Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حرب" إسرائيل وإيران بين الإشاعات والحقيقة

التنسيق المسبق وتضخيم الدعاية أمام النتائج يطعن في "حدة الصراع" واحتمالات رد تل أبيب تفتح الباب أمام ملامح الصدام المرتقب في المنطقة

يعد الهجوم الإيراني الأول من نوعه الذي ينطلق من الأراضي الإيرانية باتجاه إسرائيل مما شكل تصعيداً لافتاً في المواجهة غير المباشرة بين البلدين (رويترز)

غداة ليلة بدت "ساخنة" وتنذر بتبعات "غير محسوبة" من وجهة نظر بعضهم، وآخرون رأوا فيها "مشهداً معداً مسبقاً وبدقة" يصل إلى حد "العرض المسرحي" بين أطرافها حول "طبيعة الهجوم وتوقيته وأهدافه" من دون الانزلاق إلى "المجهول"، جاء الهجوم الإيراني على إسرائيل، رداً على استهداف تل أبيب لما تقول طهران إنه "مبنى دبلوماسي" في العاصمة السورية دمشق وأسفر عن تدميره ومقتل 16 شخصاً، بينهم ضابطان كبيران في الحرس الثوري الإيراني، ليعيد الصراع بين العدوين الإقليميين إلى الواجهة.

وعلى رغم أن الهجوم الإيراني الذي عُدّ الأول من نوعه الذي ينطلق من الأراضي الإيرانية باتجاه إسرائيل، مما شكل تصعيداً لافتاً في المواجهة غير المباشرة المتواصلة منذ فترة طويلة بين الطرفين، وخروج الصراع المكتوم والمرتكز عبر الوكلاء وعمليات الاغتيال والهجمات الإلكترونية من دائرة "الظل"، إلا أن "حرب التصريحات المتبادلة والدعاية" التي صاحبته أمام النتائج الميدانية المحققة منه، إذ أعلنت السلطات الإسرائيلية اعتراضها لأكثر من 99 في المئة من الطائرات المسيّرة والصواريخ المستخدمة في الهجوم، فيما سقطت البقية في أماكن مفتوحة لم تؤدِّ سوى إلى "خسائر طفيفة"، فتحت الباب أمام "حقيقة الصراع بين البلدين وحجمه وقدرات الأطراف" في ضوء التطورات المتلاحقة والمتصاعدة التي تشهدها المنطقة، لا سيما على خلفية الحرب الدائرة منذ أكثر من ستة أشهر في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس".

ماذا نعرف عن الهجوم؟

نفذت طهران ليل السبت - الأحد، هجوماً بأكثر من 300 مسيّرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، وفق ما أعلنت بيانات متطابقة إسرائيلية وأميركية، في أول هجوم مباشر من هذا النوع تشنه طهران ضد تل أبيب، انطلاقاً من أراضيها، من دون أن ترِد أي أنباء عن سقوط قتلى في إسرائيل.

وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية، استمر الهجوم الإيراني خمس ساعات، وأطلقت عليه طهران اسم "الوعد الصادق"، فيما قال رئيس هيئة الأركان العامة فيي الجيش الإيراني محمد باقري إن العملية العسكرية "كانت تحذيرية فقط"، موضحاً في تصريحات نقلتها قناة "العالم" الإيرانية أن الضربة لم تستهدف أي مواقع اقتصادية.

ووفق القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، فإن صواريخ "كروز" التي أطلقتها بلاده تمكنت من عبور الدفاع الدقيق والحماية المعقدة التي قامت بها إسرائيل بمساعدة أميركا ضمن المجال الجوي للعراق والأردن وحتى سوريا، وقال "قمنا بعمليات محدودة بحجم ووزن معينين لتحذير إسرائيل، وكان يمكن أن تكون عملية موسعة"، مضيفاً أن بلاده "اتخذت معادلة جديدة مع إسرائيل وهي الرد على أي اعتداء من جهتها من الأراضي الإيرانية مباشرة".

