Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ترتيب الأمور قبل الموت" أكثر الخطوات الحميدة

لا يمكن لأحد منا أن يعلم متى يحين أجله، إنما يمكننا جميعاً أن نحرص على عدم ترك فوضى عارمة وراءنا لكي يهتم بها أحباؤنا

يشكّل الترتيب والتنظيم جزءاً كبيراً من الممارسة التي يسميها السويديون تعزيل الموت (غيتي)

ملخص

بما أن الموت هو الثابت الوحيد الذي لا جدل فيه، لنطبق ممارسة سويدية تقضي بترتيب الأمور قبل الوفاة كي لا نغلّب الأحبة ونترك من بعدنا فوضى عارمة. 

لم أقصد استراق السمع تماماً. لكنه من المستحيل ألا تستمع إلى حديث شخصي جداً يدور بين شخصين تتشارك معهما غرفة ساونا واحدة.

كانت السيدتان تتحدثان عن الموت- أو بالأحرى، التحضير للموت- بشكل صريح ومباشر وهادئ من دون أي مبالغة أو عواطف جياشة. أخذت إحداهما تشرح للأخرى لماذا خصصت وقتاً كي ترتب أمورها. "عندما توفي ماكس، لم يكن قد نظّم أياً من هذه التفاصيل- لا وصيته ولا غيرها". ومع تطور الحديث، اتّضح أنّ كل ممتلكات شريك هذه المرأة السابق الذي عاشرته طويلاً ذهبت إلى زوجته التي انفصل عنها ولم يتحدث إليها لمدة أربعين عاماً. منزله ومدخراته ومعاش التقاعد. كل شيء.

وقالت "لم يعيرا أي اهتمام بتسجيل الطلاق رسمياً. ولم يزعجني الأمر شخصياً لكن كان من المفترض حقاً أن تنتقل ممتلكاته إلى أولاده".

بدت السيدة متصالحة مع هذا الوضع بشكل لافت، وظهر أنها تتمتع بشكل من التقّبل الهادئ للأمور الذي يقضي الآخرون عمرهم يقرؤون كتب مساعدة الذات سعياً لتحقيقه. لقد تخطّت الموضوع، لكنها أدركت أيضاً بعد اختبار صعب أنّ مواجهة حتمية الموت والتخطيط على هذا الأساس ليس سلوكاً كئيباً. بل إنه ألطف تصرف يمكننا أن نقوم به في سبيل حرصنا على أحبائنا، وعلى عدم توريطهم بفوضى عارمة. ونتيجةً لذلك، لديها الآن وصية محدّثة تماماً كما حدّثت مجموعة من الوثائق القانونية الأخرى بالإضافة إلى أنها وضعت قائمة واضحة بتفاصيل الدفن الذي ترغب به.

كان ذلك الحديث أبعد ما يمكن عما تتوقع أن تسمعه في النادي الصحي. لكن كلما تكلمت السيدتان أكثر، أدركت أكثر كم كان موقفهما صحياً ومريحاً. ودفعني ذلك للتفكير في عدم استعداد كثيرين من بيننا للتحضير للموت بأي شكل من الأشكال- سواء مالياً أو عملياً أو عاطفياً- وفي أنه سلوك يقوم على إنكار عميق لهذا الواقع. 

وليس وضعي بأفضل من وضع غيري. مثل 62 في المئة من البريطانيين، وفقاً لإحصاءات منظمة سو رايدر الخيرية لدعم المحتضرين والمكلومين، لم أضع أي وصية حتى الآن. لم يكن ذلك مهماً قبلاً لكنني الآن أمتلك منزلاً. والأهم هو أنني لا أريد أن أكبّل عائلتي بعبء اتخاذ قرارات لا تنتهي بشأن الأشياء التي أرغب بأن يحتفظوا بها كتذكارات معنوية وتلك التي أريدهم أن يتخلصوا منها فوراً. 

