Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أليكس غارلاند يشعل الحرب الأهلية الأميركية الجديدة على الشاشة

نستعرض المسيرة المهنية لأحد أهم الكتاب البريطانيين المعاصرين ونخوض في آخر أعماله الذي يجوز اعتباره الأكثر جدلية حتى الآن

يصور فيلم الحرب الأهلية الجديد للمخرج أليكس غارلاند وصول الاشتباك بين الفصائل السياسية المتناحرة في الولايات المتحدة إلى درجة الذروة (أ ب)

ملخص

أثار فيلم المخرج البريطاني أليكس غارلاند "الحرب الأهلية" الجدل قبل إطلاقه حتى، فيما طرح بعض الخبراء التساؤلات عن توقيته في موعد شديد القرب من الانتخابات الأميركية المرتقبة... وهي لمسات تعكس مسيرة المخرج غير التقليدي

لا يقل فيلم الحرب الأهلية بشيء عن الفوضى التي عصفت بالعاصمة واشنطن يوم السادس من يناير (كانون الأول) 2021. وفيما أجج الحشد الغوغائي من مناصري ترمب الذين زحفوا على العاصمة مخاوف (تبين أنها قصيرة الأجل) من اندلاع حرب مفتوحة بين الفصائل السياسية المتناحرة في الولايات المتحدة، يمثل فيلم أليكس غارلاند الجديد اكتمال تلك المذبحة. إذ تقع أحداث فيلم الكاتب والمخرج البريطاني، الذي قدم لنا "إكس ماكينا" Ex Machina عام 2014 و"الإبادة" Annihilation عام 2018، خلال حرب أهلية ثانية تدور رحاها في الولايات المتحدة، تتقاتل فيها حكومة استبدادية يحكمها نيك أوفرمان مع "قوى غربية" من تكساس وكاليفورنيا.

وتدور هذه الدراما الديستوبية، وهي من بطولة كيرستين دانست وواغنر مورا (من فيلم "ناركوس") وكايلي سبيني (من فيلم "بريسيلا")، في مستقبل قريب من المرعب أنه ليس بمُستبعد. انشقت 19 ولاية عن الاتحاد. وبات الأميركيون يتقاتلون بين بعضهم بعضاً. أما أبطالنا فهم صحافيون يرافقون الجيش ويسابقون الزمن كي يصلوا إلى العاصمة قبل فصائل المتمردين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد تصويره في منتصف عام 2022، اكتمل العمل بفيلم الحرب الأهلية (الذي بدأ عرضه في 12 أبريل/ نيسان الماضي في صالات السينما) منذ بعض الوقت. لكن يبدو أن شركة التوزيع "أي 24" اختارت أن تطلقه في موعد من شأنه أن يُحدث أكبر وقع ممكن في أميركا الشمالية: فطُرح الفيلم قبل أيام من انعقاد جلسة المحكمة الأميركية العليا للنظر في طلب دونالد ترمب الحصول على الحصانة الرئاسية لمواجهة اتهامه بمحاولة إبطال نتائج انتخابات عام 2020.

ويعتبر غارلاند الذي أتم الآن 53 من عمره، السيد المجهول للسينما البريطانية، وصاحب بصيرة أقرب ما يكون إلى كيوبريك بموازنة أقل، إذ يكتب ويخرج أفلاماً بموازنة الأفلام المستقلة. لكن بعد الحرب الأهلية، قد يشق طريقه إلى ساحة المخرجين الكبار الذين تستسيغ أعمالهم الذائقة العامة. ولا يمكن للإنسان ألا يُعجب بجرأته.

