Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحجم سيولة قياسي... هل عجزت تونس عن التحكم في "الكاش"؟

حجم الأموال المتداولة في السوق بلغ مستوى تاريخياً قرابة 7 مليارات دولار

جل التونسيين يتمسكون بـ"الكاش" بدلاً من وسائل الدفع الحديثة والرقمية (أ ف ب)

ملخص

كشفت بيانات "المركزي التونسي" أن حجم الكتلة النقدية المتداولة زاد بأكثر من 10 في المئة مقارنة بالعام الماضي

تشهد تونس منذ أشهر صراعاً بين عدد من مربي المواشي وأعوان الشرطة بسبب معضلة تداول الأموال نقداً أو "الكاش" المحجر قانوناً عند سقف معين.

ونفذ عدد من مربي المواشي وقفات احتجاجية بمقر شركة اللحوم الحكومية، تعبيراً عن رفضهم المضايقات التي يتعرضون لها من قبل أعوان الأمن.

واحتج المتظاهرون على خلفية الإجراءات المفروضة عليهم من الدوريات الأمنية، التي تمنعهم من التعامل بالسيولة المالية، "الكاش"، عند بيع المواشي والأبقار أو شرائها من مختلف أسواق الدواب بالجمهورية.

وعبر الصادق سلامة، وهو من كبار تجار المواشي في تونس، عن غضبه الشديد من تواصل انتشار الدوريات الأمنية في محيط أسواق الدواب، ومطالبة التجار أو القصابين بالاستظهار بالوثائق التي تثبت مسكهم الأموال نقداً.

ويحجر الفصل 45 من قانون المالية لسنة 2019 حيازة الأموال نقداً وينص على ترشيد تداول الأموال نقداً في المعاملات التي تساوي أو تفوق قيمتها خمسة آلاف دينار نقداً (1600 دولار) في خطوة من الحكومة للتقليص قدر الإمكان من السيولة المالية في السوق وإعادتها إلى البنوك.

ويتعرض المخالفون بمقتضيات هذا الفصل لعقوبة ضريبية إدارية بنسبة 20 في المئة من المبلغ المدفوع نقداً، مع حد أدنى يساوي 1000 دينار (322 دولاراً).

وعن درايته بمنع التداول بالأموال نقداً في كل التعاملات التي تفوق أو تساوي 5 آلاف دينار، برر الصادق سلامة في حديثه إلى "اندبندنت عربية" موقفه بأن كل التجار في أسواق المواشي يرفضون التعامل بالصكوك البنكية محبذين الأموال نقداً، التي دخلت في عاداتهم وتعاملاتهم اليومية منذ عشرات السنين، بحسب رأيه.

وتابع انتقاده المسألة بقوله، "نحن نظهر للدوريات الأمنية، كل الوثائق التي تفيد بإنهاء عمليات الشراء والبطاقات المهنية التي تثبت نشاطنا التجاري، غير أن أعوان الشرطة يتمسكون بحجز أموالنا".

وحرصاً على مزيد تطويق ظاهرة "الكاش" شدد الفصل 60 من مشروع قانون المالية لسنة 2023، على الترفيع في خطية تداول الأموال نقداً لمبالغ تفوق خمسة آلاف دينار إلى 20 في المئة من المبلغ المتداول و2000 دينار (642.57 دولار) حداً أدنى.

مستوى قياسي من "الكاش"

ولا يزال يحتدم النقاش في تونس حول تداول الأموال وتمسك المواطنين بـ"الكاش" على رغم إرساء السلطات المالية في البلاد لعدد من الآليات المحفزة على استعمال التطبيقات الذكية التكنولوجية، واعتماد وسائل الدفع الحديثة (البطاقات البنكية بخاصة الهواتف الذكية) ضمن الغرض.

في الأثناء، وصلت قيمة الأوراق النقدية والعملات المتداولة أو "الكاش" في تونس إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، متجاوزة 21.8 مليار دينار (سبعة مليارات دولار) للمرة الأولى وفقاً للبيانات اليومية الصادرة عن البنك المركزي في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) من هذا العام.

