Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدن المغرب... حضارة وبداوة على طريق واحد

تتكرر يومياً مشاهد لعربات تجرها الدواب وأصوات عالية لباعة جائلين في حواضر عملاقة تخطط أن تكون ذكية

تبرز مظاهر وسلوكات البداوة ظاهرة للعيان في الشوارع والأزقة والدروب وهو الشيء الذي يخدش جمال هذه المدن الضخمة (أ ف ب)

ملخص

إنها ظاهرة اجتماعية يصفها متخصصون بأنها تدل على "ترييف المدن"، وتعود بالأساس إلى الهجرة الكثيفة من البوادي إلى الحضر.

مفارقات عديدة تنطوي عليها كبريات المدن والحواضر في المغرب، خصوصاً عندما تتجاور مساكن فسيحة وراقية مثل الفيلات إلى جانب مساكن من الصفيح، أو عندما يزدحم الشارع بالعربات المجرورة إلى جانب السيارات الفارهة، أو حين يتعالى صوت الباعة الجائلين قرب أرقى مطاعم المدينة.

تضج عديد من المدن الكبرى في المغرب، خصوصاً الدار البيضاء والرباط وفاس وغيرها، بكثير من مظاهر البداوة والعشوائية في شوارعها وأزقتها، وهي ظاهرة اجتماعية يصفها مراقبون بأنها تدل على "ترييف المدن"، وتعود بالأساس إلى الهجرة الكثيفة من البوادي إلى المدن.

عربات ودواب

في مدن كبرى مثل الدار البيضاء وأغادير والرباط وفاس وسلا وغيرها، تبرز مظاهر وسلوكات البداوة والعشوائية ظاهرة للعيان في الشوارع والأزقة والدروب، وهو الشيء الذي يخدش جمالية هذه المدن، ويجعلها أقرب إلى الأرياف والبوادي من الحواضر.

تتكرر مشاهد يومية لعربات تجرها الدواب، تجوب شوارع مدينة عملاقة مثل الدار البيضاء هي قطب الرحى في البلاد، والتي تنشد أن تكون من بين أبرز المدن الذكية في أفريقيا والعالم. تتحدى مشاهد البداوة في مدينة كالدار البيضاء قرار السلطات بمنع تجول هذه العربات، إذ لا تزال حاضرة في "المشهد البيضاوي" على رغم قرار عمدة المدينة نبيلة الرميلي بتحرير مخالفات ضد الذين يتجولون بعربات تجرها دواب، وأداء غرامات مالية أو إحالتهم إلى القضاء في حالات التكرار.

 

 

وفق القرار المذكور، من المفترض حظر إقامة محال لتربية الحيوانات والدواب والمواشي، سواء كان الهدف من أجل البيع أو لأغراض أخرى، باستثناء الأماكن أو الأسواق المخصصة لذلك، أو الحصول على ترخيص مسبق.

وتبعاً للمصدر ذاته، يحظر استعمال الدواب والبهائم، مثل البغال والحمير والخيل لنقل البضائع والأشخاص، أو استعمالها وسيلة للبيع بالتجوال بها حاملة المواد الغذائية أو غيرها، أو جر العربات داخل المجال الحضري للمدينة.

يحتج سكان هذه المدن الكبرى على مظاهر البداوة التي تنتشر في أحيائهم وأزقتهم وشوارعهم. يقول عبدالسلام أحد ساكني الدار البيضاء، إن هذه المدينة عاصمة المتناقضات بامتياز، إذ يسهل أن ترى عربة مهترئة يجرها حمار جنباً إلى جنب مع "سيارة فيراري" مثلاً في أهم شوارع المدنية. وأردف أن "هذه المظاهر وغيرها كثيراً ما تؤدي إلى تذمر السكان واحتجاجهم على هذا الخلط بين مظاهر قروية وأخرى حضرية لمدينة يراد لها أن تكون أضخم مدينة اقتصادية ومالية في البلاد، وهو ما لا يمكن استساغته تماماً"، وفق تعبيره.

بدورها قالت زكية بوعلام، إحدى قاطنات عمارة سكنية في قلب مدينة سلا، إن "السكان كثيراً ما يحتجون على انتشار سلوكات ومظاهر تشبه ما يحصل في البوادي من فوضى وصراخ الباعة وتجول الدواب والكلاب بكل حرية، مما يؤدي إلى مشكلات النظافة والأمن في هذه الأحياء الحضرية ويستدعي تدخل السلطات بحزم وقوة".

