Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما المنتظر من زيارة أردوغان للعراق؟

هي الأولى منذ 12 عاماً وتعد بمثابة نقطة تحول بالنسبة إلى بغداد التي تريد أن تبدد الهواجس الأمنية

صورة من الأرشيف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مارس 2023 (أ ف ب)

ملخص

سيتوجه أردوغان بعدها إلى أربيل وستتم أيضاً مناقشة قضايا الخلاف بين البنك الكردستاني والحكومة العراقية

للمرة الأولى منذ 12 عاماً، يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العاصمة العراقية بغداد الإثنين 22 أبريل (نيسان)، تليها زيارة لعاصمة إقليم كردستان العراق أربيل.

وهذه الزيارة كانت مقررة بالفعل العام الماضي، لكنها تأجلت بسبب عدم تمكن الطرفين من حل المشكلات العالقة بينهما، لكن لزيارة أردوغان معنى خاصاً بالنسبة إلى العراق الذي يبحث عن مخرج مما هو فيه، ويخوض عملية إعادة الإعمار. ومن المقرر أن يستقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أردوغان، ويذكر أن السوداني سيستقبل أردوغان فور عودته من الولايات المتحدة الأميركية.

طريق جديد

العراق الذي لا يريد أن يبقى اسمه مرتبطاً بالحرب والصراع والإرهاب والفتنة الطائفية وعدم الاستقرار والفوضى، يبحث اليوم عن طريق جديد لنفسه، ويسجل محمد شياع السوداني الذي تابع موجة التغيير التي بدأها سلفه مصطفى الكاظمي، نقطة إيجابية فاقت التوقعات، إذ يسير بخطوات ثابتة ليحقق هدفه بأن يصبح رئيس وزراء العراق الأكثر فاعلية بعد نوري المالكي.

إلى اليوم لا يزال يُنظر إلى المالكي الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترتين وحقق استقراراً جزئياً في البلاد، على أنه رئيس الحكومة الأكثر فاعلية في العراق، وكان المالكي كذلك الزعيم الذي أقام أفضل علاقات مع الأكراد، باستثناء الفترة التي سبقت نهاية ولايته الثانية.

وزيارة أردوغان تعد بمثابة نقطة تحول بالنسبة إلى العراق الذي يريد أن يخطو خطوات كبيرة نحو التنمية والتقدم، إذ إن العراق المتعطش إلى الاستقرار والأمن والسلام منذ عقود، يبحث عن سبيل للخلاص، وخلال الأعوام الستة أو السبعة الماضية التي شهدت مواجهات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، عمل العراق على تطوير علاقاته مع العالم الغربي، وكانت تركيا البوابة الأهم في علاقة بغداد مع الغرب، وإذا تحقق المشروع الضخم الذي يحمل اسم "طريق التنمية"، يكون العراق قد خطا خطوة كبيرة نحو التنمية الحقيقية. إذاً المعادلة هي أن العراق يبحث عن مخرج جديد وتركيا تمر بفترة اقتصادية صعبة.

السوق العالمية

ويريد العراق إيصال نفطه إلى السوق العالمية بسهولة أكبر وتعزيز اندماجه مع العالم والقضاء على المفاهيم السلبية عنه، والصورة النمطية المعروفة عنه، وتركيا في المقابل تحتاج أيضاً إلى موارد طاقة وطرق تجارة لتسهيل اقتصادها. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نرى أن توازن الطلب والعرض بين الجانبين قد تحقق، لكن هناك مشكلة مهمة جداً وهي أن أولويات تركيا في العراق وتوقعات العراق من تركيا مختلفة تماماً، والفجوة بينهما كبيرة جداً.

أولاً وقبل كل شيء، تركيا ترى أن العراق "ساحة لمكافحة الإرهاب" وتتعامل مع القضية من منظور أمني، بينما العراق في مكان مختلف تماماً، أما بغداد فترى أن القضية خارج نطاق العسكر والإرهاب والأمن والصراعات تماماً، وفي الوقت نفسه لا تتجاهل حساسية تركيا تجاه الملف الأمني، لكن أولوياتها تختلف كثيراً عن أجندة أنقرة، وبالنتيجة فإن الفرق بين تركيا والعراق هو أن بغداد تريد أن تنفتح على العالم وأن تظهر بوجهها الجديد من خلال مشروع "طريق التنمية"، فتريد نشر صورة مفادها بأن العراق أصبح الآن بلداً آمناً ومستقراً وخالياً من الإرهاب، ولهذا السبب يشعر السوداني بضرورة التأكيد باستمرار في تصريحاته على عدم وجود خطر لتنظيم "داعش".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحية أخرى، تستعد تركيا لتنفيذ عملية عسكرية برية يقوم بها الجيش التركي شمال العراق خلال أشهر الصيف المقبل، ما من شأنه أن يبقي الصورة النمطية عن العراق بأنه بلد "الإرهاب والصراعات والفوضى وانعدام الأمن". والسؤال هنا كيف يمكن لمشروع "طريق التنمية" أن يتقدم في وقت تنفذ تركيا عمليات عسكرية في العراق؟!.

