Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف استغلت إيران "المادة 51" لتغطية هجومها على إسرائيل؟

مراقبون رأوا أن طهران ردت بـ"أقل من حرب" وبرسالة أممية تكرس الالتزام بالمواثيق الدولية

مجلس الأمن ناقش الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل (أ ف ب)

ملخص

نصت تلك المادة على أنه "من الحق الطبيعي للدول الدفاع عن نفسها"، و"على التدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس أن تبلغ إلى مجلس الأمن فوراً".

يبدو أن رد إيران على إسرائيل لم يخرج عما نصت عليه القوانين والمواثيق الدولية التي شرعتها الأمم المتحدة في معاهداتها الجماعية، الرد الذي جاء نتيجة قصف إسرائيل قنصلية إيرانية مجاورة لسفارتها في حي المزة الدمشقي وسط العاصمة دمشق والذي أفضى لمقتل عدد من القياديين الإيرانيين البارزين مطلع أبريل (نيسان) الجاري.

إيران استندت في هجومها أولاً وأخيراً على المادة "51" من القانون الدولي والمرتبطة بحقوق الدفاع عن النفس والرد على الاعتداء، وعلى رغم أن ما بين العدوين أكبر بكثير من الاحتكام لمعاهدة دولية أو قرارات أممية، فإن الدول عموماً تلجأ في حالات معينة للاحتكام إلى القوانين الدولية المرتبطة بالحروب لتأمين غطاء يبرر تصرفاتها ويجنبها غضباً دولياً وتحالفات عالمية متزايدة ضدها، فما هي تلك المادة السحرية؟

المادة "51" قانون دولي

يمنع القانون الدولي عامة وفق المواثيق المبرمة تاريخياً في الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدول من الإفراط في استخدام قوتها وصرف نفوذها العسكري لتحقيق أهداف عدوانية تتخطى مقدار المسموح به في إطار رد اعتبارها ودرء العدوان عن أراضيها، لكن ذلك ظل كلاماً عاماً وغير مفهوم في سياق تحقيق "متى وكيف وأين يسمح للدول باستخدام قوتها"، لتأتي المادة "51" قانون دولي وتوضح الأمر بأكمله.

نصت تلك المادة على أنه "من الحق الطبيعي للدول الدفاع عن نفسها"، وجاء في متن المادة "على التدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس أن تبلغ إلى مجلس الأمن فوراً، وألا تؤثر تلك التدابير بأي حال في ما للمجلس، بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق، من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه".

أقل من حرب

وفي هذا الإطار، يبدو أن إيران التزمت المادة بصورتها النصية، وظهر ذلك جلياً من تحديد ليلة الهجوم على إسرائيل، إذ كان التصريح الإيراني الرسمي الأول الذي خرج على لسان مسؤوليها صادراً عن بعثتها الدبلوماسية في مجلس الأمن والتي قالت، "هجومنا انتهى الآن".

بدا ذلك التصريح، على رسميته الدبلوماسية، غريباً إذ إن المعركة لم تكن تبدأ حتى فوق إسرائيل، بل كانت في حينها تسمع أصوات الانفجارات العنيفة في سماء سوريا والأردن، إذ كانت تتصدى طائرات أميركية وبريطانية واستطلاعية فرنسية وعربية أحياناً للمسيرات المقبلة من طهران.

طهران التي حددت موعد الهجوم وآليته وطريقته وتعداد القوة المشاركة به من مسيرات وصواريخ باليستية وصواريخ أرض-أرض وبمعزل عن النتيجة النهائية للمعركة التي لم يعرف العالم حقيقة إن كانت بدأت أم انتهت، وإن حققت أهدافها أم كانت استعراضاً موسعاً لما بقدرة إيران من استخدامه في حروب مقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حروب كان أول ما فيها خسارة مالية لا تذكر لإيران وخسارة مليارية بحسب صحف لإسرائيل التي استخدمت مضادات مسرفة في الكلفة المالية حتى كانت النتائج النهائية بحسب مصادر الرصد والتحليل والمتابعة والصحف الغربية والإسرائيلية هي اعتراض 99 في المئة من الهجوم الإيراني.