وكما تقول لي كريستي سكوت، مؤسسة ومديرة شركة التخطيط للوفاة the Death Planner "رأيت مراراً وتكراراً خلافات عائلية بسبب عدم ترك المتوفى وصية. قد يحدث الخلاف على أمور بسيطة لا تتعلق بالمال حتى- ربما يقول أحدهم 'أريد الاحتفاظ بساعة يد والدي'، لكن أخيه أو أخته يريدان ذلك أيضاً. يبدأ الإخوة بالتشاجر على أشياء عاطفية. إنما عندما يكتب الشخص تعليمات واضحة، يمكن أن يتقبل الشخص القرار حتى لو خالفه الرأي لأنه يعلم بأنها رغبته".

أطلقت سكوت التي كانت تعمل في الحانوتية من قبل، هذه الشركة التي تشمل كل نواحي التخطيط للتركة، بعدما رأت الآثار المدمرة لـ"كوفيد-19". خطف المرض بشكل مفاجئ حياة أشخاص من مختلف الأعمار- وكثير منهم لم يتركوا أي دليل على رغباتهم الأخيرة. "ساءني الموضوع كثيراً؛ أزعجني وجود كل تلك العائلات المكلومة التي عانت من حزن مضاعف بسبب عدم معرفتها برغبات أحبتها. صحيح أن الميت لن يعرف إن اتخذت القرار الصائب أم لا لكن هذا الضغط يفاقم الحزن- فقد أقلقهم احتمال أن يكونوا قد ظلموا أحبّتهم".  

تاريخياً، نشعر نحن سكان المملكة المتحدة بضيقٍ من موضوع الموت، ويتمسك بعضنا بخرافة الاعتقاد أنّ التحدث عن الموضوع يؤدي إلى حدوثه. وتقول سكوت "يتجنّب الناس استخدام مصطلح 'الموت' حتى. لديك كل أشكال المصطلحات المخففة عنه: نقول 'انتقلوا' أو 'دخلوا الغرفة التالية'. علينا البدء باستخدام الكلمات الصحيحة". 

لكن بعد "كوفيد"، بدأ "تغيير" يحدث، كما يقول سام غرايس المدير التنفيذي والمؤسس في شركة التخطيط للوفاة Octopus Legacy. أكثر من نصف السكان (56 في المئة) فاتحوا أحبتهم بموضوع وفاتهم وفقاً لأبحاث سو رايدر، مقارنةً بـ30 في المئة فحسب في مايو (أيار) 2019.

ويقول غرايس "قد يكون فتح موضوع ما سيحدث عند وفاتنا مخيفاً كما هي حال كل الأحاديث المهمة- سواء كنا نبحث في إنجاب الأطفال أو الزواج أو تغيير الوظيفة… لكن لهذه الأحاديث القدرة على جمعنا وربطنا ببعض. أعتقد أننا نحسن الخوض في موضوع الموت أكثر مما نعتقد- لكننا لا نُحسن فتح الموضوع".

لكن "فتح الموضوع" مهم جداً لأن البديل قد يخلق أوضاعاً مؤلمة جداً عندما يموت المرء- ولا سيما إن كان لديه أطفال. وتحذر سكوت "فلنفترض أنك توفيت غداً: إن لم تعيّن وصياً قانونياً تفضّله، ستتولى هيئة الخدمات الاجتماعية رعاية أطفالك. وسيوضعون في عهدة نظام الرعاية لعدة أسابيع- مجرد التفكير في ذلك بعد خسارة والديهم مريعة".

عانى غرايس شخصياً من آلام فقدان عزيزة لم تقم بالتحضيرات الضرورية قبل الوفاة- ولهذا قرر تأسيس شركته Octopus Legacy. ويقول "فارقت أمي الحياة فجأة في عام 2016 في حادث سيارة. ومثل كثيرين منا، لم تضع قبل ذلك أي خطة- لا وصية ولا تفضيلاتها بالنسبة إلى الدفن ولا قائمة بحساباتها أو كلمات السر التي تستخدمها، ولا توكيل رسمي دائم. لا شيء".  

"وهذا ما زاد من صعوبة الأيام والأسابيع والأشهر التالية أكثر بالنسبة إلينا. في ذلك الوقت عانينا في التفكير بطريقة الدفن التي قد تناسب أمنا وقلقنا من أننا لم نتخذ الخيارات الصحيحة وقضينا ساعات على الهاتف مع عدة شركات نحاول تعقّب حساباتها وأمضينا أشهراً في حلّ مختلف العمليات القانونية المعقدة. كان هذا آخر ما نريد أن نقلق بشأنه أثناء حدادنا على أمنا". 

"لا شيء أسوأ من أن يتوفى الشخص ويظل اسمه يظهر على فيسبوك كما لو أنه لا يزال على قيد الحياة"

ربما تفسّر هذه القصة وأخرى مشابهة سبب الاهتمام خلال السنتين الأخيرتين بممارسة "تعزيل الموت" السويدية (أي ترتيب الأمور قبل الوفاة). تُسمّى هذه الممارسة باللغة السويدية Döstädning  وهي تشمل ترتيب الأشياء بشكل منتظم وتقليص المقتنيات إلى الأساسيات لكي لا يضطر الورثة بعد وفاتك إلى التعامل مع أكوام من القمامة. اكتسب هذا المفهوم شعبية بعدما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" كتاب فن تعزيل الموت السويدي اللطيف لمؤلفته مارغريت ماغنوسون، وقد تصدّر الكتاب قوائم المبيعات وصوّرت آيمي بولر مسلسلاً تلفزيونياً مقتبساً منه في 2023. 

وقالت ماغنوسون في كتابها إن "البعض لا يمكنهم التفكير في الموت ويترك هؤلاء وراءهم فوضى عارمة. هل اعتقدوا بأنهم خالدون؟".

وفيما يركّز ترتيب الأمور قبل الوفاة أكثر على التخلص من الأشياء المادية غير الضرورية، يتناسب جوهره تماماً مع ترتيب الأوضاع. والنقطة الأولى في سلم الأولويات هي كتابة وصية، حتى لو لم تعتقد بأنك تمتلك "أصولاً". ويقول أحد الناطقين باسم شركة سو رايدر "تسهّل الوصية على العائلة أو الأصدقاء ترتيب الأمور بعد وفاتك-ومن دون وصية، يمكن أن تستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً وتتسبب بضغط نفسي. ومن دون وصية، تنتقل ملكية كافة أصولك تبعاً للمنهج المعتمد بحسب القانون". والأشخاص الذين ترغب بأن تترك لهم شيئاً مما تملك - مثل شريك لست متزوجاً به- قد لا يحصلون على شيء في النهاية.

ويمكنك أن تضع هذه القرارات المهمة في الوصية. من هو الوريث الذي تختار أن تعطيه ما تملك من أصول (المنزل، أو الأشياء الثمينة، أو المدخرات، إلخ)؟ ومن تختار للعناية بأطفالك (إن كانوا تحت سن الثامنة عشر)؟ وما هو مصير أشيائك المميزة؟ هل ترغب بتخصيص حصة للمنظمات الخيرية أو القضايا التي تحبها؟ ومن هو الوصي الذي تثق به لكي ينفّذ رغباتك المذكورة في الوصية؟

كما أن الوصية توفر المال على أحبائك- فيما تصل تكلفة الوفاة من دون وصية إلى 9700 جنيه استرليني. تسميها سكوت وثيقة "مرِنة" وتنصح بمراجعتها بانتظام. وتقول "لا يدرك الناس أنّهم بحاجة لمراجعتها كل أربع أو خمس سنوات. لكن عليكم التحقق- هل توفي أي من منفذي الوصية، هل رُزقتم بطفل، أو حصلتم على ميراث، أو على طلاق؟ أعمل مع أشخاص كتبوا وصيتهم منذ عشرين عاماً- وأصبحت بنودها في غير محلها الآن".