وكشفت البيانات المتاحة على موقع "المركزي التونسي" أن حجم الكتلة النقدية المتداولة زاد بأكثر من 10 في المئة مقارنة بالعام الماضي، بقيمة 2.3 مليار دينار (740 مليون دولار)، إذ كانت في حدود 18.9 مليار دينار (6.07 مليار دولار).

"الكاش" سيتوسع

ويعتبر المتخصص المالي معز حديدان أن "الكاش" في تونس شهد تصاعداً لافتاً فاق للمرة الأولى 20 مليار دينار (6.43 مليار دولار)، بتسجيل سحوبات مكثفة خلال الفترة الأخيرة التي تزامنت مع شهر رمضان وفترة عيد الفطر (مستوى الاستهلاك في شهر الصيام يزيد بنحو 20 في المئة مقارنة ببقية أشهر السنة).

وأرجع حديدان في تصريح لـ"اندبندنت عربية" عوامل زيادة تداول الأموال المتداولة في تونس، إلى عدم قدرة المودعين الذين سحبوا بكثافة الأموال، على إعادتها إلى البنوك في صورة إيداعات، فضلاً عن توسع نشاط السوق الموازية التي تعتمد أساساً على "الكاش".

ورجح أن يتواصل النسق التصاعدي للكتلة النقدية خارج البنوك، بسبب ضخ ما لا يقل عن أربعة مليارات دينار (1.29 مليار دولار) في الاقتصاد من طريق التمويل الذي حصلت عليه الحكومة مباشرة من البنك المركزي، متوقعاً أن يتجاوز حجم السيولة في يونيو (حزيران) المقبل 22 مليار دينار (7.07 مليار دولار) مع فترة عيد الأضحى وموسم الاصطياف.

وأفاد بأنه "ستضخ كتلة مالية جديدة في الاقتصاد في صورة نفقات تسيير ستصرفها الحكومة على امتداد العام الحالي، بعد تقسيم قرض الخزانة المتحصل عليه من البنك المركزي وسداد ديون خارجية بقيمة ثلاثة مليارات دينار (0.96 مليار دولار)، وتمويل عجز الخزانة" متوقعاً أن يصل حجم الكتلة النقدية المتداولة إلى 23 مليار دينار (7.39 مليار دولار) قبل نهاية العام الحالي.

فشل تنظيم "الكاش"

وشرعت السلطات في تطويق ظاهرة "الكاش" بصفة منظمة ومقننة منذ يونيو 2019 عبر تطبيق الإجراء الخاص بترشيد تداول الأموال نقداً في التعاملات التي تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دينار (1.61 مليار دولار) نقداً.

وبموجب القرار يرفض الموظف إسداء أربع خدمات إدارية بالنسبة إلى العقود المتعلقة بالبيع والشراء في العقارات أو المحال التجارية أو في وسائل النقل السيارات، وتندرج هذه الإجراءات التنظيمية ضمن مواصلة العمل على ترشيد الأموال نقداً، ودعم شفافية التعاملات بين الأشخاص بفرض إجراءات جديدة تلزم الأشخاص الطبيعيين والذوات المعنوية ترشيد تداولهم للأموال نقداً.

وعلى رغم التضييق القانوني بتحجير سقف معين من "الكاش"، فلا يزال التونسيون يحبذون التعامل نقداً بالأموال، عكس عديد الدول (عدد سكانها ومساحتها أضعاف تونس) التي تخلصت تقريباً من "الكاش" وصار مواطنوها يتعاملون ببطاقات بنكية أو استعمال الهواتف الذكية في العمليات التجارية.

وعلى رغم إرساء السلطات التونسية حزمة من الإجراءات والتسهيلات لإقبال التونسيين على التوجه نحو استعمال التكنولوجيات المتطورة في الدفع، فإن الغالبية لا يزالون يحبذون "الكاش".