في المقابل، أكدت إسرائيل "إحباط" الهجوم وأنها اعترضت مع حلفائها غالبية المسيّرات والصواريخ قبل بلوغها أراضيها، لكنها أقرت بسقوط بعضها وإلحاق أضرار "طفيفة" في القاعدة الجوية الواقعة في النقب. واليوم، نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قوله، عقب تقييم الوضع مع كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعضو مجلس الحرب بيني غانتس إن إسرائيل نجحت في صد الهجوم الإيراني الرئيس، محذراً في الوقت نفسه من أن "الحملة لم تنتهِ بعد"، في وقت أفادت خدمات الطوارئ الإسرائيلية بأنها اهتمت بـ31 جريحاً إصاباتهم طفيفة و"تبدو عليهم أعراض قلق أو إصابات ناجمة عن بحثهم عن مأوى".

وبحسب إحصاء الجيش الإسرائيلي، فإن إيران أطلقت أكثر من 300 مسيّرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، فضلاً عن إطلاق أكثر من 55 صاروخاً من لبنان، معلناً اعتراض 99 في المئة منها بواسطة نظام الدفاع الجوي ومشيراً إلى أن إيران استخدمت صواريخ باليستية وصواريخ "كروز" وطائرات مسيّرة.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن "التهديد الإيراني واجه التفوق الجوي والتكنولوجي لجيش الدفاع (الإسرائيلي) بمشاركة تحالف قتالي قوي تمكن من اعتراض الغالبية الساحقة من التهديدات"، مضيفاً أنه من أصل نحو 170 طائرة مسيّرة أطلقتها إيران "لم تخترق ولو واحدة منها دولة إسرائيل، حيث اعترضت طائرات حربية لسلاح الجو وأنظمة الدفاع الجوي التابعة لنا ولحلفائنا عشرات منها"، وتابع أنه "من أصل أكثر من 30 صاروخ كروز أطلقتها إيران، لم يخترق أي صاروخ الأراضي الإسرائيلية... لقد اعترضت طائراتنا الحربية 25 صاروخاً خارج حدود الدولة".

وبينما قال أدرعي إنه "من أصل أكثر من 120 صاروخاً باليستياً (أطلقتها إيران)، اخترق عدد ضئيل جداً الحدود الإسرائيلية، وتم اعتراض بقية الصواريخ، هذا العدد الضئيل سقط في قاعدة لسلاح الجو في نفاطيم وألحق أضراراً طفيفة بالبنية التحتية"، مؤكداً أن "القاعدة تواصل عملها ومهماتها"، ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أنه "وفقاً للمعلومات الواردة، فإن نصف الصواريخ التي أطلقت أصابت هدفها بنجاح"، وزعمت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" أن أكبر قاعدة جوية في النقب بجنوب إسرائيل تعرضت "لأضرار جسيمة" بعدما أصابتها صواريخ إيرانية، مما أكده كذلك باقري إذ أعلن أن "عملية الوعد الصادق نفّذت بنجاح وحققت كل أهدافها".

وبحسب باقري، فإن الضربات استهدفت موقعين عسكريين هما "المركز الاستخباراتي الذي وفّر للصهاينة المعلومات المطلوبة" لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، إضافة الى "قاعدة نفاطيم التي أقلعت منها طائرات إف-35" لشن الضربة في الأول من أبريل وأن الموقعين أصيبا بأضرار بالغة"، تزامن ذلك مع انتشار العديد من المشاهد المصورة، لم نتثبت من صحتها، تناقلتها وسائل إعلام إيرانية، حول نتائج الضربة، قالت مصادر مستقلة لاحقا، إنها "غير حقيقية".

أميركياً، أعلن الرئيس جو بايدن أن قوات بلاده ساعدت على إسقاط "كل المسيّرات والصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل تقريباً"، مضيفاً أنه أكد مجدداً لنتنياهو الدعم الأميركي "الثابت" لإسرائيل.

ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين أميركيين إن القوات الأميركية اعترضت أكثر من 70 طائرة مسيّرة هجومية أحادية الاتجاه، وثلاثة صواريخ باليستية في الأقل خلال الهجوم الإيراني على إسرائيل، وشاركت السفن الحربية الأميركية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط في عملية اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، مشيرة إلى وجود مدمرتين تابعتين للبحرية الأميركية في المنطقة وأنهما قادرتان على تدمير الصواريخ الموجهة واعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة.

تنسيق مسبق للهجوم

وعلى رغم "الحرب الكلامية والتهديد والوعيد" من جانب إيران قبل الهجوم، للرد على ما نسب إلى إسرائيل من استهداف لـ"مبنى قنصليتها في دمشق"، عكست التسريبات التي عجت بها الصحافة الغربية طوال الأيام الماضية رسم ملامح "مسبقة" لطبيعة الهجوم الإيراني وتوقيته وأهدافه، فضلاً عن الرسائل التي أرسلتها طهران عبر القنوات الدبلوماسية بعدم "رغبتها" في التصعيد، مما أكده لاحقاً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان خلال اجتماع مع سفراء أجانب في طهران اليوم، قائلاً إن "طهران أبلغت الولايات المتحدة بأن هجماتها ضد إسرائيل ستكون محدودة وللدفاع عن النفس" وأن بلاده أخبرت كذلك أصدقاءها وجيرانها عن العملية قبل شنها بنحو 72 ساعة، وبأن رد إيران على إسرائيل مؤكد ومشروع ولا رجعة فيه".

فعلى الصعيد الدبلوماسي، وبحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل يومين من الهجوم، قال عبداللهيان سراً في محادثات منفصلة مع عمان نهاية الأسبوع الماضي إن رد إيران سيكون محسوباً لتجنب أي رد من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، وفقاً لمسؤولين عمانيين وبريطانيين ومستشار للحكومة السورية، بالتوازي مع رسائل بريطانية وألمانية نقلها وزيرا خارجية البلدين إلى عبداللهيان الخميس الماضي، ليطلبا من طهران عدم مهاجمة إسرائيل.

في الأثناء وعلى الصعيد العملياتي، بدت "طبيعة العملية وأهدافها وتوقيتها" منسقة بصورة مسبقة، فقبل ثلاثة أيام منها نقلت شبكة "أي بي سي نيوز" الأميركية عن مسؤول أميركي كبير قوله إنهم يعتقدون الآن بأنه "سيكون هناك ما يراوح ما بين 400 و500 طائرة من دون طيار وصاروخ ستُطلق على إسرائيل من العراق وسوريا وجنوب لبنان ومن جانب الحوثيين، ولكن سيُطلق الجزء الأكبر من إيران، والطائرات من دون طيار (شاهد وخيبر) هي من النوع نفسه المستخدم في أوكرانيا".

كذلك نقل موقع صحيفة "بوليتيكو" الخميس الماضي عن مسؤولين أميركيين أن تقديراتهم تشير إلى أن إيران تريد توجيه ضربة انتقامية ضد إسرائيل لتوجيه رسالة مع تجنب إشعال حرب إقليمية تجبر واشنطن على الرد، لافتين إلى أن الهجوم المتوقع سيتضمن على الأرجح مزيجاً من هجمات بالصواريخ والمسيّرات.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل نحو 48 ساعة من الهجوم عن مسؤولين أميركيين وإيرانيين قولهم إنه من "المتوقع أن تشن إيران هجوماً قريباً على إسرائيل، ولكن ليس على الولايات المتحدة أو قواتها العسكرية، وإن محللين ومسؤولين استخباراتيين أميركيين يعتقدون بأن إيران ستضرب أهدافاً متعددة داخل إسرائيل خلال الأيام المقبلة".

وضمن التقرير ذاته الذي جاء بعنوان "الرد الانتقامي الإيراني على إسرائيل بعد أيام"، ذكرت الصحيفة أن الرد الإيراني "سيتجنب التحريض على صراع مباشر في المنطقة"، مضيفة أن "القادة الإيرانيين يريدون معايرة رد فعلهم فيكون كبيراً بما يكفي لإقناع من في الداخل والخارج بأن إيران ليست عاجزة في مواجهة الصراع، ولكن الرد لن يكون كبيراً لدرجة أن تتصاعد الأمور إلى حرب شاملة مع إسرائيل أو يواجه هجوماً أميركياً".

ونقلت الصحيفة عن استراتيجي في الحرس الثوري، وهو أحد المسؤولين الإيرانيين الذين تحدثوا من دون الكشف عن هويتهم، قوله إن "إيران تريد الاستفادة من الخلاف الآخذ في الاتساع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن حول سلوك إسرائيل في الحرب ضد حماس، وليس توحيدهما في العداء لإيران".

وقال المسؤولون الإيرانيون إن طهران تعتقد بأن بإمكانها حشد الدعم الدولي لضربة انتقامية من خلال تركيز الاهتمام على الهجوم على مجمع سفارتها، وهو انتهاك نادر لقواعد الحرب، والقول إنها كانت تدافع عن نفسها فقط.

وجاء الهجوم الإيراني بعد أيام من تعزيز القوات الأميركية وجودها في المنطقة، إذ بحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل أيام من الهجوم، حركت الولايات المتحدة سفناً حربية للدفاع عن إسرائيل والقوات الأميركية في المنطقة وتجنب هجوم مباشر من إيران على إسرائيل قد يأتي "الجمعة أو السبت".

 

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن "التحركات الأميركية شملت إعادة تموضع مدمرتين، إحداهما كانت موجودة بالفعل في المنطقة والأخرى تمت إعادة توجيهها إلى هناك"، مضيفين أن "واحدة في الأقل من السفن تحمل نظام الدفاع الصاروخي إيجيس". وقالت الصحيفة ذاتها إن "التحركات التي اتخذتها واشنطن والتي تعد جزءاً من محاولة لتجنب صراع أوسع في الشرق الأوسط، جاءت بعد تحذير من شخص مطلع على الأمر في شأن توقيت وموقع الهجوم الإيراني المحتمل"، مضيفة أن "الجنرال إريك كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأميركية، ناقش الهجوم الإيراني المحتمل مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في إسرائيل الجمعة".

وعندما سئل بايدن عن الموعد المحتمل للضربة الإيرانية على إسرائيل، قال "توقعاتي عاجلة وليست آجلة"، ورداً على سؤال عما إذا كانت لديه رسالة لإيران، قال "لا تفعلوا ذلك"، مضيفاً "نحن ملتزمون الدفاع عن إسرائيل" وتابع "سندعم إسرائيل ونساعد في الدفاع عن إسرائيل ولن تنجح إيران".

وكان لافتاً، سحب فرنسا أفراد عائلات موظفيها الدبلوماسيين من طهران ونصحت مواطنيها بالامتناع عن السفر إلى إيران أو لبنان أو إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية في الأيام المقبلة وحظرت بعثات المسؤولين الفرنسيين إلى تلك الدول، بعد يوم من إعلان السفارة الأميركية في إسرائيل أن موظفي الحكومة الأميركية وأفراد أسرهم سيمنعون من السفر الشخصي خارج وسط إسرائيل والقدس وبئر السبع حتى إشعار آخر، وتزامن ذلك مع إعلان عدد من خطوط الطيران توقف رحلاتها إلى وجهات محددة في المنطقة بسبب تطورات الأوضاع.

لماذا الضربة إذاً؟

لم تستبعد العواصم الغربية أو تحليلات مراكز الفكر والصحف الغربية خلال الأيام الماضية، تخلي طهران عن توجيه ضربة إلى إسرائيل، رداً على استهداف مقر "قنصليتها في دمشق"، على رغم وجود بعض التباين في "شكلها وتوقيتها وأهدافها". لكن وأمام نتائج الهجوم التي لم تسفر عن "ضرر مادي واسع" لحق بإسرائيل، يتساءل كثيرون حول "حتمية" الضربة الإيرانية.