وبدأ مخرج الأفلام الذي يتحدر من شمال لندن مسيرته كروائي. عندما بلغ غارلاند منتصف العشرينيات من عمره، كان قد وصل بالفعل إلى مصاف المؤلف صاحب الكتب الأكثر مبيعاً، وكون سمعة خاصة، بفضل رواية "الشاطئ" The Beach التي حققت نجاحاً كبيراً وأطلقت نوعاً أدبياً جديداً يُسمى خيال الترحال. وها قد أخرج الآن فيلم تشويق مدو بموازنة 50 مليون دولار (39 مليون جنيه استرليني) سوف يستقطب بلا شك معجبي سينما الإثارة والحركة وكل المهتمين بعالم السياسة الأميركية المعاصرة المزعجة والمشوهة. لكن لا شك أيضاً أنه سيثير غضب البعض.

في أفلام الرعب والخيال العلمي التي أخرجها بداية، انشغل غارلاند بشخصيات الزومبي والمستنسخين والقتلة المعتوهين في آن واحد أحياناً. وفيما يهوى مشاهد الدم والرعب، تجد في أعماله قوة فكرية كذلك. كان جده السير بيتر مدوّر، عالم الأحياء الحائز على جائزة نوبل، المكنى "أب زراعة الأعضاء"، فيما والده هو نيكولاس غارلاند، رسام الكاريكاتير السياسي ذائع الصيت. ربما لا عجب إذن، نظراً لهذه السلاسة، أن تكون أفلامه قوية وحادة تتناول قضايا كبيرة.

في فيلم "إكس ماكينا" (2015)، أول فيلم طويل يخرجه رسمياً (مع أنه أخرج بعض أجزاء فيلم "دريد" Dredd الذي صدر عام 2012 من دون أن يُنسب إليه أي فضل في ذلك)، تناول غارلاند موضوع الذكاء الاصطناعي والروبوتات. أدى دومنهول غليسون دور كايلب، مبرمج الحاسوب ذو الـ24 سنة الذي يُخضع روبوتاً أنثى (أليسيا فيكاندر) لاختبار تورينغ كي يتأكد من قدرتها على التفكير والشعور الإنساني. وفي فيلم الإبادة (2018)، فيلم الرعب والهلوسة المرتكز إلى الخيال العلمي، من تمثيل ناتالي بورتمان، خاض في افتتان البشر المريض بدمارهم الشخصي. وفي فيلم "رجال" Men الصادر في 2022، بحث في العلاقات بين الجنسين وفي أكثر الجوانب المعتمة والمخيفة في نفسية الرجل، عبر منظور أرملة شابة (جيسي باكلي) تقيم لفترة موقتة في الريف.

من الطبيعي أن ينجذب هواة أفلام الرعب والإثارة إلى هذا النوع من القصص- لكنها تجذب الأكاديميين أيضاً. فبين المعجبين بغارلاند شخصيات مثل عالم الفيزياء النظرية والفلك لورانس كرواس وعالم الحاسوب والمدون الصوتي ليكس فريدمان. قال كراوس عن غارلاند بعد حديث معه من أجل حلقة مدونته الصوتية "الأصول" The Origins عام 2022 "إنه لافت بشكل لا يُصدق وعميق الفكر ومتواضع". وأضاف فريدمان "أنا شديد الإعجاب بطريقة نسج أليكس للعلوم والفلسفة في أعماله"، واصفاً لقاءه بغارلاند على أنه "غير حياته".

وليس الاستماع إلى أحاديثهم سهلاً: فهي ليست مجرد ثرثرة عادية حول الأفلام بل حوارات علمية صعبة ومتطورة فكرياً. يخوض المخرج بكل ثقة ويسر في مواضيع مثل الفيزياء الكمية والقدرية والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات وطبيعة الوعي، مثبتاً مكانته وسط الخبراء بلا عناء.

لم يتعد سن غارلاند الرابعة والعشرين من عمره عندما كتب رواية "الشاطئ" التي أطلقت مسيرته في عالم الأدب (نشرت عام 1996 وحولها داني بويل إلى فيلم من بطولة ليوناردو دي كابريو بعد أربع سنوات). شكل الكتاب ظاهرة. وصفه النقاد بأنه مزيج من كتاب "سيد الذباب" لويليام غولدينغ، و"التاريخ السري" لدونا تارت. ونُصب مؤلفه الشاب فوراً ناطقاً باسم جيل الكسالى- وهذه نقطة مثيرة للسخرية لأنه كتبه فعلياً كانتقاد لجماعة الترحال.

