Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا انطفأ بريق التأشيرة الذهبية في أوروبا؟

إسبانيا أحدث دولة أوروبية تنهي برنامجها الذي جلب مليارات اليورو من الأجانب الساعين إلى الإقامة بعدما فاقم أزمة السكن للمواطنين

جمعت اليونان 4.5 مليار دولار من هذه التأشيرات في الفترة بين عامي 2021 إلى 2023 فقط (أ ف ب)

ملخص

عرضت ست دول في منطقة اليورو التأشيرات في ذروة أزمة الديون الأوروبية للمساعدة في سد العجز المتزايد في الموازنة

عندما بدأت الطبيبة الشابة آنا خيمينا باربا العمل في أحد مستشفيات مدريد العام الماضي، انتقلت للعيش مع والديها على بعد نصف ساعة خارج المدينة، حتى تتمكن من توفير ما يكفي لشراء منزل خاص بها، ولكن عندما بدأت تفحص المنازل في القرية نفسها، كانت الأسعار تزيد تقريباً على 500 ألف يورو (532.8 ألف دولار) أي ما يزيد بأكثر من 20 مرة من متوسط الراتب السنوي في إسبانيا، لكنه يتوافق مع كلفة "التأشيرة الذهبية" للبلاد، وهو برنامج يوفر الإقامة للأجانب الأثرياء الذين يشترون العقارات هناك، وخلال عقد من الزمن، نجح البرنامج في جمع استثمارات بمليارات اليورو، لكنه ساعد أيضاً في تأجيج أزمة الإسكان المؤلمة لمواطنيه.

وقالت باربا، اختصاصية الحساسية التي كانت تعمل 100 ساعة إضافية كل شهر، لصحيفة "نيويورك تايمز"، "لا أستطيع التحمل، تضخيم الأجانب بتضخيم للأسعار هو ظلم لنا".

وفي مواجهة الضغوط المتزايدة لمعالجة أزمة الإسكان، قالت إسبانيا هذا الشهر إنها ستلغي تأشيراتها الذهبية، وهي الأحدث في انسحاب أوسع من البرنامج من الحكومات في جميع أنحاء أوروبا.

تأشيرات ذهبية لسداد عجز الديون

عرضت ست دول في منطقة اليورو التأشيرات في ذروة أزمة الديون الأوروبية في عام 2012 للمساعدة في سد العجز المتزايد في الموازنة، والبلدان التي كانت تحتاج إلى عمليات إنقاذ دولية ومن بينها إسبانيا وإيرلندا والبرتغال واليونان، هي في حاجة ماسة إلى الأموال النقدية لسداد الدائنين، ورأت طريقاً لجذب المستثمرين مع إحياء أسواق العقارات المحتضرة لديها.

وحصدت البلدان مكاسب غير متوقعة، إذ أصدرت إسبانيا وحدها 14.576 ألف تأشيرة مرتبطة بالمشترين الأثرياء الذين يقومون باستثمارات عقارية تزيد قيمتها على 500 ألف يورو (532.8 ألف دولار) لكن الأسعار التي يمكنهم تحملها تضغط على أشخاص مثل باربا للخروج من السوق العقارية التي كانت بالفعل متضخمة للغاية.

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في خطاب ألقاه هذا الشهر عندما أعلن نهاية برنامج التأشيرة الذهبية للبلاد، "إن الوصول إلى السكن يجب أن يكون حقاً بدلاً من أن يكون عملاً مضارباً. تواجه المدن الكبرى أسواقاً شديدة التوتر، ويكاد يكون من المستحيل العثور على سكن لائق لأولئك الذين يعيشون ويعملون ويدفعون الضرائب بالفعل".

وتسهل التأشيرات على الأشخاص خارج الاتحاد الأوروبي شراء حق الإقامة الموقتة، وأحياناً من دون الحاجة إلى العيش في البلاد، وتوافد المستثمرون من الصين وروسيا والشرق الأوسط لشراء العقارات من خلالها.