عملية تركية من هذا النوع تغذي الصورة التي تقول إن العراق بلد صراعات، وهذه الأسباب التي ذكرناها كلها هي وراء تأجيل زيارة أردوغان أكثر من مرة إلى بغداد. ويمكنني القول إن هذه ليست مشكلة بسيطة يمكن التغلب عليها بسهولة، بل ربما تتحول إلى أزمة حقيقية في أي وقت.

التنمية والاقتصاد

ولفهم القضية بصورة أوضح دعونا نلقي نظرة على الأشخاص الذين التقاهم السوداني والرسائل التي أرسلها خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، حيث التقى الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ووزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس والمديرين التنفيذيين لشركة "لوكهيد مارتن"، وهي الشركة التي تنتج طائرات "إف-16"، والتقى كذلك رئيس بنك "جي بي مورغان" دانييل زيليكو والوفد المرافق له، وغيرهم من كبار المسؤولين الأميركيين. فهو أراد من هذه اللقاءات توجيه رسائل عدة مفادها بأنه "يجب خفض التوترات ووقف الأعمال الانتقامية، فالمنطقة لا تستطيع التعامل مع هذه الأحداث أكثر وأن هناك حاجة إلى إجراءات عاجلة وعملية تمنع تحويل العراق إلى منطقة صراع جديدة، خصوصاً أن تنظيم داعش لم يعُد يشكل تهديداً".

في غالبية اللقاءات التي عقدها رئيس الوزراء العراقي مع الإدارة الأميركية، كانت القضايا البارزة هي قضايا التنمية والاقتصاد والاستثمارات والطاقة وتعزيز خدمات البنية التحتية والحفاظ على الاستقرار. ووجه السوداني رسالة إلى الشركات الأميركية، خصوصاً العاملة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والصناعة والبناء والزراعة، بأن تستثمر في العراق وتدعم تنميته.

والتقى السوداني أيضاً السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المعروف بدعمه لإسرائيل وموقفه المتشدد تجاه إيران. فعلى ما يبدو الأولوية بالنسبة إليه تنمية البلاد ودخولها في مسار جديد، فهل من الممكن أن يقترب أردوغان من "أجندة الإرهاب" وأولوية "الحرب والصراع" عندما يذهب إلى بغداد؟.

كما أسلفنا، فإن السبب وراء تأجيل أردوغان زيارته إلى العراق كان على اختلاف أجندة البلدين وأولوياتهما، وبعبارة أخرى لا توجد هناك ملفات كثيرة يمكن للطرفين الاتفاق عليها لأن العناوين الرئيسة هي قضايا إشكالية ومثيرة للجدل إلى حد كبير، لكن ربما تكون تركيا في هذه المرحلة تتخذ خطوات تتعامل فيها مع الأجندة العراقية.

"قمة أمنية"

منتصف الشهر الماضي، استضافت بغداد "قمة أمنية" شارك فيها كبار المسؤولين العراقيين، وحضرها كل من وزير الدفاع التركي يشار غولر ووزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات العامة إبراهيم كالن، لكن هذه القمة لم تخرج بالنتائج المأمولة، إذ حاولت تركيا جاهدة إضافة أجندتها "الأمنية" إلى القضايا ذات الأولوية لدى العراقيين، لكن القضايا الرئيسة التي لا يمكن لبغداد أن تقبلها أبداً في الوقت الحالي هي الصراع الساخن والحرب والعمليات التي ستضر بالاستقرار. ومن هذا المنظور، من المحتمل جداً أن نشهد ظهور قضايا مثل الاقتصاد والاستثمار والسياحة والتنمية وتوسيع حجم التجارة إلى الواجهة في محادثات أردوغان مع المسؤولين العراقيين.

أردوغان قال إنه سيتوجه بعد بغداد إلى أربيل وستتم أيضاً مناقشة قضايا الخلاف بين البنك الكردستاني والحكومة العراقية، وأعتقد بأن هذه مسألة مهمة، فبعد فترة طويلة من الانقطاع، يضع أردوغان المشكلات التي يعانيها الأكراد في العراق على جدول أعماله ويمارس الدبلوماسية لهذا الغرض.

وهذا يبين لنا أن تركيا قد لا تركز على "السياسات ذات التوجه الأمني" بقدر ما كانت عليه خلال الأعوام الأخيرة، وأن هناك احتمالاً قوياً بإمكان تحقيق زخم إيجابي في العلاقات مع أربيل.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذه المقالة تخص المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير