب وتربية الأطفال، وخفض مستويات الرعاية الصحية والتعليمية للأطفال أسباب دفعت الشباب حديثي الزواج من تأجيل فكرة الإنجاب أو الاكتفاء بطفل واحد.

الحرب أعادت الأجداد آباء

من جانبها، دعت الباحثة الاجتماعية وعضو مجلس اتحاد الجمعيات الخيرية، مريانا حنش إلى ضرورة دق ناقوس الخطر بعد تبدل أحوال المجتمع السوري من مجتمع فتي إلى مجتمع يتجه إلى كون نسبة المسنين به أكثر، والسبب هجرة الشباب خارج البلد، وهو السبب الأساس منذ اندلاع الحرب وما تبعه من أزمات اقتصادية.

أضافت لـ"اندبندنت عربية"، هاجر الشباب لأسباب مختلفة منها الهرب من تأدية الخدمة العسكرية أو لاستكمال التحصيل العلمي، وهناك من أنهى خدمة الجيش ولكن فضل السفر إلى أقرب الدول المجاورة مثل أربيل والأردن ومصر وأوروبا عبر شبكات التهريب، يبيعون منازلهم ويجازفون بالسفر من أجل تحسين مستوى المعيشة في حين أن الرواتب لم تعد مناسبة.

وترى حنش أن كل ذلك زاد من نسبة المسنين بالبلاد إضافة إلى تراكم الأعباء عليهم بعد توليهم تربية أطفال صغار عقب موت الأب في الحرب إذ يعمد الجد أو الأقارب من عمات أو أعمام بكفالة أطفال ما دون الـ10 سنوات، وهذا بحسب وصفها مضر بالمجتمع على الصعيد الاقتصادي والمهني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، يدفع المهاجرون عبر زوارق الموت للوصول إلى أوروبا بين 15 و20 ألف دولار لشبكات تهريب وفق مصدر على إطلاع بالأثمان التي تدفع لهذه الشبكات وتستغل الناس وحلمهم بحياة كريمة.

يتحدث شاب مغترب يدعى رمضان عن بيعه قطعة أرض زراعية للسفر خارج البلاد، ما زال والدي ووالدتي يعملان في الأرض مع بقية إخوتي الذين يسعون إلى السفر بنفس الطريقة بعد ضعف الدخل وغلاء المعيشة.

دور المسنين مزدحمة

وإزاء تراجع الفئة العمرية الشابة، وبعد انقضاء أكثر من عقد من الحرب السورية التي استنزفت الموارد البشرية اقتصر التقاعد لدى كبار السن على الموظفين في الدوائر الحكومية حيث يبلغ عددهم ما يقارب 800 ألف متقاعد، بينما لم يطرق التقاعد أبواب المسنين من أصحاب الحرف والمهن اليدوية بعد وصولهم لسن متقدمة لعوامل عديدة أبرزها نضوب اليد العاملة الشابة في سوق العمل.

في المقابل وأمام الارتفاع بأعداد كبار السن (فوق 60 سنة) عكفت الحكومة إلى إطلاق استراتيجية رعاية كبار السن أطلقتها هيئة شؤون الأسرة (مؤسسة حكومية)، تشمل تقديم رعاية متكاملة صحية واجتماعية واقتصادية وسط ما تعانيه هذه الشريحة العمرية من نقص الدواء وارتفاع أسعاره، لا سيما ذات الفاعلية الجودة العالية إلى مئات الأضعاف بشكل لا يتناسب على الإطلاق مع الدخل الفردي، ناهيك بالحاجة إلى الغذاء الصحي والدعم النفسي وغيره من الحاجات.

يشير موظف متقاعد يعمل على عربة متجولة إلى عدم تمكنه بكل راتبه الشهري التقاعدي من شراء علبة دواء غير متوفرة بالصيدليات، وأردف أحتاج إلى مئات الألوف من الليرات لشراء دوائي، اضطررت للعودة إلى عمل شاق وصعب لتوفير قوت يومي ودوائي، نطلب إيجاد دعم لنا لمن لا يملك شيئاً بتاتاً. أحوالنا في غاية السوء".

 

وتنقطع سبل الحياة للمسنين إلا ممن يتلقى الدعم المالي أو رعاية صحية من أصحاب الخير أو الأقارب، فالرواتب التقاعدية لا تسد رمقهم ولا تكفيهم على الإطلاق، من ثم لا يتشجع مراقبون للاستراتيجية الوطنية لرعاية المسنين بالوصول لنتائج مهمة إذا لم تقدم دعماً سخياً وسط مطالبات بتأمين معاشات شهرية للمسنين من الطبقة التي تعمل أعمالاً حرة وتقاعدت عن العمل وحالتهم سيئة مالياً ولا يملكون أي دخل مادي.

ترى الباحثة الاجتماعية أن الأنظمة والقوانين مجحفة في حق كبار السن حيث تحكم المواد التنفيذية بالمؤسسات تقاعدهم بعمر محدد بعد تجاوز سن 60 سنة، وفي الوقت ذاته ليس متاحاً الاستفادة من خبرتهم على رغم كثافة الاستقالات بين الموظفين الشباب بسبب ضعف الرواتب والاتجاه للعمل الحر، وباستثناء أساتذة الجامعة تقوم الجامعة بالتمديد لهم بعد نقص شديد بالمدرسين بمختلف التخصصات بالكليات لمتابعة التدريس، ولعل الاستغناء عنهم بسبب كبر السن هو خطأ يرتكب في حقهم.

وتشير إلى أن دور المسنين لم تعد متسعة بالقدر الكافي حيث يبلغ إجمالي عددها في البلاد 20 داراً، إضافة إلى أخرى خاصة، والكلف عالية وباتت مقتصرة على ميسوري الحال.

تضيف لا تتسع دور المسنين لكثيرين ولا توجد أمكنة. هناك صديقة لي تبحث عن مكان حتى تجلس والدتها بإحدى تلك الدور ولم تحظ بسرير، وما زالت منذ ستة أشهر تبحث عن مكان دون جدوى، رغم أن أجرة الغرفة الواحدة تصل إلى مليون ونصف المليون أي ما يعادل 100 دولار شهرياً بالشهر وهي خدمة الإقامة بينما ترتفع الأجور إذا ما تضمنت الخدمات الطبية والرعاية، كما أن المسن يحتاج إلى رعاية نفسية ورياضة وبرامج ترفيهية وغذاءً معيناً ومعظمهم مرضى قلب وسكر ودم. وأشارت إلى أنه لا يمضي أسبوع من دون أن أودع إحدى الصديقات بسبب الهجرة.

وترجع حنش هجرة الشباب التي ما زالت تمثل نزفاً وجرحاً لم يندمل بعد لأسباب اقتصادية واجتماعية جراء الحرب وحتى بالمناطق خارج السيطرة، وتعتقد في الوقت ذاته أنه رغم فتح أبواب العودة لن يعود سوى كبار السن والعجائز ولن يعود الشباب لأن معظمهم سيواجهون معضلات سنوات كثيرة من واجب تأدية الخدمة العسكرية، ومعظمهم ارتبط بأعمال ووظائف خارج البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير