Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين إسرائيل وإيران.. محطات كادت تفجر الصراع "المنتظر"

الرد الإيراني كسر الخطوط والقواعد التي كانت مرسومة بين تل أبيب وطهران

عاد الخميني بعد 15 عاماً في المنفى ليقود الثورة التي انتهت بتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية (غيتي)

ملخص

منذ خمسة عقود والعالم يسمع عن الصراع الأكبر بين إسرائيل وأميركا من جهة وإيران من جهة أخرى... صراع تضمن محطات عدة كادت تفجر الوضع والمنطقة في حرب كبرى، لكنها لم تحصل.

كان متوقعاً الهجوم الذي قامت به إيران ليل أمس السبت على إسرائيل، فمنذ الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية لدى سوريا في الأول من أبريل (نيسان) الجاري ينتظر العالم هذا الرد بعد أن تكررت تهديدات المسؤولين الإيرانيين بمعاقبة تل أبيب.

وكان المرشد الإيراني علي خامنئي صرح بأن إيران "ستعاقب" إسرائيل بسبب استهداف القنصلية الذي أسفر عن مقتل 16 شخصاً من بينهم ثمانية من "الحرس الثوري"، وأحدهم العميد محمد رضا زاهدي قائد "فيلق القدس" في سوريا ولبنان وفلسطين.

وبعد انتظار دام أياماً أعلنت إيران مساء السبت/ الأحد بدء الهجوم على إسرائيل. ووفقاً لتقارير إعلامية أطلقت طهران خلال هجومها، 185 طائرة مسيرة، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ أرض - أرض، واستمر الهجوم الإيراني خمس ساعات، لكن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أكدوا أن جميع الطائرات من دون طيار والصواريخ تقريباً، بما في ذلك أكثر من 100 صاروخ باليستي التي أطلقتها إيران دمرت من السماء.

كسر لقواعد الردع المتبادل

جاء الرد الإيراني ليكسر الخطوط أو القواعد التي كانت مرسومة بين الدولتين، وكثيراً ما حاولتا عدم تخطيها، وذلك باعتماد حروب الظل أو الحروب بالوكالة. واعتبرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنه "أول هجوم تشن فيه طهران هجوماً عسكرياً مباشراً على إسرائيل على رغم عقود من العداء"، فيما أعلنت إيران أكثر من مرة أنها تعتمد سياسة "الصبر الاستراتيجي".

هذا الرد الذي قالت طهران إنه يأتي ضمن قواعد المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، يؤكد بحسب متخصصين في الشأن العسكري أن إيران ليست بصدد الدخول في حرب مفتوحة، بل أجبرت على الرد بعد الاستفزازات الإسرائيلية. فهل جاء الرد لإعادة الأمور إلى نصابها المعمول به مسبقاً، وللسير على المنوال الذي حرصت عليه الدولتان، أو أن الأمور ستخرج عن السيطرة؟ وأيضاً كيف تطورت العلاقة بين إسرائيل وإيران خلال العقود الخمسة الماضية؟

 

 

"الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر"

جمعت إسرائيل وإيران علاقات وثيقة لأكثر من 30 عاماً خلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وحينها كانت هناك بعثة دبلوماسية إسرائيلية في طهران التي كانت بدورها تضم أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط. كما أن إيران هي ثاني دولة ذات غالبية مسلمة تعترف في منتصف القرن الماضي بإسرائيل كدولة ذات سيادة، بعد تركيا، لكن مع أحداث عام 1979 ومغادرة الشاه البلاد وعودة آية الله الخميني، قطعت إيران جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، ولم تعترف حكومتها حينها بشرعية إسرائيل كدولة، ورفعت شعار "الموت لأميركا والموت لإسرائيل".

تعاون على رغم العداوة

على رغم كل ما كان يظهر في الإعلام بعد سقوط الشاه، كان الوضع في الكواليس مختلفاً، إذ كشفت "بي بي سي" الفارسية في شهر يونيو (حزيران) 2016 عن وثائق رفعت عنها السرية وكالة الاستخبارات الأميركية، تطرقت للمساومات التي نسجها الخميني مع الإدارة الأميركية. وأظهرت الوثائق أن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر كان من كبار الداعمين لفكرة استبدال نظام الشاه، الذي كان يعاني اضطرابات، بنظام الخميني مؤسس نظام ولاية الفقيه بإيران. وبينت مرشد إيران الذي كان يعد أميركا "الشيطان الأكبر" كان يتلقى دعماً خاصاً من إدارة الرئيس كارتر من خلال إجبار الشاه على مغادرة إيران وصعود معسكر الخميني بدلاً عنه. ومع أن العلاقات الدبلوماسية قطعت عند وصول أركان الثورة إلى الحكم عام 1979 إلا أن التعاون العسكري استمر لسنوات عدة بين إسرائيل وإيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الإطار تكشف الوثائق أن طهران لجأت إلى الحكومة الإسرائيلية لتسليحها خلال حربها مع العراق، كما تتحدث عن "فضيحة إيران كونترا" في ثمانينيات العقد الماضي، والتي عقدت بموجبها الحكومة الأميركية تحت إدارة الرئيس ريغان اتفاقاً مع إيران لتزويدها الأسلحة بسبب حاجة إيران لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق، وذلك لقاء إطلاق سراح الأميركيين الذين كانوا محتجزين في لبنان.

وفي أغسطس (آب) عام 1985، أرسل 96 صاروخاً من نوع "تاو" من إسرائيل إلى إيران على متن طائرة DC-8 انطلقت من إسرائيل، إضافة لدفع مبلغ مقداره 1.217.410 دولار أميركي إلى الإيرانيين لحساب في مصرف سويسرا.

هجمات الأرجنتين

منذ سقوط الشاه وعودة الخميني شهدت العلاقة بين الدولتين محطات توتر وخلافات كثيرة، لعل أبرزها ما يتصل بالحرب الأهلية في لبنان والاتهامات الإسرائيلية المتكررة بدعم مجموعات لبنانية وفلسطينية ضدها، وإنشاء "حزب الله" ودعمه بالسلاح والمال، لكن ما حصل في العاصمة الأرجنتينية في عامي 1992 و1994 كان بدوره اختبار صبر لإسرائيل، ولرد فعلها، إذ وقع هجومان في بوينس أيرس، الأول استهدف سفارة إسرائيل، والثاني مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وجرح العشرات. وبعد أكثر من 30 عاماً على الهجومين، اتهم القضاء الأرجنتيني إيران بالوقوف وراءهما.

أحمدي نجاد والتوتر المتزايد

لم تشهد العلاقات بين إسرائيل وإيران أي تحسن خلال العقود الماضية، لكن يمكن القول إن فترة ولاية الرئيس الإيراني أحمدي نجاد (2005 – 2013) كانت أكثر توتراً، وخلالها انخرطات إيران أكثر في سلسلة من الصراعات بالوكالة، لعل أبرزها حرب يوليو (تموز)عام 2006 في لبنان بين إسرائيل و"حزب الله"، إذ وجهت حينها اتهامات مباشرة للحرس الثوري بمساعدة الحزب في هجماته على إسرائيل.

 

 

ولعل أبرز التصريحات التي يذكرها العالم لنجاد عام 2005 عندما دعا إلى "ازالة دولة إسرائيل عن الخريطة"، واصفاً إسرائيل بالورم السرطاني.

إسرائيل تهدد بقصف منشآت إيران

في عام 2012، وفي خضم المحادثات النووية التي جمعت الدول الغربية بإيران، قال وزير الدفاع الإسرائيلي حينها إيهود باراك إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة" في تلميح إلى إمكانية شن ضربة إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، مضيفاً "يجب إيجاد الوقت المناسب قبل فوات الأوان". فردت حينها إيران محذرة من أي هجوم على مواقعها النووية إن فشلت الدبلوماسية، وقال حينها كبير مستشاري المرشد العسكريين القائد السابق للحرس الثوري الإيراني يحيى رحيم صفوي إن إسرائيل والقواعد الأميركية في الشرق الأوسط والأسطول الأميركي الخامس في الخليج هي في مرمى ترسانة الصواريخ الإيرانية الكبيرة، مضيفاً أن "حزب الله" اللبناني سيوجهه صواريخه على الأرجح ضد تل أبيب إذا تمت مهاجمة إيران. وترقب العالم، والمحللون والخبراء حينها هذه الضربة، خصوصاً أن نتائج محادثات النووي لم تكن إيجابية، لكنها لم تحصل.

الحروب بالوكالة

مع اشتداد حرب غزة، وقبلها استهداف إسرائيل قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، لم تتوقف التصريحات الإعلامية الإيرانية عن التهديد بعمل انتقامي عسكري كبير، لكن المواجهات حينها لم تحصل، وبقيت ضمن مستويات منخفضة، ما يؤكد أن إيران، إسرائيل وخلفها أميركا نجحت في العقود الماضية في إبقاء الصراع محدوداً، والحرب المباشرة خياراً غير عملي.

وعلى مدى عقود تمظهر النزاع الإيراني - الإسرائيلي عبر الوكلاء أو من خلال استهداف بعضهما على أرض تابعة لبلد ثالث. وتصاعدت "حروب الظل". ومن أبرز عمليات الاغتيال الكبيرة التي حصلت، والتي ترقب بعدها كثر لما ستحمله من تبعات، ما تقول إيران إنه اغتيال إسرائيلي لعالمها النووي محسن فخري زادة، الذي قتل بالرصاص أثناء قيادته سيارة على طريق خارج طهران، ولم تؤكد إسرائيل ولم تنف ضلوعها في مقتله، وهو خامس عالم نووي إيراني يغتال منذ عام 2007.

كذلك تصاعدت حدة التوتير بين البلدين مراراً عندما نفذت عمليات اغتيال لقادة في "الحرس الثوري" وعلماء نوويين، إضافة إلى غارات إسرائيلية متواصلة ضد قواعد ومواقع ومخازن أسلحة تابعة لإيران أو لـ"حزب الله" في سوريا، ناهيك باستهداف مطاري مطار دمشق وحلب الدوليين أكثر من مرة، وإخراجهما من الخدمة لفترات طويلة.

وفي إطار استهداف نقاط لوجيستية إيرانية في سوريا، استهدفت تل أبيب عام 2022، بقصف صاروخي ساحة الحاويات في ميناء "اللاذقية"، وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، آنذاك، إن إيران تجلب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا عبر الميناء الحيوي، الذي تستقبل فيه سوريا عديداً من البضائع، إلى جانب "حزب الله" اللبناني.

استهدافات إسرائيلية بالأرقام

وجهت إسرائيل منذ عام 2017 أكثر من 400 هجوم ضد إيران في المنطقة، غالبيتها في الداخل السوري، وأدت لمقتل 300 شخص بينهم قادة عسكريون إقليميون، بحسب ما نقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين إسرائيليين، ضمن عمليات استهداف استراتيجية إسرائيلية سميت "عقيدة الأخطبوط"، بحسب الصحيفة.

وفي حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، قال إن "تل أبيب باتت تعتمد معادلة جديدة في المنطقة، إذ تطبق عقيدة الأخطبوط مستهدفة إيران بصورة مباشرة، لا أذرعها". وفي مقال لمجلة "فورين أفيرز" الأميركية نشر في الرابع من أبريل الحالي، بعنوان "إسرائيل تطلق العنان"، قال إن إسرائيل لن تتوقف عن استهداف مسؤولين عسكريين في "الحرس الثوري" لما تتمتع به من إفلات نسبي من العقاب.

 

مقتل قاسم سليماني

في خضم تهديدات متبادلة بين إيران من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة ثانية، استفاق العالم في الثالث من يناير (كانون الثاني) عام 2020 على خبر مقتل قاسم سليماني، الذي كان حينها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بضربة أميركية استهدفته قرب مطار بغداد، بتوجيه مباشر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. حينها، دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن العملية وأعلن استعداد بلاده للدفاع عن الولايات المتحدة، وقال "لا يوجد صديق للولايات المتحدة أفضل من إسرائيل، ولا صديق لإسرائيل أفضل من الولايات المتحدة". 

مقتل سليماني أثار غضب إيران، التي ندد كبار مسؤوليها بالعملية وتوعدوا بالانتقام، وحينها ترقب العالم لأيام "الثأر الإيراني"، وما إذا كان سيدفع المنطقة إلى حرب واسعة، لكن الرد الإيراني أتى عبر استهداف قواعد عسكرية أميركية في العراق، وحينها أكدت طهران أنها لا تسعى إلى التصعيد.

عمليات إسرائيلية في الداخل الإيراني

وكما استهدفت إسرائيل أهدافاً خارج إيران، كذلك فعلت في الداخل الإيراني، إذ يكشف مسؤول إيراني لـ"نيويورك تايمز" عن "أن طهران تعتقد أن إسرائيل اغتالت عالمين إيرانيين بتسميم طعامهما، مهندس الطيران أيوب إنتظاري والجيولوجي كمران أغملائي".

وتابع تقرير الصحيفة الأميركية، أن "حرب الظل تتصاعد بين إيران وإسرائيل في الأسبوعين الماضيين (حينها)"، مشيراً إلى أن "إسرائيل وسعت من بنك أهدافها التي ركزت على شخصيات بارزة مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، لتشمل عسكريين وعلماء إيرانيين من المستوى الأدنى". كما ألقت إيران باللائمة على إسرائيل بالوقوف وراء انفجار غامض قطع الطاقة عن منشأتها لتخصيب اليورانيوم في "نطنز" أبريل 2021.

تهديدات إيرانية لم تنفذ

في مقال لمحرر شؤون الدفاع والشؤون الخارجية بصحيفة "تليغراف" البريطانية كون كوغلين، نشر في وقت سابق من هذا الشهر، برر فيه الكاتب الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية لدى دمشق، قائلاً إن الهدف الأساس لهذه القنصلية هو العمل كمركز قيادة وتحكم لـ"الحرس الثوري الإيراني"، مما يمكن طهران من تشغيل شبكتها "الإرهابية" في جميع أنحاء الشرق الأوسط من قلب دمشق. وأشار إلى أن الضربة القوية التي وجهتها إسرائيل كشفت عن "ضعف قادة طهران المخادعين". وتابع كوغلين أن مدى رغبة إيران في تصعيد التوترات في المنطقة هو نقطة خلافية، ففي المرة الأخيرة التي عانى فيها "الحرس الثوري" نكسة كبيرة، عندما اغتالت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب القائد السابق لـ"فيلق القدس"، قاسم سليماني عام 2020، تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي "الانتقام الشديد" رداً على ذلك، لكن في النهاية لم ينفذ المرشد تهديده.

المزيد من تحقيقات ومطولات