لكن مهما كانت دوافع غارلاند لكتابة الشاطئ، فقد نجح تماماً في توصيف حالة السأم والحتمية والهشاشة العاطفية لأبطاله الشباب المدللين. فالرحلة التي تبدأ كعطلة على أجمل جزر تايلاند على الإطلاق تتحول إلى جحيم فيما يحاول أبطال الرواية الرحالة الذي أخذوا استراحة من تحصيلهم العلمي للسفر أن يستوعبوا حياتهم فيبلغون حافة الجنون في هذه الأثناء.

وعلق الروائي جون نيفن على قدرة غارلاند الفريدة على "إشعال روح العصر"- وهو ما يواصل فعله بفيلم الحرب الأهلية. كما قال نيفن: "لم يكن لدى الجيل إكس عام 1996 أي حرب يخوضها. ما خلا الحرب على الملل".

وروج ناشرو غارلاند له باعتباره المتمرد الشاب والمزاجي في عالم الأدب الخيالي البريطاني، كما لو كان أف سكوت فيتزجيرالد أو جيمس دين التسعينيات. لكن في هذه المرحلة، أدار غارلاند ظهره فجأة لكتابة الرواية.

وقال في مقابلة مع صحيفة "غارديان" عام 2015 "قلت في نفسي: يا إلهي لا أريد أن أقضي الأربعين سنة المقبلة عالقاً داخل غرفة. وساورني الحظ عندها بسبب تصوير فيلم عن كتابي الأول، وهو ما سمح لي أن أرى مجالاً آخر، فقفزت إليه". بعد نشر كتابه الثاني، "المكعب رباعي الأبعاد" The Tesseract في (1998)، أعاد الدفعة المسبقة التي حصل عليها من ناشريه لقاء تأليف كتابين آخرين وبدأ العمل على سيناريو عن "الزومبي الراكضين" بدلاً من ذلك. ما هو السيناريو؟ فيلم مستقل قوي بعنوان "بعد 28 يوماً" 28 Days Later.

وتكلم غارلاند عن عدم الارتياح الذي شعر به في عالم الأدب. وقال لمدونة "الصفحة الأولى" Page One الصوتية عام 2020 "لم أشعر بانتماء هناك. لازمتني متلازمة الدجال بشكل لصيق". وبما أنه "شخص وحيد وانعزالي كثيراً" في كل الأحوال، شعر بأنه سوف يعاني من أذى نفسي إن ظل عالقاً داخل غرفة يكتب روايات جديدة. كان بحاجة إلى الخروج أكثر- وأفسحت صناعة الأفلام له المجال المثالي لتكوين صداقات جديدة.

بعد ذلك، كتب سيناريوهات أصلية لأفلام منها "بعد 28 يوماً" (2002)، و"ضوء الشمس" Sunshine  في 2007، وأخرج بويل كلا الفيلمين. وتدور قصة الفيلم الأول الذي أدى جيليان مورفي الذي لم يكن معروفاً آنذاك دور البطولة فيه، حول فيروس يصيب من يلوثهم بالعدوانية. ربما استعار غارلاند من أفلام الزومبي التي أخرجها جورج آي روميرو لكنه أضاف تفاصيل جديدة إلى هذا النوع من الأفلام- ومنها مثلاً الحرص على إدخال شخصيات يهتم بها الجمهور حقاً. وتجري أحداث الفيلم في شوارع لندن الخاوية ويسوده شعور متعمد بالتشاؤم جعل بعض النقاد يصفونه بأنه سينما زومبي على طريقة المخرج كين لوتش.

ومن ناحية أخرى، أدخل غارلاند إلى سيناريو ضوء الشمس الذي يصور سباق رواد فضاء مع الوقت بهدف إعادة إشعال الشمس المحتضرة، إشارات كلاسيكية إلى أسطورة إيكاروس وطابعاً بيئياً قوياً- وهي عناصر لا تجدها عادة في أي أفلام معتادة عن الخيال العلمي.