سلوكات البداوة

يعلق الباحث في سوسيولوجيا المدينة محمد شقير على الموضوع بقوله إن الهجرة القروية صوب المدن الكبرى، بخاصة إلى الدار البيضاء، أفضت إلى انتشار سلوكات قروية تتمثل بالأساس في التنقل من خلال العربات المجرورة بالدواب عبر الشوارع إلى جانب السيارات العصرية بصورة تذكر بتنقل القرويين إلى الأسواق الأسبوعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسجل شقير أيضاً بروز ظاهرة استخدام مكبرات الصوت من طرف بائعي الخضر والفاكهة، كما يحدث في الأسواق القروية الأسبوعية"، مبرزاً أن احتلال الباعة المتجولين المتحدرين في معظمهم من القرى والبوادي، للأزقة وجنبات الشوارع يعكس هذا التحول من زراعة وفلاحة الأرض في القرى، إلى بيع المنتجات الفلاحية في شوارع المدن، مع ما يشكل ذلك من عرقلة السير والجولان.

والتقط المتحدث مظهراً آخر من مظاهر البداوة داخل المدن، وهو التبول العلني في الشوارع الذي يعكس، وفقه، نقل سلوك عادي في خلاء القرى إلى سلوك يعد منافياً لفضاء حضري يقتضي الحفاظ على النظافة العامة واحترام الحياء العام".

وزاد شقير بأن التحدث بصوت عال أو استخدام مكبرات الصوت في الأعراس وحتى المآتم يعكس بدوره سلوك البدو والقرويين في التحدث لبعضهم بعضاً، ونقل هذا السلوك إلى مجال من المفروض أن تحترم فيه الخصوصية الفردية وحق عدم إزعاج الآخرين".

ضعف الاندماج الاجتماعي

من جهته يرى زهير البحيري المتخصص في علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بأغادير إن انتشار مظاهر البداوة في الحواضر المغربية يرتبط بسياق وسيرورة إنتاج المجال الحضري بالمغرب، والذي لم يكن نتيجة تحول طبيعي في بنياته الاقتصادية والصناعية والثقافية، وإنما ارتبط أساساً بمحددات تاريخية تتعلق بالاستعمار ودخول الرأسمالية كنمط جديد للإنتاج والتنظيم.

 

 

يشرح البحيري، "بعد أن كان التحضر يخضع لدينامية داخلية تتعلق بالمدن داخل الأسوار أو ما يعرف بالمدن العتيقة بأصالة بنائها المادي وتراثها الاجتماعي، فإنه شهد بعد ذلك تحضراً سريعاً موجهاً بفعل اتصاله بالغرب، وهو ما شكل بدوره باعثاً ومحركاً للتغيرات الأخرى، الاقتصادية والسياسية والديموغرافية والمجالية، للمجتمع المغربي. واستطرد أن تزايد معدلات الهجرة القروية نحو الحواضر أدى إلى ارتفاع معدل السكان الحضريين بالمغرب، لكن البنيات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمدن لم تكن قادرة على استيعاب هؤلاء السكان الجدد وتمكينهم من اكتساب الثقافة الحضرية، سواء ببعدها المورفولوجي المادي أو بنائها الاجتماعي والثقافي الرمزي".

ولاحظ البحيري أن المهاجر لا يمارس "فعله الهجري" وهو صفحة بيضاء، وإنما يهاجر وهو حامل لثقافة اكتسبها خلال سيرورة تنشئته الاجتماعية، بالتالي ما يستبطنه من قيم ومعايير هي التي تحدد التزاماته الاجتماعية وتؤثر في سلوكاته وتحدد استجاباته المختلفة. وعزا استمرار مظاهر البداوة في المدن المعاصرة اليوم إلى ضعف الاندماج الاجتماعي، إذ إن المواطن، الذي لا يسهم في إنتاج الثروة الحضرية ولا يستفيد مما توفره المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية، يبحث عن نماذج ذاتية لاندماجه الاقتصادي، وهو الشيء الذي يظهر في انتشار أنشطة القطاع غير المنظم والعربات المجرورة وغيرها من مظاهر البداوة.

وأردف البحيري ملمحاً آخر يفسر مظاهر البداوة، وهو صعوبة إقامة الفصل اللازم بين العام والخاص داخل الفضاء العمومي، مما يفسر مثلاً طريقة رمي النفايات، والسير الطرقي، وعلاقات الجوار، واحترام الأسبقية في الاستفادة من خدمات المؤسسات العمومية، وغير ذلك.

المزيد من العالم العربي