واستناداً إلى ذات المادة القانونية المكتسبة صفتها التشريعية من الميثاق الدولي كان يحق لإيران أن تستخدم أراضيها لأول مرة تاريخياً في توجيه هجوم موسع نحو إسرائيل، في سابقة لم تحدث من قبل على رغم اغتيال إسرائيل سابقاً عشرات القيادات الإيرانية، ولم تكن متوقعة حتى أسابيع قليلة ماضية على رغم اشتعال الإقليم ما بعد أكتوبر (تشرين الأول).

أميركا لا تريد التصعيد

إيران التي استخدمت زهاء 300 مسيرة وصاروخ متقدم في هجمتها أطلقت بعد انتهاء هجومها تهديداً بأن أي اعتداء إسرائيلي آخر سيكون الرد عليه أقسى، بعد أن أبلغت إيران سويسرا وقطر وتركيا بذلك لتوصله إلى الأميركيين الذين لم يخفوا دعمهم لإسرائيل في صد أي هجوم، لكنهم في الوقت ذاته صرحوا بأنهم لن يدعموا إسرائيل هذه المرة إذا ما أرادت شن هجوم كرد فعل، معللة، أي أميركا، أنها لا تريد اشتعال حرب مفتوحة في الشرق الأوسط، لا يستطيع أحد السيطرة على مجرياتها.

ويبدو التصريح الأميركي منطقياً ومنطلقاً من معرفة دقيقة بمآلات الأمور إذا ما تطورت وإمكانية خروجها عن السيطرة كلياً لتصير قواعدها في المنطقة تحت دائرة النار، تحديداً تلك التي في سوريا والعراق والمحاطة بداعمي إيران، فضلاً عن أن أميركا تعد "عرابة المادة 51" حيث طوعتها في إطارات متعددة قلبت موازين المنطقة غير مرة ضمن الفصل السابع الأممي.

استخدام المادة "51" في التاريخ القريب

لم تجد أميركا أفضل من المادة "51" غطاء لإرسال قواتها مع التحالف الدولي أواسط يوليو (تموز) عام 2014 لمساعدة الحكومة العراقية التي تقدمت إليها بطلب رسمي لمساعدتها في مواجهة تنظيم "داعش"، الذي احتل أراضي عدة في غربي العراق.

 

وقتذاك تريثت إدارة الرئيس باراك أوباما حتى قررت أن المبرر الشرعي هو الاستناد للمادة إياها أمام المجتمع الدولي، وأدخلت معها في الحرب فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا، بمباركة أممية دستورية.

تجارب أخرى

في فبراير (شباط) عام 2015 أعدم تنظيم "داعش" 21 مواطناً مصرياً في ليبيا، فنفذت مصر هجمات واسعة بسلاح الجو على مواقع يعتقد أنها تابعة للتنظيم في ليبيا، بالتزامن مع بيان لوزارة الخارجية المصرية قالت في حينه: "تؤكد مصر حقها الأصيل والثابت في الدفاع الشرعي عن النفس وحماية مواطنيها في الخارج ضد أي تهديد وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تكفل للدول فرادى وجماعات حق الدفاع الشرعي عن النفس"، مشيرة بذلك إلى المادة "51".

روسيا وسوريا

حين دخلت سوريا نفقها المظلم عام 2015 إثر سيطرة "داعش" على أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد، لم تجد حلاً إلا بالاستعانة بدولة روسيا الاتحادية التي تدخلت سريعاً مستندة أيضاً إلى مواثيق الأمم المتحدة والمادة ذاتها.

وبعد التدخل الروسي الواسع من جهة والتدخل الغربي من جهة أخرى، ضمن الهدف المشترك للقضاء على "داعش"، تمكن الجميع من دحر التنظيم وتعزيز نفوذ المادة "51" دولياً كسبيل لتحقيق إنجازات كبرى.

أميركا مجدداً

لعل من أبرز استخدامات تلك المادة كانت اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي في "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس في العراق في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبررت الإدارة الأميركية ذلك بضرورات الأمن القومي والدفاع عن النفس في مواجهة التعديات والاعتداءات وبما لا يخرق مواثيق الأمم المتحدة التي تغطي درء الخطر المباشر بنص المادة "51" قانون دولي.

ثغرة مفترضة

يعتقد الأستاذ في القانون الدولي ماجد البري أن إيران استخدمت حقها الدستوري والشرعي التام، الذي وقعت هي نفسها عليه بصفتها عضواً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وذلك على اعتبار أن توجيهها تلك الضربة لإسرائيل لم يكن يحمل أي خروج عن الميثاق المعمول به في التصدي للعدوان الخارجي الذي طال أمد استهدافه لإيران خارج أراضيها.