وترتفع وتيرة "الكاش" في المسالك الموازية ولدى المهربين الذين يحتكمون على أموال طائلة عجزت الحكومات المتعاقبة على إقناعهم بإدخالها إلى المسالك القانونية بإقرار تسهيلات وتشجيعات أبرزها عدم المساءلة القانونية، لكن من دون جدوى.

بنية تحتية ضعيفة

ومن جانبه، قال المتخصص المالي بسام النيفر إن هناك مشكلة واضحة في "الكاش" في البلاد، الأمر الذي يدفع التونسيين إلى الإقبال على استعمال الأموال نقداً، مشيراً إلى أن الاقتصاد في تونس لا يمكنه اختصاره في مسألة "الكاش". وأوضح أن البنية التحتية للتعاملات المالية في تونس ضعيفة وغير متطورة بالصورة المطلوبة، لافتاً إلى أنه مع نهاية العام الماضي كان تعداد المنافذ التي تقبل التسوية المالية من بعد 35 ألف موزع أوراق مالية، وسبعة ملايين و350 ألف بطاقة بنكية، و1256 موقعاً إلكترونياً فقط. ورأى النيفر أن التجار في تونس لا يستعملون الخلاص عبر البطاقات البنكية أو التطبيقات على الهواتف المحمولة، واللجوء إلى "الكاش" في التعاملات اليومية.

وللتدليل على ضعف التعاملات من بعد، أبرز بسام النيفر أن التونسيين استعملوا البطاقات البنكية في 149 مليون عملية منها 64 في المئة لسحب الأموال من موزعات الأوراق المالية، وليس لعمليات الدفع أو الشراء بواسطة هذه البطاقات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزاد في تحليله أن إجمالي عمليات السحب من موزعي الأوراق المالية بلغت مع نهاية العام الماضي ما قيمته 25.2 مليار دينار (8.1 مليار دولار)، وأن المواطن يسحب 204 دنانير (65.8 دولار) لكن عمليات الشراء بواسطة البطاقة البنكية لا تتعدى 100 دينار (32.2 دولار).

وأكد المتخصص المالي أن الاقتصاد يعتمد على "الكاش" ويمثل ذلك إشكالية كبيرة على رغم إقرار خفوضات في رسوم البطاقات البنكية والحلول التكنولوجية الجديدة والرقمية. وخلص بالدعوة إلى إيجاد مصالحة حقيقية بين التجار والإدارة الضريبية من أجل التوجه نحو اقتصاد رقمي، وإعطاء تطمينات أكثر للمتعاملين بـ"الكاش" عبر ضمانات بعدم ملاحقة الإدارة الضريبية لهم.

إجراءات جديدة منتظرة

في غضون ذلك، طرحت الحكومة التونسية إجراءات جديدة للتقليص من "الكاش" من خلال إدراج محاور في مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي بفرض توفير وسيلة دفع إلكتروني مجانية على كل المصارف لكل العملاء، واتخاذ إجراءات تمكن من تسهيل فتح حساب بنكي من دون اشتراط الاستظهار ببعض الوثائق.

وترمي الحكومة من وراء ذلك إلى إدماج الفئات المقصية حتى تتمكن من الولوج إلى الخدمات المالية، في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لدعم الإدماج المالي، لأن نسبة الإدماج المالي في تونس محدودة وضعيفة مقارنة بدول أخرى، ويقترح مشروع القانون الجديد استحداث نظام يقوم على تنزيل قيمة الأوراق النقدية المستبدلة في الحساب البنكي أو البريدي أو حساب الدفع لمالكها، عوضاً عن إبدالها نقداً لدى البنوك أو لدى البنك المركزي التونسي.

وفسر المشروع هذا المقترح بأن النظام التقليدي لإبدال الأوراق النقدية الذي يقوم على إبدالها نقداً بشبابيك البنك المركزي التونسي لم يعد يتماشى وتوجه المشرع الذي أقر إجراءات كثيرة للحد من التداول النقدي.

اقرأ المزيد