وفي السنوات الأخيرة، حذا المواطنون البريطانيون حذوهم في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فاستحوذوا على منازل في اليونان والبرتغال وإسبانيا، وانضم إليهم عدد متزايد من الأميركيين الذين يتطلعون إلى الاستمتاع بأسلوب حياة لا يمكنهم تحمله في المدن الأميركية الكبرى.

الحكومات الأوروبية وإصلاح الأضرار

ويجرى حالياً التخلص من برامج التأشيرة الذهبية بشكل تدريجي أو بالإغلاق الكامل في جميع أنحاء أوروبا، إذ تسعى الحكومات إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بسوق الإسكان، وبعد الحرب الروسية في أوكرانيا حث الاتحاد الأوروبي الحكومات على إنهائها، محذراً من أنها يمكن أن تستخدم في غسل الأموال والتهرب الضريبي وحتى الجريمة المنظمة.

وعدلت البرتغال، التي جنت أكثر من 5.8 مليار يورو (6.1 مليار دولار) من الاستثمارات من التأشيرات، برنامجها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لإزالة العقارات كاستثمار للحد من الشراء المضارب وتهدئة سوق الإسكان المحمومة، إذ أدى تدفق الأجانب إلى نزوح آلاف من المواطنين البرتغاليين من ذوي الدخل المنخفض من منازلهم في مدن مثل لشبونة.

وتحاول الحكومة في لشبونة حل مشكلة الإسكان ميسور الكلفة من خلال قواعد جديدة تلزم أصحاب العقارات بتأجير شقق فارغة للعائلات، ووضع حد أقصى للإيجارات، وتحويل بعض العقارات التجارية إلى مساكن.

وأغلقت أيرلندا هي الأخرى برنامجها العام الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى معالجة المخاوف من قيام مواطنين روس بغسل الأموال من خلاله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقوم اليونان، وهي واحدة من آخر الدول في أوروبا التي تقدم تأشيرة ذهبية، برفع عتبة الاستثمار الأجنبي إلى 800 ألف يورو (852.6 ألف دولار) من 500 ألف يورو (532.8 ألف دولار) في منطقة أثينا وفي الجزر الشهيرة بما في ذلك ميكونوس وسانتوريني، واعترف رئيس وزراء البلاد كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالنقص الحاد في المساكن والضغط على أسواق الإيجار، بخاصة حول أثينا، لكنه قال إن الحكومة لا تزال ترغب في جذب المستثمرين، إذ جمعت بلاده 4.3 مليار يورو (4.5 مليار دولار) من هذه التأشيرات في الفترة من عام 2021 إلى عام 2023 فقط.

برامج التأشيرات حفزت التنمية الاقتصادية

وقال تقرير أصدره معهد اقتصاديات العمل في مارس الماضي، إن برامج التأشيرات ساعدت في تحفيز التنمية الاقتصادية في البلدان التي تقدم هذه البرامج. لكن التقرير قال إن الحكومات بحاجة إلى تحقيق "توازن دقيق بين جني الفوائد الاقتصادية والحماية من الأخطار المحتملة"، بما في ذلك غسل الأموال.

ويأتي هذا التراجع في وقت تجتاح فيه أزمة الإسكان الأوسع نطاقاً أوروبا، بعد سنوات شهدت فيها أسواقها العقارية تحولاً عميقاً دفع بشكل متزايد العمال ذوي الدخل المتواضع، بما في ذلك الأطباء والمعلمون وضباط الشرطة.

انتشر الاستطباق (‏هو إحلال الطبقة المتوسطة من المجتمع في المناطق الحضرية بطبقة أرقى منها نتيجة لزيادة القيمة الإيجارية للوحدات السكنية) في جميع أنحاء المدن الأوروبية لعقود من الزمن، ولكن صعود مقدمي خدمات الإيجار على المدى القصير أدى إلى تسريع أزمة القدرة على تحمل الكلفة. وكانت هذه الحال بشكل خاص في البلدان المتضررة من أزمة الديون الأوروبية، إذ اكتشف أصحاب العقارات أن بإمكانهم تحقيق مكاسب أكبر من خلال التأجير للسياح مقارنة بالسكان المحليين الذين تقلصت مواردهم المالية بسبب برامج التقشف.