 

ويقول البري لـ"اندبندنت عربية"، "لكن ثمة مشكلة خطرة في المادة 51 وهي في نهايتها التي تقول: (يتاح للدولة المعتدى عليها أن ترد الاعتداء حتى يتحرك المجتمع الدولي ويتخذ التدابير اللازمة)، فلو استمر الهجوم الإيراني واشتعل الشرق الأوسط حينها ماذا كان يمكن للمجتمع الدولي أن يفعل قبل أن يقضي أشهراً في الإدانات تزامناً مع سقوط آلاف القتلى ودمار دول في المنطقة أبعد من إسرائيل وإيران".

بدوره، بيّن الأستاذ في العلاقات الدولية مصطفى الشيخ أن "إيران نجحت هذه المرة في قراءة المواثيق الدولية مدركة أن ما هي مقدمة عليه يجب أن يحظى بغطاء واسع إذا ما تفلتت الأمور في أي لحظة وخرجت عن السيطرة، ولو كان ذلك مستبعداً نسبياً، لكن في هجمات كتلك كل شيء جائز".

وتابع "كان أول قرار منطقي ومدروس من إيران هو استبعاد سوريا وفصائل العراق وحزب الله والحوثيين وبقية المقاتلين المتحالفين معها في المنطقة وضمناً حماس عن المشهد بشكل عام، ليتخذ الأمر صبغة دولة تواجه دولة في إطار استرداد حق مسكوت عنه لسنوات، وبما يكفل لها الحجة الواسعة أمام مجلس الأمن والأمم المتحدة في أنها كانت تتحرك في إطار حماية مصالحها القومية وبأن صواريخها لم تكن لحرب شاملة بل لإيصال رسالة مفادها: رد الاعتداء عن دولتنا حق مكفول ومصان".

تحت سقف القانون

ويقول المستشار القانوني سائر الدباغ إن "حق الدولة في الدفاع عن نفسها ينطلق من حق الإنسان الفطري في الدفاع عن نفسه، وكلا هذين الدفاعين منظمان ومعتمدان في القوانين الدولية". ويضيف، "إيران تريثت قرابة أسبوعين قبل شن هجومها، وأعلنت عنه قبل وقت كاف واصفة عدته وعديده، ومبلغة دول العالم المهتم بآليته، فكانت تبحث عن رسالة وليس تأديباً وإلا كان الرد خرجاً من مواقع أخرى أقرب من إيران نفسها، لكنها اختارت ذاتها لتضع العالم أمام مسؤولياته مع حقها في الدفاع عن النفس".

ويتابع "بمعزل عن المواقف الشخصية من إيران والمواقف العربية والدولية، ولنفترض أن باكستان كانت مكان إيران فلن يتغير شيء، فالقوانين الدولية ملزمة للجميع بالتساوي نفسه وبغض النظر عن المزاجية المطبقة عليها أحياناً، لكن إيران تصرفت عسكرياً ضمن القانون الجامع مدركة جيداً ما تفعله وكيف يمكنها أن تدافع عن نفسها بأقل الأخطار".

أرض إيرانية داخل سوريا

من جهته، يعتقد المحامي مهيب صافي أن إيران عملت على الالتزام بالتشريع القانوني الذي نشأ وتبلور كمفهوم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ كان يسعى الفرقاء الدوليون حينها لإيجاد صيغة توقف الحروب لكنهم اصطدموا بعقبة استحالة انعدام وجود نزاعات مسلحة بين منطقة وأخرى.

ويقول مهيب "المادة 51 وميثاق الأمم المتحدة ضيقان للغاية ولا يجيزان خوض حرب مفتوحة بأي شكل في ما خلا السماح برد العدوان والدفاع عن النفس وأي أمر يتعدى ذلك يتطلب قراراً من مجلس الأمن". ويضيف، "وفق معاهدة فيينا الدبلوماسية والمواثيق الأممية فإن سفارة جمهورية في جمهورية أخرى هي أرض مستقلة تتبع للحصانة الدولية وتعود ملكيتها للدولة صاحبة السفارة، أي إن القنصلية الملحقة بالسفارة الإيرانية المستهدفة في سوريا هي أرض إيرانية وليست سورية، بالتالي فإن الاعتداء وقع على أرض إيرانية داخل أراض سورية، ومن هنا جاءت شرعية الرد المستند على المادة 51".

المزيد من تقارير