ومن الأمور الأخرى التي يجب التفكير فيها استخراج بوليصة تأمين على الحياة إن كان لديكم من تعيلونهم، واختيار شخص لإعطائه توكيلاً رسمياً دائماً (يجب أن يكون شخصاً تثقون به لكي يتخذ القرارات نيابة عنكم في حال ما عدتم قادرين على اتخاذها) واختيار المستفيد من معاش التقاعد. وتشدد سكوت على أهمية تسجيل "أصولكم الرقمية". وهذا يعني أن تحرصوا على وجود شخص يمكنه أن يعرف كلمات السر التي تستخدمونها عند وفاتكم- وبهذه الطريقة سوف يستطيع أن يلغي أي اشتراكات دائمة قمتم بها ويقرر إن كان يجب إغلاق حساباتكم على منصات التواصل الاجتماعي أو إبقاءها، ويحفظ صوركم وفيديوهاتكم كي لا تضيع في الأثير الرقمي. وتقول "لا شيء أسوأ من أن يتوفى الشخص ويظل اسمه يظهر على فيسبوك كما لو أنه لا يزال على قيد الحياة".

وهناك عناصر أخرى، أكثر عاطفية، من المهم التفكير فيها. وتلفت سكوت إلى أنه "يمكن كتابة ملاحظات بشأن أشياء محددة تريدون منحها لأشخاص معينين. اكتبوا مصدر هذه الأشياء وسبب أهميتها بالنسبة إليكم. غالباً، عندما نرث شيئاً، لا ندرك قيمته أو أهميته بالنسبة إلى الشخص".     

تنصح مؤسسة سو رايدر بمشاركة رغباتكم المتعلقة بالدفن. هل تفضلون الدفن أم حرق الجثة؟ هل تريدون مراسم دينية أم غير دينية؟ هل تفضلون مكاناً على آخر؟ هل لديكم تفضيلات معينة بالنسبة إلى المراسم؟ (ربما تحبذون ارتداء الحضور ألواناً زاهية بدل الأسود، أو أن يُحمل نعشكم على ألحان "سوف أحيا"- لن يحدث ذلك سوى إن عبّرتم عن رغبتكم قبلاً). 

يمكنكم كذلك أن تشاركوا وصفاتكم المفضلة وتختاروا الأغاني التي تعبّر عن مسيرتكم في الحياة إلى الآن وتسجلوا مقاطع صوتية أو فيديوهات، كما يقول غرايس. "يمكن انتهاز فرصة تعزيل الموت لوضع خطة تتضمن أكثر من أصولكم المادية فحسب. لم لا تفكروا بأن تتركوا وراءكم الأشياء المهمة فعلاً وأن تجعلوا تعزيل الموت أمراً شخصياً على قياسكم؟".

يمكنكم تخصيص يوم أو اثنين كل سنة أو سنتين للتأكد من تحديث التفاصيل. ويمكن أن تفعلوا ذلك بروية. لكن المهم هو أن "تنتهوا من هذه الخطوة" برأي سكوت. "أن تقوموا بشيء خير من لا شيء".

اختارت لشركتها شعار الموضوع سابق لأوانه إلى أن يفوت أوانه. وتقول "تعتقد دائماً أن لديك متسعاً من الوقت- ويؤجل الناس التخطيط للموت لأنهم لا يعتقدون أنهم سيموتون إجمالاً. لكن دعوني أخبركم ما سيحدث: كلنا نموت في النهاية".

لو سلّمنا أن لا شيء مؤكداً ومضموناً في الحياة ما عدا الموت والضرائب، فلا شكّ أنّ ألطف ما يمكننا أن نفعله هو أن نستعد للآتي.

© The Independent

المزيد من منوعات