"يدرك الإيرانيون أنهم إذا فعلوا قليلاً سيفقدون ماء وجههم وإذا فعلوا كثيراً سيفقدون رؤوسهم،" بهذا التعليق استهل الكاتب الأميركي ديفيد إغناشيوس مقالته في صحيفة "واشنطن بوست" قبل ثلاثة أيام من العملية، قائلاً إن "إدارة بايدن تستخدم كل الأدوات الدبلوماسية والعسكرية لاحتواء ما يتوقع المسؤولون أنه هجوم انتقامي إيراني وشيك ضد إسرائيل على أمل في أن يتمكن الضغط الأميركي من منع الصراع من التصعيد إلى كارثة على مستوى المنطقة".

ووفق إغناشيوس، فإن "الشرق الأوسط هو على حافة حرب لا يريدها أحد ويأمل المسؤولون في أن يكون أي تبادل للرسائل بين إيران وإسرائيل قصيراً وقابلاً للاحتواء، وألا يجذب قوى أخرى"، مشيراً إلى أن "واشنطن تتحرك على مسارين لتوجيه هذه الأزمة بعيداً مما يمكن أن يكون دورة تصعيد مدمرة، فعلى الجبهة العسكرية، تؤكد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على الدفاعات التي يمكن أن تحيد أي هجوم إيراني، ولكن إذا نجحت إيران أو وكلاؤها في توجيه ضربة كبيرة، فقد حذر المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون من أن ذلك قد يؤدي إلى دوامة هجومية ربما تشمل الولايات المتحدة في نهاية المطاف".

 

وذكر إغناشيوس أن "فريق بايدن حذر إيران الأسبوع الماضي في رسائل أرسلها عبر السفارة السويسرية في طهران من خطر التجاوز، كما طلب مسؤولو الإدارة من دبلوماسيين من الصين ودول عربية في المنطقة تمرير الإشارة نفسها إلى القادة الإيرانيين"، مضيفاً أن "الإيرانيين ردوا عبر السويسريين الأربعاء الماضي بأنهم لا يريدون مواجهة مع الولايات المتحدة، وأرسلت طهران الرسالة نفسها عبر الصين والدول الأخرى التي كانت تمرر الرسائل"، وتابع أن "أحد المصادر وصف الرسائل الإيرانية التي تم إرسالها عبر القنوات الدبلوماسية بالتالي ’على إيران أن ترد، ولكن سيكون رداً محدوداً‘، لكن المسؤولين الأميركيين يشعرون بالقلق من أن هذه التطمينات ربما لا تكون موثوقة وأنه بمجرد أن يبدأ الصراع المباشر، فإنه يمكن أن يتحرك بطرق خطرة وغير متوقعة".

وبحسب إغناشيوس، فإن إدارة بايدن "افترضت منذ هجوم دمشق أن شكلاً من أشكال الانتقام الإيراني أمر لا مفر منه، لكنها كانت تأمل في أن تحدّ طهران من ردها بسبب المخاوف من أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية أو الأميركية المباشرة إلى زعزعة استقرار النظام"، ونقل عن كريم سجادبور من مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي قوله إن القادة الإيرانيين يدركون أنهم يواجهون معضلة في تقييم الانتقام "إذا لم يفعلوا إلا قليلاً فإنهم سيفقدون ماء وجههم، ولكن إذا فعلوا كثيراً، فقد يفقدون رؤوسهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الأثناء وبينما رأى كيم سنغوبتا في صحيفة "اندبندنت" البريطانية أن "الوضع المتقلب بين إيران وإسرائيل يجعل من الصعب على أي دولة تحمل خروج الأحداث في الشرق الأوسط عن السيطرة"، ذكر موقع "بوليتيكو" الأميركي أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون بأن "إيران ارادت الهجوم لإرضاء الجمهور السياسي المحلي وفعلت ذلك من خلال الإعلان عن طائرات من دون طيار وصواريخ بطيئة الحركة من المرجح أن يتم إسقاطها"، مشيراً في الوقت ذاته إلى ما تضمنه بيان طهران الأولي بعد الضربة وهو عبارة "يمكن اعتبار الأمر منتهياً"، في إشارة إلى أن طهران لا تريد مزيداً من العنف. وتابع أن المسؤولين الأميركيين رأوا أن الهجوم الإيراني محدود إلى حد ما ويحمل إشارات فقط على أمل في حفظ ماء الوجه لطهران ولكن من دون التصعيد إلى حرب إقليمية أكبر.