وزادت برامج التأشيرة الذهبية من حدة التوتر، ففي اليونان، التي منحت الأجانب في البداية تأشيرة إقامة مدتها خمس سنوات إذا استثمروا مبلغ 250 ألف يورو (266.4 ألف دولار)، ارتفعت أسعار عديد من الشقق والمنازل في جميع أنحاء أثينا، وفي الجزر اليونانية المنعشة من الأسعار المنخفضة إلى 250 ألف يورو (266.4 ألف دولار)، وهو أمر بعيد المنال بالنسبة إلى معظم اليونانيين.

وقالت الوكيلة في وكالة "موبيليا العقارية" ومقرها أثينا لورا ماكدويل للصحيفة، إن الإيجارات قصيرة الأجل جعلت الإيجارات غير ميسورة الكلفة في مراكز المدن، وتفاقمت المشكلة عندما حول مستثمرون من عديد البلدان المنازل التي اشتروها من خلال برامج التأشيرة الذهبية إلى إيجارات لقضاء العطلات.

هجمة صينية على شراء العقارات في أوروبا

اجتذب هذا المخطط المواطنين الصينيين على وجه الخصوص، إذ سافر عديد منهم إلى أثينا حاملين حقائب محملة بالنقود، واشترت شركات الاستثمار الصينية مباني في الأحياء ذات الدخل المنخفض والمناطق التي يوجد بها مساكن للطلاب، وجددت الشقق وإعادة بيعها لطالبي التأشيرة، واليوم أصبحت مباني سكنية بأكملها، حتى في المناطق غير المرغوب فيها في أثينا وما حولها، مملوكة إلى حد كبير للأجانب.

وقالت ماكدويل، "إن الأسعار التي ارتفعت بسبب التأشيرات الذهبية لم تنخفض".

وفي إسبانيا، شكل المستثمرون الصينيون ما يقرب من نصف طالبي التأشيرات، يليهم الروس، وقال وزير الثقافة الإسباني إرنست أورتاسون إن أسعار الفائدة المنخفضة التي حددها البنك المركزي الأوروبي أدت إلى تفاقم المشكلة في السنوات الأخيرة من خلال جذب مزيد من المستثمرين العقاريين خارج برنامج التأشيرات.

وتخطط الحكومة الإسبانية لبناء 40 ألف وحدة سكنية اجتماعية للأشخاص ذوي الموارد المحدودة كجزء من خطة أوسع لاستعادة السكن بأسعار معقولة.

لكن من غير المؤكد أن هذا سيساعد أشخاصاً مثل باربا بسرعة، وعلى رغم تعافي إسبانيا من الأزمة المالية، فشلت الأجور في مواكبة النمو في سوق العقارات، إذ يحصل ما يقرب من خمس العمال على الحد الأدنى للأجور البالغ 1134 يورو (1208 دولارات) شهرياً، بينما قفزت الإيجارات في مدريد بنسبة 15 في المئة في عام 2023، وزاد معدل التضخم البالغ 3.2 في المئة من الضغوط.

وكانت باربا تدخر المال على مدى السنوات الثلاث الماضية لدفع دفعة أولى لشراء منزل، واستأجرت غرفة في شقة مشتركة في برشلونة عندما بدأت التدريب كطبيبة حساسية في مستشفى وسط المدينة، لكن دخلها الشهري كان يستهلكه نفقات المعيشة الأساس بما في ذلك الطعام والإيجار والنقل، ولتوفير مزيد انتقلت إلى المستشفى في مدريد وتعيش الآن مع والديها من دون إيجار خارج المدينة، وتعمل لوقت إضافي لزيادة راتبها إلى 1900 يورو (ألفي دولار)، ولكن مع وصول أسعار المنازل حتى في قرية والديها إلى نصف مليون يورو (532.8 ألف دولار) فإنها تشعر باليأس، وتقول "سيستغرق الأمر سنوات لتوفير ما يكفي لإيداع وديعة لشراء منزل. شراء منزل أصبح مجرد حلم".

اقرأ المزيد