ومع ذلك، ليس في سيناريوهات الكاتب الشاب أي شيء عزيز أو ثمين جداً. فقد اتبع مقاربة عملية في مهنته الجديدة، مشبهاً سيناريوهات الأفلام بدليل المستخدم. كتب الرجل 50 نصاً مختلفاً لفيلم "بعد 28 يوماً". وأثناء عمل غارلاند مع المنتج الاسكتلندي أندرو ماكدونالد (الذي اشتهر بفيلم "تراينسبوتيغ" Trainspotting)، أدرك أنه بحاجة إلى كتابة مواضيع يمكن لصناع الأفلام ذوي القدرات المادية المحدودة في المملكة المتحدة أن يتحملوا كلفة إنتاجها. ولهذا السبب، صُور فيلم "إكس ماكينا" على رغم أفكاره الكبيرة، في مكان واحد مغلق باعتباره "عمل حجرة" Chamber piece [فيلم يتضمن تفاعل عدد قليل من الشخصيات خلال فترة زمنية قصيرة في بيئة محدودة]، وكتب خلال الجائحة فيلم "رجال" الصادر في 2022 الذي يصنف فيلم رعب بموازنة قليلة تقع أحداثه في قرية صغيرة في الريف البريطاني. ويقدم روي كينير في الفيلم أداء قوياً ومثيراً للإعجاب - يمثل خلاله عشر شخصيات مختلفة.

وانجذب غارلاند إلى جوانب التعاون في صناعة الأفلام وقلل من شأن عبادة المؤلف. لكن مع ذلك، سرعان ما بدأ بـ"الوقوف بحزم" (كما يقول) أمام مطالب المخرجين بتغيير السيناريوهات التي يكتبها. وقد عزا توقفه عن العمل مع بويل في النهاية إلى هذا السبب، وبدأ باتخاذ القرارات بنفسه. وشرح ذلك قائلاً "بالنسبة إلي، فما يعنيه الإخراج إجمالاً هو عدم الاضطرار لوجود مخرج. يتمحور جوهر عملي حول النص وبعد ذلك، يصبح أهم ما في الموضوع جعل كافة أعضاء الفريق يتواصلون مع بعضهم بعضاً".

والآن، مع فيلم الحرب الأهلية، عمل غارلاند بأكبر موازنة توافرت له خلال مسيرته المهنية وقد خلُص فيه إلى أشد أفكاره تحريضاً وجدلية إلى الآن. سوف نرى تالياً كيف يتفاعل الجمهور الأميركي مع تجرأ مخرج بريطاني على شن حرب أهلية جديدة على أرضه. ففي النهاية، أثار الفيلم الجدل قبل إطلاقه حتى، فيما طرح بعض الخبراء التساؤلات عن توقيت إطلاقه في موعد شديد القرب من الانتخابات الأميركية المرتقبة.

وصرحت دانست، بطلة الفيلم التي تؤدي دور مصورة صحافية مخضرمة، أخيراً، أن التمثيل في الفيلم "هزني في الصميم". ووصفته بأنه "حكاية رمزية عما يحدث عندما لا يتواصل الناس مع بعضهم بعضاً ولا يعودون ينظرون إلى الآخر على أنه إنسان".

لن يتوقف هذا الشعور على دانست: فلا شك أن الفيلم سيولد جدلاً عنيفاً في أوساط المعلقين السياسيين كما النقاد السينمائيين. ومهما كان المسار الذي سيتبعه "الحرب الأهلية" في النهاية، فهو يسطر نقطة القوة الكبيرة التي يتمتع بها غارلاند الحكواتي: أي قدرته على صدم وتحدي جمهوره- وبث الاضطراب في نفوسهم.

طرح فيلم "الحرب الأهلية" للعرض في دور السينما البريطانية يوم 12 أبريل

© The Independent

المزيد من سينما