وفي أول إعلان سياسي بعد الضربة، قالت بعثة طهران الدائمة لدى الأمم المتحدة بعد فترة وجيزة من الهجوم، إن هذا العمل العسكري يستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة في شأن "الدفاع المشروع"، رداً على هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، مضيفة أن "المسألة يمكن اعتبارها منتهية... لكن إذا ارتكب الكيان الإسرائيلي خطأ آخر، فإن رد إيران سيكون أشد بكثير".

ماذا بعد الهجوم؟

وفق كثير من المراقبين والمحللين، يترقب الجميع ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، مع احتمال رد تل أبيب على طهران، على رغم النصائح الأميركية، إذ نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مسؤولين لم تسمِّهم أن "الرئيس بايدن أبلغ نتنياهو في مكالمتهما الأخيرة بأنه يجب أن يعتبر هذه الليلة انتصاراً، نظراً إلى تقييم الولايات المتحدة بأن الهجمات الإيرانية كانت غير ناجحة إلى حد كبير"، كذلك نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين قولهم إن بايدن أبلغ نتيناهو خلال المكالمة الهاتفية ذاتها بأن بلاده "ستعارض أي هجوم مضاد إسرائيلي ضد إيران"، لتقييمها بأن هناك "قلقاً بالغاً من أن الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني سيؤدي إلى حرب إقليمية ذات عواقب كارثية".

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية إن "الولايات المتحدة لا تريد تصعيداً للأزمة في الشرق الأوسط"، مضيفاً "لا نسعى إلى حرب أكثر اتساعاً مع إيران".

لكن وعلى رغم ذلك، لا تزال احتمالات الرد مفتوحة، مما سيرسم شكل الصراع بين الدولتين في المستقبل وينذر بمزيد من تدهور الأوضاع الأمنية وزعزعة الاستقرار في المنطقة، إذ يرجح كثر أنه في غياب أي قنوات اتصال مباشرة بين البلدين، يتضخم خطر سوء التقدير.

ومتسائلة حول "ماذا ستفعل إسرائيل بعد الهجوم الإيراني؟"، كتبت صحيفة "تلغراف" البريطانية أن "تحركات إسرائيل المقبلة تتوقف على مدى الضرر الذي أحدثه الهجوم وما استهدفه القادة الإيرانيون بالضبط"، مشيرة إلى أن "أحد العوامل الحاسمة في ما يتعلق بما يمكن أن يحدث بعد ذلك هو مدى قدرة إسرائيل وحلفائها على اعتراض الطائرات المسيّرة وأي صواريخ قبل أن تصل إلى أهدافها".

وطرحت الصحيفة عدداً من سيناريوهات الرد الإسرائيلي التي من بينها أن "يكون رداً مشابهاً للهجوم الإيراني يتمثل في شن غارات جوية على أهداف إيرانية، سواء كانت قواعد عسكرية أو مقار حكومية، أو شن ضربات جوية على مقر الحرس الثوري أو قواعده حول إيران".

من جانبها نقلت "نيويورك تايمز" عن مدير شؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز قوله إن "إيران وإسرائيل تأخذان المنطقة إلى المجهول، ومن الصعب المبالغة في تقدير مدى خطورة هذه اللحظة، وإلى أي مدى يمكن أن تكون عواقبها كارثية".

المزيد من تقارير